عیون الانظار المجلد 4

اشارة

سرشناسه : بهبهانی، محمدعلی، 1352 -

عنوان و نام پدیدآور : عیون الانظار [کتاب]/ محمدعلی بهبهانی.

مشخصات نشر : قم: محمدعلی بهبهانی، 1437ق.= 2016م.= 1395 .

مشخصات ظاهری : 10ج.

شابک : دوره:978-600-04-3019-1 ؛ ج.1 978-600-04-3017-7: ؛ ج.2 978-600-04-3018-4: ؛ ج.3 978-600-04-5819-5 : ؛ ج.4 978-600-04-6758-6 : ؛ ج.5 978-600-04-6759-3 :

یادداشت : عربی.

یادداشت : عنوان روی جلد: عیون الانظار فی علم الاصول.

یادداشت : نمایه .

مندرجات : ج.1. مبادی علم الاصول.- ج.2. مباحث الالفاظ الاول.- ج.3. مباحث الالفاظ الثانی.- ج.4. مباحث العقلیه.

عنوان روی جلد : عیون الانظار فی علم الاصول.

موضوع : اصول فقه شیعه

موضوع : * Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction

رده بندی کنگره : BP159/8/ب857ع9 1395

رده بندی دیویی : 297/312

شماره کتابشناسی ملی : 3846970

عیون الأنظار / الجزء الأول

- المؤلف: محمد علی البهبهانی

- شابک الجزء الأول: 7-3017-04-600-978

- شابک الدورة: 1-3019-04-600-978

- الطبعة الأولی

- سنة النشر: 1436ه- ق – 1394 ه- ش

- السعر: 30000

- عدد النسخ: 1000

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

عُیُونُ الأَنظار

(المجلد الرابع)

المباحث العقلیة (1)

الإجزاء و مقدمة الواجب

ص: 3

ص: 4

الفهرس

البحث الأول: «الإجزاء» / 17

مقدمات / 19

المقدمة الأُولی: موضوع البحث... 19

القول الأول: 19

القول الثانی: 20

المقدمة الثانیة: 22

المطلب الأوّل: ما هو المراد من «علی وجهه» فی عنوان البحث؟. 22

المطلب الثانی: ما المراد من الاقتضاء فی عنوان البحث؟. 27

المطلب الثالث: ما المراد من الإجزاء فی عنوان البحث؟. 32

المقدمة الثالثة: هل الإجزاء من المسائل العقلیة أو اللفظیة؟. 34

النظریة الأُولی: 34

النظریة الثانیة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) .. 35

المقدمة الرابعة: الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرّة و التکرار و مسألة تبعیة القضاء للأداء 36

أما الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرّة و التکرار. 36

أما الفرق بین هذه المسألة و مسألة تبعیة القضاء للأداء. 36

ص: 5

الفصل الأوّل:إنّ الإتیان بالمأمور به هل یقتضی الإجزاء عن أمره؟ / 39

تنبیه: فی جواز الامتثال بعد الامتثال. 44

النظریة الأولی:ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 44

بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره): 46

الطائفة الأُولی: 46

الطائفة الثانیة: 49

النظریة الثانیة: 63

بیان بعض الأساطین (حفظه الله) فی إبطال الامتثال بعد الامتثال و تبدیل الامتثال: 63

الفصل الثانی: هل الإتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری یجزی عن الأمر الواقعی؟ 67

المقام الأوّل: مقام الثبوت... 69

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): 69

أمّا الصورة الأُولی: 70

أمّا الصورة الثانیة: 71

أمّا الصورة الثالثة: 72

أمّا الصورة الرابعة: 73

المقام الثانی: مقام الإثبات... 81

الموضع الأوّل: مقتضی أدلّة الأوامر الاضطراریة. 81

نظریة المحقّق الخراسانی (قدس سره): 81

نظریة أُخری لبعض الأعلام: 84

نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 85

نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) 86

نظریة المحقق النائینی و العراقی (قدس سرهما): 87

التنبیه الأول: صور المسألة فی مقام الإثبات... 91

التنبیه الثانی: إذا کان الاضطرار باختیار المکلّف... 93

المطلب الأوّل: هل تشمله إطلاقات الأوامر الاضطراریة؟ 93

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): 93

ص: 6

المطلب الثانی: هل یستحق العقوبة علیه؟ 94

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): 94

الموضع الثانی: مقتضی الأصل العملی فی المقام. 96

استدلّ علی القول الأوّل بوجهین: 97

الاستدلال علی القول الثانی: 97

تقریر الاشتغال بوجهین: 97

الوجه الأوّل: 97

الوجه الثانی: 99

الاستدلال علی القول الثالث: 101

الفصل الثالث: هل یجزی الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری عن الأمر الواقعی؟ / 105

مقدمة فی ذکر الأقوال: 107

المقام الأوّل: الأُصول العملیة. 113

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): 113

المقام الثانی: الأمارات... 133

المبنی الأول: الطریقیة. 133

أدلّة القول بالإجزاء 133

الدلیل الأوّل: 133

الدلیل الثانی: 135

الدلیل الثالث: 136

الدلیل الرابع: 137

الدلیل الخامس: 138

الدلیل السادس: الإجماع علی القول بالإجزاء. 141

الدلیل السابع: تحقّق سیرة الفقهاء علی الإجزاء 146

الدلیل الثامن: 148

الدلیل التاسع: 149

دلیل عدم الإجزاء (علی القول بالطریقیة) 151

المبنی الثانی: المنجزیة و المعذریة. 153

ص: 7

المبنی الثالث: مسلک جعل الحکم المماثل.. 154

تفصیل المحقق الإصفهانی (قدس سره) بین العبادات و المعاملات: 155

المبنی الرابع: مسلک جعل المؤدّی منزلة الواقع. 159

التفسیر الأول: 159

التفسیر الثانی: 159

الدلیل علی الإجزاء علی التفسیر الثانی: 159

المبنی الخامس: مسلک السببیة. 161

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): 161

بیان أقسام السببیة و تحقیق المسألة: 161

الأُولی: السببیة التی نُسبت إلی الأشاعرة. 162

اتفق الأعلام علی بطلان هذه السببیة لأوجه: 162

الثانیة: السببیة التی نُسبت إلی المعتزلة. 163

الثالثة: المصلحة السلوکیة. 164

البحث الأوّل: فی تصویر المصلحة السلوکیة. 164

البحث الثانی فی الإجزاء بناء علی القول بالمصلحة السلوکیة: 167

استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی عدم الإجزاء: 167

تتمیم: إذا شککنا بین الطریقیة و السببیة. 169

المقام الأوّل: من حیث الإعادة. 169

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) لعدم الإجزاء: 169

المقام الثانی: بالنسبة إلی القضاء. 171

بیان صاحب الکفایة (قدس سره): 171

البحث الثانی: مقدمة الواجب / 173

المقدمة / 175

الأمر الأوّل: هذه المسألة من أی قسم من المباحث؟. 177

القول الأوّل: إنّها من المسائل الکلامیة. 177

القول الثانی: إنّها من المسائل الفقهیة. 178

ص: 8

القول الثالث: إنّها من المبادی الأحکامیة للمسائل الأُصولیة. 180

القول الرابع: إنّ هذه المسألة أُصولیة. 182

الأمر الثانی: ما هو المراد من وجوب المقدّمة؟. 185

الوجه الأوّل: الوجوب العقلی... 185

الوجه الثانی: الوجوب الإرشادی.. 185

الوجه الثالث: الوجوب المجازی.. 185

الوجه الرابع: الوجوب الشرعی الطریقی.. 185

الوجه الخامس: الوجوب النفسی.... 186

الوجه السادس: الوجوب الغیری التبعی.. 186

الأمر الثالث: إنّ النزاع لایختص بالوجوب... 187

الفصل الأوّل: فی ذکر التقسیمات / 189

الأمر الأوّل: فی تقسیمات المقدّمة. 191

التقسیم الأوّل: 193

المقدّمة إمّا داخلیة و إمّا خارجیة و الثانیة قسمان.. 193

الموضع الأوّل: هل یصح إطلاق المقدمة علی الأجزاء الداخلیة؟. 194

الموضع الثانی: هل یوجد المقتضی لاتصافها بالوجوب الغیری بناءً علی صحة إطلاق المقدمة علیها؟ 195

القول الأوّل: عدم وجود الاقتضاء. 195

القول الثانی: وجود الاقتضاء. 195

الموضع الثالث: هل من مانع یمنع عن اتصافها بالوجوب الغیری بناءً علی ثبوت المقتضی؟ 196

القول الأوّل: عدم المانع. 196

القول الثانی: وجود المانع. 196

خاتمة فی ثمرة البحث: 203

الثمرة الأُولی: 203

التحقیق فی هذه الثمرة: 205

بیان بعض الأساطین (حفظه الله) لذلک: 206

ص: 9

الثمرة الثانیة: 206

التقسیم الثانی.. 207

مقدّمة الوجوب و مقدّمة الوجود و مقدّمة الصحّة و مقدّمة العلم. 207

التقسیم الثالث... 211

المقدّمة العقلیة و الشرعیة و العادیّة. 211

التقسیم الرابع. 213

المتقدّم و المقارن و المتأخّر. 213

الأمر الأوّل: الإشکال فی الشرط المتأخر. 214

البیان الأوّل: 214

البیان الثانی: 215

الأمر الثانی: نظریات الأعلام فی حلّ هذه المشکلة. 216

الأُولی: نظریة المحقّق النراقی (قدس سره) 216

الثانیة: نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره) 216

الثالثة: نظریة السید المجدّد الشیرازی (قدس سره) 217

الرابعة: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 220

الصورة الأُولی: شرائط الحکم. 220

التحقیق حول نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): 220

الصورة الثانیة: شرائط المأمور به. 225

الأمر الثانی: فی تقسیم الوجوب إلی المطلق و المشروط.. 231

المقدمة. 233

المطلب الأوّل: تعریف المطلق و المشروط.. 233

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): 234

المطلب الثانی: هل هذا التقسیم من تقسیمات الوجوب أو الواجب؟. 235

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 235

المطلب الثالث: 236

الناحیة الأُولی: 237

القیود المأخوذة فی الأدلّة ترجع إلی الهیأة أو المادة؟. 237

ص: 10

الموضع الأوّل: فی ذکر الأقوال. 237

القول الأوّل: 237

القول الثانی: 237

القول الثالث: 238

الموضع الثانی: فی ذکر الأدلّة. 239

الوجوه التی استدلّوا بها علی عدم إمکان رجوع الشرط إلی الهیأة: 239

الوجه الأوّل: 239

الوجه الثانی لعدم إمکان رجوع الشرط إلی الهیأة: 243

الوجه الثالث: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی «إن قلت». 245

الناحیة الثانیة: 255

إذا تردّد أمر القید بین الرجوع إلی المادّة أو الهیأة فما مقتضی الأصل؟. 255

المقام الأوّل: مقتضی الأصل اللفظی.. 255

الاستدلال الأوّل للشیخ (قدس سره) 255

الدعوی الکبروی: 256

الدعوی الصغروی: 262

الاستدلال الثانی للشیخ (قدس سره): 263

تنبیه. 266

تحقیق المحقق الخوئی (قدس سره) حول معنی الإطلاق والتقیید فی الهیأة والمادّة: 266

المقام الثانی: مقتضی الأصل العملی... 268

الأمر الثالث: فی تقسیمات الواجب... 269

التقسیم الأوّل: الواجب المعلّق و المنجّز. 271

الموضع الأوّل: فی ما أُورد علی صاحب الفصول (قدس سره) 272

الموضع الثانی: فی إمکان الواجب المعلق ثبوتاً 276

فیه قولان: 276

القول الأوّل: استحالة الواجب المعلّق.. 276

الدلیل الأوّل علی الاستحالة: 276

الدلیل الثانی علی الاستحالة: ما ذکره فی الکفایة. 285

الدلیل الثالث علی الاستحالة: ما ذکره المحقق النائینی (قدس سره) 285

ص: 11

القول الثانی: إمکان الواجب المعلق.. 286

الموضع الثالث: ثمرة البحث عن الواجب المعلّق.. 288

المقدّمة: 289

المطلب الأوّل: الامتناع بالاختیار هل ینافی الاختیار؟ 289

المطلب الثانی: 290

المسألة الأُولی: المقدّمات الوجودیة المفوّتة. 291

المقام الأوّل: مقام الثبوت... 291

المقام الثانی: مقام الإثبات... 301

المسألة الثانیة: وجوب التعلّم. 303

الصورة الأُولی: إذا علم المکلف أو اطمأن بالابتلاء. 303

الصورة الثانیة: إذا احتمل الابتلاء. 307

المسألة الثالثة: 313

تنبیه: 314

المطلب الأوّل: هل یجب التعلم علی الصبی غیر البالغ؟ 314

استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی القول الأوّل: 314

المطلب الثانی: وجوب التعلّم نفسی أو غیری أو تهیؤی أو إرشادی أو طریقی؟ 316

الوجه الأوّل: الوجوب النفسی.... 316

الاستدلال علی الوجوب النفسی: 316

الوجه الثانی: الوجوب الغیری.. 318

الاستدلال علی الوجوب الغیری: 318

الوجه الثالث: الوجوب التهیؤی.. 319

الوجه الرابع: الوجوب الإرشادی 319

الاستدلال علی الوجوب الإرشادی: 319

الوجه الخامس: الوجوب الطریقی.. 323

الاستدلال علی الوجوب الطریقی: 323

المطلب الثالث: هل تارک تعلم مسائل الشک و السهو المبتلی بها فاسق؟ 326

التقسیم الثانی: الواجب النفسی و الغیری.. 329

الموضع الأوّل: تعریف الواجب النفسی و الغیری.. 329

الأوّل: تعریف المشهور 329

ص: 12

الثانی: تعریف الشیخ الأنصاری (قدس سره) 330

الثالث: تعریف صاحب الکفایة (قدس سره) 332

الرابع: تعریف المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 335

الخامس: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) 338

السادس: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) 340

الموضع الثانی: إذا شک فی واجب أنّه نفسی أو غیری فما مقتضی الأصل؟. 342

المقام الأوّل: مقتضی الأصل اللفظی.. 342

الأُولی: نظریة الشیخ (قدس سره) 342

الثانیة: نظریة المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره) 343

الثالثة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) 346

الرابعة: نظریة المحقّق الإیروانی (قدس سره) 346

المقام الثانی: مقتضی الأصل العملی... 348

الأُولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 348

الثانیة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) 350

الثالثة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) فی الصورة الرابعة حول الجهات الثلاث... 353

الرابعة: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) حول الجهات الثلاث... 354

التنبیه الأوّل:فی ترتّب الثواب و العقاب علی الواجب النفسی و الغیری.. 359

المطلب الأوّل: فی بیان وجوه ترتّب الثواب و العقاب... 359

المطلب الثانی: إنّ ترتّب الثواب علی امتثال الواجب النفسی هل هو بالاستحقاق أو بالتفضّل؟ 362

القول الأوّل: 362

القول الثانی: 362

تحقیق السید المحقق الخوئی (قدس سره): 362

المطلب الثالث: ترتّب الثواب و العقاب علی الواجب الغیری.. 363

المطلب الرابع: إنّ ثواب امتثال الأمر الغیری هل یکون غیر ثواب امتثال الأمر النفسی؟ 363

القول الأوّل: 363

استدلال القائلین بوحدة الثواب: 363

ص: 13

القول الثانی: تعدد الثواب... 364

استدلال القائلین بتعدّد الثواب: 364

التنبیه الثانی: منشأ عبادیة الطهارات الثلاث... 365

القول الأوّل: منشؤها الأمر الغیری.. 366

القول الثانی: منشؤها الأمر النفسی الاستحبابی.. 367

القول الثالث: منشؤها الأمر النفسی الضمنی.. 371

القول الرابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) 372

القول الخامس: نظریة بعض الأساطین.. 373

القول السادس: 373

التقسیم الثالث: الواجب الأصلی و التبعی.. 375

تفسیر الأصالة و التبعیة بحسب مقام الثبوت: 375

تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره): 376

بیان مناط الغیریة و مناط التبعیة: 376

تفسیر الأصالة و التبعیة بحسب مقام الإثبات: 377

الفصل الثانی: فی تحقیق المسألة / 379

الأمر الأوّل: فی ذکر الأقوال و مناقشتها 381

أما الأقوال فهی خمسة: 381

القول الأوّل: ما عن صاحب المعالم (قدس سره) 381

القول الثانی: ما عن الشیخ الأنصاری (قدس سره) 381

القول الثالث: ما عن صاحب الفصول (قدس سره) 382

القول الرابع: ما عن المشهور. 382

القول الخامس: مختار المحقق صاحب الحاشیة و المحقق النائینی (قدس سرهما) .. 383

و أما مناقشة الأقوال: 384

تنبیه حول تفسیر نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره): 390

أدلّة سبعة علی القول بوجوب المقدّمة الموصلة: 400

الدلیل الأوّل: لصاحب الفصول (قدس سره) 400

الدلیل الثانی: لصاحب الفصول (قدس سره) أیضا 401

ص: 14

الدلیل الثالث: لصاحب الفصول (قدس سره) أیضا 402

الدلیل الرابع علی وجوب خصوص المقدّمة الموصلة: 403

الدلیل الخامس: 405

الدلیل السادس: 407

الدلیل السابع: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) من الحصّة التوأمة. 411

تقریر المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الخامس: 413

الأمر الثانی: 415

مقتضی الأدلة اللفظیة و العقلیة فی مسألة وجوب المقدمة. 415

قد استدلّوا علی القول الأوّل بوجوه نذکر أربعة منها: 420

الوجه الأوّل: 420

تحقیق بعض الأساطین (حفظه الله): 423

الوجه الثانی: 423

الوجه الثالث: 424

الوجه الرابع: 425

الاستدلال علی القول الثانی: 426

الاستدلال علی القول الثالث: 427

الاستدلال علی القول الرابع: 428

الأمر الثالث: 431

مقتضی الأصل العملی... 431

أمّا الأصل فی المسألة الأُصولیة: 431

الأُولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): 431

الثانیة: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) .. 432

أمّا الأصل فی المسألة الفرعیة: 433

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): استصحاب عدم الوجوب أو أصالة البراءة. 433

تذنیب: فی ثمرة البحث عن مقدّمة الواجب / 437

الثمرة الأُولی: 437

ص: 15

الثمرة الثانیة: 438

الثمرة الثالثة: 439

الثمرة الرابعة: 441

الثمرة الخامسة: 443

الثمرة السادسة: 445

خاتمة فی مقدمة المستحب و الحرام و المکروه / 451

أمّا مقدّمة المستحب: 451

أمّا مقدّمة الحرام أو المکروه: 451

النظریة الأُولی: ما اختاره صاحب الکفایة (قدس سره): 451

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 452

الفهارس.. 455

ص: 16

البحث الأول: «الإجزاء»

اشارة

فیه مقدمات و ثلاثة فصول

الفصل الأوّل:إنّ الإتیان بالمأمور به هل یقتضی الإجزاء عن أمره؟

الفصل الثانی: هل الإتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری یجزی عن الأمر الواقعی؟

الفصل الثالث: هل یجزی الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری عن الأمر الواقعی؟

ص: 17

ص: 18

مقدمات

المقدمة الأُولی: موضوع البحث

اشارة

و فیه قولان:

القول الأول:

إنّ عبارة القدماء فی عنوان البحث هو أنّ الأمر بشیء (إذا أُتی به علی وجهه) هل یقتضی الإجزاءأو لا؟((1)) و موضوع البحث حینئذ هو الأمر.

ص: 19


1- فی الذریعة، ج1، ص121 و 122: «فصلٌ فی الأمر هل یقتضی إجزاء الفعل المأمور به؟ إعلم أنّ جمیع الفقهاء یذهبون إلی أنّ إمتثال الفعل المأمور به یقتضی إجزاءه و ذهب قوم إلی أن إجزاءه إنّما یعلم بدلیل، وغیر ممتنع ألّایکون مجزیا و الکلام فی هذا الموضع إنما هو فی مقتضی وضع اللغة وعرفها و أما عرف الشرع فإنّا قد بینّا أنّه قد استقر علی أنّ فعل المأمور به علی الحد الذی تعلق به الأمر یقتضی الإجزاء». و فی عدة الأصول (ط.ج)، ج1، ص212 و 213: «فصل: ذهب الفقهاء بأجمعهم و کثیر من المتکلمین إلی أن الأمر بالشئ یقتضی کونه مجزیا إذا فعل علی الوجه الذی تناوله الأمر و قال کثیر من المتکلمین إنّه لا یدل علی ذلک و لا یمتنع أن لا یکون مجزیا و یحتاج إلی القضاء و الصحیح هو الأول». و فی معارج الأصول (ط.ق)، ص72: «المسألة الثانیة: الأمر یقتضی الإجزاء نعنی بذلک سقوط التعبد عند الإتیان بالمأمور [ به ]». و فی مبادئ الوصول، ص116: «البحث الخامس عشر فی أنّ الأمر یقتضی الإجزاء، الحق ذلک و المراد بالإجزاء خروجه عن عهدة التکلیف بفعل المأمور به علی وجهه». و فی قوانین الأصول ص129: «قانون: الحق أنّ الأمر یقتضی الإجزاء و تحقیق هذا الأصل یقتضی رسم مقدمات». و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص700 و 701: «رابعها أنّهم إختلفوا فی دلالة الأمر علی الإجزاء بفعل المأمور به علی وجهه و عدمها». و فی الفصول الغرویة، ص116: «فصل: إختلفوا فی أنّ الأمر بالشیء هل یقتضی الإجزاء إذا أُتی به المأمور علی وجهه أو لا؟».
القول الثانی:
اشارة

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) عدل عن القول الأول و اختار قولاً آخر و قال (قدس سره): «الإتیان بالمأمور به علی وجهه یقتضی الإجزاء»((1))، فموضوع البحث عنده إتیان المأموربه.

توجیه المحقق الإصفهانی (قدس سره) للقول الثانی:

المحقّق الإصفهانی (قدس سره) وجّهه((2)) بأنّ «الإجزاء من مقتضیات إتیان المأموربه و شؤونه لا من مقتضیات الأمر و لواحقه»، لأنّ الإجزاء و سقوط الأمر متوقّف

ص: 20


1- کفایة الأصول، ص81
2- فی نهایة الدرایة، ج1، ص365 عند التعلیقة علی قوله «الإتیان بالمأمور به علی وجهه یقتضی الإجزاء»: «إنّما عدل (قدس سره) عمّا فی عبارات الأکثرین من أنّ الأمر بشی ء إذا أُتی به علی وجهه یقتضی الإجزاء لأنّ الإجزاء من مقتضیات إتیان المأمور به و شئونه، لا من مقتضیات الأمر و لواحقه بداهةَ أنّ مصلحة المأمور به المقتضیة للأمر إنّما تقوم بالمأتی به، فتوجب سقوط الأمر إمّا نفسا أو بدلا، فاقتضاء سقوط الأمر قائم بالمأتی به لا بالأمر، و مجرّد دخالة الأمر کی یکون المأتی به علی طبق المأمور به لایوجب جعل الأمر موضوعا للبحث، بعد ما عرفت من أنّ الإقتضاء من شئون المأتی به لا الأمر، فجعل الأمر موضوعا و إرجاع الإقتضاء إلیه بلا وجه».

علی حصول مصلحة المأموربه و هذه المصلحة توجد بوجود المأتی به و علی هذا اقتضاء سقوط الأمر قائم بإتیان المأموربه لا بالأمر.

و الحق هو القول الثانی و أن موضوع البحث إتیان المأمور به لأنه المقتضی للإجزاء.

ص: 21

المقدمة الثانیة:

اشارة

و فیها مطالب ثلاثة:((1))

المطلب الأوّل: ما هو المراد من «علی وجهه» فی عنوان البحث؟
اشارة

هنا أقوال ثلاثة:

القول الأول:

و هو مختار صاحب الکفایة((2)) و المحقّق العراقی((3)) (قدس سرهما) و بعض الأساطین((4)).

إنّ المراد هو النهج الذی ینبغی أن یؤتی به علی ذلک النهج شرعاً و عقلاً.

أمّا القیود المعتبرة فی المأموربه شرعاً فیکفی فیها عنوان المأموربه لأنّه مع فقد هذه القیود لایصدق علی المأتی به أنّه هو المأموربه.

و أمّا القیود المعتبرة فی المأموربه عقلاً - مثل قصد القربة علی رأی صاحب

ص: 22


1- إنّ هنا أموراً أربعة تعرّضها صاحب الکفایة (قدس سره) نذکر الثلاثة الأُولی هنا و الرابع فی المقدمة الرابعة.
2- فی کفایة الأصول، ص81: «أحدها: الظاهر أنّ المراد من (وجهه) فی العنوان هو النّهج الذی ینبغی أن یؤتی به علی ذاک النهج شرعا وعقلا، مثل أن یؤتی به بقصد التقرب فی العبادة».
3- فی نهایة الأفکار، ج1، ص222: «نقول: إنّ من العناوین الواقعة فی حیز موضوع البحث کلمة (علی وجهه) و الظاهر أنّ المراد منها کما قرّبه فی الکفایة هو النهج الذی ینبغی أن یؤتی المأمورُ به علی ذلک النهج شرعا و عقلا کقصد الامتثال مثلا».
4- فی تحقیق الأصول، ج2، ص153: «و بما ذکرنا ظهر أنّ تعبیر الکفایة أتقن من تعبیر صاحب المفاتیح -حیث قال: إذا أتی المکلَّف بالمأمور به علی الوجه المعتبر شرعاً- لأنّ من القیود ما لایمکن للشارع اعتباره بل المعتبر له هو العقل ... و الحاصل أنّ ما ذکره المحقق الخراسانی هو الصحیح».

الکفایة (قدس سره) من استحالة أخذه فی المأموربه شرعاً- فهی أیضاً لابدّ من أخذه لأنّ الغرض المترتب علی المأموربه لایتحقّق إلّا مع هذه القیود.((1))

القول الثانی:
اشارة

و هو مختار السید المجاهد الطباطبائی((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) ((3)).

إنّ المراد من هذه الکلمة هو خصوص الکیفیة المعتبرة فی المأموربه شرعاً.

أورد علیه صاحب الکفایة (قدس سره):

أولاً: علی هذا البیان کلمة «علی وجهه» یکون قیداً توضیحیاً حیث إنّه لابدّ من حصول جمیع الأجزاء و الشرائط الشرعیة حتّی یصدق عنوان المأموربه مع أنّ الأصل فی القیود الاحترازیة((4)).

ثانیاً: «إنّه یلزم خروج التعبدیات عن حریم النزاع بناءً علی المختار ... من أنّ قصد القربة من کیفیات الإطاعة عقلاً لا من قیود المأموربه شرعاً.»

ص: 23


1- و فی وسیلة الوصول إلی حقائق الأصول، ج 1، ص238: «الظاهر أنّ المراد بوجهه فی عنوان النزاع هو ما ذکره فی الکفایة». و فی المحاضرات (مباحث أصول الفقه) ج 1، ص191: «الظاهر إنّ المراد من وجهه فی عناوین کلماتهم ما ذکره فی الکفایة و هو النهج الذی ینبغی ان یؤتی به علی ذلک النهج شرعا أو عقلا»
2- فی مفاتیح الأصول، ص125: «إذا أتی المکلّف بالمأمور به علی الوجه المعتبر شرعا بأن یکونَ جامعا لجمیع الأجزاء و الشرائط و خالیا عن جمیع الموانع صار ممتثلا و خرج عن التکلیف به و لایجب إعادته لا فی الوقت و لا فی خارجه».
3- المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص30و (ط.ق)، ج2، ص221.
4- فی کفایة الأصول، ص81: «لا خصوص الکیفیة المعتبرة فی المأمور به شرعا، فإنه علیه یکون (علی وجهه) قیدا توضیحیا، و هو بعید».
و أجاب عنه المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1)):

«إنّ ما أفاده (قدس سره) إنّما یقوم علی أساس نظریته (قدس سره) من استحالة أخذ قصد القربة قیداً فی المأموربه شرعاً و إنّما هو قید فیه عقلاً... أمّا بناء علی نظریتنا من إمکان أخذه إبتداء فی المأموربه أو علی نظریة شیخنا الأستاذ [أی المحقّق النائینی (قدس سره) ] من إمکان أخذه بمتمّم الجعل و لو بالأمر الثانی فلامحالة یکون القید توضیحیاً لا تأسیسیاً حیث لایفید وجوده علی هذا أزید من الإتیان بالمأموربه بتمام أجزائه و شرائطه.»

کما أنّه أجاب عنه المحقّق البروجردی (قدس سره)

((2)):

إنّ قید «علی وجهه» مذکور فی کتب القدماء مع أنّ القول باعتبار قصد القربة عقلاً من النظریات المستحدثة فلابدّ من تفسیره علی رأی القدماء.((3))

ص: 24


1- المحاضرات(ط.ج)، ج2، ص31و(ط.ق)، ج2، ص221.
2- فی نهایة الأصول، ص125: «و فیه أنّ ما ذکرت من عدم إمکان أخذ قصد القربة فی المأمور به کلامٌ حدث من زمن الشیخ الأنصاری (قدس سره) و زیادة قید علی وجهه فی العنوان سابقة علی زمنه، فلیس إزدیاده فی العنوان لشمول مثل القربة و نحوها و لعل إزدیاده فیه إنّما هو لِردّ عبد الجبار قاضی القضاة فی الری من قبل الدیالمة حیث إستشکل علی الإجزاء بما إذا صلّی مع الطهارة المستصحبة ثم إنکشف کونه محدثا فإنّ صلاته باطلة غیر مجزیة مع إمتثاله الأمر إستصحابی و وجه رده بذلک أنّ المأمور به فی هذا المثال لم یؤتَ به علی وجهه من جهة أنّ الطهارة الحدثیة بوجودها الواقعی شرط».
3- فی جواهر الأصول، ج 2، ص287 فی التعلیقة: «قلت: قد سبق الأستاذ (قدس سره) سماحة أستاذنا الأعظم البروجردی (قدس سره) إلی قدمة إعتبار قید "علی وجهه" فی عنوان المسألة، و قال علی ما فی تقریر بحثه: و لعلّ إزدیاده إنّما هو لرد عبد الجبار قاضی القضاة فی الری من قِبَل الدیالمة، حیث إستشکل علی الإجزاء بما إذا صلی مع الطهارة المستصحبة ثم إنکشف کونه محدثا، بأنّ صلاته باطلة غیر مجزیة مع امتثال الأمر الاستصحابی و وجه رده بذلک: أنّ المأمور به فی المفروض لم یؤتَ به علی وجهه من جهة أنّ الطهارة الحدثیة بوجودها الواقعی شرط. قلت: و الإنصاف أنّ إشکال العلمین- دام ظلهما- غیر وارد علی المحقق الخراسانی قدس سره، و ما أفاداه مناقشة فی المثال».
مناقشة بعض الأساطین فی جواب المحقّق البروجردی (قدس سره)

((1)):

إنّ القیود العقلیة لیست منحصرة فی قصد القربة بل قد ذکروا قیوداً عقلیة أخری مثل عدم ابتلاء متعلّق الأمر بالمزاحم و مثل الفوریة فإنّ أخذها فی متعلّق الأمر عند بعض الأصولیین بحکم العقل.

القول الثالث:
اشارة

((2)):

إنّ المراد من «علی وجهه» هو الوجه المعتبر عند بعض الأصحاب((3)) أی قصد الوجوب فی الواجبات و قصد الاستحباب فی المستحبات.

ص: 25


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص153: «و لایرد علیه ما ذکره السید البروجردی ... و ذلک لأنّ قصد الأمر هو واحد من القیود التی لم یمکن للشارع أخذها، فکان المعتبر لها هو العقل، کما أشرنا إلی ذلک، فالمعتبرات العقلیة متعدّدة کعدم إبتلاء متعلَّق الأمر بالمزاحم کما ذکر بعضهم و کالفوریة حیث قیل بأنّها معتبرة بحکم العقل فی المتعلَّق إلی غیر ذلک فما ذکره (رحمة الله) فی الإشکال علی صاحب الکفایة غیر وارد».
2- فی مطارح الأنظار(ط.ج)، ج1، ص113و(ط.ق)، ص19: «و قد یتوهم أنّ المراد به هو وجه الأمر الموجود فی ألسنة المتکلمین من نیة الوجوب أو الندب و یزیفه دخول کلمة علی علیه إذا المناسب علی ذلک التقدیر هو دخول اللام».
3- . فی جامع المقاصد، ج1، ص200 - 201: «إختلف فی نیة الوضوء علی أقوال: فقیل بالإکتفاء بالقربة و هو قول الشیخ فی النهایة و قیل بالإکتفاء برفع الحدث أو إستباحة فعل مشروط بالطهارة – و هو قوله فی المبسوط و الظاهر أنّه یرید به مع القربة و قیل بإعتبار الإستباحة و ینسب إلی المرتضی و قیل بالقربة و الوجوب أو الندب و هو مذهب صاحب المعتبر فی الشرائع و قیل بهما مع الرفع و الإستباحة معا و هو مذهب أبی الصلاح و جماعة و قیل بالقربة و الوجه من الوجوب و الندب أو وجههما و أحد الأمرین من الرفع و الإستباحة و هو إختیار المصنف و جمع من الأصحاب و هو الأصح» فالأقوال الثلاثة الأخیرة مشترکة فی إعتبار قصد الوجه». و فی شرح اللمعة، ج1، ص428 فی بحث الصلاة علی المیت: «و فی إعتبار نیة الوجه من وجوب و ندب - کغیرها من العبادات - قولان للمصنف فی الذکری». و فی شرح اللمعة، ج1، ص705 فی بحث سجدتی السهو: «و إختلف أیضا إختیاره فی إعتبار نیة الأداء أو القضاء فیهما و فی الوجه و إعتبارهما أولی». و فی کفایة الأحکام، ج1، ص90 فی کتاب الصلاة: «و المشهور بینهم وجوب نیة الوجه و ظاهر التذکرة إتّفاق الأصحاب علیه و هو غیر بعید». و فی کتاب الصلاة للشیخ الأنصاری، ج1، ص268: یجب أیضا قصد (الوجه) الذی وقع علیه العبادة من الوجوب و الندب (و) لا یکفی قصد (التقرب) بها بل عن التذکرة الإجماع علیه» إلخ. و فی فرائد الأصول، ج1، ص74: «و إطلاقهم إعتبار نیة الوجه» و فی ص75: «إلّا أنّ شبهة إعتبار نیة الوجه - کما هو قول جماعة بل المشهور بین المتأخرین - جعل الإحتیاط فی خلاف ذلک». و فی جواهر الکلام، ج2، ص81 – 82 فی بحث الوضوء: «(و کیفیتها أن ینوی الوجوب) فی الواجب (أو الندب) فی المندوب کما هو خیرة المنتهی و الإرشاد و التحریر و الشهید فی اللمعة و الألفیة و هو المنقول عن الغنیة و المهذب و الکافی و ربما نقل عن الراوندی و ابن حمزة و نسب إلی الأکثر فی بعض حواشی الألفیة و فی آخر أنّه المفتی به و عن کتب أهل الکلام من مذهب العدلیة أنّه یشترط فی إستحقاق الثواب علی واجب أن یوقعه لوجوبه أو وجه وجوبه و لعله لذا قال فی القواعد " إنّه یجب أن یوقعه لوجوبه أو وجه وجوبه علی رأی " کما هو ظاهر اختیار السرائر والتذکرة وجامع المقاصد و فسر الوجه بأنه اللطف عند أکثر العدلیة و أنّه ترک المفسدة اللازمة من الترک عند بعض المعتزلة والشکر عند الکعبی ومجرد الأمر عند الأشعریة وعن الروضة دعوی الشهرة علی وجوب نیة الوجوب فی الصلاة بل فی ظاهر التذکرة الاجماع علیه هناک و لعله یفرق بین الصلاة و بین ما نحن فیه کما ستسمعه إن شاء الله تعالی ... و علی کل حال فأقصی ما یمکن أن یستدل به لهم أنّ الأمتثال بالمأمور به لا یتحقق إلّا بالإتیان به علی وجهه المطلوب و هذا لایحصل إلا بالإتیان بالواجب واجبا و الندب ندبا و بأنّ الوضوء یقع تارة علی وجه الوجوب وأخری علی الندب و لما کان الفعل قابلا لأن یقعَ لکل منهما کان تخصیصه بأحدهما محتاجا إلی نیة لأنّ قصد جنس الفعل لایستلزم وجوهه ... و لایخفی علیک ما فی الجمیع» إلخ.
أورد علیه صاحب الکفایة (قدس سره):

أوّلاً: إنّه غیر معتبر عند معظم الأصحاب.

ثانیاً: إنّ من اعتبره لم یعتبره إلّا فی خصوص العبادات لا مطلق الواجبات.

ص: 26

ثالثاً: إنّ الخصوصیات المعتبرة فی الواجبات کثیرة و لا وجه لاختصاص قصد الوجه بالذکر((1)).

و الحاصل أن الحق هو القول الثانی و أنّ المراد من «وجهه» فی عنوان البحث هو النهج الذی ینبغی أن یؤتی به علی ذلک النهج شرعاً و عقلاً و إن لم یکن قصد القربة فی العبادیات معتبرا عقلا فلا بأس لأن القیود العقلیة لیست منحصرة فیه.

المطلب الثانی: ما المراد من الاقتضاء فی عنوان البحث؟
اشارة

إنّ الاقتضاء قد یکون بمعنی الکشف و الدلالة و قد یکون بمعنی العلّیة و التأثیر.

فهنا قولان:

القول الأول:

الاقتضاءُ - بناء علی مسلک القدماء فی عنوان البحث من أنّ الأمر یقتضی الإجزاء أو لا؟ - یکون بمعنی الکشف و الدلالة حیث إنّ حیثیة الأمر حیثیة الکاشفیة و الدلالة. ((2))

ص: 27


1- فی کفایة الأصول، ص81: «و لا الوجه المعتبر عند بعض الأصحاب فإنّه - مع عدم اعتباره عند المعظم، وعدم اعتباره عند من اعتبره، إلا فی خصوص العبادات لا مطلق الواجبات - لا وجه لاختصاصه بالذکر علی تقدیر الاعتبار».
2- فی وسیلة الوصول إلی حقائق الأصول، ص238 و 239: «لا یخفی أنّ العمدة فی عقد البحث فی تلک المسألة هو إقتضاء الأمر الظاهری عن الأمر الواقعی الذی هو باب واسع یجری فی العبادات و المعاملات بل فی تبدل الرأی و الإجتهاد و التقلید و الأمر الإضطراری عن الأمر الواقعی الأولی الذی هو أیضا باب واسع یجری فی العبادات کالوضوء مع الجبیرة أو التقیة و أمثالهما، و فی المعاملات کالعقد بالإشارة للأخرس و نحوه . و العمدة فی محل البحث و هو الأمر الظاهری و الإضطراری هی دلالة دلیلهما، و أنّ أدلة الأوامر الظاهریة أی الأمارات و الأصول کصدق العادل و لاتنقض الیقین بالشک هل تدل علی الأمر بالعمل بهما علی وجه الطریقیة و الکاشفیة و المعذریة حتی لاتقتضی الإجزاء عند إنکشاف الخلاف و تخلفها عن الواقع و عدم إصابتها الواقع، أو علی وجه السببیة و الموضوعیة و جعل البدل حتی تقتضی الإجزاء؟ و أن أدلة الأوامر الإضطراریة هل تدل علی البدلیة المطلقة حتی تقتضی الإجزاء، أو البدلیة ما دام العذر حتی لاتقتضی الإجزاء؟ فعلی هذا المراد من الإقتضاء فی محل النزاع هو الإقتضاء بنحو الکشف و الدلالة لا بنحو السببیة و العلیة».
القول الثانی:
اشارة

الاقتضاء یکون بمعنی العلّیة و التأثیر بناء علی ما أفاده صاحب الکفایة((1)) و المحقّق الإصفهانی((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سره) ((3)) لأنّ إتیان المأمور به و حصول الغرض موجب لسقوط الأمر لأنّ أمد الأمر ینتهی بحصول الغرض فإذا حصل الغرض سقط الأمر بانتهاء أمده.

ص: 28


1- فی کفایة الأصول، ص81: «ثانیها الظاهر أنّ المراد من الإقتضاء ههنا الإقتضاء بنحو العلیة و التأثیر، لا بنحو الکشف و الدلالة، و لذا نسب إلی الإتیان لا إلی الطبیعة».
2- فی نهایة الدرایة، ج1، ص367 و 368 عند التعلیقة علی قوله «الظاهر أنّ المراد من الإقتضاء»: «ینبغی أن یراد من الإقتضاء ما هو المبحوث عنه فی المقام لا ما هو المذکور فی العنوان فإنّ الإقتضاء المنسوب إلی الاتیان لا یکاد یراد منه غیر العلیة و التأثیر کما أنّ المنسوب إلی الأمر فی کلمات الأکثر لا یکاد یراد منه غیر الکشف و الدلالة فما ینبغی التکلم هنا هو أنّ الإقتضاء الذی یناسب البحث عنه فی هذه المسألة هو الإقتضاء الثبوتی دون الاثباتی کما فی العنوان، و لذا نسب إلی الإتیان و علیه یحمل العبارة».
3- فی المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص31-32 و (ط.ق)، ج2، ص221 و 222: «الثالث: ما هو المراد من الإقتضاء؟ ذکر المحقق صاحب الکفایة (قدس سره) ما هذا لفظه ... ما أفاده (قدس سره) متین جداً و السبب فی ذلک واضح و هو أنّ غرض المولی متعلق بإتیان المأمور به بکافّة أجزائه و شرائطه فإذا أتی المکلف بالمأمور به کذلک حصل الغرض منه لا محالة و سقط الأمر، ضرورة أنّه لا یعقل بقائه مع حصوله، کیف حیث إنّ أمده بحصوله فإذا حصل إنتهی الأمر بانتهاء أمده و إلّا لزم الخلف أو عدم إمکان الإمتثال أبداً، و هذا هو المراد من الإقتضاء فی عنوان المسألة لا العلة فی الأمور التکوینیة الخارجیة کما هو واضح».

و قال المحقق الإصفهانی (قدس سره):((1))«إن أُرید من الإجزاء إسقاط التعبّد به رأساً ثانیاً أو إسقاط الإعادة و القضاء فالتعبیر بالاقتضاء و تفسیره بالعلّیة و التأثیر مسامحة فی التعبیر و التفسیر لأنّ سقوط الأمر یکون بملاحظة سقوط غرضه و المعلول ینعدم بانعدام علّته فلا اقتضاء و لا علّیة فی البین بل هنا انتفاء العلّیة و الاقتضاء.

و أما إذا أُرید من الإجزاء کفایة المأتی به عن المأموربه فالإجزاء بهذا المعنی لازم اشتمال المأتی به علی المأموربه بحدوده و قیوده و علی مصلحة الواقع عیناً أو بدلاً، فاقتضاء المأتی به للإجزاء بهذا الوجه من باب اقتضاء الملزوم للازمه العقلی فلا مسامحة لا فی التعبیر و لا فی التفسیر».

الإشکال الذی نقله فی الکفایة و بنی علیه بعض الأساطین (حفظه الله) نظریته:

الإشکال الذی نقله فی الکفایة (2) و بنی علیه بعض الأساطین (حفظه الله) نظریته:

إنّ بحث الإجزاء عقلی بالنسبة إلی الکبری و هی أنّه هل یجزی الإتیان بالمأموربه عن نفس ذلک الأمر (أی یجزی الإتیان بالمأموربه بالأمر الواقعی عن

ص: 29


1- فی نهایة الدرایة، ج1، ص367: «إنّ التعبیر بالإقتضاء و تفسیره بالعلیة و التأثیر، مسامحة فی التعبیر و التفسیر؛ إذ سقوط الأمر بملاحظة عدم بقاء الغرض علی غرضیته و دعوته، و المعلول ینعدم بانعدام علته، لا أنّ القائم به الغرض علة لسقوط الأمر؛ لأنّ الأمر علة لوجود الفعل فی الخارج، فلو کان الفعل علّة لسقوط الأمر لزم علّیة الشی ء لعدم نفسه، بل سقوط الأمر لتمامیة اقتضائه و انتهاء أمده. فافهم جیداً». و فی الهامش: «قولنا: ثم إنّ التعبیر الخ هذا إذا أرید من الإجزاء إسقاط التعبّد به رأسا ثانیا أو إسقاط الإعادة و القضاء و أما إذا أرید من الإجزاء کفایة المأتی به عن المأمور به ...»
2- . فی کفایة الأصول ص81: «إن قلت: هذا إنّما یکون کذلک بالنسبة إلی أمره و أما بالنسبة إلی أمر آخر کالاتیان بالمأمور به بالأمر الإضطراری أو الظاهری بالنسبة إلی الأمر الواقعی فالنزاع فی الحقیقة فی دلالة دلیلهما علی اعتباره بنحو یفید الإجزاء أو بنحو آخر لایفیده».

الأمر الواقعی و بالمأموربه بالأمر الاضطراری عن الأمر الاضطراری و بالمأموربه بالأمر الظاهری عن الأمر الظاهری) و أمّا بالنسبة إلی البحثین الصغرویین و هما إجزاء الأمر الاضطراری عن الأمر الواقعی و إجزاء الأمر الظاهری عن الأمر الواقعی فالبحث لفظی و یکون الاقتضاء حینئذ بمعنی الکشف و الدلالة لأنّ النزاع فی الحقیقة فی دلالة دلیلهما، و النزاع المهمّ هو فی البحثین الصغرویین.((1))

أجاب عنه صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سره)

إنّ دلیل الأمر الاضطراری و الظاهری إن دلّ علی تنزیل المأمور به الاضطراری و الظاهری منزلة المأمور به الواقعی و بدلیتهما عنه فالإتیان بهما علّة

ص: 30


1- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص154: «کون بحث الإجزاء عقلیاً إنّما هو بالنظر إلی کبری البحث، حیث نقول: هل الإتیان بالمأمور به- بأی أمرٍ- یجزی عن ذلک الأمر أو لا؟ لکن بالنظر إلی صغری البحث فی إجزاء الأمر الظاهری عن الأمر الواقعی، و إجزاء الأمر الإضطراری عن الأمر الإختیاری، فالبحث لفظی، لأنّه یعود إلی حدّ دلالة أدلّة الحکم الظاهری و أدلّة الحکم الإضطراری فما ذهب إلیه صاحب الکفایة من جعل المسألة عقلیة و أّن الإقتضاء بمعنی العلیة، إنّما یتم فی الکبری، لا فی الصغری و لایخفی أنّ المهمّ فی مسألة الإجزاء هو البحث الصغروی فی الموردین، فلا وجه لجعل البحث عنهما تطفلیاً و لعلّه قدّس سرّه إلی هذا الإشکال أشار بقوله: فافهم إذن لابدّ من التفصیل، و علیه یکون الإقتضاء بمعنی العلّیة بالنظر إلی کبری البحث و بمعنی الدلالة بالنظر إلی البحثین الصغرویین». و فی نهایة الأفکار، ج1، ص223: «و من العناوین کلمة الإقتضاء و الظاهر أنّ المراد منها أیضا هو الإقتضاء بنحو العلیة و التأثیر بحسب مقام الثبوت لا الإقتضاء بنحو الکشف و الدلالة بحسب مقام الإثبات، و من ذلک أیضا نسب الإجزاء فی عنوان البحث إلی الإتیان دون مدلول الصیغة. نعم فی الإجزاء بالنسبة إلی المأمور به بالأمر الإضطراری و الظاهری یمکن أن یقال بأنّ الإقتضاء فیهما هو الإقتضاء بنحو الکشف و الدلالة نظرا إلی رجوع جهة البحث حینئذ إلی مدلول الصیغة من جهة الدلالة علی وفاء المأتی به الإضطراری بمصلحة المأمور به الإختیاری».

لسقوط الأمر الواقعی و إلّا فلا فالاقتضاء هنا أیضاً بمعنی العلّیة.((1))

و الحاصل أن الحق - بناء علی کون موضوع البحث إتیان المأمور به الذی مرّ فی المطلب الأول و کون المراد من الإجزاء کفایة المأتی به عن المأمور به الذی یأتی فی المطلب الثالث- إرادة العلیة و التأثیر من المأمور به فی البحث الکبروی و الصغروی معا.

ص: 31


1- فی کفایة الأصول، ص82: «قلت: نعم، لکنه لاینافی کون النزاع فیهما کان فی الإقتضاء بالمعنی المتقدم غایته أنّ العمدة فی سبب الإختلاف فیهما إنّما هو الخلاف فی دلالة دلیلهما هل أّنه علی نحو یستقل العقل بأنّ الإتیان به موجب للإجزاء و یؤثر فیه و عدم دلالته؟ و یکون النزاع فیه صغرویا أیضا بخلافه فی الإجزاء بالإضافة إلی أمره فإنّه لایکون إلّا کبرویا لو کان هناک نزاع کما نقل عن بعض فافهم». فی نهایة الدرایة، ج1، ص368 و 369 عند التعلیقة علی قوله: «غایته أنّ العمدة فی سبب الإختلاف فیهما»: «لایخفی علیک أنّ نتیجة المسألة الأصولیة لابد من أن تکون کلیة فکما لا یکاد یمکن أن تکون نتیجة البحث جزئیة کذلک لایکاد یمکن أن یکون مبنی البحث کذلک لأول الأمر إلی ذلک فابتناء النزاع فی اقتضاء إتیان المأمور به بالأمر الإضطراری مثلا للإجزاء بنحو الکلیة علی دلالة قوله (علیه السلام) "التراب أحد الطهورین" من حیث الإطلاق الملازم للإجزاء و عدمه لایناسب المباحث الأصولیة. نعم القول بالإجزاء مع الاطلاق و عدمه مع عدمه بنحو الکلیة یناسب المسألة الأصولیة کما هو واضح، و علیه فلیس مبنی النزاع صغرویا بل النزاع الصغروی من المبادی التصدیقیة للإطلاق و عدمه المبنی علیهما الإجزاء، و عدمه، مضافا إلی أنّ منشأ الخلاف لو کان الإختلاف فی دلالة دلیل الأمر الإضطراری و الظاهری لکان الأنسب تحریر النزاع فی المنشأ، و تفریع الأجزاء و عدمه علی کیفیة دلالة دلیلهما خصوصا لو لم یکن نزاع حقیقة فی أجزاء المأتی به بالإضافة إلی أمره و لعله أشار قدس سرّه إلی بعض ما ذکرنا بقوله (قدس سره) فافهم». فی المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص32 و (ط.ق)، ج 2، ص222: «إنّ عمدة النزاع فی المسألة إنّما هی فی الصغری یعنی فی دلالة أدلة الأمر الإضطراری أو الظاهری علی ذلک و عدم دلالتها و لکن بعد إثبات الصغری فالمراد من الإقتضاء فیهما هذا المعنی [العلیة و التأثیر] فإذن لا فرق بین اقتضاء الإتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی الإجزاء عن أمره و بین اقتضاء الإتیان بالمأمور به بالأمر الإضطراری أو الظاهری الإجزاء عنه فهما بمعنی واحد و هو ما عرفت».
المطلب الثالث: ما المراد من الإجزاء فی عنوان البحث؟

إنّ المراد من الإجزاء هو معناه اللغوی و هو الکفایة و لم یثبت له معنی اصطلاحی و هو إسقاط التعبد و القضاء بل لازمه إمّا سقوط الإعادة و القضاء أو سقوط القضاء لا الإعادة((1)).

و مثّل المحقّق الخوئی (قدس سره) لسقوط القضاء فقط بمن صلّی فی الثوب المتنجس نسیاناً حیث إنّه إذا تذکّر فی الوقت وجبت الإعادة علیه و إذا تذکّر فی خارج الوقت لم یجب علیه القضاء عند المشهور[بین المتأخّرین]((2)) -و إن کان الأقوی عنده وجوبه.

ص: 32


1- فی کفایة الأصول، ص82: «ثالثها: الظاهر أنّ الإجزاء - ها هنا - بمعناه لغة، و هو الکفایة و إن کان یختلف ما یکفی عنه فإنّ الإتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی یکفی فیسقط به التعبد به ثانیا و بالأمر الإضطراری أو الظاهری الجعلی فیسقط به القضاء لا أنّه یکون ههنا إصطلاحا بمعنی إسقاط التعبد أو القضاء فإنّه بعید جدّا» و راجع أیضا محاضرات فی الأصول، ج2، ص222.
2- و هذا القول منسوب إلی المشهور بین المتأخرین ففی مصابیح الأصول، ج 1، ص258: «و کمن صلی فی النجس نسیانا فإنّه إذا تذکّر فی الوقت وجبت علیه الإعادة و إذا تذکر خارج الوقت لم یجب علیه القضاء علی قول نسب الی المشهور بین المتاخرین». و فی کتاب الطهارة للسید الخوئی ج2، ص 367: «و عن الشیخ فی استبصاره و الفاضل فی بعض کتبه وجوب الإعادة فی الوقت دون خارجه بل نسب إلی المشهور بین المتأخرین». و أمّا وجه مناسبة هذه المسألة للإجزاء ففی کتاب الطهارة للسید الخوئی ج 2، ص 367 – 368: «و قد یتوهم أنّ هذا [أی الحکم بعدم وجوب الإعادة و القضاء] هو مقتضی القاعدة إمّا لأجل أنّ الناسی غیر مکلف بما نسیه لاستحالة تکلیف الغافل بشئ و حیث إنّه لا یتمکن إلا من الصلاة فی النجس فترکه الطهارة مستند إلی اضطراره، و الإتیان بالمأمور به الإضطراری مجزٍ عن التکلیف الواقعی علی ما حُقِّق فی محله و إما من جهة أنّ النسیان من التسعة المرفوعة عن أمة النبی صلی الله علیه و آله ... و لا یخفی فساده و ذلک لأنّ الإضطرار علی ما أسلفناه فی محله إنّما یرفع الأمر بالواجب المرکب من الجزء أو الشرط المضطر إلی ترکه ...». هنا موضعان: الموضع الأول: هل یجب الإعادة؟ قال فی العروة الوثقی، ج 1، ص 199: « إذا صلی فی النجس ... و أما إذا کان ناسیا فالأقوی وجوب الإعادة أو القضاء مطلقا، سواء تذکر بعد الصلاة أو فی أثنائها، أمکن التطهیر أو التبدیل أم لا». و فی کتاب الطهارة للسید الخوئی ج 2، ص 367– 371: «إذا علم بنجاسة ثوبه أو بدنه قبل الصلاة و تساهل إلی أن نسیها و صلی و إلتفت إلیها بعد الصلاة تجب علیه الإعادة فی الوقت و خارجه علی الأشهر بل المشهور ... و عن بعضهم القول بعدم وجوب الإعادة فی الوقت و لا فی خارجه إلحاقاً له بجاهل النجاسة، ذهب الشیخ (قدس سره) إلی ذلک فی بعض أقواله و استحسنه المحقق فی المعتبر و جزم به صاحب المدارک (قدس سره) کما حکی ... لا مانع من التمسک بحدیث لا تعاد فی الحکم بعدم وجوب الإعادة و القضاء فی المقام ... إلا أنّ النوبة لا تصل إلی التمسک بِلا تعاد لوجود النصوص المتضافرة الواردة فی أنّ ناسی النجاسة یعید صلاته عقوبةً لنسیانه و تساهله فی غسلها ... و بإزائها صحیحة العلا عن أبی عبد الله علیه السلام ... ». الموضع الثانی: هل یجب - بعد تسلیم وجوب الإعادة- القضاء أو لا؟ قال فی المستمسک: «و عن الشیخ فی الاستبصار، و الفاضل فی بعض کتبه نفیه حملاً لنصوص نفی الإعادة علیه بشهادة صحیح ابن مهزیار ... لکن یشکل بأنّ ذیله ... غیر ظاهر فی الناسی» إلخ. و فی کتاب الطهارة للسید الخوئی ج 2، ص 372: «و أما القضاء فقد تقدم أنّ المشهور عدم الفرق فی وجوب الإعادة بین الوقت و خارجه و عن جماعة عدم وجوبها فی خارجه،... فالصحیح ما سلکه المشهور فی المقام من أنّ الناسی لا فرق فی وجوب الإعادة فی حقه بین الوقت و خارجه».

و بالمسافر الذی یتمّ فی السفر نسیاناً أو جهلاً بالموضوع حیث إنّه إذا تذکّر أو ارتفع جهله فی الوقت وجبت الإعادة علیه و إن تذکّر أو ارتفع جهله فی خارج الوقت لم یجب القضاء((1)).

ص: 33


1- فی العروة الوثقی، ج 3، ص 511: «مسألة 3: لو صلی المسافر بعد تحقق شرائط القصر تماما ... و کذا إذا کان عالما بالحکم جاهلا بالموضوع کما إذا تخیل عدم کون مقصده مسافة مع کونه مسافة فإنّه لو أتم وجب علیه الإعادة أو القضاء و أما إذا کان ناسیا لسفره أو أنّ حکم السفر القصر فأتم فإن تذکر فی الوقت وجب علیه الإعادة، و إن لم یعد وجب علیه القضاء فی خارج الوقت، و إن تذکر بعد خروج الوقت لایجب علیه القضاء» و فی کتاب الصلاة للسید الخوئی ج 8، ص 366 – 370: «یبقی تحت صحیح زرارة و کذا صحیح الحلبی الجاهل بالخصوصیات أو الموضوع و الناسی و العالم فتجب علیهم الإعادة لصدق أنّهم ممن قرئت علیهم آیة التقصیر و فسرت، و معنی ذلک الحکم بالبطلان حسبما ذکرناه . و قد خرج عن ذلک الناسی أیضا بمقتضی صحیح أبی بصیر ... فیستفاد منها أنّ شرطیة التقصیر، أو فقل جزئیة التسلیم فی الرکعة الثانیة ذکریة و منوطة بالإلتفات إلیها فی الوقت فلا تعتبر لو کان التذکر خارج الوقت ... و ورد هناک مخصص ثالث، و هو صحیح العیص المفصل بین الانکشاف أو التذکر فی الوقت فیعید و بین خارجه فلایعید ... و المتحصل من مجموع الروایات بعد ضمّ بعضها ببعض أنّ العالم العامد یعید فی الوقت و فی خارجة، و الجاهل المحض لایعید فی الوقت و لا فی خارجة، و الناسی و الجاهل بالخصوصیات، و الجاهل بالموضوع یعید فی الوقت لا فی خارجه ... و قد ظهر مما ذکرناه أنّه لا وجه لتخصیص صحیح العیص بالناسی کما عن غیر واحد، بل هو عام له و لغیره مما عرفت، و إنّما المختص به صحیحة أبی بصیر کما تقدم» راجع مستمسک العروة، ج 8، ص 163.

المقدمة الثالثة: هل الإجزاء من المسائل العقلیة أو اللفظیة؟

اشارة

((1))

فیه نظریتان:

النظریة الأُولی:

المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) ((2)) ذهبا إلی أنّ المسألة عقلیة لأنّ الحاکم هنا هو العقل.

قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((3)) بعد تبیین موضوع البحث: إنّ الإجزاء لیس من

ص: 34


1- إنّ ملاک کون المسألة عقلیة أو لفظیة، هو أنّه بحکم العقل أو باقتضاء اللفظ.
2- فی المحاضرات(ط.ج)، ج2، ص30و(ط.ق)، ج2، ص220: «الأول أنّ هذه المسألة من المسائل العقلیة کمسألة مقدمة الواجب و مسألة الضد و ما شاکلهما ... بکلمة أخری إنّ الضابط لإمتیاز مسألة عقلیة عن مسألة لفظیة إنّما هو بالحاکم بتلک المسألة فإن کان عقلاً فالمسألة عقلیة، و إن کان لفظا فالمسألة لفظیة و حیث إنّ الحاکم فی هذه المسألة هو العقل فبطبیعة الحال تکون عقلیة».
3- فی نهایة الدرایة،ج 1، ص365 - 366: «و مما ذکرنا تعرف عدم کون البحث علی هذا الوجه من المباحث اللفظیة، و لا من المبادی الأحکامیة إذ لایرجع البحث إلی إثبات شی ءٍ للأمر ...».

المباحث اللفظیة و لا من المبادی الأحکامیة، «إذ لایرجع البحث إلی إثبات شیء للأمر لا من حیث إنّه مدلول الکتاب و السنّة و لا من حیث إنّه حکم من الأحکام ... فلامناص من إدراجه فی المسائل الأصولیة العقلیة [فهو من] حیث إنّه یقع فی طریق استنباط الحکم الشرعی من وجوب الإعادة و القضاء و عدمهما فهو من المسائل و [من] حیث إنّه بحکم العقل ... فهو من الأُصول العقلیة.»

النظریة الثانیة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله)

النظریة الثانیة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) ((1))

إن کان موضوع البحث هو إتیان المأموربه بأنّه هل یقتضی الإجزاء أو لا؟ فهذا البحث عقلی.

و إن کان موضوع البحث أدلّة الأوامر الاضطراریة و الظاهریة بأنّ أدلّة الأوامر الاضطراریة هل تدلّ علی الإجزاء عن الأمر الاختیاری أو لا؟ و أنّ أدلّة الأوامر الظاهریة هل تدلّ علی الإجزاء عن الأمر الواقعی أو لا؟ فهذا البحث لفظی. (سیجیء الجواب عنه فی الأمر الثانی).

و الحق النظریة الأولی أی إن الإجزاء من المسائل العقلیة.

ص: 35


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص151: «التحقیق أن یقال: إنّه إن کان النظر فی عنوان البحث إلی حکم الإتیان بالمأمور به- بنفسه أو ببدله- من حیث الإجزاء، فالبحث عقلی بلا إشکال فی جمیع مسائله، لأن کون الإتیان بالشی ء أو بدله- الذی ثبتت بدلیته- مسقطاً للأمر أو غیر مسقطٍ، إنّما یکون بحکم العقل، و لا علاقة له بعالَم الألفاظ و أمّا إن کان النظر فی حدّ دلالة الأدلّة فی المسقطیة، بأن یراد البحث عن أّن الأمر الإضطراری هل تدلّ أدلّته علی إجزائه عن الأمر الإختیاری أو لا؟ و أنّ مقتضی أدلّة الأمر الظاهری هو الإجزاء عن الأمر الواقعی أو لا؟ فإنّ البحث حینئذٍ یکون لفظیاً، لرجوعه إلی إطلاق أدلّة الأمر الإضطراری أو الأمر الظاهری، و عدم إطلاق تلک الأدلّة».

المقدمة الرابعة: الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرّة و التکرار و مسألة تبعیة القضاء للأداء

أما الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرّة و التکرار

((1))

فیمکن أن یتوهّم: أنّ القول بالإجزاء هو القول بالمرّة و أنّ القول بعدم الإجزاء هو القول بالتکرار.

و الجواب: هو أنّ البحث فی مسألة المرّة و التکرار فی تعیین حدود المأموربه شرعاً فی وقته من حیث السعة و الضیق فإن قلنا بالمرّة فتکون الطبیعة المأموربها مقیدة و مضیقة و إن قلنا بالتکرار فتکون موسّعة و لکن البحث فی الإجزاء هو أنّه بعد الفراغ عن تعیین حدود الطبیعة المأموربها هل یجزی الإتیان بهذه الطبیعة المأموربها عن الواقع عقلاً.

أما الفرق بین هذه المسألة و مسألة تبعیة القضاء للأداء

((2))

فیمکن أن یتوهّم هنا أیضاً: أنّ القول بعدم الإجزاء هو القول بتبعیة القضاء

ص: 36


1- فی کفایة الأصول، ص82: «رابعها: الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرة و التکرار لایکاد یخفی، فإنّ البحث ههنا فی أنّ الإتیان بما هو المأمور به یجزی عقلا، بخلافه فی تلک المسألة، فإنّه فی تعیین ما هو المأمور به شرعا بحسب دلالة الصیغة بنفسها أو بدلالة أخری. نعم کان التکرار عملا موافقا لعدم الإجزاء لکنّه لا بملاکه».
2- فی کفایة الأصول، ص82 و 83: «و هکذا الفرق بینها وبین مسألة تبعیة القضاء للأداء فإنّ البحث فی تلک المسألة فی دلالة الصیغة علی التبعیة و عدمها بخلاف هذه المسألة فإنّه کما عرفت فی أنّ الإتیان بالمأمور به یجزی عقلا عن إتیانه ثانیا أداء أو قضاء أو لایجزی».

للأداء حیث إنّ القائل بالتبعیة یعتقد بقاء الأمر بعد وقته عند عدم امتثاله فی وقته.

و الجواب أولاً: إنّ المسألتین تفترقان موضوعاً فإنّ موضوع بحث الإجزاء هو الإتیان بالمأموربه و موضوع بحث التبعیة عدم الإتیان بالمأموربه و لا جامع بین الوجود و العدم.

و ثانیاً: إنّ البحث فی مسألة التبعیة فی تعیین حدود المأموربه فی خارج وقته من جهة أنّ الأمر هل یدلّ علی مطلوبیة المأموربه فی خارج الوقت قضاءً عند عدم امتثاله فی الوقت أو لا؟ (سواء قلنا بوجوب المأموربه فی الوقت مرّة واحدة أم قلنا بالتکرار) و لکن البحث فی الإجزاء فی وجود الملازمة بین إتیان المأموربه و إجزائه عن الواقع عقلاً (سواء قلنا بأنّه واجب فی الوقت مرّة واحدة أم قلنا بالتکرار و سواء قلنا بدلالته علی وجوب المأموربه خارج الوقت قضاءً عند عدم امتثاله فی الوقت أم قلنا بعدم دلالته علیه).

أمّا تحقیق المقام فیستدعی الکلام فی مسائل ثلاث:

الأُولی: إنّ الإتیان بالمأمور به یقتضی الإجزاء عن أمره عقلاً أو لا؟ سواء کان الأمر واقعیاً أو اضطراریاً أو ظاهریاً.

الثانیة: إنّ الإتیان بالمأموربه بالأمر الاضطراری هل یجزی عن الأمر الواقعی؟

الثالثة: إنّ الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری هل یجزی عن الأمر الواقعی؟

ص: 37

ص: 38

الفصل الأوّل:

اشارة

إنّ الإتیان بالمأمور به هل یقتضی الإجزاء عن أمره؟

ص: 39

ص: 40

إنّ الإتیان بالمأمور به هل یقتضی الإجزاء عن أمره؟

بیان صاحب الکفایة(قدس سره):

اشارة

((1))

«إنّ الإتیان بالمأموربه بالأمر الواقعی بل بالأمر الاضطراری أو الظاهری أیضاً یجزی عن التعبّد به ثانیاً، لاستقلال العقل بأنّه لا مجال مع موافقة الأمر بإتیان المأموربه علی وجهه لاقتضائه التعبّد به ثانیاً.»

تقریبان لهذا البیان:
التقریب الأول: ما ذکره المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

إنّه لو لم یسقط الأمر مع حصول الغرض إمّا یلزم الخلف أو یلزم بقاء المعلول بلا علّة.

أما لزوم الخلف فلأنّ «بقاء الأمر إمّا لأنّ مقتضاه [أی مقتضی الأمر] تعدّد المطلوب فهو خلف، لأنّ المفروض وحدة المطلوب و إمّا لأنّ المأتی به لیس علی نحو یؤثّر فی حصول الغرض فهو خلف أیضاً» و الخلف بدیهی الاستحالة.

ص: 41


1- کفایة الأصول، ص83.

و أمّا لزوم بقاء المعلول بلا علّة فلأنّ بقاء الأمر مع عدم اقتضاء الأمر لتعدّد المطلوب و مع فرض حصول الغرض فهو بقاء المعلول أی الأمر بلا علّة و هو أیضاً مستحیل.((1))

التقریب الثانی: ما أفاده المحقّق الحائری (قدس سره)
اشارة

قال (قدس سره): إنّ الأمر بعد امتثاله و حصول غرضه یسقط فلو قلنا بعدم سقوط الأمر و بقائه بعد حصول غرضه یلزم طلب الحاصل.((2))

و استشکل المحقّق الإصفهانی (قدس سره) هذا التقریب:

إنّ طلب الحاصل معناه طلب الموجود بما هو موجود فحیث إنّ إیجاد الموجود محال فطلب الموجود أیضاً محال، أمّا طلب الفعل ثانیاً فلیس من طلب الحاصل بل هو إیجاد للوجود الثانی لا للوجود الأوّل حتّی یکون طلب الحاصل.((3))

ص: 42


1- فی نهایة الدرایة، ج1، ص372 عند التعلیقة علی قوله «إنّ الإتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی»: «سواء کان الإجزاء بمعنی الکفایة عن التعبد به ثانیا أو عن تدارک المأتی به إعادة أو قضاء، أما بالنسبة إلی التعبد به ثانیا فلأنّ المفروض وحدة المطلوب و إتیان المأمور به علی الوجه المرغوب فلو لم یسقط الأمر مع حصول الغرض عند الإقتصار علیه و عدم تبدیله بامتثال آخر کما مرّ لَلزم الخلف وهو بدیهی الإستحالة أو بقاء المعلول بلا علة لأن بقاء الأمر إما لأنّ مقتضاه ... و إما لا لشئ من ذلک بل الأمر باق و لازمه عدم الأجزاء فیلزم بقاء المعلول بلا علة ... و أما بالنسبة إلی التدارک فلأنّ التدارک لایعقل إلا مع خلل فی المتدارک و هو خلف إذ المفروض إتیان المأمور به علی وجهه».
2- فی دررالفوائد، ص77: «الفصل السادس لا إشکال فی أنّ الإتیان بالمأمور به بجمیع ما أُعتبر فیه شرطا و شطرا یوجب الإجزاء عنه بمعنی عدم وجوب الإتیان به ثانیا باقتضاء ذلک الأمر لا أداء و لا قضاء لسقوط الأمر بإیجاد متعلقه ضرورة انّه لو کان باقیا بعد فرض حصول متعلقه لزم طلب الحاصل و هو محال و لا فرق فی ذلک بین الواجبات التعبدیة و التوصلیة» .
3- فی نهایة الدرایة، ج1، ص372: «و أما شبهة طلب الحاصل من بقاء الأمر فقد عرفت سابقا دفعها فإنّ المحال طلب الموجود بما هو موجود لأنّ إیجاد الموجود محال فطلبه محال و أما طلب الفعل ثانیا فلیس من طلب الحاصل».

فالوجه الصحیح فی الاستحالة هو ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

ص: 43

تنبیه: فی جواز الامتثال بعد الامتثال

اشارة

و المهمّ من الأقوال، نظریتان:

النظریة الأولی: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

النظریة الأولی((1)):ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)

هنا صور ثلاث:

الصورة الأُولی((2)): أن یکون الامتثال علّة تامّة لحصول الغرض و حینئذ

ص: 44


1- فی وسیلة الوصول إلی حقائق الأصول، ج 1، ص229: «و الحق هو الجواز و إمکان الامتثال بعد الامتثال عقلا و عدم لزوم محذور منه حتی یوجب رفع الید عن ظاهر دلیل یدلّ علی جوازه شرعا کما فی الصلاة المعادة جماعة، و أنّ الله یختار أحبّهما إلیه بأحد التقریبین». و فی ص246: «و المقصود بیان إمکان الامتثال عقیب الإمتثال بأحد هذین التقریبین حتی لو ورد فی الشرع ما یکون من هذا القبیل کما فی إعادة الصلاة جماعة و نحوها لم نطرح الخبر من جهة توهّم عدم معقولیة الإمتثال عقیب الإمتثال». و فی تحریرات فی الأصول، ج 4، ص20: «قد فرغنا من إمکان تصویر کون الإمتثال إختیاریا، و أنّه لیس من الأمور القهریة- و تعرضنا لذلک فی مباحث الإجزاء و عرفت هناک: أنّ الإمتثال عقیب الإمتثال بمکان من الإمکان، و ذکرنا هناک طریقین: أحدهما: أنّ سقوط الأمر معناه سقوطه عن الباعثیة الإلزامیة، و بقاؤه علی باعثیته الندبیة حسب القرائن الخارجیة، و تفصیله فی محله ثانیهما: أنّ للشرع اعتبار عدم سقوط الأمر بداعی قیام العبد نحو المصداق الأتم، و یعتبر للمکلف إختیار کون المصداق المأتی به فردا ممتثلا به الأمر، أو عدم کونه کذلک». و فی انوار الأصول، ج 1، ص317: «بقی هنا شی ء و هو جواز الإمتثال بعد الإمتثال فی الجملة. ذهب المحقّق الخراسانی رحمه الله إلی جوازه و تبعه المحقّق النائینی رحمه الله و ذهب المحقّق العراقی إلی عدم جوازه و تبعه بعض أعاظم العصر». و فی ص318: «أقول: الحقّ جواز تبدیل الإمتثال بالإمتثال وفاقاً للمحقّق الخراسانی و المحقّق النائینی رحمهما الله».
2- قال فی کفایة الأصول، ص83: «نعم فی ما کان الإتیان علة تامة لحصول الغرض فلایبقی موضع للتبدیل کما إذا أمر بإهراق الماء فی فمه لرفع عطشه فأهرقه».

فلایجوز الامتثال بعد الامتثال و لایبقی موقع لتبدیل الامتثال بالامتثال الآخر کما إذا أمر المولی بإهراق الماء فی فمه لرفع العطش فأهرقه العبد.

الصورة الثانیة:((1)) «أن مجرد امتثاله لایکون علّة تامّة لحصول الغرض [و بعبارة أُخری لم یحصل الغرض الأقصی من الأمر] و إن کان [الامتثال الأوّل] وافیاً به [أی بالغرض] لو اکتفی به، کما إذا أتی بماء أمر به مولاه لیشربه فلم یشربه بعد فإنّ الأمر بحقیقته و ملاکه لم یسقط بعد و لذا لو أُُهریق الماء و اطّلع علیه العبد وجب علیه إتیانه ثانیاً کما إذا لم یأت به أوّلاً» و حینئذ یجوز للعبد تبدیل الامتثال بالامتثال الآخر.

الصورة الثالثة:((2)) لو لم یعلم المکلّف أنّ الامتثال علّة تامّة للغرض أو لا فحینئذ أیضاً یجوز له تبدیل الامتثال بالامتثال الآخر باحتمال أن لایکون علّة.

(و المحقّق النائینی (قدس سره) أیضاً یقول((3)) بجواز تبدیل الامتثال بامتثال آخر فی ما إذا لم یحصل الغرض الأقصی.)

ص: 45


1- «لایبعد أن یقال بأنّه یکون للعبد تبدیل الإمتثال و التعبد به ثانیا بدلا عن التعبد به أولا لا منضما إلیه کما أشرنا إلیه فی المسألة السابقة و ذلک فیما علم أنّ مجرد إمتثاله لا یکون علة تامة ... کما إذا لم یأت به أولا ضرورة بقاء طلبه ما لم یحصل غرضه الداعی إلیه و إلا لما أوجب حدوثه فحینئذ یکون له الإتیان بماء آخر موافق للأمر کما کان له قبل إتیانه الأول بدلا عنه».
2- «بل لو لم یعلم أنّه من أی القبیل فله التبدیل باحتمال أن لایکون علة فله إلیه سبیل».
3- فی فوائد الأصول، ج1، ص243: «إنّ تبدیل الامتثال یحتاج إلی عدم سقوط الغرض عند سقوط الأمر، کما لو أمر بالماء لغرض الشرب و أتی به العبد و المولی لم یشربه بعد، فإنّ الأمر بالإتیان بالماء و إن سقط الّا أنّ الغرض بعد لم یحصل، فللعبد تبدیل الإمتثال و رفع ما أتی به من الماء و تبدیله بماء آخر، فیحتاج تبدیل الإمتثال إلی بقاء الغرض أو مقدار منه، و إمکان قیام الفعل الثانی مقام الغرض».

ثم قال صاحب الکفایة:((1)) و یؤید ذلک بل یدلّ علیه ما ورد من الروایات فی باب أنّ من صلّی فرادی یستحب له الإعادة جماعةً.

أمّا استدلال صاحب الکفایة (قدس سره) و بعض الأعلام ببعض الأخبار علی جواز الامتثال بعد الامتثال فیظهر النقاش فیه بعد ملاحظة الأخبار و التأمّل فیها.

بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((2)):

إنّ أخبار باب المعادة طائفتان((3)):

الطائفة الأُولی
اشارة

((4)):

ما ورد فی باب إعادة الصلاة مع المخالفین إماماً و مأموماً.

ص: 46


1- فی کفایة الأصول، ص83 - 84: «و یؤید ذلک بل یدل علیه ما ورد من الروایات فی باب إعادة من صلی فرادی جماعة و أنّ الله تعالی یختار أحبهما إلیه».
2- نهایة الدرایة، ج1، هامش ص374.
3- إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) زاد علیهما مورداً آخر و هو ما ورد فی جواز إعادة من صلّی صلاة الآیات ثانیاً مثل صحیحة معاویة بن عمّار قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَه (علیه السلام) «صَلَاةُ الْکُسُوفِ إِذَا فَرَغْتَ قَبْلَ أَنْ ینْجَلِی فَأَعِدْ» ثمّ أجاب عنه برفع إلید عن ظهور تلک الروایات فی وجوب الإعادة و حملها علی الاستصحاب. راجع المحاضرات، ج2، ص226. و فی تحقیق الأصول، ج 2، ص165: «و أمّا فی مرحلة الإثبات فالروایات هی فی عدّة أبواب: 1- باب صلاة الآیات 2- باب الصّلاة مع المخالفین 3- صلاة الجماعة و العمدة فی المقام روایات باب صلاة الجماعة، لأنّ فیها ما یدلُّ علی اختیار الله للعمل و أمّا روایات باب صلاة الآیات فلیس فیها إلّا الإتیان بالصلاة قبل انجلاء القرص و تکرارها مرّات».
4- «الأولی ما ورد فی باب إعادة الصلاة مع المخالفین إماما و مأموما و هذه الطائفة مختلفة، ففی بعضها أما تحب أن تحسب لک بأربع و عشرین صلاة، و فی بعضها أنّه یجعلها تسبیحا و المراد منه کما فی روایة أخری أنّه ذکر محض لا نافلة و تطوع قائلا لو قبل التطوع لقبلت الفریضة».

مثل صحیحة((1)) عمر بن یزید عن أبی عبد الله (علیه السلام):

«مَا مِنْکُمْ أَحَدٌ یصَلِّی صَلَاةً فَرِیضَةً فِی وَقْتِهَا ثُمَ یصَلِّی مَعَهُمْ صَلَاةً تَقِیةً وَ هُوَ مُتَوَضِّئٌ إِلَّا کَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا خَمْساً وَ عِشْرِینَ دَرَجَةً فَارْغَبُوا فِی ذَلِکَ».((2))

و مثل صحیحة((3)) عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله (علیه السلام) قَالَ:

«مَا مِنْ عَبْدٍ یصَلِّی فِی الْوَقْتِ وَ یفْرُغُ ثُمَ یأْتِیهِمْ وَ یصَلِّی مَعَهُمْ وَ هُوَ عَلَی وُضُوءٍ إِلَّا کَتَبَ اللَهُ لَهُ خَمْساً وَ عِشْرِینَ دَرَجَةً».((4))

ص: 47


1- فی من لا یحضره الفقیه، ج4، ص425: «و ما کان فیه عن عمر بن یزید [1-] فقد رویته عن أبی رضی الله عنه عن محمد بن یحیی العطار عن یعقوب بن یزید عن محمد بن عمیر و صفوان بن یحیی عن عمر بن یزید [2-] و قد رویته أیضا عن أبی رضی الله عنه عن عبد الله بن جعفر الحمیری عن محمد بن عبد الحمید عن محمد بن عمر بن یزید عن الحسین بن عمر بن یزید عن أبیه عمر بن یزید [3-] و رویته أیضا عن أبی رحمه الله عن عبد الله بن جعفر الحمیری عن محمد بن عبد الجبار عن محمد بن إسماعیل عن محمد بن عباس عن عمر بن یزید». و فی تعلیقة المرحوم علی أکبر الغفاری: «الطریق الأول صحیح و کذا الثالث و أما الثانی فقوی أو حسن بمحمد بن عمر بن یزید».
2- فی من لا یحضره الفقیه ج1 ص382: «و روی عنه عمر بن یزید أنّه قال: ما منکم أحد» الحدیث؛ و فی وسائل الشیعة، ج8، ص302، باب استحباب إیقاع الفریضة قبل المخالف أو بعده و حضورها معه، ح1: «محمد بن علی بن الحسین بإسناده عن عمر بن یزید، عن أبی عبد الله (علیه السلام) » الحدیث .
3- فی من لا یحضره الفقیه، ج4، ص431: «و ما کان فیه عن عبد الله بن سنان فقد رویته عن أبی رضی الله عنه عن عبد الله بن جعفر الحمیری عن أیوب بن نوح عن محمد بن أبی عمیر عن عبد الله بن سنان» و فی التعلیقة: «و طریق المصنف إلیه صحیح».
4- فی من لا یحضره الفقیه ج1 ص407 «و روی عبد الله بن سنان عنه (علیه السلام) أنّه قال: ما من عبد» الحدیث بدون لفظ «له»؛ وسائل الشیعة، ج8، ص302، ح2: «و باسناده عن عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنّه قال: ما من عبد» الحدیث.
أجاب عنها المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

«إنّ هذه الطائفة أجنبیة عن أصل مشروعیة الإعادة فضلاً عن احتسابها فریضة باستقرار الامتثال علیها»((1)).

کما أفاد المحقّق الخوئی فی الجواب عنها

کما أفاد المحقّق الخوئی((2)) (قدس سره) فی الجواب عنها((3)):

إنّ الروایات الدالّة علی جواز الإعادة تقیة لاتدلّ علی جواز الامتثال بعد الامتثال.

عَنْ أَبِی عَبْدِ الله (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «فِی الرَّجُلِ یصَلِّی الصَّلَاةَ وَحْدَهُ ثُمَّ یجِدُ جَمَاعَةً قَالَ یصَلِّی مَعَهُمْ وَ یجْعَلُهَا الْفَرِیضَةَ إِنْ شَاءَ».

ص: 48


1- و لجوابه تتمة فراجع نهایة الدرایة، ج1، هامش ص374.
2- فی المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص38و (ط.ق)، ج2، ص226: «و هذه الطائفة لاتدل علی مشروعیة الإمتثال بعد الإمتثال أصلا و السبب فی ذلک أنّها وردت فی مقام التقیة فتکون الإعادة لأجلها و لو لا التقیة لم یکن لنا دلیل علی جوازها و مشروعیتها».
3- و فی منتهی الدرایة، ج2، ص24: «و أنت خبیر بأجنبیة مفادها عن أصل مشروعیة الإعادة - فضلاً عن احتسابها فریضة - حتی یصح الإستدلال بها علی جواز تبدیل الإمتثال، لدلالة بعضها علی مقدار الأجر و الثواب، کصحیحی ابن سنان، و صحیحی عمر بن یزید و نشیط بن صالح، و بیان الأجر و الثواب لایدل علی مشروعیة هذا العمل من حیث هو، إذ لعلّ الأجر إنّما هو لأجل المخالطة مع العامة الموجبة لحسن ظنهم بالشیعة و الأمن من مکائدهم و دلالة بعضها الآخر علی عدم کون المأتی به تقیة بصلاة حتی نافلة، بل هو تسبیح، و مع نفی الصلاتیة لا معنی لجواز تبدیل الامتثال، لأنّ جوازه مبنی علی کون المأتی به ثانیاً بعنوان التبدیل فرداً للطبیعی الّذی تعلق به الأمر أوّلا، فالثواب إنّما یکون لأجل التقیة و المداراة معهم، فهذه الطائفة بمضامینها أجنبیة عن أصل مشروعیة الإعادة، فضلاً عن جعلها من باب تبدیل الإمتثال».
الطائفة الثانیة
اشارة

((1)):

ما لایختص بالإعادة مع المخالف، کما فی صحیحة((2)) هشام بن سالم عَنْ أَبِی عَبْدِ الله (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ:

«فِی الرَّجُلِ یصَلِّی الصَّلَاةَ وَحْدَهُ ثُمَّ یجِدُ جَمَاعَةً قَالَ یصَلِّی مَعَهُمْ وَ یجْعَلُهَا الْفَرِیضَةَ إِنْ شَاءَ»((3))

و کما فی روایة حفص بن البختری((4)) بإسقاط کلمة «إن شاء».

ص: 49


1- «الطائفة الثانیة: ما لایختص بالإعادة مع المخالف کما فی روایة هشام بن سالم ... و مثلها روایة حفص البختری بإسقاط کلمة إن شاء، و بمعناهما روایات أخری تتکفل مشروعیة الإعادة و أنّ الإعادة أفضل». و فی تحقیق الأصول، ج 2، ص166 و 167 زاد روایتین هما «روایة الحلبی: فصلّ معهم و إجعلها تسبیحاً و روایة الصدوق: یحسب له أفضلهما و أتمّهما».
2- فی من لا یحضره الفقیه، ج4، ص424 و 425: «و ما کان فیه عن هشام بن سالم [1-] فقد رویته عن أبی و محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید رضی الله عنهما عن سعد بن عبد الله و عبد الله بن جعفر الحمیری جمیعا عن یعقوب بن یزید و الحسن بن ظریف و أیوب بن نوح عن النضر بن سوید عن هشام بن سالم [2-] و رویته عن أبی رضی الله عنه عن علی بن إبراهیم عن أبیه عن محمد بن أبی عمیر و علی بن الحکم جمیعا عن هشام بن سالم الجوالیقی».
3- فی من لا یحضره الفقیه ج1، ص383 و 384: «و روی هشام بن سالم عنه علیه السلام أنّه قال فی الرجل یصلی الصلاة وحده» الحدیث؛ وسائل الشیعة، ج8، ص401، باب إعادة المنفرد صلاته إذا وجدها جماعة إماما کان أو مأموما حتی جماعة العامة للتقیة و عدم وجوب الإعادة، ح1: «محمد بن علی بن الحسین بإسناده عن هشام بن سالم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) ».
4- فی الکافی، ج3، ص379، باب الرجل یصلی وحده ثم یعید فی الجماعة أو یصلی بقوم و قد کان صلی قبل ذلک، ح1: «محمد بن إسماعیل عن الفضل بن شاذان و علی بن إبراهیم عن أبیه جمیعا عن ابن أبی عمیر عن حفص بن البختری عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی الرجل یصلی الصلاة وحده ثم یجد جماعة قال: یصلی معهم و یجعلها الفریضة».

و صحیحة زرارة((1)) عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) فِی حَدِیثٍ قَالَ: «لَا ینْبَغِی لِلرَّجُلِ أَنْ یدْخُلَ مَعَهُمْ فِی صَلَاتِهِمْ وَ هُوَ لَا ینْوِیهَا صَلَاةً بَلْ ینْبَغِی لَهُ أَنْ ینْوِیهَا وَ إِنْ کَانَ قَدْ صَلَّی فَإِنَّ لَهُ صَلَاةً أُخْرَی».((2))

و خبر((3)) إسحاق بن عمّار، تُقَامُ الصَّلَاةُ وَ قَدْ صَلَّیتُ فَقَالَ (علیه السلام): «صَلِّ وَ اجْعَلْهَا لِمَا فَات»((4)) (أشار إلیها و جعلها قرینة لتفسیر صحیحة هشام بن سالم

ص: 50


1- فی من لا یحضره الفقیه، ج4، ص425: «و ما کان فیه عن زرارة بن أعین فقد رویته عن أبی رضی الله عنه عن عبد الله ابن جعفر الحمیری عن محمد بن عیسی بن عبید و الحسن بن ظریف و علی بن إسماعیل بن عیسی کلهم عن حماد بن عیسی عن حریز بن عبد الله عن زرارة بن أعین» و فی التعلیقة: «الطریق صحیح عند الجمیع».
2- فی الکافی، ج3، ص382 - 383، ح8: «عنه عن الفضل و علی بن إبراهیم عن أبیه جمیعا عن حماد بن عیسی عن حریز، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام): رَجُلٌ دَخَلَ مَعَ قَوْمٍ فِی صَلَاتِهِمْ وَ هُوَ لَاینْوِیهَا صَلَاةً فَأَحْدَثَ إِمَامُهُمْ فَأَخَذَ بِیدِ ذَلِکَ الرَّجُلِ فَقَدَّمَهُ فَصَلَّی بِهِمْ أَ یجْزِیهِمْ صَلَاتُهُمْ بِصَلَاتِهِ وَ هُوَ لَا ینْوِیهَا صَلَاةً؟ فَقَالَ: لَا ینْبَغِی لِلرَّجُلِ أَنْ یدْخُلَ مَعَ قَوْمٍ فِی صَلَاتِهِمْ وَ هُوَ لَاینْوِیهَا صَلَاةً بَلْ ینْبَغِی لَهُ أَنْ ینْوِیهَا صَلَاةً فَإِنْ کَانَ قَدْ صَلَّی فَإِنَّ لَهُ صَلَاةً أُخْرَی وَ إِلَّا فَلَا یدْخُلْ مَعَهُمْ قَدْ تُجْزِی عَنِ الْقَوْمِ صَلَاتُهُمْ وَ إِنْ لَمْ ینْوِهَا»؛ من لا یحضره الفقیه، ج1، ص403: «و قال زرارة لأبی جعفر علیه السلام: رجل دخل مع قوم فی صلاتهم» الحدیث باختلاف یسیر؛ وسائل الشیعة، ج8، ص401، ح2 عن الفقیه.
3- فی من لا یحضره الفقیه، ج4، ص423: «و ما کان فیه عن إسحاق بن عمار فقد رویته عن أبی رضی الله عنه عن عبد الله بن جعفر الحمیری عن علی بن إسماعیل عن صفوان بن یحیی عن إسحاق بن عمار» و فی التعلیقة: «رجال الطریق کلهم ثقات کما فی الخلاصة، و علی بن إسماعیل -قد یقال له علی بن السندی- و هو من أصحاب الرضا (علیه السلام) ».
4- فی من لا یحضره الفقیه، ج1، ص407: «و روی إسحاق بن عمار عنه (علیه السلام) أنّه قال: صل و إجعلها لما فات»؛ تهذیب الأحکام، ج3، ص51 و 279: «الحسین بن سعید عن محمد بن أبی عمیر عن سلمة صاحب السابری عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): تقام الصلاة و قد صلیت فقال: صل و إجعلها لما فات»؛ وسائل الشیعة، ج8، ص404، باب جواز الاقتداء فی القضاء بمن یصلی أداءً و بالعکس، ح1 عن التهذیب و الفقیه.

باحتمال حمل الصلاة المعادة علی فریضة فائتة قضاءً((1))).

و روایة أبی بصیر((2))، قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ الله (علیه السلام): أُصَلِّی ثُمَ أَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَتُقَامُ

ص: 51


1- فی نهایة الدرایة، ج1، ص381: «و قوله (علیه السلام) یجعلها الفریضة إما بمعنی ... و إما بمعنی یجعلها لما فات من فرائضه کما فی خبر آخر: تُقَامُ الصَّلَاةُ وَ قَدْ صَلَّیتُ فَقَالَ (علیه السلام): صَلِّ وَ اجْعَلْهَا لِمَا فَاتَ.و لیس فیما ورد فیه یجعلها الفریضة عنوان الإعادة کی یأبی عن هذا الإحتمال فراجع».
2- فی فوائد الأصول، ج1، ص243: «و لم نعثر فی الشریعة علی دلیل یقوم علی جواز تبدیل الإمتثال، الّا ما ورد فی باب إعادة الصلاة جماعة و إنّ الله یختار أحبهما إلیه، و ذلک مقصور أیضا علی إعادة المنفرد صلوته جماعة، أو إعادة الإمام صلوته إماما لا مأموما و لا منفردا مرة واحدة، و لیس له الإعادة ثانیا و ثالثا علی ما هو مذکور فی محله». و فی تحقیق الأصول، ج 2، ص165 - 166: «و المهمّ فی روایات باب الصلاة جماعةً هی روایة أبی بصیر حیث جعلها صاحب الکفایة و المحقق العراقی الدلیل علی ما ذکراه فی مقام الثبوت مع وضوح الفرق بین مسلکیهما حیث إنّ صاحب الکفایة قائل بتبدیل الإمتثال و یجعل الروایة مؤیدةً بل یجعلها دلیلًا علی ذلک و العراقی لایری تبدیل الإمتثال و لا تعدده، بل عنده أنّ الإمتثال یتقید أحیاناً بالحصّة التی یختارها الله کما هو ظاهر الروایة کما قال و الحاصل أنّهما مختلفان فی الإستظهار من الروایة بالإضافة إلی اختلافهما فی مقام الثبوت». و فی ص167 قال بعد ذکر روایة أبی بصیر: «و هذه مستند المحقق العراقی». و فی ص170: «و أمّا دلالة روایة أبی بصیر- بعد أنْ ظهر عدم دلالة غیرها علی الإمتثال بعد الإمتثال- فقد ذکر المحقّق الأصفهانی فی الأصول علی النهج الحدیث أنّها محمولة علی الصّلاة تقیةً، لأّن موضوعها الصّلاة فی المسجد جماعة، و المساجد کانت فی ذلک الزمان کلّها بید العامّة و أئمتها منهم، فکان المراد من یختار الله أحبّهما هو الصلاة الأولی التی أتی بها منفرداً، إذ الثانیة التی أتی بها تقیةً لیست بصلاةٍ، و قد یمکن کونها محبوبةً لجهةٍ من الجهات. و أشکل علیه الأستاذ أوّلًا: بأنّ فی الروایات ما یدلّ علی کون الإمام فی بعض المساجد من أصحابنا و ثانیاً: بأن مقتضی بعض الروایات الآمرة بالصلاة مع القوم أحبّیتها من التی صلّاها منفرداً إلّا أنّه دام بقاه ذکر أنّ الروایة لاتدلّ علی مسلک العراقی، لأنّه ذهب إلی لغویة الصّلاة الثانیة، و الحال أنّ ظاهر لفظ الأحب کون التی إختارها أحبّ من الأخری، فتلک أیضاً محبوبة. نعم، هناک وجه آخر لِما ذکره، و هو أنّ فی أخبار الصّلاة معهم ما هو نصٌّ فی أنّ الصّلاة معهم کالصّلاة خلف الجدار و هی تصلح لأن تکون قرینةً علی تعین الصلاة الّتی أدّاها منفرداً للإمتثال فبالنّظر إلی ما ورد فی ثواب الصلاة معهم، تکون التی صلّاها جماعةً محقّقةً للامتثال، و بالنظر إلی ما ورد من أنّ الصّلاة معهم کالصّلاة خلف الجدار، تکون التی صلّاها منفرداً هی المحقّقة للإمتثال، فینتهی أمر روایة أبی بصیر إلی الإجمال، فلاتبقی دلالة علی ما ذهب إلیه المحققان الخراسانی و العراقی، و الله العالم».

الصَّلَاةُ وَ قَدْ صَلَّیتُ، فَقَالَ (علیه السلام) «صَلِّ مَعَهُمْ یخْتَارُ اللَّهُ أَحَبَّهُمَا إِلَیهِ» ((1))

أجاب عنها المحقّق الإصفهانی(قدس سره):

((2))

«أمّا ما ورد من الأمر بالإعادة فی باب المعادة و أنّه یجعلها الفریضة و یختار الله تعالی أحبهما إلیه و أنّه یحسب له أفضلهما و أتمّهما، فلا دلالة له علی أنّ ذلک من باب تبدیل الامتثال بالامتثال و کون سقوط الأمر مراعی بعدم تعقّب الأفضل و ذلک لأنّ کلّ ذلک لاینافی حصول الغرض و سقوط الأمر، بتقریب أنّ سقوط الأمر بحصول الغرض الملزم أمر و اختیار المعادة و احتسابها فی مقام إعطاء الأجر و الثواب أمر آخر.

و السرّ فی جعل [الصلاة] المعادة - لمکان أفضلیتها من الأُولی کما دلّت علیه طائفة من الأخبار- میزاناً للأجر و الثواب دون [الصلاة] الأُولی [هو] اشتراکها مع [الصلاة] الأُولی فی [ذات] المصلحة القائمة بها مع زیادة، فلیس مدار الثواب

ص: 52


1- فی الکافی، ج3، ص379، ح2: « عَلِی بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِیدِ عَنْ یونُسَ بْنِ یعْقُوبَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَه (علیه السلام) أُصَلِّی ثُمَ أَدْخُلُ الْمَسْجِدَ» الحدیث؛ تهذیب الأحکام ج3، ص270 بإسناده عن سهل بن زیاد و فیه «یعقوب» بدل «یونس بن یعقوب»؛ وسائل الشیعة ج8 - ص403 عن التهذیب و الکافی. و أشار إلیها فی نهایة الدرایة، ج1، ص374 حیث قال: «أمّا ما ورد من الأمر بالإعادة فی باب المعادة و أنّه یجعلها الفریضة و یختار الله تعالی أحبهما إلیه» إلخ.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص374 و 380.

علی الأولی المقتضیة لدرجة واحدة من القرب بل علی الثانیة المقتضیة لدرجات من القرب و الأُولی و إن استوفت بمجرد وجودها درجة من القرب لکن حیث إن المعادة تکرار ذلک العمل بنحو أکمل فلایحتسب ما به الاشتراک مرتین فصحّ أن یقال باحتسابهما و اختیارهما معاً کما دلّ علیه قوله (علیه السلام) [فی صحیحة زرارة] «و إن کان قد صلّی کان له صلاة أُخری» و یصحّ أن یقال باختیار [الصلاة] المعادة و جعلها مدار القرب لوجود ما یقتضیه الأولی فیها و زیادة فتفطن».

ثمّ إنّه فی هامش التعلیقة أشار((1)) إلی الاحتمالات المذکورة حول صحیحة هشام بن سالم فقال: «مع تطرّق الاحتمال لایجوز الاستدلال بهذه الروایة و غیرها علی جواز تبدیل الامتثال بالامتثال.»

إشکال بعض الأساطین (حفظه الله) علی روایة أبی بصیر:

((2))

إنّ بعض الأساطین (حفظه الله) أشار إلی البحث السندی المذکور حول روایة أبی بصیر من حیث اشتماله علی سهل بن زیاد.

و التحقیق: توثیقه من جهات و قد اختار توثیقه جمع من الأعلام منهم المحدث النوری (قدس سره) ((3)) و الأستاذ المحقق الرجالی السید الزنجانی.

ص: 53


1- قال (قدس سره): «وما یجدی فی مقامنا قوله علیه السلام و یجعلها الفریضة و له احتمالات [أربعة] ... و قد عرفت التکلیف الشدید فی الإحتمالین الأولین حتی أنّ غیر واحد من الأصحاب حکم بمقتضی سلامة فطرته و طبعه بعدم معقولیة أوّلهما و الثالث أیضا لایخلو عن تکلف و إن کان معقولا فالأرجح هو الإحتمال الرابع و علی أی حال فمع تطرق الإحتمال...».
2- تحقیق الأصول، ج 2، ص167، التحقیق عن سهل بن زیاد.
3- فی خاتمة المستدرک، ج5، ص216 – 225: «و نحن نذکر خلاصة ما قیل أو یمکن أن یقال فیه مدحا و قدحا أما الأوّل فهی أمور: ... ب: إنّه ممّن یروی عن ثلاثة من الأئمة (علیهم السلام) و هم الجواد و الهادی والعسکری (علیهم السلام) کما یظهر من ذکره فی رجال الشیخ ... و لایخفی علی من أنس بکلماتهم أنّهم یذکرون ذلک فی مقام مدح الراوی وعلوّ مقامه و إذا لوحظ مع ذلک أنّه لم یرد فیه طعن من أحدهم (علیهم السلام) ... مع أنّه کان معروفا مشهورا یروی عنهم (علیهم السلام) - کانت دلالته علی المدح القریب من الوثاقة ظاهرة. ج: ما فی النجاشی قال: و قد کاتب أبا محمد العسکری (علیه السلام) علی ید محمد بن عبد الحمید العطار ... و هذه المکاتبة هی ما رواه الصدوق... قال السید المعظم فی الرسالة: و لایخفی أنّ فیه دلالة علی مدحه من وجوه: منها کونه ممن کاتب أبا محمد العسکری (علیه السلام) لاسیما علی ید محمد بن عبد الحمید الذی وثقه النجاشی و العلامة. د: روایة أجلة هذه الطبقة عنه مثل الشیخ الجلیل الفضل بن شاذان کما یأتی و شیخ الأشعریین محمد بن یحیی العطار و شیخ أصحابنا و وجههم بقم الحسن بن متیل القمی کما فی کامل الزیارات... و محمد بن الحسن الصفار... و علی ما ذکره جماعة من کونه داخلا فی عدة ثقة الإسلام فروایته عنه لاتحصی و لکن عرفت ضعفه فی الفائدة السابقة و محمد بن علی بن محبوب ... و علی بن إبراهیم فی الکافی ... و أبو الحسین محمد بن جعفر الأسدی کثیرا و محمد بن قولویه و محمد بن الحسن بن الولید أو ابن علی بن مهزیار و أبو الحسن علی بن محمد بن إبراهیم الرازی المعروف بعلان بل و ثقة الإسلام الکلینی ... و أحمد بن أبی عبد الله و محمد بن أحمد بن یحیی و سعد بن عبد الله کما فی الکشی فی ترجمة القاسم الیقطینی و الحسین بن الحسن بن بندار القمی من مشایخ الکشی و محمد بن عقیل الکلینی من مشایخ ثقة الاسلام. و: کونه کثیر الروایة جدا و أکثرها سدیدة مقبولة مفتی بها کما صرح فی التعلیقة و قد ورد فی النصوص أنّ منزلة الرجال علی قدر روایتهم عنهم (علیهم السلام) ففی أصل زید الزراد، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَه (علیه السلام)، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام): یا بُنَی، إعْرِفْ مَنَازِلَ شِیعَةِ عَلِی ٍ[ (علیه السلام) ] عَلَی قَدْرِ رِوَایتِهِمْ وَ مَعْرِفَتِهِم و فی غیبة النعمانی، وَ عَنْ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ (علیهما السلام) إعْرِفُوا مَنَازِلَ شِیعَتِنَا عِنْدَنَا عَلَی قَدْرِ رِوَایتِهِمْ عَنَّا وَ فَهْمِهِمْ مِنَّا،... و ظاهر الجمیع کون کثرة الروایة عنهم (علیهم السلام) مع الواسطة أو بدونها مدحا عظیما کما علیه علماء الفن، فإنّهم عدّوها من أسبابه ... قال العلّامة الطباطبائی فی رجاله مضافا إلی کثرة روایاته فی الفروع و الأصول و سلامتها عن وجوه الطعن و التضعیف خصوصا عما غمز به من الإرتفاع و التخلیط فإنّها خالیة عنهما و هی أعدل شاهد علی برائته عما قیل فیه إنتهی» إلخ. و فی تعلیقة الوحید البهبهانی علی منهج المقال، ص198: «و بالجملة أمارات الوثاقة و الإعتماد و القوة التی مرت الإشارة إلیها مجتمعة فیه کثیرة مع أنّا لم نجد من أحد من المشایخ القدماء تأمّلاً فی حدیث بسببه ...».

ص: 54

أما أدلة توثیقه:

الأولی: إنّه من رجال تفسیر القمی((1)).

الثانیة: إنّه من رجال کامل الزیارات.((2))

ص: 55


1- فی تفسیر القمی، ج2، ص59: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی عَبْدِ اللَّه قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ زِیادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَارِدٍ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَه (علیه السلام) ...و فی ج2، ص351: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی عَبْدِ اللَه قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ زِیادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْحَرِیشِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الثَّانِی (علیه السلام) . تکملة: فی تفسیر القمی، ج1، ص4: «و نحن ذاکرون و مخبرون بما ینتهی إالینا و رواه مشایخنا و ثقاتنا عن الذین فرض الله طاعتهم و أوجب ولایتهم و لایقبل عمل الّا بهم». و فی کلیات فی علم الرجال، ص307 – 309 ... ما ورد فی أسناد تفسیر القمی و قال: «ربما یستظهر أنّ کل من وقع فی أسناد روایات تفسیر علی بن إبراهیم المنتهیة إلی المعصومین (علیهم السلام) ثقة لأنّ علی بن إبراهیم شهد بوثاقته ... و قال صاحب الوسائل: قد شهد علی بن إبراهیم أیضا بثبوت أحادیث تفسیره و أنّها مرویة عن الثقات عن الأئمة وقال صاحب معجم رجال الحدیث معترفا بصحة استفادة صاحب الوسائل: إنّ علی بن إبراهیم یرید بما ذکره إثبات صحة تفسیره و أنّ روایاته ثابتة و صادرة من المعصومین علیهم السلام و أنّها إنتهت إلیه بوساطة المشایخ و الثقات من الشیعة و علی ذلک فلا موجب لتخصیص التوثیق بمشایخه الذین یروی عنهم علی بن إبراهیم بلا واسطة کما زعمه بعضهم». و لکن قال فی ص315 – 317: «أنّ أبا الفضل الراوی لهذا التفسیر قد روی فی هذا التفسیر روایات عن عدة من مشایخه 1. علی بن إبراهیم فقد خص سورة الفاتحة و البقرة و شطرا قلیلا من سورة آل عمران بما رواها عن علی بن إبراهیم عن مشایخه قال قبل الشروع فی تفسیر الفاتحة: حدثنا أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسی بن جعفر (علیه السلام) قال حدثنا أبو الحسن علی بن إبراهیم ... ثم ذکر عدة طرق لعلی بن إبراهیم و ساق الکلام بهذا الوصف إلی الآیة 45 من سورة آل عمران و لما وصل إلی تفسیر تلک الآیة ... أدخل فی التفسیر ما أملاه الإمام الباقر علیه السلام لزیاد بن المنذر أبی الجارود فی تفسیر القرآن ... و بهذا تبین أنّ التفسیر ملفق من تفسیر علی بن إبراهیم و تفسیر أبی الجارود و لکلّ من التفسیرَین سند خاص ... راجع أیضاً ص317 – 320.
2- وقع سهل بن زیاد فی أسناد کامل الزیارات فی 11 موضعاً. و فی تحقیق الأصول، ج 2، ص169: «أمّا کونه من رجال کامل الزیارات و تفسیر القمی فبناءً علی إفادة ذلک للوثاقة فهما توثیقان عامّان یصلحان للتخصیص». تکملة: فی کامل الزیارات، ص37: «و لم أخرج فیه حدیثا روی عن غیرهم إذا کان فیما روینا عنهم من حدیثهم صلوات الله علیهم کفایة عن حدیث غیرهم، و قد علمنا أنّا ل نحیط بجمیع ما روی عنهم فی هذا المعنی و لا فی غیره، لکن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته، و لا أخرجت فیه حدیثا روی عن الشذاذ من الرجال، یؤثر ذلک عنهم عن المذکورین غیر المعروفین بالروایة المشهورین بالحدیث و العلم». و فی کلیات فی علم الرجال جعل الخامس من التوثیقات العامة «ما وقع فی أسناد کتاب کامل الزیارة». و قال فی ص300 – 302 بعد نقل عبارة ابن قولویه المذکورة: «و ربما یستظهر من هذه العبارة أنّ جمیع الرواة المذکورین فی أسناد أحادیث ذلک الکتاب ممن روی عنهم إلی أن یصل إلی الإمام من الثقات عند المؤلف ... فاستخرج أسامی کل من ورد فیها فبلغت 388 شخصا و قد أشار بما ذکرنا الشیخ الحر العاملی فی الفائدة السادسة من خاتمة الکتاب و قال: و قد شهد علی بن إبراهیم أیضا بثبوت أحادیث تفسیره، و أنّها مرویة عن الثقات عن الأئمة و کذلک جعفر بن محمد بن قولویه فإنّه صرح بما هو أبلغ من ذلک فی أول مزاره " و ذهب صاحب معجم رجال الحدیث إلی أنّ هذه العبارة واضحة الدلالة علی أنّه لایروی فی کتابه روایة عن المعصوم إلا و قد وصلت إلیه من جهة الثقات من أصحابنا ... ثم قال: "ما ذکره صاحب الوسائل متین فیحکم بوثاقة من شهد علی بن إبراهیم أو جعفر ابن محمد بن قولویه بوثاقته اللهم إلا أن یبتلی بمعارض" أقول: ... الحق ما إستظهره المحدث المتتبع النوری فقد استظهر منه أنّه نص علی توثیق کل من صدر بهم سند أحادیث کتابه لا کل من ورد فی أسناد الروایات و بالجملة یدل علی توثیق کل مشایخه لا توثیق کل من ورد فی أسناد هذا الکتاب و قد صرح بذلک فی موردین: الأول: فی الفائدة الثالثة من خاتمة کتابه المستدرک قال: ... و قال:" من جملة الأمارات الکلیة علی الوثاقة کونها من مشایخ جعفر بن قولویه فی کتابه کامل الزیارات"». و قال فی ص304: «و إذا کان الحق ما استظهره المحدث النوری و أنّ العبارة لاتدل إلا علی وثاقة مشایخه فعلینا بیان مشایخه التی لاتتجاوز 32 شیخا حسب ما أنهاهم المحدث النوری و إلیک أسماؤهم».

الثالثة: إکثار الکلینی (قدس سره) الروایة عنه((1)) (أکثر من 2300 روایة).

ص: 56


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص169: «و اعتماد الکلینی علیه بکثرةٍ و فی الکتاب الموصوف بما تقدَّم یمنعنا من الجزم بضعفه»، راجع اإستقصاء الإعتبار فی شرح الإستبصار، ج 1، ص134. و فی تعلیقة الوحید البهبهانی علی منهج المقال، ص197 – 198: «قوله "سهل بن زیاد" إشتهر الآن ضعفه و لایخلو من نظر لتوثیق الشیخ و کونه کثیر الروایة جدّاً و لأنّ روایاته سدیدة مقبولة مفتی بها و لروایة جماعة من الأصحاب عنه کما هو المشاهد و صرح به هنا (جش) بل و روایة أجلّائهم عنه بل و إکثارهم من الروایة عنه منهم عدة من أصحاب الکلینی و سیجیء ذکرهم فی الخاتمة و الکلینی مع نهایة احتیاطه فی أخذ الروایة و إحترازه عن المتهمین کما هو ظاهر و مشهور و ینبّه علیه ما سیجیء فی ترجمته إکثاره من الروایة عنه بمکان سیما فی کافیه الذی قال فی صدره ما قال فتأمل» و للوحید (قدس سره) مناقشات فی کلام المحقق الشیخ محمد، فراجع ص198 – 200. و فی خاتمة المستدرک، ج5، ص222 – 224: «ه - إعتماد المشایخ العظام علیه و إکثارهم من الروایة عنه أمّا ثقة الإسلام فلایخفی - علی من راجع جامعه الکافی - کثرة إعتنائه به و إکثاره من نقل الحدیث بتوسطه و عدّه فی عداد المشایخ الأجلة حتی عدّ له عدة و هکذا الشیخ الصدوق فی جمیع کتبه التی بأیدینا و أما الشیخ أبو عبد الله المفید ففی رسالته العددیة فی الرد علی الصدوق بعد أن ذکر حدیث حذیفة بن منصور و فی سنده محمد بن سنان و طعن علیه بسببه و ذکر حدیثا سنده محمد بن یحیی عن سهل بن زیاد الآدمی عن بعض أصحابه، عن الصادق (علیه السلام) و طعن علیه بوجوه کثیرة ترجع إلی العلة فی المتن و الإرسال فی السند و لم یصنع بسهل ما صنع قبیله بمحمد ... و أمّا الشیخ فقد تقدم ما یدل علی ذلک و ذکره أیضا فی المشیخة فی عداد من نقل عن أصله أو کتابه».

الرابعة: توثیق الشیخ الطوسی (قدس سره) له فی رجاله((1)).

الخامسة((2)): إنّ بعض الأعلام قالوا بوثاقته مثل الشهید الثانی و المحقّق الثانی و صاحب الوسائل و الوحید البهبهانی و صاحب الجواهر و الشیخ الأنصاری (قدس سره).

ص: 57


1- فی رجال الطوسی، ص387: «سهل بن زیاد الآدمی یکنّی أبا سعید ثقة رازی». و فی خاتمة المستدرک، ج5، ص214: «أ- قول الشیخ فی أصحاب الهادی (علیه السلام) من رجاله: سهل الآدمی یکنی أبا سعید ثقة رازی و قد ألّفه بعد تألیف الفهرست لقوله فی ترجمة الصدوق و الکلینی و العیاشی: إنّی ذکرت کتبهم فی الفهرست و یعلم من التهذیب أیضا أنّ بناءه کان علی ذلک فإنّه (رحمة الله) کما نص علیه الأستاذ الأکبر کثیرا ما یتأمل فی أحادیث جماعة بسببهم و لم یتفق له فی کتبه مرة ذلک فی حدیث بسببه، بل و فی خصوص الحدیث الذی هو واقع فی سنده ربما یطعن بل و یتکلف فی الطعن من غیر جهة و لایتأمل فیه أصلا» إلخ. و فی قبال ذلک قال فی معجم رجال الحدیث، ج 9، ص356: «المظنون قویا وقوع السهو فی قلم الشیخ، أو أنّ التوثیق من زیادة النساخ و یدل علی الثانی خُلوّ نسخة ابن داود من التوثیق و قد صرح فی غیر موضع بأنّه رأی نسخة الرجال بخط الشیخ- قدس سره- و الوجه فی ذلک أنّه کیف یمکن أن یوثقه الشیخ مع قوله: إنّ أبا سعید الآدمی ضعیف جدّاً عند نقاد الأخبار».
2- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص168: «قال الحرّ العاملی و الوحید البهبهانی (قدس سرهما) عنه: ثقة [و] الشهید و المحقق الثانیان أخذا بروایاته و قال صاحب الجواهر و الشیخ الأعظم: الأمر فی سهلٍ سهلٌ».
و أمّا جهات تضعیف

((1)):

الأولی: استثناء ابن الولید و الصدوق إیاه من رجال نوادر الحکمة((2)).

ص: 58


1- فی خاتمة المستدرک، ج5، ص225: «ثانیها [أی الثانی من أسباب قدحه]: ما فی الکشی قال علی بن محمد القتیبی: سمعت الفضل بن شاذان یقول فی أبی الخیر و هو صالح بن سلمة أبو حماد الرازی: أبو الخیر کما کنی، و قال علی: کان أبو محمد الفضل یرتضیه و یمدحه و لایرتضی أبا سعید الادمی، و یقول: هو أحمق. و ثالثها: ما فی الخلاصة و نقد التفریشی عن الغضائری فی ترجمته: کان ضعیفا جدّاً فاسد الروایة و المذهب، و کان أحمد بن محمد بن عیسی الأشعری أخرجه من قم و أظهر البراءة منه و نهی الناس عن السماع منه و الروایة عنه، و روی المراسیل و یعتمد المجاهیل [راجع رجال ابن الغضائری، ص66 و 67]» و أجاب عنهما فی ص227 – 247.
2- فی تحقیق الأصول، ج2، ص169: «و أمّا إستثناء ابن الولید و ابن بابویه فغیر واضح دلالته علی الجرح لأنّ إستثناء روایات الراوی لایدل علی ضعف الراوی نفسه علی أنّ الصدوق یروی عن سهل فی الفقیه و قد إلتزم بالفتوی بما فیه». و فی تعلیقة الوحید البهبهانی علی منهج المقال، ص 200: «و إستثناء ابن الولید إیاه من رجال محمد بن أحمد بن یحیی علی ما سیجیء فیه لو سلم دلالته علی القدح لعله لما فعل أحمد لأنّه کان المرجع فی قم و کیف کان یظهر حاله فی الفائدة فتأمل». و فی بحوث فی فقه الرجال، تقریر بحث الفانی، ص179: «و أما النقطة السابعة من الإستدلال فیرد علیها: أوّلاً - أنّ المستثنی هو ابن الولید شیخ الصدوق و رأس المتشددین فی لزوم ضبط الروایة عن الثقات و الإثبات و فی اللعن علی معتمدی المراسیل و الضعفاء فإستثناؤه مع هذا المبین لایدل علی أکثر من ذلک . و یدل علیه قول الشیخ فی الفهرست: و قال أبو جعفر بن بابویه إلا ما کان فیها من غلوّ أو تخلیط إلخ مما یدل دلالة واضحة علی أنّ الإستثناء نشأ من عدم وضوح تلک الروایات و اختلاطها آنذاک و من هنا فقد إستثنی العبیدی أیضا مع شهادة ابن نوح بکونه علی ظاهر العدالة و الوثاقة». و قد تقدم فی الجزء الأول -بعد ذکر روایة علی بن مهزیار و المناقشة بضعف الروایة بصالح بن أبی حماد- ملاحظة علی تلک المناقشة بأنّ الحق وثاقة صالح بأدلة ثلاثة الدلیل الثانی منها أنّه من رجال صاحب نوادر الحکمة و ذکرنا فی التعلیقة ما یتعلق بتلک الرجال نقلا عن معجم رجال الحدیث، ج1، ص70 و ما یتعلق بصاحب نوادر الحکمة نقلا عن معجم رجال الحدیث، ج16، ص48. راجع الجزء الأول، الفصل الخامس (المشتق)، المقدمة الأولی (فی معرفة موضوع المسألة و هو عنوان المشتق)، الموضع الأول (فی مغایرة المشتق الأصولی و الأدبی)، إستشهاد صاحب الکفایة (قدس سره) بفرع فقهی علی دخول القسم الثانی من الجامد الأدبی فی المشتق الأصولی، تحقیق فی هذا الفرع (بذکر نظریتین)، الثانیة: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)، الإیراد الثالث علی نظریته (قدس سره) .

الثانیة: قال النجاشی((1)) «ضعیف فی الحدیث غیر معتمد علیه((2)) و إنّ أحمد

ص: 59


1- فی رجال النجاشی، ص185: «سهل بن زیاد أبو سعید الآدمی الرازی کان ضعیفا فی الحدیث غیر معتمد فیه و کان أحمد بن محمد بن عیسی یشهد علیه بالغلو و الکذب و أخرجه من قم إلی الری و کان یسکنها و قد کاتب أبا محمد العسکری علیه السلام علی ید محمد بن عبد الحمید العطار للنصف من شهر ربیع الاخر سنة 255 ... له کتاب التوحید ... و له کتاب النوادر» إلخ.
2- فی تحقیق الأصول، ج2، ص169: «و تبقی کلمة النجاشی: ضعیف فی الحدیث غیر معتمد علیه أمّا ضعیف فی الحدیث فلایدلّ علی ضعف الرجل نفسه، فلو کانت هذه الجملة وحدها فلا إشکال، لکنّ قوله: غیر معتمد علیه یمنعنا من الجزم برجوع التضعیف إلی روایاته دون نفسه». راجع الفوائد الرجالیة للشیخ مهدی الکجوری الشیرازی، ص144؛ و إستقصاء الإعتبار فی شرح الإستبصار، ج 3، ص، 236؛ و بحوث فی فقه الرجال، تقریر بحث الفانی، ص176 و 177. و فی تعلیقة الوحید البهبهانی علی منهج المقال، ص198: «فیه أنّه لانسلّم دلالته [أی قوله: ضعیف فی الحدیث] علی الجرح و إن سلمنا دلالة "ضعیف" علیه کما مر فی الفائدة بل ربما یشعر بخلافه و حکم المشایخ بعدم المنافاة بین توثیق الشیخ و قول (جش) "ضعیف فی الحدیث" فی شان محمد بن خالد البرقی و مرّ فی سلمة بن الخطاب عن (جش) کان ضعیفا فی حدیثه غض ضعیف و ربما یظهر من (صه) أیضا ذلک فیه و ربما یومی إلیه أیضا فلان فاسد المذهب ضعیف الروایة و فلان و إن کان فاسد المذهب إلّا أّنه ثقة فی الروایة و هما منهم فی غایة الکثرة و فی معاویة بن عمار و زیاد بن أبی الحلال ما ینبّه فتأمل و مر فی الفائدة الفرق بین ثقة و ثقة فی الحدیث علی أنّه یحتمل أن یکون ذلک أیضا من جملة ما ذکره عن شیخیه برجوع ذلک إلی الکل لقوله رواه عنه جماعة مع قوله فی عبد الله بن سنان و غیره ما قال فیکون له نوع تأمل فیه أیضا و لعل ابن نوح ذکر الضعف فی الحدیث و غض ضعیف فاختار الأوّل لأنّه أقوی من الثانی عنده کما هو الظاهر فی غیر الموضع و ذکروا فی ابن نوح ما ذکروا و فی غض ما أشیر إلیه مضافا إلی نوع تأمل فیه فتأمل». و فی خاتمة المستدرک جعل الأول من أسباب قدحه ما فی النجاشی ثم قال فی ص226 و 227: «أما الجواب عن الأول: ... و أما قول النجاشی فلاینافی الوثاقة و لایعارض توثیق رجال الشیخ فإنّ المراد من الضعف فی الحدیث الروایة عن الضعفاء و المجاهیل و الإعتماد علی المراسیل و هی غیر قادحة فی العدالة کما فعل العلامة و جمهور الفقهاء فی محمد بن خالد الذی وثقه الشیخ و قال فیه النجاشی ما قال فی سهل فحکموا بوثاقته مع بنائهم علی تقدیم الجارح خصوصا إذا کان مثل النجاشی و هکذا فی غیره».

بن محمد بن عیسی شهد علیه بالغلو و الکذب((1)).»

الثالثة: تضعیف الشیخ الطوسی (قدس سره) له فی الفهرست((2)) و قال فی الاستبصار((3)):

ص: 60


1- فی تحقیق الأصول: «و أمّا شهادة أحمد بن محمّد بن عیسی فیشکل الإعتماد علیها فقد ذکروا أنّه کان متسرّعاً فی رمی الأشخاص و قضیته مع محمّد بن عیسی بن عبید مشهورة علی أنّ فی نقل النجاشی أنّه کان یرمی الرجل بالغلوّ و هذا یرجع إلی عقیدة أحمد بن محمد بن عیسی فی مفهوم الغلوّ و مصداقه». و فی تعلیقة الوحید البهبهانی علی منهج المقال، ص199و 200: «و ما شهد به أحمد مع کونه فی غایة الضعف لو سلم معارضته فغیر لازم أن یکون کل کذب من تقصیر و حراما کیف و فسر فی المشهور بما فسر و لا بعد فی کونه من أسباب الضعف عند القدماء کنظایره مما أشیر فی الفائدة فتأمل مع إحتمال أنّ أحمد توهّم کونه من تقصیر و حراما فتأمل علی أنّه مر فی الفائدة ما فیه أیضا فلاحظ و الغلو لو سلم عدم إمکان توجیهه غایة الأمر أن یکون موثقا إذ الغلاة حالهم حال الفطحیة و الواقفیة و أمثالهما بالنسبة إلی الأدلة و الکفر ملة واحدة إلّا توهم اشتراط الإسلام فی الراوی و فی عدم ثبوت اجماع حجة علی ذلک بل و عدم ظهوره سیما بالنسبة إلی مثل الغلو بل لایخفی علی المتتبع فی الرجال و کتب الأخبار أنّ مشایخنا القدماء و رواتهم کانوا یعتمدون علی المعتمدین من الغلاة بالنسبة إلی الرجال و الأخبار فلاحظ». راجع بحوث فی فقه الرجال - تقریر بحث الفانی ص177.
2- فی الفهرست، ص142: «سهل بن زیاد الآدمی الرازی یکنی أبا سعید ضعیف له کتاب» الخ .
3- فی الإستبصار، ج3، ص260 و 261: «فإن قیل کیف یقولون إنّ الظهار بشرط واقع و قد رویت أخبار أنّه إذا کان مشروطا لایقع روی ذلک أحمد بن محمد بن یحیی عن أبی سعید الآدمی عن القاسم بن محمد الزیات ... قیل له أول ما فی هذه الأخبار أنّ الخبرین منهما و هما الأخیران مرسلان و المراسیل لایعترض بها علی الأخبار المسندة لما بیناه فی غیر موضع و أما الخبر الأول فراویه أبوسعید الآدمی و هو ضعیف جدا عند نقاد الاخبار و قد إستثناه أبو جعفر بن بابویه فی رجال نوادر الحکمة».

ضعیف عند نقّاد الخبر((1)).

ص: 61


1- فی تحقیق الأصول: «و الشیخ و إن ضعَّف الرجل فی الفهرست و الإستبصار فقد وثقه فی رجاله فمن جهةٍ یتقدّم توثیقه لکونه فی الکتاب المعدّ للجرح و التوثیق و من جهةٍ نراه فی الإستبصار یقول: ضعیف عند نقّاد الأخبار، فلیس ضعیفاً عنده فقط لکن لقائل أن یقول بأنّ الکلمة تشعر برجوع التضعیف منهم إلی أخباره لا إلی نفسه، فتأمّل». و فی تعلیقة الوحید البهبهانی علی منهج المقال، ص198بعد نقل کلام المحقق الشیخ محمد (قدس سره): «فیه أوّلاً أنّ تضعیف الشیخ لایدل علی القدح فی نفس الراوی کما مر فی الفائدة الثانیة و لیس ما ذکرت الا من الخلط بین إصطلاح القدماء و المتأخرین کما خلط جمع فی قولهم صحیح الحدیث فحکم بإرادة العدالة فاعترضت أنت و غیرک أیضا علیهم به و علی الفرق بناء المحقق الآن. فإن قلت نفس تضعیفه و إن لم یدل الا إنّ الظاهر أنّ منشأه شهادة أحمد بن محمد بن عیسی و إخراجه من قم قلت فإذن یرتفع الوثوق لما مر فی الفائدة من ذکر الطیارة و قال المحقق المذکور أنّ أهل قم کانوا یخرجون الراوی بمجرد توهّم الریب». و فی خاتمة المستدرک بعد أن جعل الرابع من أسباب قدحه ما فی الفهرست قال فی ص247 و 248: «و من جمیع ذلک ظهر الجواب عن الرابع و هو تضعیف الشیخ فی الفهرست لوجوب تقییده بقاعدة الجمع بما فی النجاشی الغیر المنافی للوثاقة مع رجوعه عنه فی رجال الشیخ المتأخر عن الفهرست و احتمال التعارض فی کلامیه ثم التساقط فاسد بعد معلومیة التأخر کما علیه عمل الأصحاب بالنسبة إلی فتاوی صاحب المؤلفات المتعددة المعلوم تأخر بعضها عن بعض مضافا إلی عدم مقاومته لجمیع ما مر فلاحظ و تأمل». راجع الفوائد الرجالیة للشیخ مهدی الکجوری الشیرازی، ص144 -145؛ و بحوث فی فقه الرجال، تقریر بحث الفانی ص175 و 176. و فی معجم رجال الحدیث، ج 9، ص357 بعد أن قال بضعفه أو عدم ثبوت وثاقته: «بقی هنا أمور: الأوّل: قال العلّامة فی ترجمة سهل بن زیاد من الباب 7 من فصل السین، من القسم الثانی: إختلف قول الشیخ الطوسی (قدس سره) فیه، فقال فی موضعٍ إنّه ثقة، و قال فی عدة مواضع: إنّه ضعیف، أقول: لم نظفر علی قول الشیخ فی تضعیفه إلا فی موردین و قد تقدما، و لعله- قدس الله نفسه- قد ظفر بما لم نظفر به. الثانی: أنّ بعض من حاول توثیق سهل بن زیاد، ذکر فی جملة ما ذکر أنّ تضعیف الشیخ لایعارض توثیقه، فإنّ کتاب الرجال متأخر عن کتاب الفهرست، فیکون توثیقه عدولا عن تضعیفه. و هذا الکلام مخدوش من وجوه: الأول: أنّ هذا إنّما یتم فی الفتوی دون الحکایة و الإخبار، فإنّ العبرة فیها بزمان المحکی عنه دون زمان الحکایة، فبین الحکایتین معارضة لامحالة. الثانی: أنّ تضعیف الشیخ فی الفهرست، و إن کان متقدما علی توثیقه، إلا أنّ تضعیفه فی الإستبصار غیر متقدم علیه. الثالث: أنّ توثیق الشیخ معارض بما ذکرناه من التضعیفات، و لاسیما شهادة أحمد بن محمد بن عیسی بکذبه».

و بعض الأساطین (حفظه الله) یقول((1)) بالتوقف و الاحتیاط الواجب فی روایات سهل مع عدم جواز الرجوع فی هذا الاحتیاط الواجب إلی غیره، لأنّه فتوی بالاحتیاط لا أنّه احتیاط فی الفتوی.

ملاحظتنا علیه:

إنّ هنا أنظار بین الأعلام، و قد أشرنا إلیه فی المباحث الرجالیة و ملخّص الکلام هو أنّ بعض الأعلام مثل المحقّق الخوئی و الأستاذ آیة الله المیرزا جواد التبریزی((2)) (قدس سرهما) ذهبا إلی عدم وثاقته.

و فی قبالهم بعض الأعلام قالوا بوثاقته لوجوه، منها کثرة نقل الأجلاء عنه و منها کثرة روایاته، و منها اعتماد الشیخ الکلینی (قدس سره) علیه. و هذا القول مختار المحدث النوری (قدس سره) و الأستاذ المحقق الرجالی السید الزنجانی.

و المعتمد هو القول الأخیر، لأنّ تضعیف القدماء إیاه معلّل بالغلوّ و تضعیف القدماء المستند إلی الغلوّ لا اعتبار به لما هو محرّر فی محلّه و لذا لایعارض توثیقه.

فالحقّ عندنا هو توثیقه.

ص: 62


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص170: «فالحق هو التوقّف و القول بالإحتیاط الوجوبی فی روایاته فی الأحکام الشرعیة».
2- عدّه ضعیفا فی تنقیح مبانی الأحکام، کتاب الدیات، ص118 و 174 و کتاب القصاص، ص312.
النظریة الثانیة:
اشارة

ما أفاده المحقّق الإصفهانی((1)) و المحقّق الخوئی((2)) (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله) .

بیان بعض الأساطین (حفظه الله) فی إبطال الامتثال بعد الامتثال و تبدیل الامتثال:

أمّا الامتثال بعد الامتثال فباطل من جهة أنّ المأتی به من أفراد الطبیعة المأموربها و به یتحقّق الامتثال و یسقط الأمر (کما مضی الاستدلال علیه) و إذا سقط الأمر فلا معنی للامتثال حیث إنّ صدق عنوان الامتثال متقوّم بوجود الأمر((3)).

ص: 63


1- فی نهایة الدرایة، ج1، ص373 و 374 فی التعلیقة علی قوله «نعم لایبعد أن یقال بأنّه یکون للعبد تبدیل الإمتثال»: «قد أشرنا فی آخر مبحث المرة و التکرار إلی أنّ إتیان المأمور به بحدوده و قیوده علة تامة لحصول الغرض فیسقط الأمر قهرا ... و أما ما ورد من الأمر بالإعادة فی باب المعادة ... فلا دلالة له علی أنّ ذلک من باب تبدیل الإمتثال بالإمتثال».
2- فی المحاضرات(ط.ج)، ج2، ص36و(ط.ق)، ج2، ص225: «إنّ المکلف إذا جاء بالمأمور به و أتی به خارجاً واجداً لجمیع الأجزاء و الشرائط حصل الغرض منه لامحالة و سقط الأمر و الّا لزم الخلف أو عدم إمکان الإمتثال أبداً، أو بقاء الأمر بلا ملاک و مقتض، و الجمیع محال: أما الأول فلأنّ لازم بقاء الأمر تعدد المطلوب لا وحدته و هو خلف و أما الثانی فلأنّ الإمتثال الثانی کالإمتثال الأول، فإذا لم یکن الأول موجباً لسقوط الأمر فالثانی مثله، و هکذا. و أما الثالث فلأنّ الغرض إذا تحقق فی الخارج و وجد کیف یعقل بقاء الأمر؟ ضرورة استحالة بقائه بلا مقتض و سبب فالنتیجة أنّ إجزاء الإتیان بالمأمور به عن أمره ضروری من دون فرق فی ذلک بین المأمور به الواقعی و الظاهری و الإضطراری أصلا و علی ضوء ما بیناه قد ظهر أنّ الإمتثال عقیب الإمتثال غیر معقول».
3- فی تحقیق الأصول، ج2، ص160: «أمّا الإمتثال بعد الإمتثال، ففیه أنّ المفروض تعلّق الأمر بطبیعی المأمور به، و المفروض إتّحاد الطبیعی مع الفرد و وجوده بوجوده، فیکون انطباق المأمور به علی المأتی به قهریاً، و معه یتحقق الإمتثال، و إذا تحقق سقط الأمر، و إذا سقط فلا موضوع للإمتثال، لوضوح تقوّمه بالأمر، و مع عدم الأمر، کیف یکون الوجود الثانی إمتثالًا؟».

و أمّا تبدیل الامتثال بالامتثال الآخر فباطل أیضاً.

أوّلاً: لعدم صدق عنوان الامتثال بعد سقوط الأمر.

و ثانیاً: تبدیل الامتثال بالامتثال الآخر انقلاب للموجود و انقلاب الموجود محال((1)).

قیل بإمکان تبدیل الامتثال بإتیان مصداق آخر من الطبیعة المأموربها بما أنّه فرد من الطبیعة المذکورة لا بما أنّه امتثال.

و فیه أنّ إشکال الانقلاب باق بحاله و إن لم یرد علی هذا البیان الإشکال الأوّل (أی عدم صدق الامتثال بعد سقوط الأمر)((2)).

و الحاصل أن الحق النظریةُ الثانیة و عدمُ جواز الامتثالِ بعد الامتثال و تبدیلِ الامتثال و عدمُ دلالة الروایات علیه.

و لهذا البحث ثمرة فی مسائل من الفقه: ((3))

ص: 64


1- «و أمّا تبدیل الإمتثال، ففیه- مضافاً إلی ما تقدّم- إنّه مع تحقق الإمتثال یکون تبدیله بإمتثالٍ آخر إنقلاباً للموجود، و إنقلاب الموجود محال».
2- «و به یظهر ما فی کلام بعضهم من إمکان تبدیل الفرد المأتی به بمصداقٍ آخر من الطبیعة بما أنّه فرد من الطبیعة- لا بعنوان الإمتثال- غیر أنّ المولی یحصّل غرضه من هذا الفرد الثانی فإنّه لایرفع إشکال الإنقلاب، للزومه، سواء أتی به بعنوان الإمتثال أو بعنوان الفردیة للطبیعة».
3- أما بعض ثمراته: ففی کتاب الصلاة (للنائینی)، ج 1، ص175 - 176: «و أما الصلاة المعادة جماعة فهی و إن کانت مستحبّة شرعا إلّا أنّ قوله علیه السلام "لیختار الله أحبّهما إلیه" یدلّ علی أنّها تکون من باب الامتثال عقیب الامتثال، فلا بدّ أن تکون أیضا واجدة لجمیع الشرائط حتّی یمکن أن تکون أحبّهما إلیه». و فی مهذب الأحکام، ج 6، ص286 - 287: «إنّ حرمة العدول هل هی نفسیة أو غیریة؟ إستدل علی الأخیر بأنّه من الزیادة العمدیة و أنّه من القران الممنوع و من الإمتثال بعد الإمتثال و الکلّ مخدوش ... و الثانی ممنوع صغری و کبری و الأخیر کذلک أیضا». و فی ج 8، ص177: «فروع- الأول: یجوز تکرار المعادة- إماما أو مأموما أو هما معا- لغرض صحیح شرعی لأنّ ذلک خیر محض فیشمله إطلاق قوله تعالی (فَاسْتَبِقُوا الْخَیراتِ) مع أنّ الإمتثال بعد الإمتثال رجاء بداعی أن یختار الله أحبّهما إلیه من أجلّ مقامات العبودیة و الإنقیاد ... الثانی: تجوز إعادة الفریضة مطلقا لدرک شرف و فضیلة لم تکن فی المبتدأة من فضل مکان، أو حالة انقطاع إلیه تعالی، لما مرّ فی بعض الأخبار من أنّه "یختار اللّه أحبّهما إلیه" مع أنّ صحة الإمتثال بعد الإمتثال موافق للقاعدة- کما ثبت فی محله- إلّا إذا کان امتثال الأول علة تامة منحصرة لسقوط الأمر خطابا و ملاکا و قبولا بجمیع مراتب القبول و أنّی للعبد القاصر حصول العلم بذلک؟». هذه موارد من کلام من یری جواز الإمتثال عقیب الإمتثال و فی قبالهم یقول کثیر من الأساطین باستحالته: ففی جواهر الکلام، ج 9، ص133: «و أما أذان الصلاة فلا ریب فی عدم جواز تکراره للمنفرد إذا لم یحصل مقتض له من فصل معتد به بینه و بین الصلاة و نحوه، لعدم معقولیة الإمتثال عقیب الإمتثال». و فی کتاب الإجارة (للأصفهانی)، ص206: «حیث إنّ وحدة البعث تقتضی عقلا وحدة المبعوث إلیه، لاستحالة وحدة الحکم و تعدد متعلقة وجودا فالمطلوب وجود واحد من الطبیعة ... و کما لایعقل إطلاقه من حیث المرّة و المرّات مع استحالة الإمتثال عقیب الإمتثال کذلک لایعقل إطلاقه من حیث الوحدة و التعدد مع استحالة وحدة البعث و تعدد المبعوث الیه». و فی مستمسک العروة الوثقی، ج 7، ص492: «و الإجزاء لایلازم إنقلاب ما فی الذمة، فإذا کان الواقع محفوظاً فی نفسه، کان امتثاله مسقطاً لأمره جزماً، فیرتفع موضوع الإحتیاط. اللهم إلا أن یقال: أدلة حرمة الإبطال راجعة إلی تحریم تبدیل الإمتثال، فلایصح، و لو لم یوجب بطلان العمل. فتأمل ... أو یقال: بأنّ الإستئناف یتوقف علی بقاء الأمر بالأجزاء المستأنفة، و مقتضی فرض صحة الأجزاء المأتی بها سقوطه و الامتثال عقیب الامتثال ممتنع». راجع مصباح الهدی فی شرح العروة الوثقی لمیرزا محمد تقی الآملی، ج 7، ص84، ج 12، ص23 و کتاب الصلاة (للأراکی)، ج 1، ص470 و 471.

ص: 65

ص: 66

الفصل الثانی:

اشارة

هل الإتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری

یجزی عن الأمر الواقعی؟

ص: 67

ص: 68

المقام الأوّل: مقام الثبوت

اشارة

((1))

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

إنّ هنا أربع صور فی مقام الثبوت، لابدّ من بیانها و بیان حکمها من حیث الإجزاء عن الأمر الواقعی و جواز البدار إلی امتثال الأمر الاضطراری.

الصورة الإجمالیة من کلام صاحب الکفایة((2)) (قدس سره):

التکلیف الاضطراری إمّا واف بتمام مصلحة الواقع (الإجزاء و جواز البدار فی بعض صوره).

و إمّا غیر واف بتمام مصلحة الواقع و هو علی قسمین:

القسم الأوّل: الباقی غیر ممکن الاستیفاء (الإجزاء و عدم جواز البدار).

القسم الثانی: الباقی ممکن الاستیفاء و هو علی وجهین:

ص: 69


1- أی الأنحاء و الصور التی یمکن أن یقع علیه الأمر الإضطراری.
2- فی کفایة الأصول، ص84: «إعلم أنّه یمکن أن یکون التکلیف الإضطراری فی حال الإضطرار کالتکلیف الاختیاری فی حال الإختیار وافیا بتمام المصلحة و کافیا فیما هو المهم و الغرض و یمکن أن لایکون وافیا به کذلک بل یبقی منه شیء أمکن إستیفاؤه أو لایمکن و ما أمکن کان بمقدار یجب تدارکه أو یکون بمقدار یستحب».

الوجه الاوّل: واجب التدارک (عدم الإجزاء و التخییر).

الوجه الثانی: مستحب التدارک (الإجزاء و جواز البدار).((1))

أمّا الصورة الأُولی

((2)):

و هی أن یکون الأمر الاضطراری وافیاً بتمام المصلحة فحینئذ لایبقی مجال للتدارک لا قضاءً ولا إعادةً، فالأمر الاضطراری یجزی عن الواقع بلا إشکال.

أمّا جواز البدار فهنا احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأوّل: أن یکون العمل بمجرد الاضطرار مطلقاً وافیاً بتمام المصلحة (أی الموضوع مجرد الاضطرار) فخینئذ یجوز البدار مطلقاً.

ص: 70


1- فی المحجة فی تقریرات الحجة، ج 1، ص165: «لایخفی أنّ ما قاله المحقق المذکور من إنحصار الأقسام لیس فی محله، بل یمکن أن نفرض أقساما أخر و نذکر عجالة قسما آخر و هو أن لایکون التکلیف الإضطراری وافیا بالمصلحة أصلا، مثلا یمکن أن یکون أمر الشارع من بقی قضاء صومه من رمضان إلی رمضان آخر إعطاء مد من طعام لکل یوم کذلک، حیث إنّ مصلحة الصوم تفوت عن المکلف کلیة و یکون التکلیف بأداء مد تکلیف آخر، و المحقق المذکور قال بأنّ التکلیف الإضطراری إما أن یکون وافیا بتمام المصلحة أو وافیا ببعض المصلحة، فیمکن أن نفرض فی مورد لم یکن التکلیف الإضطراری وافیا بالمصلحة أبدا و بقیت المصلحة تماما، و هذا واضح. فعلی هذا حصر الأقسام باطل، لما قلنا». و فی المحاضرات ج 1، ص202: «الظاهر أنّ الأنحاء المتصورة فی ذلک المقام لاتکون مقصورة علی ما ذکره لأنّ جمیع الأقسام التی ذکرها مشترکة فی کون المأمور به الإضطراری وافیا بمصلحة المأمور به الإختیاری کلها أو بعضها و هنا قسم آخر و هو أن لایکون وافیا بشی ءٍ منها بل کان فیه مصلحة أخری فیکون هناک مصلحتان: إحداهما فی المأمور به الثانوی و الأخری فی المأمور به الأولی ... و بالجملة لا ینحصر الأنحاء فیما ذکرها و إنّما یتصور أنحاء آخر لا فائدة فی إطالة الکلام بذکرها».
2- فی کفایة الأصول، ص84: «و لایخفی أنّه إن کان وافیا به یجزی فلایبقی مجال أصلا للتدارک لا قضاء و لا إعادة ... و أما تسویغ البدار أو إیجاب الإنتظار فی الصورة الأولی، فیدور مدار کون العمل-بمجرد الإضطرار مطلقا، أو بشرط الإنتظار، أو مع الیأس عن طروّ الإختیار- ذا مصلحة و وافیا بالغرض».

الاحتمال الثانی: أن یکون العمل بشرط الانتظار وافیاً بتمام المصلحة(أی الموضوع الاضطرار فی جمیع الوقت) فحینئذ لایجوز البدار.

الاحتمال الثالث: أن یکون العمل بشرط الیأس عن طروّ الاختیار وافیاً بتمام المصلحة فحینئذ یجوز البدار بحصول الیأس.((1))

أمّا الصورة الثانیة

((2)):

و هی أن لایکون الأمر الاضطراری وافیاً بتمام المصلحة و المصلحة الباقیة غیر ممکن الاستیفاء فهنا أیضاً یجزی عن الواقع.

أمّا البدار فلایجوز لأنّه یوجب تفویت مقدار من المصلحة و هو نقض الغرض.((3))

ص: 71


1- فی المحجة فی تقریرات الحجة، ج 1، ص166: «ما قال من الإجزاء فی الصورة الاولی لیس فی محله، إذ یمکن أن تکون المصلحة المأمور بها بالأمر الإضطراری مادامیا و لم تکن مطلقة، مثلا یمکن أن یکون للتکلیف بالتیمم مصلحة مشروطة و معلقة بحال الإضطرار، فإذا خرج المکلف عن حال الإضطرار و صار مختارا یلزم علیه الإعادة أو القضاء، فما قاله من أنّه مطلقا لو کان وافیا بتمام المصلحة کان مجزیا لیس فی محله، بل إن کانت مصلحة التکلیف الإضطراری وافیة بتمام مصلحة التکلیف الإختیاری مطلقا یمکن أن یقال بالإجزاء و عدم لزوم الإعادة أو القضاء».
2- فی کفایة الأصول، ص84: «ولایخفی أنّه إن کان وافیا به یجزی ... و کذا لو لم یکن وافیا و لکن لایمکن تدارکه و لایکاد یسوغ له البِدار فی هذه الصورة إلّا لمصلحٍة کانت فیه لما فیه من نقض الغرض وتفویت مقدار من المصلحة لولا مراعاة ما هو فیه من الأهم فافهم. لایقال: علیه فلا مجال لتشریعه ولو بشرط الإنتظار لإمکان استیفاء الغرض بالقضاء فإنّه یقال: هذا کذلک، لولا المزاحمة بمصلحة الوقت».
3- فی المحجة فی تقریرات الحجة، ج 1، ص166: «و هکذا فی الصورة الثانیة و هی ما لم یکن وافیا بتمام المصلحة إلّا أّنه تکون مصلحته الباقیة غیر ممکنة التدارک فما قاله من الإجزاء فاسد، إذ یمکن أن لایتمکن تدارک المصلحة الفائتة، و مع هذا لم یکن مجزیا کما أنّه یمکن أن یکون کذلک حکم الإتیان بصلاة الظهر ممن حضر لصلاة الجمعة، و فی حال انعقاد الصلاة لم یکن مع الوضوء فأمره بمقتضی الروایة بالتیمم و الإتیان بصلاة الجمعة، و مع هذا یجب علیه الإعادة أو قضاء صلاة الظهر، ففی المورد الذی فقد فیه عن المکلف مصلحة صلاة الجمعة و لم یمکن تدارکها و مع هذا أمره الشارع بإتیان صلاة الظهر فیمکن فرض مورد لم یمکن درک المصلحة الفائتة و مع ذلک لایجزی و یلزم علیه الإتیان به أو ببدله».
أمّا الصورة الثالثة

((1)):

و هی أن لایکون الأمر الاضطراری وافیاً مع إمکان تدارک الباقی و وجوب تدارکه فحینئذ لایجزی بل لابدّ من إیجاب الإعادة أو القضاء.

و هنا یتخیّر بین أمرین:

الأوّل: البدار إلی العمل الاضطراری ثم إتیان العمل الاختیاری بعد رفع الاضطرار.

الثانی: الانتظار إلی رفع الاضطرار و الإتیان بالعمل الاختیاری بعد رفع الاضطرار.((2))

ص: 72


1- فی کفایة الأصول، ص85: «وإن لم یکن وافیا و قد أمکن تدارک الباقی فی الوقت أو مطلقا و لو بالقضاء خارج الوقت فإن کان الباقی مما یجب تدارکه فلایجزی بل لابد من إیجاب الإعادة أو القضاء ... یتخیر ... بین البدار والإتیان بعملین: العمل الإضطراری فی هذا الحال و العمل الإختیاری بعد رفع الإضطرار أو الإنتظار و الإقتصار بإتیان ما هو تکلیف المختار».
2- فی المحجة فی تقریرات الحجة، ج 1، ص167: «و کذلک فی الصورة الثالثة و هی الصورة التی لم یحصل المکلف تمام المصلحة و یکون ما بقی من المصلحة اللازمة التدارک فقال المحقق المذکور بلزوم الإعادة أو القضاء، و هذا فاسد أیضا، إذ یمکن أن یکون مقدار من المصلحة باقیا و ملزما و مع ذلک لایرید الشارع من المکلف درکه کما یمکن أن یکون کذلک فی صلاة و صوم الحائض حیث أمرها الشارع بقضاء الصوم و لم یأمرها بقضاء الصلاة، و لا شک فی أنّ من الحائض فاتت مصلحة الصلاة و لم تدرکها و کان بالإمکان تدارکها و تکون مصلحتها ملزمة و مع ذلک رفع الشارع عنها تسهیلا کما ورد فی الروایة. فثبت أنّه یمکن فی هذا الفرض أنّه مع فوت المصلحة و لزوم درکها لم یأمر الشارع بالإتیان و یکون ما أتی به فی حال الإضطرار مجزیا، و فی هذا المثال فات عن الحائض تمام المصلحة و مع ذلک لم یأمرها الشارع بالقضاء فیمکن أن نکون کذلک فی مورد فوت بعض المصلحة، فافهم».
أمّا الصورة الرابعة

((1)):

و هی أن لایکون الأمر الاضطراری وافیاً مع إمکان تدارکه و استحباب ذلک فحینئذ یجزی الأمر الاضطراری عن الأمر الواقعی الأولی.

و یجوز البدار و یستحب الإعادة بعد طروّ الاختیار.((2))

ص: 73


1- فی کفایة الأصول، ص85: «فإن کان الباقی مما یجب تدارکه فلایجزی ... و إلّا فیجزی ... و فی الصورة الثانیة یجزی البدار و یستحب الإعادة بعد طروّ الإختیار».
2- إنّ کلام المحقق الخراسانی مبتنٍ علی تعدد الأمر الإختیاری و الإضطراری –کما أفاد المحقق البروجردی- و فی قباله المحقق الآشتیانی و البروجردی قائلان بوحدة الأمرین فقالا بالإجزاء. راجع الرسائل التسع لمیرزا محمدحسن الآشتیانی، ص73؛ و الحجة فی الفقه، ص142. و المحقق الأردکانی یقول بابتناء الإجزاء و عدمه علی وحدة الأمرین و تعددهما. ففی غایة المسؤول فی علم الاصول، ص281: «و مبنی النزاع فی هذا و هو أنّ الأوامر المذکورة هل هی من الوجوه و الکیفیات للتکلیف الواحد بالنسبة إلی إمکان وقوعه؟ علی أنحاء متعددة بحسب أحوال المکلف فالمطلوب هو طبیعة الصلاة لکن یرید إیجادها مع الوضوء عند القدرة و مع التیمم عند العذر أو لا بل التکلیف متعدد بتعدد الحالات و بما ذکرنا علم أنّ النزاع إنّما هو فی أمر عقلی و هو التلازم بین إتیان المأمور به بأمر و بین سقوط المأمور به بغیر ذلک الأمر» راجع أیضاً ص289. و الأستاذ المحقق البهجة (قدس سره) و إن کان قائلا بوحدة الأمرین و لکن یقول: لاملازمة بین الوحدة و الإجزاء. قال فی مباحث الأصول، ج 1، ص315: «إن کان تکلیف کل من المختار و المضطر متعلقا بعنوان واحد، هو الصلاة المختلف معنوناتها بحسب اختلاف أحوال المکلف من الإختیار و الإضطرار و السفر و الحضر، فمع تسلم الأمر و صدق الصلاة التی هی المأمور بها علی عمل المضطر، فلایعقل بقاء الأمر بعد تحقق متعلقه؛ کما لایعقل بقاء شی ء من مصلحته بعد فعلیة الإنطباق علی ما فی الخارج مما وقع امتثالا للأمر بها و إن کان کل من المضطر و المختار مکلفا بشی ء یغایر الواجب علی الآخر و إن اشترکا فی صدق الصلاة، إلّا أنّ الواجب علی کل، مرتبة خاصة، لا نفس الطبیعة؛ فللبحث عن بقاء مصلحة المرتبة الأخری المصححة للأمر بعد رفع الإضطرار ثبوتا و إثباتا مع فعلیة امتثال الأمر بمرتبة أخری، مجال. فعلی الأول، یکون الإمتثال مجزیا، لوضوح الإجزاء عن الأمر بنفس ما تعلق به هذا الأمر؛ و اختلاف المصادیق ما لم یوجب اختلاف الأمر باختلاف المأمور به، لا یجدی شیئا و علی الثانی، یمکن عدم الإجزاء، لمکان أنّ الإمتثال یمکن أن لا یکون مجزیا عن الأمر الآخر بمرتبة أخری مغایرة للمرتبة الحاصلة امتثالا للأمر بها. فالظاهر أنّ استدلال الشیخ قدس سره للإجزاء، یبتنی علی إثبات الوجه الأول، کما أن ما فی الکفایة من ملاحظة أنحاء المصلحة، یبتنی علی إثبات الوجه الثانی أو عدم تعین أحدهما ...». و لکنّه ناقش فی هذا المطلب فقال: «و یمکن المناقشة فی التردید المتقدم...» أیضاً راجع المحجة فی تقریرات الحجة، ج 1، ص167.
مناقشات أربع فی هذه النظریة:
الإیراد الأول: مناقشة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی الصورة الثانیة
اشارة

((1))

«أما الإجزاء من حیث عدم إمکان استیفاء بقیة المصلحة فهو أجنبی عن مورد البحث فإنّه لایعقل الأمر بما لایبقی معه مجال لاستیفاء الباقی لأنّه نقض للغرض من المولی الآمر فلا أمر حتّی یتکلّم فی إجزائه، و منه تعرف أنّ وجود الأمر الاضطراری فی الوقت لایجامع عدم جواز البدار بتاتاً بل یلازم جوازه».

یلاحظ علیه:

إنّ فی بعض الموارد نری فوات المصالح الملزمة من دون استدراک کما إذا نام عن الصلاة فإنّ المصلحة الملزمة فی الصلاة متدارکة بالقضاء و لکن المصلحة الملزمة الموجودة فی الوقت لایمکن تدارکها.

ص: 74


1- بحوث فی الأصول،ج1، الأصول علی النهج الحدیث، ص115.
الإیراد الثانی: مناقشة المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الصورة الثالثة
اشارة

((1))

«إنّ ما أفاده [المحقّق الخراسانی (قدس سره) ] من التخییر فی هذه الصورة غیر معقول و ذلک لأنّه من التخییر بین الأقلّ و الأکثر الاستقلالیین، و قد حققنا فی محلّه أنّ التخییر بینهما مستحیل إلّا إذا رجع إلی التخییر بین المتباینین.»

توضیحه: إنّه بعد فرض أنّ الشارع لم یرفع الید عن الواقع و أوجب علی المکلّف الإتیان به علی کلّ من تقدیری الإتیان بالعمل الاضطراری الناقص فی أوّل الوقت و عدم الإتیان به، فعندئذ بطبیعة الحال لا معنی لإیجابه الفرد الناقص حیث إنّه لایترتب علی وجوبه أثر، بل لازم ذلک وجوبه علی تقدیر المبادرة و عدم وجوبه علی تقدیر عدم المبادرة، فالتخییر المذکور غیر معقول.

فالحقّ هو أنّ المکلّف إذا کان قادراً علی الإتیان بالصلاة مع الطهارة المائیة مثلاً فی الوقت لم تصل النوبة إلی الصلاة مع الطهارة الترابیة لفرض أنّ الأمر الاضطراری فی طول الأمر الاختیاری و مع تمکّن المکلّف من امتثال الأمر الاختیاری لا موضوع للأمر الاضطراری و لازم ذلک عدم جواز البدار هنا واقعاً.

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن إشکال المحقّق الخوئی (قدس سره):

أولاً: هذا الإشکال یجدی علی مبنی المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الأقلّ و الأکثر الاستقلالیین أمّا صاحب الکفایة (قدس سره) فهو قائل بالتخییر فی هذه المسألة فالاختلاف مبنائی((2)).

ص: 75


1- المحاضرات(ط.ج): ج2، ص44 و (ط.ق): ج2، ص232.
2- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص173: «و أجاب شیخنا أوّلاً بأنّ هذا الإشکال مبنائی لأنّ صاحب الکفایة یقول بالتخییر بین الأقل و الأکثر». و راجع الجزء الثانی من الکتاب، البحث الأول (الأوامر)، الفصل الخامس (الواجب التخییری)، تنبیه فی التخییر بین الأقل و الأکثر [بعد ذکر نظریات ثمان فی حقیقة الواجب التخییری] و قد ذکر بیان صاحب الکفایة (قدس سره) و إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه، و الظاهر تمامیة نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) .

ثانیاً: إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) یقول باستحالة التخییر بین الأقلّ و الأکثر الاستقلالیین إلّا إذا رجع إلی التخییر بین المتباینیین و نحن نقول: هنا یرجع التخییر بینهما إلی التخییر بین المتباینین، لأنّ الأقلّ هو العمل الاختیاری فی آخر الوقت بشرط لا عن العمل الاضطراری فی أوّل الوقت و الأکثر هو العمل الاضطراری فی أوّل الوقت و العمل الاختیاری فی آخره بشرط شیء بالنسبة إلی العمل الاضطراری.

و الفرق بین العمل الاختیاری فی آخر الوقت إذا کان بشرط لا عن الاضطراری فی أوّل الوقت مع العمل الاختیاری فی آخر الوقت إذا کان بشرط شیء بالنسبة إلی العمل الاضطراری فی أوّل الوقت هو أنّ العمل الاختیاری بشرط لا عن الاضطراری واجد لتمام مصلحة الواقع و العمل الاختیاری بشرط شیء بالنسبة إلی الاضطراری واجد لبعض مصلحة الواقع (و أمّا بعضها الآخر فهو حاصل فی ضمن العمل الاضطراری).((1))

ص: 76


1- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص174: «و ثانیاً: إنّ مناط استحالة التخییر بین الأقل و الأکثر هو حصول الغرض بالأقل و سقوط الأمر بذلک، کما أشار إلیه و هذا حاصل فیما إذا أتی بالأقل قبل الأکثر، کما فی التسبیحات الأربع، أمّا فیما نحن فیه، فإنّ الأکثر مقدَّم فی الإتیان علی الأقل، لأن الأقل هو الصلاة الإختیاریة المأتی بها فی آخر الوقت، فلو إنتظر المکلَّف حتی آخر الوقت من غیر أن یأتی بالأکثر، فقد إستوفی تمام المصلحة بالأقل، فیکون هذا العِدل من الواجب التخییری- و هو الصّلاة الإختیاریة فی آخر الوقت- بشرط لا عن الصّلاة الإضطراریة فی أوّله، فهی واجبة علیه بشرط أن لایأتی بالإضطراریة قبلها، لا أنّها لا بشرط عن ذلک، و المستشکل نفسه أیضاً یری أنّ موارد بشرط لا و بشرط شی ء لیست من دوران الأمر بین الأقل و الأکثر بل هما من المتباینین، بأن یکون الغرض مترتّباً إمّا علی الصلاة الإختیاریة بشرط عدم تقدّم الإضطراریة و إمّا علی الإضطراریة فی أول الوقت و الإختیاریة فی آخره. و إذا کان هذا مفروض کلام الکفایة فالإشکال غیر وارد علیه لأنّ حاصل کلامه أنّ الإختیاریة فی آخر الوقت- بشرط عدم الإتیان بالإضطراریة فی أوّله- وافیة بتمام الغرض و أمّا لو أتی بالإضطراریة فی أوّله فقد إستوفی حصّةً من الغرض، فلامحالة یجب الإتیان بالإختیاریة فی آخره لیستوفی الغرض». و أورد علی المحقق الخوئی فی آراؤنا فی أصول الفقه، ج 1، ص117 فقال: «یرد علیه أنّه لانری مانعا منه، فإنّ التخییر بین الاقل و الاکثر إنّما یکون محالا لأجل أنّه إذا وجد الأقل یحصل الإمتثال فلا مجال للإتیان بالباقی، و أما فی المقام فقد فرض بقاء الملاک الملزم و لایحصل إلّا باإاتیان بالعمل الإختیاری فلا مجال لقیاس أحد المقامین علی الآخر و علیه لا مانع من أنّ المولی یأمر بالجامع بین الأمرین و یکون المکلف مختارا بینهما، و بعبارة أخری لا وجه لإلزام خصوص الإختیاری لأنّ المفروض حصول الغرض بأحد نحوین فلا وجه لترجیح أحدهما علی الآخر».
الإیراد الثالث: ملاحظتنا علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1))

أمّا بالنسبة إلی الصورة الثانیة:

فإنّ الاحتمالات الثلاثة المذکورة فی الصورة الأُولی تطرّقُ فی هذه الصورة أیضاً فیقال: إنّ المصلحة الحاصلة غیر الوافیة بمصلحة الواقع

إمّا تترتب علی العمل بمجرد الاضطرار مطلقاً

و إمّا تترتب علی العمل بعد تحقّق الاضطرار فی جمیع الوقت بحیث لابدّ من الإنتظار إلی آخر الوقت حتّی تترتب المصلحة

و إمّا تترتب علی العمل بمجرد حصول الیأس عن ارتفاع الاضطرار و بعبارة أخری بمجرد حصول الاطمینان ببقاء الاضطرار.

ص: 77


1- بالنسبة إلی الصورة الثانیة و الثالثة.

و علی الاحتمال الأوّل لابدّ من ملاحظة المصلحة الباقیة و حینئذ:

إن حصل العلم أو العلمی ببقاء الاضطرار إلی آخر الوقت (و إن شئت فقل: إن حصل الیأس عن ارتفاع الاضطرار المساوق للاطمینان ببقاء الاضطرار) فیجوز البدار مطلقاً.

و إن لم یحصل ذلک فلایجوز البدار إلی العمل الاضطراری لئلّا تفوت تلک المصلحة الباقیة.

و علی الاحتمال الثانی لاتصل النوبة إلی ملاحظة المصلحة الباقیة بل تحقّق المصلحة الحاصلة مشروط بتحقّق الاضطرار فی جمیع الوقت و إلی آخره، فإذا امتدّ الاضطرار إلی آخر الوقت یوجد فی العمل الاضطراری المصلحة الحاصلة غیر الوافیة بمصلحة الواقع فعلی هذا لایجوز البدار.

و علی الاحتمال الثالث: إنّ المصلحة الحاصلة فی العمل الاضطراری تتحقّق عند حصول الیأس عن ارتفاع الاضطرار الملازم لحصول العلم أو العلمی ببقاء الاضطرار فلامانع للبدار من جهة المصلحة الحاصلة بعد حصول الیأس عن الاضطرار و أمّا المصلحة الباقیة التی تفوت بمجرد الإتیان بالعمل الاضطراری فهی تقتضی بدواً عدم البدار لاحتمال ارتفاع الاضطرار و تحصیل تمام مصلحة الواقع إلّا أنّ العلم أو العلمی ببقاء الاضطرار الملازم للیأس عن ارتفاع الاضطرار حجّة شرعاً فیوجب عدم الاعتناء باحتمال ارتفاع الاضطرار فحینئذ یجوز البدار إلی العمل الاضطراری.

أمّا بالنسبة إلی الصورة الثالثة:

فإنّ الإحتمالات المذکورة تطرّقُ هنا أیضاً و بناءً علی الاحتمال الأوّل یجوز

ص: 78

البدار ثم الإتیان بالعمل الاختیاری و علی الاحتمال الثالث أیضاً یجوز البدار من حین حصول الیأس ثم الإتیان بالعمل الاختیاری و لکن علی الاحتمال الثانی لایجوز البدار لأنّ حصول المصلحة فی العمل الاضطراری مشروط بالانتظار حتی یتحقّق الاضطرار فی آخر الوقت.

الإیراد الرابع: تحقیق المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

«تحقیق الحال فیه [أی فیما لم یکن وافیاً بتمام المصلحة و قد أمکن استیفاؤه هو]أنّ بدلیة شیء عن شیء و قیامه مقامه و لو بنحو الترتیب لایعقل إلّا مع جهة جامعة وافیة بسنخ غرض واحد.

[و البدل علی نحوین: البدل العرضی (أی مایکون فی عرض المبدل) و البدل الطولی (أی مایکون فی طول المبدل)]

فإن کان البدل فی عرض المبدل لزم مساواته له [أی للمبدل] فی تمام المصلحة إمّا ذاتا أو بالعرض و الوجه واضح.

و إن کان البدل فی طول المبدل کما فی مفروض البحث فاللازم مجرد مسانخة الغرضین [أی غرض البدل و غرض المبدل] ...

و حدیث إمکان استیفاء بقیة مصلحة المبدل إنّما یصح إذا کان المبدل مشتملاً علی مصلحتین:

إحداهما تقوم بالجامع بین المبدل و البدل و الأُخری بخصوص المبدل، بحیث تکون کلتا المصلحتین ملزمة قابلة لانقداح البعث الملزم فی نفس المولی.

ص: 79


1- بالنسبة إلی الصورة الثالثة و الرابعة. نهایة الدرایة، ج1، ص382.

وأمّا إذا کان المصلحة فی البدل و المبدل واحدة و کان التفاوت بالضعف و الشدّة، فلاتکاد تکون بقیة المصلحة ملاکاً للبعث إلی المبدل بتمامه إذ المفروض حصول طبیعة المصلحة القائمة بالجامع الموجود بوجود البدل، فتسقط عن الاقتضاء [نعم المصلحة الموجودة فی المبدل أشدّ] و [لکن] الشدّة بما هی [شدّة] لایعقل أن تکون ملاکاً للأمر بالمبدل بکماله» إلخ.

فعلی هذا إمکان استیفاء بقیة مصلحة المبدل لایصح فی هذا التصویر.

فإمکان استیفاء المصلحة فی الصورة الثالثة و الرابعة لایتصور إلّا مع الالتزام بقیام مصلحتین إحداهما بالجامع فقط و أُخری بالجامع المتخصّص بالخصوصیة.((1))

هذا تمام الکلام بحسب مقام الثبوت.

و الحاصل أن الاحتمالات الثلاثة التی ذکرها صاحب الکفایة للصورة الأولی جاریة فی الصورة الثانیة و الثالثة أیضا و لا بأس بنظریة المحقق الخراسانی فی مقام الثبوت بعد ملاحظة ما ذکرنا و ملاحظة کلام المحقق الإصفهانی بالنسبة إلی الصورة الثالثة و الرابعة.

ص: 80


1- فی المحجة فی تقریرات الحجة، ج 1، ص168: «یرد علیه إشکال آخر لأنّ ما قاله المحقق المذکور یتم إن کان المراد من المصلحة فی الأمر و النهی هو المصلحة فی المأمور به و المنهی عنه و أما علی ما قاله هذا المحقق من أنّه یمکن أن تکون المصلحة فی نفس الأمر و النهی فما قاله من الآثار لیس فی محله، إذ یمکن فی تمام الفروض أن تکون المصلحة فی الأمر، فإذا کانت المصلحة فی الأمر یمکن أن لاتکون المصلحة فی المأمور به أصلا حتی یفرض الصور التی قالها فی الکفایة حیث إنّ الفروض التی قالها کانت فی المورد الذی کانت المصلحة فی المأمور به فتجی ء الصور التی قالها و أما إن کانت المصلحة فی الأمر ففی کلامه ما فیه، فافهم و اغتنم». هکذا راجع آراء حول مبحث الألفاظ فی علم الأصول، ج 1، ص392.

المقام الثانی: مقام الإثبات

اشارة

فیه موضعان((1)):

الموضع الأوّل: مقتضی أدلّة الأوامر الاضطراریة
اشارة

هنا نظریات(2):

نظریة المحقّق الخراسانی (قدس سره):

«وأما ما وقع علیه فظاهر إطلاق دلیله [أی دلیل الامر الاضطراری] مثل

ص: 81


1- هنا لابدّ من ملاحظة أدلّة الأوامر الإضطراریة من جهة دلالتها علی الإجزاء ثم ملاحظة اقتضاء الأصل العملی.
2- . فی بحوث فی علم الأصول، ج2، ص140 – 150: «یبقی الکلام فی مرحلة الإثبات و بحسب ظاهر دلیل الأمر الاضطراری و البحث عن ذلک یقع ضمن مسألتین: الأولی ما إذا ارتفع العذر فی أثناء وقت الواجب فهل تجب الإعادة أم لا؟ الثانیة ما إذا ارتفع بعد الوقت فهل یجب القضاء أم لا؟ اما المسألة الأولی فتارة: یفترض ان دلیل الأمر الاضطراری قد أخذ فی موضوعه إستمرار العذر إلی آخر الوقت و هذا خارج عن موضوع البحث و أخری یفترض أنّ دلیل الأمر الإضطراری لم یشترط فیه إستمرار العذر إلی آخر الوقت. و حینئذ تارة: یفرض أنّ دلیل الحکم الإختیاری یشمل و لو بإطلاقه من صدر منه الفعل الإضطراری ثم زال عذره، و أخری: یفرض عدم إطلاقه له فإن فرض الأول کان من الواضح أنّ مقتضی هذا الإطلاق عدم الإجزاء، فالکلام لابد و أن یکون فی أنّ دلیل الأمر الإضطراری هل یکون مقیدا لهذا الإطلاق لدلیل الأمر الإختیاری أم لا؟ و فی المقام منهجان لإثبات هذا التقیید: المنهج العقلی و هو الذی انتهجته مدرسة المحقق النائینی (قدس سره) و المنهج الإستظهاری ... اما المنهج العقلی فحاصله دعوی الدلالة الالتزامیة العقلیة لدلیل الأمر الإضطراری علی الإجزاء بتقریب أنّه قد مضی انحصار المحتملات الثبوتیة للواجب الإضطراری فی أربعة فروض کلها کانت مقتضیة للإجزاء و عدم الإعادة إلّا الفرض الرابع، فلو أُقیم البرهان العقلی علی إبطال الفرض الرابع تعین الإجزاء فنقول: أنّ دلیل الأمر الإضطراری لاینسجم مع الفرض الرابع ... و أمّا المنهج الإستظهاری فیمکن أن یبینَ بعدّة تقریبات: التقریب الأول: إنّ دلیل الأمر الإضطراری ظاهر فی التصدی لبیان تمام ما هو وظیفة المکلف فلو لم یکن الفعل الإضطراری وحده کافیا فی هذا المقام و کان لابد علیه أن یعید العمل إذا ارتفع عذره بعد ذلک لَکان ینبغی أن یبینه... التقریب الثانی: إنّ دلیل الأمر الإضطراری إذا استفید من لسانه اللفظی - کما فی مثل (التراب أحد الطهورین) أو من مجموعة القرائن المقامیة و اللفظیة المتنوعة - البدلیة و تنزیل الوظیفة الإضطراریة منزلة الوظیفة الإختیاریة کان مقتضی إطلاق البدلیة حینئذ البدلیة علی الإطلاق، أی فی کل الجهات و المراتب و هو یقتضی الأجزاء لامحالة ... التقریب الثالث: ما ذکره المحقق العراقی (قدس سره) فی مقالاته و هو یتألف من مجموع مقدمتین: الأولی: أنّ ظاهر دلیل الأمر الإضطراری کالإختیاری تعلقه بخصوص الفعل الإضطراری و تعیینه و هذا ظهور ناشئ من تعلق الأمر بعنوان و أخذه فیه. الثانیة: أنّ هناک محتملات ثلاثة فی حق الفعل الإضطراری فی المقام: عدم الإجزاء و الإجزاء بملاک الوفاء بتمام الغرض، و الإجزاء بملاک التفویت. و علی الإحتمالین الأول و الثانی لابد و أن یکون الأمر الإضطراری متعلقا بالجامع بینه و بین الاختیاری لا بخصوص الوظیفة الإضطراریة، بل علی الإحتمال الثانی لابد و أن یکون الأمر الإختیاری أیضا بالجامع ... و أمّا علی الإحتمال الثالث فلابد من تعلق الأمر الإضطراری بالوظیفة الإضطراریة بالخصوص ... و فیه [إشکالان] ... التقریب الرابع: ما ذکره المحقق الأصفهانی (قدس سره) ... و حاصله: إنّ إطلاق دلیل الأمر بالصلاة الإختیاریة إنّما یدل بظاهره علی الأمر بذی الخصوصیة و هی الصلاة القیامیة لا الأمر بالخصوصیة و هی القیام فی الصلاة، و هذا یعنی أنّ ما هو ظاهر الدلیل غیر محتمل و ما هو یحتمل فی صالح عدم الاجزاء - و هو فرض الأمر بالخصوصیة - لایستفاد من دلیل الأمر، و منه یعرف أنّ هذا التقریب إنّما یبرهن علی عدم دلالة دلیل الأمر الإختیاری علی عدم الاجزاء و لایبرهن علی الإجزاء فإذا تمّ وجب الرجوع فی مقام الإثبات إلی إطلاق أو أصل أولی و هو یثبت الإجزاء ...

ص: 82

قوله تعالی: (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیمَّمُوا صَعیداً طَیباً)((1)) و قوله (صلی الله علیه و آله): التراب أحد الطهورین و یکفیک عشر سنین هو الإجزاء و عدم وجوب الإعادة أو القضاء و لابدّ فی إیجاب الإتیان به ثانیاً من دلالة دلیل بالخصوص».((2))

ص: 83


1- النساء: 43 و المائده: 6.
2- کفایة الأصول، ص85. فی منتقی الأصول، ج2، ص25: «قد لایتضح بدواً الإرتباط بین ما ذکره فی مقام الثبوت من التفصیل و بین ما انتهی إلیه بحسب الدلیل الإثباتی بحیث یری أنّ ما ذکره فی مقام الثبوت تطویل بلا طائل بعد أن کان إطلاق الدلیل یقتضی الإجزاء فلابد من بیان جهة الإرتباط بنحو یخرج کلامه الثبوتی عن اللغویة و التطویل ثم بیان تقریب دلالة الإطلاق علی الإجزاء». و فی ص26 - 27: «إنّه حیث أفاد فی مرحلة الثبوت أنّ جمیع الصور الثبوتیة تقتضی الإجزاء ما عدا الصورة الثالثة و بین أنّ مقتضاها ثبوت الأمر التخییری بالفعل الإضطراری حال الإضطرار و الإختیاری بعد ارتفاعه أو خصوص الفعل الإختیاری بعد ارتفاع الإضطرار، لمّا کان الحال کذلک کان مقتضی الإطلاق هو نفی کون الأمر الإضطراری علی الصورة الثالثة، فمقتضاه الإجزاء حینئذ، إذ ما عدا هذه الصورة من الصور یقتضی الإجزاء فجهة الإرتباط بین مرحلة الثبوت و مرحلة الإثبات واضحة، فإنّ المقصود بدلالة الدلیل علی الإجزاء هو نفیه الصورة الثالثة. و أمّا وجه اقتضاء إطلاق الدلیل نفی هذه الصورة الملازم لدلالته علی الإجزاء فهو أنّ الصورة الثالثة - کما عرفت - تقتضی التخییر فی الواجب بین الفعل الإضطراری عند الإضطرار و الإختیاری بعده و بین خصوص الفعل الإختیاری بعد ارتفاع العذر، فیکون الواجب الإضطراری فی هذه الصورة مشتملا علی خصوصیتین خصوصیة التقیید بالفعل الآخر الإختیاری التی هی مفاد الواو و خصوصیة التخییر بینه و بین الفعل الإختیاری التی هی مفاد أو و لایخفی أنّ کلتا هاتین الخصوصیتین منافیتان لمفاد الإطلاق لأنّ کلّا منهما جهة زائدة علی أصل الوجوب فی الواجب. فیکون مقتضی الإطلاق المنعقد لدلیل الأمر الإضطراری نفیَ کلتا الخصوصیتین و أنّ الواجب هو خصوص الفعل الإضطراری لا هو و غیره و لا هو أو غیره الملازم لنفی الصورة الثالثة المستلزم للإجزاء فمقتضی الإطلاق فی النتیجة هو الإجزاء. و هذا البیان واضح فی مثل قوله تعالی: (فتیمموا صعیداً) مما اشتمل علی الأمر و أمّا فی مثل التراب أحد الطهورین مما لایشتمل علی الأمر فلایتأتی فیه هذا التقریب إذ لایتکفل بیان الوجوب و لا الواجب کی یتمسک بإطلاقه فی نفی تقییده و التخییر بینه و بین غیره».
نظریة أُخری لبعض الأعلام:
اشارة

((1))

لانحتاج إلی إطلاق أدلّة الأوامر الاضطراریة بل «مجرد الأمر بالبدل یفید إسقاط القضاء و [الأمر] بضمیمة جواز البدار یفید إسقاط الإعادة أیضاً.»

و الدلیل علی ذلک:

إنّ البدل إن کان مشتملاً علی مصلحة المبدل بصرف تحقّق الاضطرار مطلقاً (فیکون البدل ذا مصلحة فی تمام الوقت) فلا مجال للتدارک إعادةً و قضاءً فالحق هو الإجزاء مطلقاً.

و إن کان مشتملاً علی مصلحة المبدل فی آخر الوقت أو مع الیأس فلا مجال للتدارک قضاءً فلابدّ من القول بالإجزاء قضاءً لا إعادةً.

و إن لم یکن مشتملاً علی مصلحة المبدل فلا وجه للأمر به.

إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی هذه النظریة:

قد عرفت فی البحث عن الصور الثبوتیة «إمکان اشتمال البدل علی مقدار من

ص: 84


1- من القائلین بهذه النظریة المحقق الآشتیانی کما تقدم عبارته. و فی نهایة الدرایة، ج1، ص386: «و توهّم أن مجرّد الأمر بالبدل ... کما عن غیر واحد بملاحظة أنّ البدل إن لم یکن مشتملا علی مصلحة المبدل فلا وجه للأمر به و إن کان مشتملا علیها فلا مجال للتدارک- إعادة و قضاء- إن کان کذلک فی تمام الوقت و قضاء فقط إن کان کذلک فی آخر الوقت أو مع الیأس مثلا مدفوع» إلخ.

المصلحة الملزمة للمبدل فیجب عقلاً الأمر به [أی بالمبدل] و إمکان استیفاء البقیة [أی بقیة المصلحة] إعادةً و قضاءً فیجب الأمر بهما [أی بالبدل و المبدل منه] غایة الأمر أنّ الأمر بالبدل و بالقضاء تعیینیان و [الأمر] به [أی بالبدل] و بالإعادة تخییریان.» ((1))

نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):
اشارة

((2))

«إنّ المطلق إن کان مثل قوله (صلی الله علیه و آله): "التراب[التیمم] أحد الطهورین" فإطلاقه بلحاظ جمیع الآثار نافع جداً.

و إن کان مثل قوله تعالی: (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیمَّمُوا صَعیداً طَیباً)((3)) الآیة ففیه تفصیل:

فإن کان له إطلاق من جهتین: ارتفاع العذر فی الوقت و عدم تقیید الأمر بالتخییر [قد أفاد فی المتن لزوم الإطلاق من جهتین و لکن أعرض عنه فی هامش التعلیقة فی مثل الصلاة عن الطهارة المائیة و الترابیة و قال: له إطلاق من جهة ارتفاع العذر فی الوقت] کما هو ظاهر الأمر عند إطلاقه کان [الإطلاق] لا محالة دلیلا علی عدم وجوب الإعادة و اشتمال البدل علی ما لایبقی معه مجال للتدارک فیتبعه عدم وجوب القضاء حیث لا مجال للتدارک [بطریق أولی لأنّه إذا قلنا بعدم إمکان استیفاء المصلحة فی الوقت أداءً فلابدّ أن نقول أیضاً بعدم إمکان استیفائها خارج الوقت قضاءً]...

ص: 85


1- نهایة الدرایة، ج1، ص386.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص386.
3- النساء: 43 و المائده:6.

و إن لم یکن له إطلاق و لو من إحدی الجهتین فلا مجال للإجزاء من حیث الإعادة و القضاء لما عرفت من أنّ تجویز البدار لاینافی الأمر بما هو تکلیف المختار فی الوقت علی نحو التخییر [أی بالبدل و الإعادة تخییراً] کما أنّ ظهور الأمر فی التعیین [أو قل:الأمر بالبدل تعییناً] لاینافی عدم تجویز البدار» فکلّ من تجویز البدار و عدمه یجتمع مع القول بالإجزاء و عدمه.

تقریر الإطلاق المقامی عند المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

«إنّ المولی إذا کان فی مقام بیان وظیفة الوقت و مع ذلک اقتصر علی إیجاب البدل و لم یضف إلیه إیجاب المبدل بعد ارتفاع العذر کان کاشفاً عن عدم الضمیمة لوظیفة الوقت، فمدار الإجزاء و عدمه فی مقام الإثبات علی هذا الإطلاق و عدمه، و إذا انتفی وجوب الإعادة بالإطلاق انتفی وجوب القضاء.

نعم مع استیعاب العذر فی الوقت و عدم المجال للإعادة لا دافع لوجوب القضاء إلّا الإطلاق المقامی بأن یکون المولی فی مقام بیان تمام ما هی وظیفة المکلّف لا فی مقام بیان وظیفة الوقت بمجردها فتدبر جیدا.»

نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره)

((2)):

«لا إطلاق لأدلّة مشروعیة التیمم بالقیاس إلی من یتمکن من الإتیان بالعمل الاختیاری فی الوقت بداهة أنّ وجوب التیمم وظیفة المضطر ولایکون مثله مضطراً لفرض تمکّنه من الصلاة مع الطهارة المائیة فی الوقت و مجرد عدم تمکّنه

ص: 86


1- بحوث فی الأصول، ج1، ص117.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص47 و (ط.ق): ج2، ص235.

منها فی جزء منه لایوجب کونه مکلّفاً بالتکلیف الاضطراری ما لم یستوعب تمام الوقت و قد ذکرنا فی بحث الفقه أنّ موضوع وجوب التیمم هو عدم التمکّن من استعمال الماء عقلاً أو شرعاً فی مجموع الوقت بمقتضی الآیة الکریمة و ماشاکلها فلو افترضنا عدم استیعاب العذر لمجموع الوقت و ارتفاعه فی الأثناء لم یکن المکلّف مأموراً بالتیمم لعدم تحقّق موضوعه...

و من ذلک تبین أنّه لایجوز البدار هنا واقعاً بداهة أنّ جوازه کذلک ملازم للإجزاء.»

أمّا إذا ارتفع العذر بعد خروج الوقت ف«لا مانع من التمسّک بإطلاق أدلّة الأمر الاضطراری لإثبات عدم وجوب القضاء فی خارج الوقت و ذلک لأنّ المولی إذا کان فی مقام بیان تمام الوظیفة الفعلیة للمکلّف بهذه الأدلّة و مع ذلک سکت عن بیان وجوب القضاء علیه فی خارج الوقت فبطبیعة الحال کان مقتضی إطلاقها المقامی عدم وجوبه و إلّا کان علیه البیان.»((1))

نظریة المحقق النائینی و العراقی (قدس سرهما):

أمّا المحقّق النائینی (قدس سره) فقد قال بالإجزاء((2)) و جواز البدار کما أنّ المحقّق

ص: 87


1- المحاضرات، (ط.ج): ج2، ص53-54 و (ط.ق): ج2،ص240 - 241.
2- فی أجود التقریرات، ج1، ص284-285: «و أمّا المسألة الثانیة و هی أنّ الإتیان بالمأمور به الإضطراری هل یجزی عن الإعادة فیما إذا ارتفع العذر قبل خروج الوقت أو لا؟ فالحق فیها الإجزاء أیضاً و بیانه أنّ المکلف إمّا أن یکون متمکنا من الطهارة المائیة فی تمام الوقت أو لایکون متمکنا منها کذلک أو یکون متمکنا فی بعضه دون الآخر. لا إشکال فی التخییر العقلی بین الأفراد الطولیة فی الشقین الأولین و أما الأخیر فبما أنّ ملاک التخییر هو تساوی الأفراد فی الملاک فلایحکم العقل فیه بالتخییر و لایجوز الإتیان بالفرد الفاقد قطعاً فإذا ثبت جواز البدار مع الیأس أو الظن أو القطع مع فرض ارتفاع العذر بعد الإمتثال فإمّا أن یکون جواز البدار حکما ظاهریا طریقیا أو واقعیا و علی الأول فیبتنی القول بالإجزاء بعد ارتفاع العذر علی القول به فی مسألة انکشاف الخلاف بعد الإتیان بالمأمور به الظاهری و لایکون له مساس بما نحن فیه و علی الثانی فلا ریب فی أنّ وجود الأمر الواقعی بعد قیام الضرورة و الإجماع علی عدم وجوب صلاتین علی المکلف فی یوم واحد یکشف عن أنّ الفعل الفاقد فی حال الإضطرار و لو مع عدم استدامة العذر یکون وافیا بتمام الملاک و یکون فی هذا الحال فی عرض الأفراد الواجدة واقعاً فلامحالة یترتب علیه الإجزاء و تکون الإعادة بعد استیفاء الملاک بتمامه من باب الإمتثال بعد الإمتثال» إلخ. أیضا راجع تحقیق الأصول، ج 2، ص182.

العراقی (قدس سره) أیضاً قال بالإجزاء((1)) و لانطیل الکلام بذکر جمیع الاستدلالات((2))

ص: 88


1- نهایة الأفکار، ج1، ص241؛ راجع تحقیق الأصول، ج 2، ص185.
2- قد تقدم الإستدلال علی الإجزاء بالإطلاق اللفظی و المقامی و بالأمر بالبدل بضمیمة جواز البدار و لا بأس هنا بنقل باقی الأدلة: فی أصول الفقه ط. اسماعیلیان ج 1، ص248: «هناک وجوه أربعة تصلح أن تکون کلها أو بعضها مستندا للقول بالإجزاء نذکرها کلها: 1) أنّه من المعلوم أنّ الأحکام الواردة فی حال الإضطرار واردة للتخفیف علی المکلفین و التوسعة علیهم فی تحصیل مصالح التکالیف الأصلیة الأولیة (یریدُ اللَّهُ بِکُمُ الْیسْرَ وَ لا یریدُ بِکُمُ الْعُسْرَ). و لیس من شأن التخفیف و التوسعة أن یکلفهم ثانیاً بالقضاء أو الأداء و إن کان الناقص لا یسد مسد الکامل فی تحصیل کل مصلحته الملزمة. 2) أنّ أکثر الأدلة الواردة فی التکالیف الإضطراریة مطلقة مثل قوله تعالی (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیمَّمُوا صَعیداً طَیباً) أی أنّ ظاهرها بمقتضی الإطلاق الإکتفاء بالتکلیف الثانی لحال الضرورة و أنّ التکلیف منحصر فیه و لیس وراءه تکلیف آخر فلو أنّ الأداء أو القضاء واجبان أیضا لوجب البیان و التنصیص علی ذلک و إذ لم یبین ذلک علم أنّ الناقص یجزئ عن أداء الکامل أداءً و قضاءً لاسیما مع ورود مثل قوله (علیه السلام): إنّ التراب یکفیک عشر سنین. 3) إنّ القضاء بالخصوص إنمّا یجب فیما إذا صدق الفوت و یمکن أن یقال إنّه لایصدق الفوت فی المقام لأنّ القضاء إنمّا یفرض فیما إذا کانت الضرورة مستمرة فی جمیع وقت الأداء و علی هذا التقدیر لا أمر بالکامل فی الوقت و إذا لم یکن أمر فقد یقال: إنّه لایصدق بالنسبة إلیه فوت الفریضة إذ لا فریضة. و أما الأداء فإنّما یفرض فیما یجوز البدار به و قد إبتدر المکلف حسب الفرض إلی فعل الناقص فی الأزمنة الأولی من الوقت ثم زالت الضرورة قبل انتهاء الوقت و نفس الرخصة فی البدار لو ثبتت تشیر إلی مسامحة الشارع فی تحصیل الکامل عند التمکن و إلّا لفرض علیه الإنتظار تحصیلا للکامل. 4) إذا کنا قد شککنا فی وجوب الأداء و القضاء و المفروض أنّ وجوبهما لم ننفه بإطلاق و نحوه فإنّ هذا شک فی أصل التکلیف و فی مثله تجری أصالة البراءة القاضیة بعدم وجوبهما. فهذه الوجوه الأربعة کلها أو بعضها أو نحوها هی سرّ حکم الفقهاء بالإجزاء قضاء و أداء و القول بالإجزاء علی هذا أمر لا مفرّ منه و یتأکد ذلک فی الصلاة التی هی العمدة فی الباب» و سیأتی الوجه الرابع فی الموضع الثانی عند ذکر مقتضی الأصل العملی. راجع مبانی الأحکام فی أصول شرائع الإسلام، ج 1، ص313؛ و المدخل إلی عذب المنهل، ص313؛ و منتقی الأصول، ج 2، ص27 و ص31 و ص43.

بل لابدّ من ملاحظة أدلّة الأوامر الاضطراریة فی کلّ مورد و نذکر موردا بعنوان المثال:

قال بعض الأساطین (حفظه الله) ((1)) فی مورد الصلاة مع الطهارة الترابیة: إنّ المستفاد من صحیحة زرارة ((2)) «إِذَا لَمْ یجِدِ الْمُسَافِرُ الْمَاءَ فَلْیطْلُبْ مَا دَامَ فِی الْوَقْتِ فَإِذَا خَافَ أَنْ یفُوتَهُ الْوَقْتُ فَلْیتَیمَّمْ وَ لْیصَلِّ» هو أنّه مادام الوقت باقیاً لاتصل النوبة إلی التیمم فموضوع البدار منتف فی المقام و علی هذا فمعنی الآیة (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیمَّمُوا صَعیداً طَیباً)((3)) هو أنّه إن لم تجدوا ماءً فی تمام الوقت فتیمّموا((4)).

ص: 89


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص186: «إنّ الدلیل علی عدم الإجزاء لیس الآیة المبارکة- أو لیس الآیة بوحدها- بل صحیحة زرارة ... و مدلولها أنّه ما دام الوقت باقیاً فلاتصل النوبة إلی التیمّم و هذه الصحیحة توضّح معنی الآیة أی و إنْ لم تجدوا ماءً فی تمام الوقت فتیمّموا و لیس معناها: و إنْ لم تجدوا ماءً فی زمانٍ و إنْ کان الوقت باقیاً فلا إطلاق للآیة».
2- وسائل الشیعة، ج3، ص366، باب 14، رقم 3.
3- النساء: 43 و المائده:6.
4- فی العروة الوثقی، ج2، ص216 – 217: «مسألة 3: الأقوی جواز التیمم فی سعة الوقت ( 1 ) و إن إحتمل ارتفاع العذر فی آخره بل أو ظن به ( 2 ) نعم مع العلم بالإرتفاع یجب الصبر ( 3 ) لکن التأخیر إلی آخر الوقت مع احتمال الرفع أحوط و إن کان موهوما نعم مع العلم بعدمه و بقاء العذر لا إشکال فی جواز التقدیم فتحصّل أنّه إمّا عالم ببقاء العذر إلی آخر الوقت أو عالم بارتفاعه قبل الآخر أو محتمل للأمرین فیجوز المبادرة مع العلم بالبقاء و یجب التأخیر مع العلم بالإرتفاع و مع الإحتمال الأقوی جواز المبادرة خصوصا مع الظن بالبقاء و الأحوط التأخیر ( 4 ) خصوصا مع الظن بالإرتفاع» و علّق علیه جماعة من الأعلام رتّبنا تعلیقاتهم بتصرّفٍ منّا: ( 1 ) بل الأقوی عدم جوازه مع رجاء زوال العذر فی الوقت ( البروجردی و الخوانساری ) الأقوی عدم جواز البدار إلّا مع الیأس عن وجدانه فی تمام الوقت ( آقا ضیاء) [و المحقق الحکیم یوافقهم أیضاً] الأظهر عدم جوازه إلّا مع الیأس عن زوال العذر أو احتمال طرو العجز ظعنه مع التأخیر (السیستانی). ( 2 ) لایجوز مع الظن به ( الفیروزآبادی). ( 3 ) علی الأحوط ( الگلپایگانی ) [و ظاهر کلام المحقق الحائری موافقة هذا القول]. ( 4 ) هذا الإحتیاط لایترک ( الخوئی ) [و ظاهر کلام المحقق النائینی موافقة هذا القول]. و وافق المتن الإصفهانی و کاشف الغطاء و الشیرازی. فهنا: [1.] قول بجواز التیمم إلّا مع العلم بارتفاع العذر من صاحب العروة و موافقیه و [2.] قول بجواز التیمم إلّا مع العلم أو الظن من السید الفیروزآبادی و [3.] قول بعدم جواز التیمم إلّا مع الیأس من المحقق العراقی و موافقیه و السید الخوئی یقول بالتأخیر إحتیاطا مع احتمال الإرتفاع و السید الگلپایگانی لایفتی بوجوب الصبر مع العلم بالإرتفاع بل یحتاط. و راجع مستمسک العروة، ج4، ص442 – 447. و فی العروة الوثقی، ج2، ص220: «مسألة 8: لایجب إعادة الصلوات التی صلاها بالتیمم الصحیح بعد زوال العذر لا فی الوقت ولا فی خارجه مطلقا نعم الأحوط إستحباباً إعادتها فی موارد» إلخ. و فی مستمسک العروة، ج4، ص451 – 452 فی التعلیقة علی قوله «بعد زوال العذر»: «کما هو المعروف بل المدّعی علیه الإجماع فی محکی کلام جماعة ویقتضیه ظاهر أدلة البدلیة، وخصوص النصوص الدالة علی نفی الإعادة لو وجد المتیمم الماء المتقدمة فی مسألة المواسعة و المضایقة. نعم عن ابن الجنید وأبی علی وجوب الإعادة مع وجدان الماء فی الوقت. و قد یشهد لهما صحیح ابن یقطین و موثق منصور بن حازم المتقدمان هناک إلّا أنّهما غیر صریحین بمنافاة القاعدة المذکورة، بل ظاهرهما بطلان التیمم فلو بنی علی صحة التیمم فی السعة - لما تقدم مما دل علی عدم الإعادة - تعین حملهما علی الإستحباب، بل الثانی منهما مما لا مجال للأخذ باطلاقه، لعدم القائل بالإعادة لو وجد الماء خارج الوقت منا ولا من غیرنا إلّا طاووس علی ما حکی».

ص: 90

التنبیه الأول: صور المسألة فی مقام الإثبات

إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) أشار إلی الصور الإثباتیة فی المسألة فقال((1)):

الصورة الأُولی((2)): إطلاق دلیل الأمر الاضطراری و إطلاق دلیل الأمر الواقعی الأوّلی فإنّ دلیل الأمر الاضطراری مقدّم علی دلیل الأمر الواقعی الأوّلی بالحکومة کما یتقدّم دلیل لا ضرر علی الأوامر الواقعیة الأوّلیة و القاعدة هی الإجزاء و عدم الإعادة و القضاء.

الصورة الثانیة:((3)) إطلاق دلیل الأمر الواقعی الأوّلی و عدم إطلاق الأمر الاضطراری و القاعدة هنا عدم الإجزاء و وجوب الإعادة و القضاء.

ص: 91


1- المحاضرات، ج2، ص244.
2- «و أما الدلیل الاجتهادی فصوره أربع: الأولی أن یکون کل من دلیل الأمر الإضطراری و دلیل اعتبار الجزئیة أو الشرطیة مطلقا ... أما الصورة الأولی فلاینبغی الشک فی أنّ إطلاق دلیل الأمر الإضطراری یتقدم علی إطلاق دلیل اعتبار الجزئیة أو الشرطیة و ذلک لحکومته علیه و من الطبیعی أنّ إطلاق دلیل الحاکم یتقدم علی إطلاق دلیل المحکوم کما هو الحال فی تقدیم جمیع الأدلة المتکفلة لإثبات الأحکام بالعناوین الثانویة کأدلة لا ضرر و لا حرج و ما شاکلهما علی الأدلة المتکفلة لإثباتها بالعناوین الأولیة و علی ضوء ذلک فقضیة إطلاق الأمر الإضطراری من ناحیة و تقدیمه علی إطلاق دلیل اعتبار الجزئیة أو الشرطیة من ناحیة أخری هی الإجزاء و عدم وجوب الإعادة حتی فیما إذا ارتفع الإضطرار فی الوقت فضلاً عن خارج الوقت و السبب فی ذلک هو أنّ الإطلاق کاشف عن أنّ الفعل الإضطراری تمام الوظیفة و أنّه وافٍ بملاک الواقع وإلّا لکان علیه البیان و لازمه بطبیعة الحال عدم إعادة العمل حتی فی الوقت فما ظنک بخارج الوقت».
3- «الثانیة: أن یکون لدلیل اعتبار الجزئیة أو الشرطیة إطلاق دون دلیل الأمر الإضطراری ... و أما الصورة الثانیة فمقتضی إطلاق دلیل اعتبار الجزئیة أو الشرطیة هو عدم سقوطهما فی حال الإضطرار هذا من ناحیةٍ. و من ناحیة أخری أنّه لا إطلاق لدلیل الأمر الإضطراری علی الفرض فالنتیجة بطبیعة الحال هی عدم الإجزاء و وجوب الإعادة إذا عادت القدرة للمکلف».

الصورة الثالثة:((1)) عکس الصورة الثانیة و القاعدة هی الإجزاء و عدم الإعادة و القضاء.

الصورة الرابعة:((2)) عدم الإطلاق فی کلا الدلیلین الاضطراری و الواقعی الأوّلی و المرجع هنا الأُصول العملیة.

ص: 92


1- «الثالثة بعکس ذلک بأن یکون لدلیل الأمر الإضطراری إطلاق دون دلیل اعتبار الجزئیة أو الشرطیة ... فهی بعکس الصورة الثانیة تماماً یعنی أنّ مقتضی إطلاق دلیل الأمر الإضطراری من ناحیة و عدم إطلاق دلیل اعتبار الجزئیة أو الشرطیة من ناحیة أخری هو الإجزاء لامحالة و عدم وجوب الإعادة عند إعادة القدرة».
2- «الرابعة: أن لایکون لشی ء من الدلیلین إطلاق ... و أما الصورة الرابعة فحیث إنّه لا إطلاق لکل من الدلیلین فالمرجع فیها هو الأصول العملیة».
التنبیه الثانی: إذا کان الاضطرار باختیار المکلّف
اشارة

فیه مطلبان:

المطلب الأوّل: هل تشمله إطلاقات الأوامر الاضطراریة؟
اشارة

((1))

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره):

اختار السید الخوئی (قدس سره) ((2)) انصراف أدلّة الأوامر الاضطراریة عما إذا کان الوقوع فی الاضطرار باختیار المکلّف و الوجه فی الانصراف هو الارتکاز و الظهور العرفی.

یلاحظ علیه:

إذا وقع فی الاضطرار بسوء اختیاره مثلاً فإمّا لایکون مکلّفاً بالصلاة أو یکون مکلّفاً و التکلیف بالصلاة إمّا بالأمر بالصلاة بدون الطهارة فهو باطل أو

ص: 93


1- نظیر ما إذا کان عنده الماء للوضوء أو الغسل فأراقه فصار مضطراً.
2- فی المحاضرات(ط.ج): ج2، ص54-55و(ط.ق): ج2، ص241-242: «إنّ الإضطرار قد یکون بغیر اختیار المکلف، و قد یکون باختیاره ... و أما الثانی و هو ما إذا کان الإضطرار باختیاره کما إذا کان عنده ماء یکفی لوضوئه أو غسله فأراقه فأصبح فاقداً للماء أو کان عنده ثوب طاهر فأنجسه و بذلک إضطرّ إلی الصلاة فی ثوب نجس أو کان متمکناً من الصلاة قائماً فأعجز نفسه عن القیام و هکذا فهل تشمل إطلاقات الأوامر الإضطراریة لهذه الموارد أم لا؟ وجهان و الظاهر هو الثانی و السبب فی ذلک هو أنّ تلک الإطلاقات بمقتضی الظهور العرفی و ارتکازهم منصرفة عن الإضطرار الناشئ عن اختیار المکلف و إرادته لوضوح أنّ مثل قوله تعالی: (فان لم تجدوا ماء فتیمموا صعیداً طیباً) إلخ ظاهر بمقتضی المتفاهم العرفی فیما إذا کان عدم وجدان الماء و الإضطرار إلی التیمم بطبعه و بغیر اختیار المکلف و منصرفة عما إذا کان باختیاره و کذا قوله (علیه السلام) «إذا قوی فلیقم» و ما شاکل ذلک» إلخ.

یکون مکلّفاً بها مع الطهارة المائیة فهو لایمکن امتثاله بعد تحقّق الاضطرار أو یکون مکلّفاً بها مع الطهارة الترابیة فهو المطلوب.

المطلب الثانی: هل یستحق العقوبة علیه؟
نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)

((1)):

إنّه لایجوز للمکلّف إیقاع نفسه فی الاضطرار اختیاراً و «لو فعل ذلک استحق العقوبة علی ترک الواجب الاختیاری التام أو علی تفویت الملاک الملزم فی محله و من الواضح أن العقل لایفرق فی الحکم باستحقاق العقاب بین تفویت الواجب الفعلی و تفویت الملاک الملزم فی ظرفه إذا کان کذلک فکما یحکم بقبح الأوّل و استحقاق العقوبة علیه فکذلک فی الثانی.»

یلاحظ علیه:

إنّ إیقاع المکلّف نفسه فی الاضطرار قد یکون بعد فعلیة التکلیف الاختیاری فیوجب استحقاق العقوبة و قد یکون قبل فعلیته فلا إشکال فیه کما أنّ ذلک قد یوجب تفویت الملاک الملزم فهو مستحق للعقاب عقلاً وقد لایوجب ذلک و هذا فیما إذا اشتمل البدل لتمام المصلحة المبدل.

ثمّ إنّ نتیجة انصراف أدلّة الأوامر الاضطراریة هنا هو عدم تحقّق الأمر فی تلک الموارد فلا مجال للبحث عن أنّ امتثاله مجزٍ عن الواقع أم لا.

إلّا أنّه فی باب الصلاة نعلم یقیناً بأنّ الصلاة لاتترک بحال و لکنّ الصلاة

ص: 94


1- المحاضرات(ط.ج): ج2، ص55 و(ط.ق): ج2، ص242.

المذکورة لاتجزی عن الواقع لعدم شمول الأوامر الاضطراریة بالنسبة إلیها.

و استثنی من ذلک الاضطرار الناشئ من التقیة، فإنّ فی موارد التقیة یجوز للمکلّف إیقاع نفسه فی الاضطرار و ذلک لإطلاق أدلّة التقیة فیجوز له البدار إلیها من دون إعادة و قضاء.

ص: 95

الموضع الثانی: مقتضی الأصل العملی فی المقام
اشارة

فیه ثلاثة أقوال:

قال بعضهم مثل صاحب الکفایة و المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) بالبراءة.

و قال المحقّق العراقی (قدس سره)

بالاشتغال، و قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) بأنّ القضاء إن کان بالأمر الجدید فتجری البراءة و إن کان بالأمر الأول فیجری الاشتغال و لکنه اختار الشقّ الأوّل فقال بالبراءة أیضاً.

ص: 96


1- فی نهایة الدرایة، ج1، ص388 -391 فی التعلیقة علی قوله «لکونه شکّا فی أصل التکلیف»: «لایخفی أنّه مع عدم جواز البدار و وجوب الصلاة آخر الوقت، لا موقع للشک فی الإعادة حیث لایمکن الإعادة بل یتمحّض الشک فی وجوب القضاء و هو شکّ فی أصل التکلیف و أما بناء علی جواز البدار فالصلاة عن طهارة ترابیة مأمور بها لکن یشکّ فی أنّ وجوبها بنحو التخییر بین المتباینین أو بنحو التخییر بین الأقلّ و الأکثر و هو أنّ البدل المنضمّ إلی المبدل فرد و المبدل فقط فرد آخر فوجوب البدل علی أی حال معلوم کوجوب المبدل منفردا و وجوب المبدل منضمّا إلیه غیر معلوم و حیث إنّ وجوب المبدل- منضمّا أو منفردا- بأمر آخر من دون ارتباط من حیث اشتمال کلّ من البدل و المبدل علی مقدار من المصلحة و عدم إناطة صحة أحدهما و فساده بصحة الآخر و فساده فلذا لیس حال ما نحن فیه حال الأقلّ و الأکثر من حیث استحالة الإنحلال هناک علی القول باستحالته». و فی بحوث فی الأصول، ص118: «تتمیم فی ما هو مقتضی الأصل مع عدم الإطلاق و حیث إنّ الأمر الإضطراری مفروغ عنه فالشکّ إنّما هو فی نحوی التخییر هل هو التخییر بین الإضطراری فی حال الإضطرار و الإختیاری فی حال الاختیار کما هو مقتضی الإجزاء أو هو التخییر بین العملین الإضطراری و الإختیاری بعده و العمل الإختیاری مع عدم سبق الإضطراری کما هو مبنی عدم الإجزاء؟ و أمّا رجوع الأمر إلی التعیین و التخییر و الحکم بالاشتغال فهو مقتضی الأصل فی المسألة الفقهیة عند الشکّ فی أصل الأمر الإضطراری لا فی المسألة الأصولیة التی قد مرّ مراراً أنّ وجود الأمر الإضطراری مفروغ عنه و إنّما البحث فی اجزائه و حیث إنّ مرجع الشکّ فی نحوی التخییر إلی احتمال وجوب الضمیمة مع الفراغ عن وجوب الإضطراری فمقتضی الأصل البراءة عن وجوبها».

و قال المحقّق الإیروانی (قدس سره) بجریان الاستصحاب.

استدلّ علی القول الأوّل بوجهین:

أمّا المحقّق الخراسانی (قدس سره) فقال بالبراءة لأنّ الشک فی وجوب الإعادة یرجع إلی الشک فی أصل التکلیف و هکذا الشک فی وجوب القضاء((1)).

و أمّا المحقّق الخوئی (قدس سره) فقال بالبراءة من جهة أُخری، حیث إنّ المقام عنده (و عند المحقّق العراقی (قدس سره) من صغریات دوران الأمر بین التعیین و التخییر و مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) فی هذه الموارد هو البراءة((2)).

الاستدلال علی القول الثانی:
اشارة

أمّا المحقّق العراقی (قدس سره) فذهب إلی أنّ هذه المسألة من صغریات دوران الأمر بین التعیین و التخییر و اختار فیه الاشتغال.

تقریر الاشتغال بوجهین
اشارة

((3)):

الوجه الأوّل:
اشارة

إنّ الشک فی وجوب الإعادة نشأ من الشک فی القدرة علی استیفاء المصلحة

ص: 97


1- فی کفایة الأصول، ص85 - 86: «و بالجملة فالمتبع هو الإطلاق لو کان و إلّا فالأصل و هو یقتضی البراءة من إیجاب الإعادة لکونه شکا فی أصل التکلیف و کذا عن إیجاب القضاء بطریق أولی» إلخ.
2- فی المحاضرات(ط.ج)، ج2،ص62و(ط.ق)، ج2، ص248: «إنّ دوران الأمر فی المقام و إن کان بین التعیین و التخییر إلّا أنّه ... یدخل فی کبری مسألة الأقل و الأکثر الإرتباطیین ... فمقتضی الأصل فیه البراءة و قد تحصل مما ذکرناه أنّ الصحیح هو ما ذهب إلیه المحقق صاحب الکفایة قده من أنّ الأصل یقتضی البراءة عن وجوب الإتیان بالفعل الإختیاری».
3- راجع المحاضرات(ط.ج): ج2، ص60و (ط.ق): ج2، ص245 - 246.

الباقیة من العمل الاختیاری فإنّ الغرض أوّلاً تعلّق بالأمر الاختیاری و نحتمل عدم استیفاء المصلحة و عدم حصول الغرض التامّ من الإتیان بالأمر الاضطراری و معنی ذلک احتمال القدرة علی تحصیل الغرض و استیفاء المصلحة الباقیة و هذا مورد الاشتغال العقلی. ((1))

یلاحظ علیه

((2)):

إنّ تعلّق الغرض بالأمر الاختیاری فی موارد الاضطرار هو أوّل الکلام، بل الاضطرار أوجب تعلّق الغرض بالأمر الاضطراری أمّا بعد امتثال الأمر الاضطراری فنشک فی تعلّق الغرض بالأمر الاختیاری لاحتمال عدم استیفاء المصلحة و هذا المورد مجری البراءة.

ص: 98


1- فی مقالات الأصول، ج1، ص271: «رابعها: إنّ مقتضی الأصل بالنّسبة إلی الإجزاء فی الوقت عدمه لأنّه علی الإجزاء بمناط التفویت مع الجزم بعدم الوفاء بتمام مصلحة المختار فمرجعه إلی الشک فی القدرة علی [تحصیل] الزائد، و العقل فی مثله مستقلّ بالإحتیاط». و فی محاضرات: «و ذهب بعض الأعاظم قده إلی أنّ مقتضی الأصل هنا الإشتغال دون البراءة و قد قرب ذلک بوجهین: الأوّل أنّ الشک فی وجوب الإعادة فیما إذا ارتفع العذر فی الوقت نشأ من الشک فی القدرة علی استیفاء المصلحة الباقیة من العمل الإختیاری و هذا و إن کان شکاً فی أصل التکلیف، و مقتضی الأصل فیه البراءة إلّا أنّه لما کان ناشئاً من الشک فی القدرة فالمرجع فیه هو قاعدة الإشتغال، لما تقرر فی محله من أنّ الشک فی التکلیف إذا کان ناشئاً عن الشک فی القدرة علی الإمتثال فهو مورد لحکم العقل بالإشتغال دون البراءة کما لایخفی».
2- و استشکل الوجه الأول فی المحاضرات بقوله: «و لنأخذ بالنقد علی کلا الوجهین: أما الوجه الأول فلما حققناه فی محله من أنّه لا فرق فی الرجوع إلی أصالة البراءة فی موارد الشک فی التکلیف بین أن یکون منشائه الشک فی القدرة أو الشک من جهة أخری کعدم النص أو إجماله أو تعارض النصین أو نحو ذلک، ضرورة عدم الفرق بینهما و لا موجب لتقیید أصالة البراءة بغیر الموارد الأول، فإنّه بلا دلیل و مقتض».
الوجه الثانی
اشارة

((1)):

إنّ المسألة من صغریات دوران الأمر بین التعیین و التخییر فإنّا نعلم بأنّ الجامع بین الفعل الاضطراری و الاختیاری واجد لمقدار من المصلحة و لکن نشک فی أنّ تمام المصلحة قائم بالجامع بین الفعل الاضطراری و الاختیاری أو أنّ تمام المصلحة قائم بخصوص الفعل الاختیاری.

فهذا المورد من صغریات دوران الأمر بین التعیین (أی خصوص الصلاة الاختیاریة) و التخییر (أی التخییر بین الصلاة الاختیاریة و الاضطراریة من جهة تعلّق التکلیف بالجامع بینهما)

و القاعدة فی هذا المورد هو الاشتغال.

ص: 99


1- فی مقالات الأصول: «و مع احتمال الوفاء بتمام مصلحة المختار فلأنّ مرجع الشّک فیه إلی الشک فی وجوب الفعل الإختیاری بخصوصه أو التخییر بینه و بین الإضطراری و مرجع المسألة حینئذ إلی التعیین و التخییر و العقل مستقلّ بعدم حصول الفراغ إلّا بالمعین». و فی المحاضرات: «الثانی إنّ المقام داخل فی کبری مسألة دوران الأمر بین التعیین و التخییر ببیان أنّا نعلم إجمالا بأنّ الجامع بین الفعل الإضطراری و الإختیاری مشتمل علی مقدار من المصلحة، و لکنّا نشکّ فی أنّ المقدار الباقی من المصلحة الملزمة أیضاً قائم بالجامع لتکون نتیجته التخییر بین الإتیان بالفعل الإضطراری و الإتیان بالفعل الإختیاری، و لازم ذلک هو إجزاء الإتیان بالفعل الإضطراری عن الواقع لأنّ المکلف مع الإتیان به قد إمتثل الواجب فی ضمن أحد فردیه- و هو الإضطراری- أو أنّه قائم بخصوص الفرد الإختیاری، لتکون نتیجته التعیین، و لازمه عدم إجزائه عنه، لفرض أنّه غیر وافٍ بتمام مصلحته فلابد عندئذٍ من الإتیان به ثانیاً، و حیث إنّنا لانحرز هذا و لا ذاک بالخصوص فبطبیعة الحال نشک فی أنّ التکلیف فی المقام هل تعلق بالجامع أو بخصوص الفرد الاختیاری؟ و هذا معنی دوران الأمر بین التعیین و التخییر و المرجع فیه التعیین بقاعدة الإشتغال».
قد أُورد علیه کبرویاً و صغرویاً:
الإشکال الکبروی:

قد استشکله المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین (حفظه الله) ((2)) بأنّ المختار فی هذه الموارد البراءة لا الاشتغال و استدلّ علی ذلک المحقّق الخوئی (قدس سره) بأنّ «تعلّق التکلیف بالجامع معلوم و تعلّقه بالخصوصیة الزائدة مشکوک فیه و مقتضی الأصل البراءة عنه و هذا کما فی دوران الأمر بین الأقلّ و الأکثر الارتباطیین و بعد ذلک نقول إن دوران الأمر فی المقام و إن کان بین التعیین و التخییر إلا أنه حیث کان فی مقام الجعل لا فی مقام الفعلیة و الامتثال فبطبیعة الحال یدخل فی کبری مسألة الأقلّ و الأکثر الارتباطیین لفرض أنّ تعلّق الأمر بالجامع بین الفعل الاختیاری و الاضطراری معلوم، و تعلّقه بخصوص الفعل الاختیاری مشکوک فیه للشک فی أنّ فیه ملاکاً ملزماً یخصّه فمقتضی الأصل فیه البراءة.»

ص: 100


1- فی المحاضرات (ط.ج): ج2، ص61و(ط.ق): ج2، ص247: «أما الوجه الثانی فلأنّ ما أفاده (قدس سره) من دوران الأمر فی المقام بین التعیین و التخییر و إن کان صحیحاً إلّا أنّ ما ذکره (قدس سره) من أنّ المرجع فیه قاعدة الإشتغال خاطئ جدّاً و لا واقع موضوعی له، و السبب فی ذلک هو أنّنا قد حقّقنا فی موطنه أنّ المرجع فی کافة موارد دوران الأمر بین التعیین و التخییر هو أصالة البراءة دون قاعدة الإشتغال إلّا فی موردین: الأول فیما إذا دار الأمر بینهما فی الحجیة کما إذا دل دلیل علی وجوب شی ء و الآخر علی حرمته و فرضنا العلم الخارجی بحجیة أحدهما فی هذا الحال ... الثانی فیما إذا دار الأمر بین التعیین و التخییر فی موارد التزاحم و الإمتثال ... و أمّا فی غیر هذین الموردین فالمرجع هو أصالة البراءة، و ذلک لأنّ تعلق التکلیف بالجامع معلوم و تعلقه بالخصوصیة الزائدة مشکوک فیه، و مقتضی الأصل البراءة عنه، و هذا کما فی دوران الأمر بین الأقل و الأکثر الإرتباطیین».
2- فی تحقیق الأصول، ج2، ص191: «أمّا من النّاحیة الکبرویة، فالمختار وفاقاً لجماعةٍ هو البراءة لا الإشتغال».
الإشکال الصغروی:

قال بعض الأساطین (حفظه الله) بأنّ المسألة لیست من صغریات دوران الأمر بین التعیین و التخییر لأنّ وجوب العمل الاضطراری فی أوّل الوقت معلوم و نشک فی وجوب العمل الاختیاری بعد ارتفاع الاضطرار فإنّ الشک فی وجوب العمل الاختیاری بعد رفع الاضطرار شک فی أصل التکلیف((1)).

الاستدلال علی القول الثالث:
اشارة

أمّا المحقّق الإیروانی (قدس سره) فقال بجریان الاستصحاب و ملخّص ذلک هو أنّ الأمر بالصلاة مع الطهارة المائیة موجود من أوّل الأمر و نشک فی سقوطها بالصلاة الاضطراریة بالطهارة الترابیة فنستصحب بقاء وجوبها((2)).

ص: 101


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص191: «و أمّا من الناحیة الصغرویة، فإنّ ما نحن فیه لیس من صغریات دوران الأمر بین التعیین و التخییر- و لذا قال فی الکفایة هنا بالبراءة مع ذهابه فی الکبری إلی الإشتغال- و ذلک: لما تقدَّم فی کلام المحقق الخراسانی من أنّ الأمر هنا دائر بین الصّلاة مع التیمم فی أوّل الوقت ثم الإتیان بها مرّةً اخری مع الوضوء فی آخره، و بین الإنتظار و الصّلاة مع الوضوء فی آخره إذن، عندنا یقین بوجوب الصّلاة مع التیمّم فی أول الوقت، و الشک فی أنّه هل یجب علیه بالإضافة إلی ذلک- الإتیان بالصّلاة فی آخر الوقت بالطهارة المائیة أو لا؟ فإن وجب ضمّ ذلک، کانت الصلاتان معاً عِدلًا للصّلاة مع الطهارة المائیة المأتی بها منفردةً فی آخر الوقت فیرجع الشک حینئذٍ إلی وجوب هذه الإضافة بعد الصّلاة مع التیمّم، و هذا من الشک فی أصل التکلیف، و هو مجری البراءة».
2- فی نهایة النهایة،ج1، ص126 عند التعلیقة علی قوله «و هو یقتضی البراءة»: «بل یقتضی الإشتغال فإنّ الأمر بالإتیان بالعمل فی مجموع الوقت یتوجه بنفس دخول الوقت لا أنّ أمر کل جزء یتجدد بحدوث ذلک الجزء و علیه فالأمر بالعمل بالنسبة إلی الأجزاء المتأخرة یکون کالتعلیق و إذا فرضنا اختلاف حال المکلف فی أجزاء الوقت بوجدان الماء و عدمه أو بالصحّة و المرض أو بالسفر و الحضر لا جرم کان الأمر المتوجه بدخول الوقت هو الإتیان بالعمل فی کل جزء بحسب إقتضاء حال المکلف فی ذلک الجزء فیتوجه الأمر بالصلاة مع الطهارة المائیة فی قطعة الوجدان للماء و مع الطهارة الترابیة فی قطعة الفقدان مخیراً بینهما من غیر فرق بین أن یکون الحال الفعلی هو الوجدان أو الفقدان و ذلک بأن دخل الوقت و هو غیر واجدٍ للماء فإذا توجه هذا الأمر إستصحب بعد الإتیان بالعمل الإضطراری للشک فی إسقاطه للمأمور به الإختیاری و احتمال کون العمل الإختیاری واجبا عینیا لایسقط بالإتیان بالعمل الإضطراری و مقتضی هذا الإستصحاب ثبوت التکلیف بالعمل الإختیاری علی وجه التنجیز بعد رفع الإضطرار». و فی تحقیق الأصول: «المرحلة الاولی: فی تقریب الإستصحاب لمن صلّی مع التیمّم ثم تمکّن فی بعض الوقت من الماء کما قال المحقق الإیروانی فی تعلیقته علی الکفایة: إنّ الخطاب بالصلاة مع الطهارة المائیة متوجّه إلی المکلَّف بمجرّد دخول الوقت، و هو موجود إلی آخره، فهو وجوب واحد مستمر، غیر أنّه یکون لمن عجز عن الماء فی أول الوقت معلَّقاً علی وجدانه و التمکّن منه، و یکون الوجوب فی حقّه فعلیاً و الواجب استقبالیاً، هذا من جهة الطهارة المائیة و من جهة الطهارة الترابیة، فإنّ دلیله کالروایة: التیمّم أحد الطهورین یجعل الطهارة الترابیة للعاجز عن الماء فالنتیجة هی التخییر و مع فرض عدم الإطلاق الدالّ علی وفاء الصلاة مع الطهارة الترابیة بتمام المصلحة یشک فی سقوط الواجب المعلَّق بإتیان الصلاة معها و إذا عاد الشک إلی سقوط الواجب، جری إستصحاب بقاء وجوب الصلاة مع الطهارة المائیة و هو إستصحاب تنجیزی و معه لا مجال لغیره من الأصول».
أورد علیه بعض الأساطین (حفظه الله):

(1)

إنّ الشخص المضطر مکلّف بالعمل الاضطراری أمّا تکلیفه بالصلاة مع الطهارة المائیة من أوّل الوقت فهو مشکوک من أوّل الأمر فلا یقین سابق حتّی نستصحبه.

ص: 102


1- . فی تحقیق الأُصول، ج2، ص190: «و أورد علیه شیخنا دام بقاه أوّلًا: إّنه من جهة یصرِّح بالوجوب التخییری لمن کان فاقداً للماء فی بعض الوقت و واجداً له فی البعض الآخر، بین الطهارة المائیة و الطهارة الترابیة، و من جهةٍ أخری یقول باحتمال التعیین المقوّم للإستصحاب، و کیف یمکن الجمع بین هذین الحکمین؟ و ثانیاً: إنّ وجوب الصلاة مع الطهارة المائیة علی من أتی بها مع الطهارة الترابیة، إن کان مطلقاً بمعنی وجود هذا الوجوب سواء أتی بها مع الترابیة أو لا؟ فهو لایجامع التخییر کما تقدم و إن کان مقیداً بعدم الإتیان بها مع الترابیة کان موضوع وجوبها مع المائیة مقیداً بمن لم یصلّ مع التیمّم، و حینئذٍ، فالمکلّف الذی صلّاها مع التیمم ثم تمکّن من الماء خارج عن هذا الموضوع، و الشرط فی الإستصحاب وحدة الموضوع. و تلخّص إنّ الصحیح عدم جریان الإستصحاب، لعدم الیقین بوجوب الصّلاة مع الطهارة المائیة بالنسبة للمکلَّف فی أوّل الوقت بالتیمّم، و مع عدم الیقین السابق بالتکلیف لایجری الإستصحاب».

ص: 103

ص: 104

الفصل الثالث:

اشارة

هل یجزی الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری

عن الأمر الواقعی؟

ص: 105

ص: 106

مقدمة فی ذکر الأقوال:

اشارة

هل یجزی الإتیان بالمأموربه بالأمر الظاهری عن المأموربه بالأمر الواقعی فیما إذا انکشف الخلاف بعلم وجدانی أو تعبّدی؟ قد اختلف الأعلام إلی أقوال((1)):

ص: 107


1- فی التنقیح فی شرح العروة الوثقی، الاجتهاد و التقلید، ص44: «و هل یجزی الإتیان بالمأمور به الظاهری عن الواجب واقعا إعادة أو قضاء أو لایجزی؟ فیه خلاف فقد یقال: بالإجزاء مطلقا و أخری یلتزم بعدمه کذلک و فصل الماتن قده بین العبادات و المعاملات بالمعنی الأخص أعنی العقود و الإیقاعات و بین غیرهما من الأحکام الوضعیة و التکلیفیة حیث ذکر فی المسألة الثالثة و الخمسین: إذا قلّد من یکتفی بالمرة- مثلا- فی التسبیحات الأربع و اکتفی بها أو قلد من یکتفی فی التیمم بضربة واحدة ثم مات ذلک المجتهد فقلد من یقول بوجوب التعدد لایجب علیه إعادة الأعمال السابقة و کذا لو أوقع عقدا أو إیقاعا بتقلید مجتهد یحکم بالصحة، ثم مات و قلد من یقول بالبطلان یجوز له البناء علی الصحة. نعم فیما سیأتی یجب علیه العمل بمقتضی فتوی المجتهد الثانی و أمّا إذا قلد من یقول بطهارة شی ء کالغسالة ثم مات و قلد من یقول بنجاسته فالصلوات و الأعمال السابقة محکومة بالصحة و إن کانت مع استعمال ذلک الشی ء و أمّا نفس ذلک الشی ء إذا کان باقیا فلایحکم بعد ذلک بطهارته. و کذا فی الحلیة و الحرمة فإذا أفتی المجتهد الأوّل بجواز الذبح بغیر الحدید- مثلا- فذبح حیوانا کذلک فمات المجتهد و قلّد من یقول بحرمته، فإن باعه أو أکله حکم بصحة البیع و إباحة الأکل. و أمّا إذا کان الحیوان المذبوح موجودا فلایجوز بیعه و لا أکله و هکذا». و فی الأصول فی علم الأصول، ج 2، ص464: «مسألة: إذا اضمحلّ الإجتهاد السابق بعد العمل علی طبقه، فهل یجزی ما أتی به أوّلاً، أو لایجزی، بل تجب علیه الإعادة و القضاء علی طبق الإجتهاد اللاحق، أو التفصیل بین أن یکون الإجتهاد السابق مستندا إلی القطع أو إلی الأدلة التعبدیة بالإجزاء فی الثانی دون الأوّل، أو التفصیل بین ما کان منه فی الأحکام أو فی الموضوعات المستنبطة بالإجزاء فی الثانی دون الأول؟ هذا بعد الإتفاق علی أنّ الأعمال اللاحقة ینبغی أن تکون علی طبق الإجتهاد اللاحق فَاعلم أنّ هذه المسألة جزئی من جزئیات مسألة الإجزاء المتقدمة فی مباحث الألفاظ، فالخلاف هو الخلاف فیها، و لذا نقتصر علی ذکر المختار، و هو التفصیل بین الموضوعات فلایجزی، و بین الأحکام فیجزی عکس التفصیل الأخیر، لکن بشرط کون مدرک الإجتهاد الأول غیر القطع، و إلّا لم یجز أیضا».

الأول: الإجزاء مطلقاً((1)). (نسب إلی المحقق الإصفهانی و البروجردی (قدس سرهما) .)

الثانی: عدم الإجزاء مطلقاً((2)).

ص: 108


1- بحوث فی علم الاصول: 120- 125، نهایة الاصول، ج1، ص129».
2- و هذا القول مختار المحقق العراقی أیضا و إن نسب بعض إلیه القول بالتفصیل. فإنّه ذکر ثلاثة إشکالات علی الإجزاء فی هذا القسم و أجاب عن الآخر فقط. الإشکال الأول: قال فی نهایة الأفکار، ج 1، ص249: «و أمّا ما کان منها بلسان رفع المشکوک فیه کحدیث الرفع و الحَجب فتوهّم الإجزاء فیها إنّما هو من جهة خیال اقتضاء مثل هذا اللسان لرفع الجزئیة و الشرطیة الواقعیة و اقتضائها بالملازمة لتحدید دائرة المأمور به بما عدا الجزء أو الشرط المشکوک الجزئیة و الشرطیة، و لکنّه من الغفلة عن استحالة اقتضاء اللسان المزبور لرفع الجزئیة الواقعیة ... و حینئذ فبعد عدم اقتضاء اللسان المزبور لرفع الجزئیة الواقعیة حقیقة فلابد و أن یکون الرفع رفعا تعبدیا تنزیلیا بلحاظ عدم وجوب الإحتیاط فی مقام العمل و علیه نقول: بأنّه بعد انکشاف الخلاف لابد من الإعادة، لاقتضاء الجزئیة الواقعیة حینئذ وجوب الإعادة و القضاء عند انکشاف الخلاف. الإشکال الثانی: قال فی ص250: «علی أنّ مثل هذا اللسان باعتبار سوقه فی مقام الإمتنان لایکاد یرفع إلّا ما یکون فی وجوده ضیق علی المکلف و هو لایکون إّلا إیجاب الإحتیاط لأنّه هو الذی یکون المکلف فی ضیق من جهته و هو الذی فی رفعه امتنان علی المکلف دون التکلیف الواقعی أو الجزئیة الواقعیة، لعدم کونهما بوجودهما الواقعی ضیقا علی المکلف حال الجهل حتی یقتضی الإمتنان رفعه، کما هو واضح. و معلوم حینئذ فی مثله أنّه لا مجال لتوهم الإجزاء بعد انکشاف الخلاف کما لایخفی». الإشکال الثالث: «و کیف کان قد یورد علیه إشکال آخر فی أصل اقتضاء اللسان المزبور لإثبات التکلیف بالبقیة، بتقریب: إنّ ثبوت التکلیف بما عدا الجزء المشکوک الجزئیة إنّما هو من لوازم عدم کونه جزء واقعیا، و بعد عدم اقتضاء مثل هذا اللسان لرفع الجزئیة الواقعیة حقیقة لا مجال أیضا لإثبات التکلیف بالبقیة بمحض جریان دلیل الرفع و اقتضائه لنفی الجزئیة ظاهرا إلّا علی القول بالمثبت». الجواب عن الإشکال الأخیر: «هذا و لکنّه یمکن التفصّی عن هذا الإشکال بأنّ ثبوت التکلیف بما عدا المشکوک الجزئیة حینئذ و إن کان مبنیا علی المثبت و لکنّه من جهة جلاء الواسطة فیه لایضر به جهة المثبتیة، إذ هو حینئذ نظیر الأبوّة و البنوّة من حیث فهم العرف من جهة شدة الملازمة بینهما عدم انفکاک تنزیل أحدهما عن تنزیل الآخر، فتأمل». و راجع أیضا بدائع الافکار فی الأصول، ص305؛ منهاج الأصول، ج 1، ص248.

الثالث: التفصیل بین الأمارات و الأصول الجاریة لإثبات أصل التکلیف فلایجزی و بین الأصول الجاریة لإثبات موضوع التکلیف فیجزی (مختار صاحب الکفایة (قدس سره).

الرابع: التفصیل بین القول بالسببیة فیجزی و القول بالطریقیة فلایجزی (مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1))).

الخامس: التفصیل بین الطریقیة و المصلحة السلوکیة فلایجزی و سائر أقسام السببیة فیجزی((2)).

السادس: التفصیل بین ما إذا انکشف الخلاف بعلم وجدانی فلایجزی و بعلم تعبّدی فیجزی.

ص: 109


1- فی المحاضرات (ط.ج): ج2، ص76 و (ط.ق): ج2، ص260: «و الصحیح هو التفصیل بین نظریة الطریقیة فی باب الأمارات و الحجج و نظریة السببیة، فعلی ضوء النظریة الأولی مقتضی القاعدة عدم الإجزاء مطلقا یعنی فی أبواب العبادات و المعاملات و فی موارد الأصول و الأمارات إلّا أن یقوم دلیل خاص علی الإجزاء فی مورد. و علی ضوء النظریة الثانیة مقتضی القاعدة الإجزاء کذلک إلّا أن یقوم دلیلٌ خاصٌّ علی عدمه فی مورد».
2- یمکننا أن لانعدّ القول الرابع و الخامس من الأقوال.
و أمّا المقصود

فنقول: إنّ الأمر الظاهری علی قسمین:

الأوّل: مفاد الأُصول العملیة و هو الحکم المجعول فی ظرف الشک و الجهل بالواقع بما هو جهل من دون النظر إلی الواقع.

الثانی: مفاد الأمارت و هو الحکم المجعول فی ظرف الشک و الجهل بما أنّه ناظر إلی الواقع و کاشف عنه.

ثمّ إنّ الأمر الظاهری بقسمیه قد یجری لإثبات أصل التکلیف و قد یجری لتنقیح موضوع التکلیف و تحقیق متعلّقه.

أمّا ما یجری لإثبات أصل التکلیف

ففیه نظریتان:

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره):

لا وجه لإجزائها مطلقاً سواءً قلنا بالطریقیة أو بالسببیة کما إذا قام الطریق أو الأصل علی وجوب صلاة الجمعة فی عصر الغیبة ثم انکشف وجوب صلاة الظهر و وجه عدم الإجزاء هو أنّ التکلیف الواقعی بقی علی ما هو علیه من المصلحة الواقعیة((1)) و المأموربه بالأمر الظاهری علی القول بالطریقیة لا مصلحة

ص: 110


1- فی المستمسک، ج 1، ص81 فی التعلیقة علی قوله «مسألة 53: إذا قلد من یکتفی بالمرة مثلا فی التسبیحات الأربع و اکتفی بها، أو قلد من یکتفی فی التیمم بضربة واحدة، ثمَّ مات ذلک المجتهد فقلد من یقول بوجوب التعدد، لایجب علیه إعادة الأعمال السابقة»: «هذا إما مبنی علی اقتضاء موافقة الأمر الظاهری للإجزاء. لکنّ المحقَّق فی محله خلافه، لقصور أدلته عن إثبات ذلک، و إطلاق دلیل الواقع محکّم». و لکن فی المدخل إلی عذب المنهل، ص312: «إعلم أنّ لکثیر من متأخری المتأخرین أنظاراً دقیقة فی مبحث الإجزاء حریة بأن یصرف فیها الفکر لکّنها مبتنیة علی أصل لهم لانوافقهم علیه و هو أنّ الجاهل مکلف بالواقع، و إن کان معذورا، بل و عاجزا عن تحصیل العلم قالوا: و إلّا یلزم التصویب و نحن نمنع لزوم التصویب کما مر». و قال فی ص224: «إن قلت: ورد فی الحدیث: إنّ الجاهل و العالم مشترکان فی الحکم و أنّ لله تعالی فی کل واقعة حکما یشترک فیه الجاهل و العالم قلنا: أوّلاً لایرتبط هذا مع مسألة التصویب و التخطئة، و ثانیاً لم یتبین لنا صحة هذه الأحادیث، و ثالثاً هی معارضة بما ورد فی حدیث الرفع من أنّ ما لایعلمون مرفوع عنهم، و رابعاً أنّ المراد من تکلیف الجاهل تکلیفه بالإجتهاد فی تحصیل العلم مع الإمکان، لا أنّه مکلف و لو مع الیأس عن الظفر بالدلیل، أو مع العجز بعد استفراغ الوسع، إلّا أن یتشبّث بالتکلیف الغیر المنجز الذی لایتصور إلّا مشتملا علی التناقض، إذ معناه التکلیف الذی لیس بتکلیف».

فیه حتّی یتدارک الواقع و علی القول بالسببیة و إن کان ذا مصلحة ملزمة إلّا أنّها أجنبیة عن مصلحة الواقع و لا صلة له بها لأنّهما سنخان مختلفان لیس أحدهما بدلاً عن الآخر بل کلّ منهما أجنبی عن الآخر((1)).

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره):

و یجیء((2)) تفصیل المحقق الإصفهانی (قدس سره) و نختاره بالنسبة إلی الأمر الظاهری الذی جاء لبیان أصل التکلیف.

ص: 111


1- فی کفایة الأصول، ص87: «و أما ما یجری فی إثبات أصل التکلیف کما إذا قام الطریق أو الأصل علی وجوب صلاة الجمعة یومها فی زمان الغیبة فانکشف بعد أدائها وجوب صلاة الظهر فی زمانها فلا وجه لإجزائها مطلقا غایة الأمر أن تصیر صلاة الجمعة فیها أیضا ذات مصلحة لذلک و لاینافی هذا بقاء صلاة الظهر علی ما هی علیه من المصلحة کما لایخفی إلّا أن یقوم دلیل بالخصوص علی عدم وجوب صلاتین فی یوم واحد».
2- ما یجری لتنقیح موضوع التکلیف و تحقیق متعلقه، المقام الثانی (الأمارات)، المبنی الثالث (جعل الحکم المماثل)، تفصیل المحقق الإصفهانی بین العبادات و المعاملات.
و أمّا ما یجری لإثبات موضوع التکلیف و تحقیق متعلّقه

فالبحث عنه یقع فی مقامین:

المقام الأوّل: الأُصول العملیة؛ المقام الثانی: الأمارات.

ص: 112

المقام الأوّل: الأُصول العملیة

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره):

«إنّ ما کان منه [أی من الأمر الظاهری] یجری فی تنقیح ما هو موضوع التکلیف و تحقیق متعلقه و کان بلسان تحقّق ما هو شرطه [أی المأموربه] أو شطره کقاعدة الطهارة [کلّ شیء طاهر] أو [قاعدة] الحلّیة [کلّ شیء لک حلال حتّی تعلم أنّه حرام] بل و استصحابهما [استصحاب الحلّیة أو الطهارة] فی وجه قوی و نحوها [مثل قاعدة التجاوز و الفراغ] بالنسبة إلی کل ما اشترط بالطهارة أو الحلیة یجزی.

فإنّ دلیله [أی الأصل العملی] یکون حاکما علی دلیل الاشتراط و مبیناً لدائرة الشرط [و موجباً لتوسعتها لأنّ ما دلّ علی شرطیة الطهارة أو الحلّیة للصلاة مثلاً ظاهر فی الطهارة أو الحلّیة الواقعیة و الدلیل الحاکم یوجب توسعتها] و أنه [أی الشرط] أعمّ من الطهارة الواقعیة و الظاهریة.

فانکشاف الخلاف فیه [بالنسبة إلی الطهارة الواقعیة] لایکون موجبا لانکشاف فقدان العمل لشرطه بل بالنسبة إلیه یکون من قبیل ارتفاعه من حین ارتفاع الجهل».

ص: 113

بل لایعقل تحقّق انکشاف الخلاف فی الشرط لأنّ الشرط أعمّ من الواقعیة و الظاهریة، فالتعبیر بانکشاف الخلاف فی هذه الموارد بلحاظ الطهارة الواقعیة أو الحلّیة الواقعیة أمّا شرط الواجب فهو محقّق علی أی حال من دون انکشاف خلاف.

فالحقّ فی المقام الأول هو القول بالإجزاء مطلقاً.((1))

ص: 114


1- فی أصول الفقه للشیخ حسین الحلی، ج 2، ص377: «لنجعل الکلام معه قدّس سرّه فی أخسّ هذه الصور، و هو ما لو إعتمد فی الشبهة الموضوعیة بالنجاسة علی أصالة الطهارة ثم انکشف بعد العمل نجاسة ذلک الثوب مثلاً إنکشافا قطعیا، فقد حکم فی ذلک بالإجزاء. و کلامه فی ذلک یدور علی أمور ثلاثة: الأوّل: أنّ مفاد أصالة الطهارة هو تحقیق الشرط. الثانی: أنّها تکون حاکمة علی ما یدل علی اشتراط الطهارة فی اللباس، و مبینة لأنّ الشرط هو الأعمّ من الطهارة الواقعیة و الطهارة الظاهریة. الثالث: أنّه عند تبین نجاسة ذلک الثوب لایکون من قبیل تبین الخلاف و أنّه لم یکن واجدا لذلک الشرط، بل یکون من قبیل تبدل الموضوع، و یکون العلم بنجاسة ذلک الثوب رافعا للشرط من حین التبین لا من أوّل الأمر. و لا یخفی أنّ هذه الجهات تکون فی بادئ النظر کالمتناقضة، فإنّ مقتضی الثالث هو کون الحکم الظاهری الثابت بقاعدة الطهارة حکما واقعیا و أّن التبدل إلی النجاسة و فقدان الشرط یکون من قبیل تبدل الموضوع، و هذا لایلتئم مع ما فی الأمر الثانی من أنّ الشرط هو الأعم من الطهارة الواقعیة و الظاهریة». ثم ذکر توجیهین لقول صاحب الکفایة بالإجزاء و ناقش فیهما: أما التوجیه الأول فقال فی ص378: «ربما یقال فی توجیه أصل ما أفاده قدّس سرّه من الإجزاء: إنّه مبنی علی کون مفاد قاعدة الطهارة هو جعل الطهارة الواقعیة لما هو مشکوکها، فإنّ الطهارة بعد فرض کونها من الأحکام الشرعیة کان من الممکن جعلها لما هو المشکوک کما کان من الممکن جعلها للشی ء بعنوانه الأولی کالماء مثلا، و بناء علی ذلک تکون طهارة المشکوک حکما واقعیا، غایته أنّها ثابتة للشی ء بعنوان کونه مشکوکا لا بعنوانه الأولی، و حینئذ تکون محققة لما هو الشرط، و یکون ما دل علی اشتراط الطهارة شاملا للطهارة الثابتة للشی ء بعنوانه الأولی و للشی ء بعنوانه الثانوی، و یکون العلم الطارئ بالنجاسة من قبیل التبدل من موضوع إلی آخر، فلایتصور فیه انکشاف الخلاف، و یکون مقتضاه الإجزاء قطعا». و ناقش فی التوجیه الأول بخمسة وجوه، فراجع. و أما التوجیه الثانی فقال فی ص381: «و یمکن أن یقال: إنّ ما أفاده قدّس سرّه لایبتنی علی کون مفاد قاعدة الطهارة هی الطهارة الواقعیة، بل إنّه مبنی علی أنّها من الأصول التنزیلیة، و أنّها ل تتکفل إلّا الطهارة الظاهریة، لکن هذه الطهارة بالنسبة إلی ما یشترط فیه الطهارة مثل الصلاة تکون مؤثرة أثرا واقعیا و هو صحة الصلاة، لکونها واجدة لما هو الشرط فیها الذی هو الأعم من الطهارة الواقعیة و الطهارة الظاهریة، فتکون قاعدة الطهارة محققة لما هو الشرط واقعا، و بواسطة تکفلها لتنزیل ما هو مشکوک الطهارة منزلة الطاهر الواقعی فی ترتیب أثره علیه الذی هو صحة الصلاة معه، تکون موجبة لتعمیم دائرة الشرط و أنّه الأعم من الطهارة الواقعیة و الطهارة الظاهریة، و بواسطة أنّ الحکم الواقعی و هو وجدان الشرط یکون تابعا لوجود ذلک الحکم الظاهری، و أنّه عند تبین النجاسة ینقطع الحکم الظاهری فیتبدل الشرط من الوجود إلی العدم، لا أنّه ینکشف عدم وجوده من أوّل الأمر، و بذلک یتم ما أفاده من المطالب الثلاثة، أعنی کون القاعدة محققة لما هو الشرط، و موجبة لتعمیم دلیل الشرط، و أنّه عند العلم بالنجاسة یکون بالنسبة إلی وجدان الشرط من قبیل تبدل الموضوع». ثم ناقش فی هذا التوجیه أیضاً، فراجع.
مناقشة المحقّق النائینی (قدس سره) فی کلام المحقّق الخراسانی (قدس سره) حول الأصول العملیة:
المناقشة الأُولی:
اشارة

((1))

«إنّ الحکومة عند هذا القائل لابدّ و أن تکون بمثل کلمة أعنی و أردت و أشباه ذلک، و لأجله لم یلتزم بحکومة أدلّة نفی الضرر علی أدلّة الأحکام الواقعیة و لابحکومة الأدلّة الاجتهادیة علی الأُصول العملیة و من الواضح عدم تحقّق الحکومة بهذا المعنی فی المقام.»((2))

ص: 115


1- أجود التقریرات، ج1، ص287.
2- و أجاب عن هذه المناقشة الشیخ حسین الحلی فقال فی أصول الفقه، ج 2، ص385: «إنّ هذا إشکال مستقل فی تفسیره الحکومة بما ذکره من الشارحیة، و لا خصوصیة للمقام فی ذلک. مضافاً إلی إمکان أن یکون مراده بالحکومة هنا هی حکومة ما دل علی حکم الشی ء بعنوانه الثانوی علی ما دل علی حکمه بعنوانه الأولی، فإنّ الطهارة فی قاعدتها و إن کانت ظاهریة إلّا أنّها لمّا کانت واردة علی عنوان الشک الذی هو عنوان ثانوی بالنسبة إلی العناوین الأولیة، التی هی مورد الحکم بنجاسة مثل البول و شرطیة طهارة الثوب، کانت حاکمة علیها من هذه الجهة، و إن لم تکن شارحة و مفسّرة لها و لا رافعة لموضوعها».
أجاب عنها بعض الأساطین (حفظه الله)

((1)):

«إنّه [أی صاحب الکفایة (قدس سره) ] فی تعلیقته علی کلام الشیخ فی باب التعادل و التراجیح حیث ذکر الشیخ (قدس سره) کون الحکومة بنحو الشرح و التفسیر مثل أی و أعنی و نحو ذلک قال: الحکومة تتحقّق بکون الدلیل الحاکم معمِّماً لموضوع الدلیل المحکوم أو مضیِّقاً لدائرته و قد صرّح هناک [أی فی بحث التعادل و التراجیح فی التعلیقة] بتقدّم أدلّة الأمارات بالحکومة علی أدلة الأُصول [العملیة] من جهة رفعها لموضوعها [أی موضوع الأُصول] و هو الشک و الجهل [رفعاً تعبدیاً لا واقعیاً]...((2))

ص: 116


1- تحقیق الأصول، ج2، ص203.
2- فی فرائد الأصول، ج 4، ص11: «و هو [أی التعارض] لغة من العرض بمعنی الإظهار و غلب فی الإصطلاح علی تنافی الدلیلین و تمانعهما باعتبار مدلولهما ... و منه یعلم أنّه لا تعارض بین الأصول و ما یحصله المجتهد من الأدلة الإجتهادیة ... و الدلیل المفروض إن کان بنفسه یفید العلم ... و إن کان بنفسه لایفید العلم، بل هو محتمل الخلاف، لکن ثبت اعتباره بدلیل علمی فإن کان الأصل مما کان مؤدّاه بحکم العقل- کأصالة البراءة العقلیة، و الإحتیاط و التخییر العقلیین- فالدلیل أیضا وارد علیه و رافع لموضوعه ... و إن کان مؤداه من المجعولات الشرعیة- کالإستصحاب و نحوه- کان ذلک الدلیل حاکما علی الأصل، بمعنی أنّه یحکم علیه بخروج مورده عن مجری الأصل، فالدلیل العلمی المذکور و إن لم یرفع موضوعه- أعنی الشک- إلّا أنّه یرفع حکم الشک، أعنی الإستصحاب و ضابط الحکومة أن یکون أحد الدلیلین بمدلوله اللفظی متعرضا لحال الدلیل الآخر و رافعا للحکم الثابت بالدلیل الآخر عن بعض أفراد موضوعه، فیکون مبیناً لمقدار مدلوله، مسوقا لبیان حاله، متفرعا علیه و میزان ذلک أن یکون بحیث لو فرض عدم ورود ذلک الدلیل لکان هذا الدلیل لغوا خالیا عن المورد» إلخ. و فی درر الفوائد فی الحاشیة علی رسالة التعادل، ص428 فی التعلیقة علی قوله «و ضابط الحکومة»: «لایخفی أنّه لایعتبر فی الحکومة إلاّ سوق الدّلیل، بحیث یصلح للتّعرّض لبیان کمیة موضوع الدّلیل الآخر تعمیما أو تخصیصا لو کان و لو بعده بزمان، من دون اعتبار أن یکون المحکوم قبله أو معه، فضلا من أن یکون الحاکم متفرّعا علیه بحیث لایکون له وقع و محلّ بدونه، کیف و أظهر أفرادها هو أدلّة الأمارات بالإضافة إلی الأصول التّعبدیة، و بالبداهة لاتکون الأدلّة متفرّعة علیها، بل لو لم تکن الأصول مجعولة بعد، بل و إلی یوم القیامة، کانت تلک الأدلّة علی ما هی علیها من الفائدة التّامّة و الإستقلال التّام بلا إشکال و لا کلام و من هنا إنقدح فساد ما أثبت من قوله: مسوقا لبیان حاله متفرّعا علیه و من قوله ... فیا لیت قد ضرب علیهما کما ضرب علی ما جعله میزانا للحکومة، و لعلّ منشأ توهّم التّفرّع علیه و اللغویة بدونه، کون الحاکم بمنزلة الشّرح و تبعیته للمشروح لایحتاج إلی بیان و شرح، لکنّک عرفت أنّ الحاکم مفید للفائدة التّامّة المستقلّة و إن کان مسوقا بحیث یبین کمیة موضوع الحکم بالخصوص و العموم أیضا، لا أنّه لیس مسوقا إلاّ لذلک، فتدبّر».

و أیضاً قال بحکومة الأمارات علیه و صرح بأن الأمارات حاکمة علی جمیع الأصول.((1))

ص: 117


1- قال الشیخ فی فرائد الأصول، المقصد الثالث (فی الشک)، ج 2، ص11: «و مما ذکرنا من تأخر مرتبة الحکم الظاهری عن الحکم الواقعی- لأجل تقیید موضوعه بالشک فی الحکم الواقعی- یظهر لک وجه تقدیم الأدلة علی الأصول؛ لأنّ موضوع الأصول یرتفع بوجود الدلیل، فلا معارضة بینهما، لا لعدم إتحاد الموضوع، بل لارتفاع موضوع الأصل- و هو الشک- بوجود الدلیل». و فی درر الفوائد فی الحاشیة علی رسالة البراءة، ص184 فی التعلیقة علی قوله: «یظهر لک وجه تقدیم»: «و مجمل الکلام فی تقدیم الدّلیل علی الأصل هو أنّه إمّا وارد علیه برفع موضوعه حقیقة، کما هو الحال فی الدّلیل العلمی بالنّسبة إلی الأصل العملی مطلقا، أو الدّلیل مطلقا بالإضافة إلی خصوص أصل کان مدرکه العقل ... و إمّا حاکم علیه برفع موضوعه حکماً، کما هو الحال فی الدّلیل الغیر العلمی بالنّسبة إلی کلّ أصل کان مدرکه النّقل و من المعلوم أنّه لا منافاة بین الوارد و المورود، و کذا بین الحاکم و المحکوم، فإنّ الحاکم بمنزلة الشّارح لما هو المراد ممّا له من إطلاق أو عموم، و قد فصّلنا الکلام فی شرح معنی الحکومة و کیفیة حکومة الدّلیل علی الأصل بما لا مزید علیه فیما علّقناه سابقاً علی أواخر الإستصحاب و أوائل التّعادل و التّرجیح من الکتاب فلانعید». و فی ص430 فی الحاشیة علی رسالة التعادل: «الثانی إنّ الحاکم کما یخصص موضوع الدلیل المحکوم و یقلله، کذا ربما یعممه، و هذان قد یجتمعان فی حاکم واحد بالإضافة إلی شی ء واحد بالنسبة إلی المحکومین بل المحکوم الواحد من جهتین، کما یظهر هذا کله من ملاحظة دلیل البینة مع الإستصحاب و أدلة الأحکام الواقعیة إذا قامت البینة علی خمریته بعد ما کان خَلّا سابقا یخرج بدلیل البینة عن موضوع الإستصحاب و یدخل فی أفراد الخمر فیشمله دلیل حکمه فی کل باب، و من ملاحظة جمیع أدلة الأمارات معه بملاحظة لفظی الشک و الیقین الواقعین فیه، فمورد کل أمارة کان مورد الإستصحاب یخرج من حکم الشک و یدخل فی حکم الیقین».

و ... فی بحث التعادل و التراجیح من الکفایة فی کلام له ناظر إلی کلام الشیخ فی معنی الحکومة یصرّح بحکومة أدلّة لاضرر علی أدلّة الأحکام [الواقعیة].((1))

و کذلک فی آخر مبحث البراءة من الحاشیة حیث یورد کلام الفاضل

ص: 118


1- ذکر هذا المطلب فی تعلیقة الرسائل فی قاعدة لاضرر: قال الشیخ فی فرائد الأصول، ج 2، ص462 و 463: «ثمّ إنّ هذه القاعدة حاکمة علی جمیع العمومات الدالّة بعمومها علی تشریع الحکم الضرری، کأدلّة لزوم العقود، و سلطنة الناس علی أموالهم، و وجوب الوضوء علی واجد الماء، و حرمة الترافع إلی حکّام الجور، و غیر ذلک و ما یظهر من غیر واحد من أخذ التعارض بین العمومات المثبتة للتکلیف و هذه القاعدة، ثمّ ترجیح هذه ... فهو خلاف ما یقتضیه التدبّر فی نظائرها من أدلّة رفع الحرج و رفع الخطأ و النسیان و نفی السهو علی کثیر السهو و نفی السبیل علی المحسنین و نفی قدرة العبد علی شی ء و نحوها ... و المراد بالحکومة أن یکون أحد الدلیلین بمدلوله اللفظی متعرّضا لحال دلیل آخر من حیث إثبات حکم لشی ء أو نفیه عنه فالأوّل: مثل ما دلّ علی الطهارة بالإستصحاب أو شهادة العدلین، فإنّه حاکم علی ما دلّ علی أنّه لا صلاة إلّا بطهور فإنّه یفید بمدلوله اللفظی أنّ ما ثبت من الأحکام للطهارة فی مثل لا صلاة إلّا بطهور و غیرها، ثابت للمتطهّر بالإستصحاب أو بالبینة و الثانی مثل الأمثلة المذکورة». و فی درر الفوائد فی الحاشیة علی رسالة البراءة، ص282 فی التعلیقة علی قوله: «ثمّ إنّ هذه القاعدة حاکمة علی جمیع العمومات»: «حکومتها یتوقّف علی أن یکون بصدد التّعرّض لبیان حال أدلّة الأحکام المورثة للضّرر بإطلاقها أو عمومها علی ما أفاده قدّه أو حال الأدلّة الدّالّة علی جواز الإضرار بالغیر، أو وجوب تحمّل الضّرر عنه بالإطلاق أو العموم علی ما ذکرنا، و إلاّ بأن یکون لمجرّد بیان ما هو الواقع من نفی الضّرر، فلا حکومة لها، بل حالها کسائر أدلّة الأحکام».

التونی (قدس سره) فهناک أیضا یصرح بأن وزان لاضرر وزان (فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِی الْحَجِّ)».((1))

ص: 119


1- البقرة:197. راجع درر الفوائد فی الحاشیة علی رسالة البراءة، ص282. إنّ المحقق الخراسانی لم یقل فی موضع من الکفایة بالحکومة فی النسبة بین قاعدة لاضرر و الأحکام الأولیة و النسبة بین الأمارات و الأصول الشرعیة بل صرح فیه بالتوفیق العرفی. ففی کفایة الأصول، ص382 فی قاعدة لاضرر: «و من هنا لایلاحظ النسبة بین أدلة نفیه و أدلة الأحکام و تقدم أدلته علی أدلتها مع أنّها عموم من وجه حیث إنّه یوفق بینهما عرفاً بأنّ الثابت للعناوین الأولیة اقتضائی یمنع عنه فعلا ما عرض علیها من عنوان الضرر بأدلته ...». و راجع ص430، و فی ص437 و 438، المقصد الثامن فی تعارض الأدلة و الأمارات: «التعارض هو تنافی الدلیلین أو الأدلة بحسب الدلالة و مقام الإثبات علی وجه التناقض أو التضاد حقیقة أو عرضا بأن علم بکذب أحدهما إجمالا مع عدم امتناع اجتماعهما أصلا و علیه فلا تعارض بینهما بمجرد تنافی مدلولهما إذا کان بینهما حکومة رافعة للتعارض و الخصومة بأن یکون أحدهما قد سِیقَ ناظراً إلی بیان کمیة ما أرید من الآخر مقدما کان أو مؤخرا أو کانا علی نحو إذا عرضا علی العرف وفق بینهما بالتصرف فی خصوص أحدهما کما هو مطرد فی مثل الأدلة المتکفلة لبیان أحکام الموضوعات بعناوینها الأولیة مع مثل الأدلة النافیة للعسر و الحرج و الضرر و الإکراه و الإضطرار مما یتکفل لأحکامها بعناوینها الثانویة حیث یقدم فی مثلهما الأدلة النافیة و لاتلاحظ النسبة بینهما أصلا و یتفق فی غیرهما کما لایخفی أو بالتصرف فیهما فیکون مجموعهما قرینة علی التصرف فیهما أو فی أحدهما المعین و لو کان الآخر أظهر و لذلک تقدم الأمارات المعتبرة علی الأصول الشرعیة فإنّه لایکاد یتحیر أهل العرف فی تقدیمها علیها بعد ملاحظتهما حیث لایلزم منه محذور تخصیص أصلا بخلاف العکس فإنّه یلزم منه محذور التخصیص بلا وجه أو بوجه دائر کما أشرنا إلیه فی أواخر الإستصحاب و لیس وجه تقدیمها حکومتها علی أدلتها لعدم کونها ناظرة إلی أدلتها بوجه و تعرضها لبیان حکم موردها لایوجب کونها ناظرة إلی أدلتها و شارحة لها». و نذکر هنا عبارة لمزید الإطّلاع علی مختار صاحب الکفایة قال فی عنایة الأصول، ج 6، ص13: «بقی شی ء و هو أنّ المصنف قد صرح فی آخر الاستصحاب أنّ وجه تقدم الأمارات علی الإستصحاب هو الورود و ظاهر قوله فی المقام: و لذلک تقدم الأمارات إلخ هو الإشارة إلی التوفیق العرفی و هما لایخلوان عن التنافی و لکنّ الظاهر أنّ مراده من ذلک هو الإشارة إلی التوفیق العرفی بمعنی عام الشامل للورود ...». أما تعلیقة الرسائل فقد عرفت مواضع صرح فیها بالحکومة و لکن یصرح فی مواضع آخر من التعلیقة بعدم الحکومة، ففی درر الفوائد فی الحاشیة علی رسالة الظن، ص135 و فی ص297فی الحاشیة علی رسالة الإستصحاب و فی ص390، و فی ص392 و فی ص412 و فی ص413 و فی تعلیقة ص430 فی الحاشیة علی رسالة التعادل؛ و فی فوائد الاصول، الفائدة التاسعة (فی معنی المتعارضین)، ص102. و وجه الإختلاف فی کلمات الآخوند هو اختلاف زمن تألیفاته إذ هو فی ابتداء الأمر کان قائلا بمبنی الشیخ الأنصاری أی الحکومة و قد رأیت عبارته فی التعلیقة علی رسالة البراءة و التعادل من فرائد الأصول و تاریخ فراغه من الأول سنة 1295 و من الثانی سنة 1291. ثم إختار الورود و رأیت عباراته فی التعلیقة علی رسالة الظن و الإستصحاب من فرائد الأصول و فی فوائد الأصول و تاریخ فراغه من الأول سنة 1302 و من الثانی سنة 1305 و من الثالث سنة 1301 و أما ما نقلناه عنه من عبارته فی ص430 من تعلیقته علی رسالة التعادل حیث صرح بعدم الحکومة فهو حاشیة منه علی التعلیقة و هو فی عبارة التعلیقة مصرح بالحکومة فراجع. ثم عبر فی کفایة الأصول بالتوفیق العرفی تارة و الورود أخری و تاریخ فراغه منه سنة 1320 أو 1321. تکملة: قد عرفت أنّ صاحب الکفایة یری أنّ النسبة بین دلیل نفی الضرر و أدلة الأحکام لیست حکومة و استشکل هذا الکلام عدة من الأعلام بناء علی مختاره فی معنی قاعدة لاضرر: راجع حقائق الأصول، ج 2، ص386؛ عنایة الأصول، ج 4، ص 318؛ منتهی الدرایة، ج 6، ص525 – 527. و القول بالحکومة هو المشهور بین المحققین ففی قاعدة لا ضرر و لا ضرار للسید علی السیستانی، ص232: «التنبیه الثالث فی وجه تقدیم لا ضرر علی أدلة الأحکام الأولیة و قد ذکر فی ذلک وجوه کثیرة إلّا أنّ المشهور بین المحققین أنّه علی نحو الحکومة التضییقیة و هو الصحیح».
المناقشة الثانیة:
اشارة

«إنّ وجود الحکم الظاهری لابدّ و أن یکون مفروغاً عنه حین الحکم بعموم الشرط الواقعی للطهارة الواقعیة و الظاهریة أو بعمومه [أی الشرط الواقعی] للإباحة کذلک [أی الواقعیة و الظاهریة] و من الواضح أنّ المتکفّل لإثبات

ص: 120

الحکم الظاهری لیس إلّا نفس دلیل قاعدة الطهارة أو أصالة الإباحة، فکیف یمکن أن یکون هو المتکفّل لبیان کون الشرط أعمّ من الواقعیة و الظاهریة منهما.»((1))

و أجاب عنها المحقّق الخوئی (قدس سره):

((2))

«الحکم بکون الشرط أعمّ من الواقع و الظاهر و إن کان یستلزم کون وجود الحکم الظاهری مفروغاً عنه حین الحکم بعموم الشرط، إلّا أنّ المدعی فی المقام هو أنّ جعل الطهارة الظاهریة یستلزم ترتّب أحکام الطهارة الواقعیة التی من

ص: 121


1- بیّن الشیخ حسین الحلی مراد أستاذه المحقق النائینی فقال فی أصول الفقه، ج 2، ص386: «المراد أنّ الدلیل المتکفل لجعل الطهارة الظاهریة لایکفی فی تعمیم دلیل الشرط، بل لابدّ أن یکون تعمیم ذلک الدلیل إلی الطهارة الواقعیة و الطهارة الظاهریة مستفاداً من دلیل آخر، و لابد أن تکون مرتبة ذلک الدلیل الآخر بعد جعل تلک الطهارة الظاهریة. و بعبارة أخری أنّ تعمیم الشرط إلی الطهارة الظاهریة لابدّ أن یکون بعد الفراغ عن جعل الطهارة الظاهریة، فلایعقل أن یکون دلیل جعلها وافیا بذلک التعمیم». ثم أجاب عن هذه المناقشة فقال: «و لایخفی أّن هذا الإشکال إنمّا یکون متوجها لو کان التعمیم واقعیا، و هو من فروع کون الحکومة واقعیة لا ظاهریة. أمّا لو کان التعمیم المذکور تعمیما ظاهریا و کانت الحکومة أیضا حکومة ظاهریة، فلایتوجه هذا الإشکال، لأنّ الدلیل المتکفل لتنزیل المشکوک منزلة الظاهر الواقعی فی ترتیب أثره و هو الشرطیة کاف فی توسعة ذلک الشرط، غایته أّنها توسعة ظاهریة، و مرادنا من التوسعة هو ما عرفت من أنّ لازم التنزیل هو جواز الدخول فی الصلاة و صحتها ظاهرا الذی هو عبارة عن کونها واجدة للشرط ظاهرا، و المفروض أنّه لم تکن واجدة إلّا للطهارة الظاهریة، فکان الشرط حینئذ هو الطهارة الظاهریة، و هذا هو المراد من توسعة الشرط. و الحاصل أنّ المراد من توسعة الشرط هنا هو توسعته ظاهرا إلی ما لیس بطاهر واقعا، لا توسعته واقعا إلی الطهارة الظاهریة».
2- فی حاشیة أجود التقریرات،ج1، ص288 تبعاً للمحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج1، ص394.

جملتها شرطیتها للصلاة مثلاً علی الطهارة الظاهریة، فالمحکوم به إنّما هی الطهارة الظاهریة لا کون الشرط أعمّ من الواقع و الظاهر.

و أمّا عموم الشرط فهو من لوازم جعل الطهارة ظاهراً فلا محذور من هذه الجهة فی دعوی کون الشرط أعمّ من الواقع و الظاهر فتدبر جیدا.»

المناقشة الثالثة:
اشارة

«إنّ الحکومة التی توسّع دائرة المحکوم و تضیّقها إنّما تصحّ إذا کانت واقعیة بأن یکون الحاکم فی مرتبة المحکوم، کقوله (علیه السلام): لاشک لکثیر الشک بالإضافة إلی أدلّة الشکوک.

و أمّا إذا کانت الحکومة ظاهریة و کان الحکم متأخراً رتبة عن المحکوم لتقوّم موضوعه بالشک فی المحکوم -کما فیما نحن فیه- فلایعقل أن یکون الحاکم موسّعاً و مضیّقاً، إذ یستحیل أن یکون موضوعه فی عرض أفراد موضوع المحکوم حتّی یوسّعه أو یضیّقه.»((1))

ص: 122


1- قرّرها المحقّق الإصفهانی (قدس سره) هکذا فی هامش نهایة الدرایة، ص394 و 395 بعنوان الإشکال الخامس و قال بعد ذکره: «و هذا أقوی إشکال یورد هنا». و فی أجود التقریرات، ج1، ص288: «و ثالثاً أنّ الحکومة فی المقام و إن کانت مسلمة إلّا أنّها لاتستلزم تعمیم الشرط واقعاً فإنّ الحکومة علی قسمین: قسم یکون الدلیل الحاکم فی مرتبة الدلیل المحکوم و لایکون الشک فی المحکوم مأخوذاً فی الدلیل الحاکم کقوله علیه السلام لا شک لکثیر الشک الحاکم علی أدلة الشکوک فی الصلاة فلامحالة یکون الدلیل الحاکم موجباً لعموم الدلیل المحکوم أو مخصصاً له بلسان الحکومة و یسمی هذا القسم حکومة واقعیة (و قسم آخر) یکون الشک فی المحکوم مأخوذا فی الدلیل الحاکم فلامحالة یکون الدلیل الحاکم متأخراً عن المحکوم لأخذ الشک فیه موضوعاً فی الدلیل الحاکم فیستحیل کونه معمما أو مخصصاً له فی الواقع فتکون حکومته ظاهریة لامحالة و یترتب علی ذلک» إلخ.

«و یترتب علی ذلک جواز ترتیب آثار الواقع ما لم ینکشف الخلاف، فإذا انکشف الخلاف ینکشف عدم وجدان العمل لشرطه و یکون مقتضی القاعدة هو عدم الإجزاء کما فی الأمارات».((1))

ص: 123


1- هذه التتمة من أجود التقریرات. و فی عنایة الأصول، ج 1، ص269 و 270: «إنّ هذه الأصول و إن کانت هی حاکمة علی أدلة الشرط أو الجزء کما أفاد المصنف و لکنّها حکومة ظاهریة لا حکومة واقعیة و الفرق بینهما أنّ الحاکم الواقعی مما یوسع دائرة المحکوم واقعا أو یضیقها کذلک کما إذا قال: أکرم العالم ثم قال: ولد العالم عالم أو قال: إنّ النّحوی لیس بعالم و الحاکم الظاهری کالأصل العملی مما لایوسع دائرة الشرط واقعا بل ظاهرا بمعنی أنّ قاعدة الطهارة مثلا لاتجعل شیئا فی قبال الطهارة الواقعیة تتوسع بها دائرتها حقیقة سوی الترخیص فی البناء علی الطهارة الواقعیة فی ظرف الشک و المعاملة مع المشکوک معاملة الظاهر الواقعی ما دام کون الشک موجودا و من المعلوم أنّ مجرد ذلک مما لایقضی فیما إذا إنکشف الخلاف و ظهر فقدان العمل للطهارة واقعا أنّ العمل الفاقد لها یجزی عن العمل الواجد لها إعادة أو قضاء ثم إنّ کلام المصنف کله مفروض فی الأصول العملیة الموسعة لدائرة الشرط أو الجزء کقاعدتی الطهارة و الحل و استصحابهما و یجری الکلام بعینه فی الأصول العملیة التی تضیق دائرة الشرط أو الجزء کحدیث الرفع بالنسبة إلی دلیل الشرط أو الجزء فهو یضیق دائرته و یحصره بصورة العلم فقط دون الجهل و مقتضاه أنّه إذا شک فی وجوب شرط أو جزء و جرت البراءة عنه بشرائطها ثم انکشف الخلاف و أنّه کان معتبرا واقعا فیجزی العمل المأتی به بلا شرط أو جزء عن المأمور به الواقعی و لایکاد نحتاج إلی القضاء أو الإعادة أصلا و سیأتی التصریح منه بالبراءة النقلیة و بحکومتها علی دلیل الواقع فی الإجتهاد و التقلید فی تبدل رأی المجتهد إلّا أنّ ذلک ضعیف أیضا لِعین ما مرّ فی الأصول الموسعة حرفا بحرف فإنّ حکومة حدیث الرفع علی دلیل الشرط أو الجزء هی حکومة ظاهریة و لایکاد یرتفع به الشرط أو الجزء فی حال الجهل من أصله و إنّما یرتفع به التنجز و المؤاخذة علیه و من المعلوم أنّ مجرد رفعه کذلک مما لایقتضی الإجزاء و سقوط الإتیان بالعمل ثانیا بعد ما انکشف فقد أنّه للشرط أو الجزء واقعا (و بالجملة) أنّ الحکومة الظاهریة سواء کانت معممة أو مخصصة مما لاتکاد تقتضی الإجزاء عن الواقع إذا انکشف خلافه و إتّضح غیره بخلاف الحکومة الواقعیة التی توسع دائرة الشرط أو الجزء أو تضیقها حقیقة و واقعا». و ذکر الشیخ حسین الحلی بعض الملاحظات فی کلام المحقق النائینی فقال فی أصول الفقه، ج 2، ص387: «لایخفی أنّ هذا التأخر الرتبی فی قاعدة الطهارة إنّما هو عن الدلیل الدال علی حکم ما جرت فیه القاعدة من نجاسة أو طهارة، لا عن دلیل اشتراط الطهارة فی لباس المصلی ثم الظاهر أنّ میزان کون الحکومة ظاهریة لیس هو مجرد التقدم الرتبی، بل إنّ میزانه هو کون ما یتضمنه الحاکم حکما ظاهریا لا واقعیا، فإنّ قاعدة الطهارة و إن لم تکن متأخرة رتبة عن اشتراط الطهارة فی اللباس، إلّا أنّها لمّا کانت متضمنة للحکم الظاهری کان تقدمها علیه من قبیل الحکومة الظاهریة لا الواقعیة، کما أنّه لابدّ فی کون الحکومة واقعیة من عدم کون الشک فی المحکوم مأخوذا فی الدلیل الحاکم، أما کون الحاکم فی رتبة الدلیل المحکوم فعلی الظاهر أنّه لایعتبر فیها، بل لابدّ فی الحکومة الواقعیة من تأخر الحاکم رتبة باعتبار کون الحکم فیه متفرعا عن أصل الحکم فی المحکوم، إذ لو لم یکن حکم الشک هو البناء علی الأکثر لم یتوجه نفی الشک عن کثیر الشک بمعنی نفی حکمه عنه، فتأمل».
أجاب عنها العلامة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

«إنّ التعمیم و التخصیص الحقیقی و إن کان مستحیلاً إلّا أنّه لایجب أن تکون الحکومة المؤثرة فی الإجزاء متکفّلة للتعمیم و التخصیص الحقیقیین، إذ لیست الحکومة بمعنی الشرح و التفسیر بل بمعنی إثبات الموضوع و نفیه تنزیلاً.

و الشرطیة الواقعیة و إن کانت للطهارة الواقعیة إلّا أنّ الشرطیة الفعلیة للطهارة العنوانیة فهو تعمیم عنوانی، حیث إنّه أُلحق بالطاهر الواقعی فی حکمه ما هو طاهر عنواناً، کما أنّه أُخرج عن النجس الواقعی فی حکمه ما هو غیر نجس عنواناً و لا محذور فی إعطاء حکم الطاهر الواقعی للطاهر عنواناً إلّا توهّم التصویب.

و سیجیء إن شاء الله تعالی أنّا لانقول بسقوط الطهارة الواقعیة عن الشرطیة حتّی فی حال الشک فیها، و إنّما نقول بأنّ الطهارة العنوانیة جعلت شرطاً بدلاً عن الطهارة الواقعیة لکونها ذات مصلحة بدلیة، فیسقط الأمر بالصلاة عن

ص: 124


1- نهایة الدرایة، ج1، ص395.

طهارة واقعیة بإتیان الصلاة عن طهارة عنوانیة لحصول ملاکه، لا للکسر و الانکسار بین مقتضی الحکمین الواقعی و الظاهری لیلزم التصویب.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

((1)):

إنّ ترتّب آثار الطهارة الواقعیة علی الطهارة العنوانیة لایکون إلّا فی ظرف الشک فی الطهارة الواقعیة و بعد زوال الشک لا مجال لذلک لأنّ الشک موضوع للطهارة العنوانیة و بعد ارتفاع الشک لایبقی موضوع للطهارة العنوانیة و مع انتفاء الطهارة العنوانیة لا وجه لإجزاء الأمر الظاهری عن الأمر الواقعی.

یلاحظ علی إیراد بعض الأساطین (حفظه الله):

إنّ هذا البیان یجدی فی ظرف ارتفاع الشک، و الطهارة العنوانیة منتفیة بعد انتفاء الشک لا قبله، فما لم یرتفع الشک لا وجه لارتفاع الطهارة العنوانیة، ثم إنّ وجه الإجزاء عند المحقّق الإصفهانی (قدس سره) هو أنّ الطهارة العنوانیة واجدة للمصلحة البدلیة، فالصلاة مع الطهارة الظاهریة توجب حصول ملاک الأمر الواقعی فیجزی عنه.

ص: 125


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص206: «و أورد علیه الأستاذ بأنّ عنوان الشی ء غیر الشی ء، فالطهارة العنوانیة مغایرة للطّهارة، و إذا کان الأثر یترتب علی الطهارة العنوانیة فإنّما هو إلی زمان وجودها المتفرّع علی الشک فی الطّهارة الواقعیة، و بمجرّد زوال الشک فلایبقی موضوع للطهارة العنوانیة، و إذ لا موضوع فلا حکم، لاستحالة بقاء الحکم بعد زوال الموضوع، و حینئذٍ یبقی إطلاق دلیل الطّهارة الواقعیة بوحده. و حاصل إشکال المیرزا هو أنّ الحکومة و ترتّب الأثر علی الطهارة الظّاهریة- أو العنوانیة کما یقول المحقّق الأصفهانی- إنّما یکون ما دام الشک موجوداً، أمّا مع زواله و انقضاء ظرف الشک و انکشاف الخلاف، فلا دلیل علی کفایة العمل بالأمر الظاهری فما ذکره المحقق الأصفهانی غیر دافع للإشکال».
ملاحظة علی ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی هذا المقام:

إنّ تمامیة ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یتوقف علی أحد أمرین: إما علی فرض وجود المصلحة البدلیة للحکم الظاهری و إمّا علی استیفائها لتمام مصلحة الأمر الواقعی أو استیفائها لبعضها و کون المصلحة الباقیة إمّا غیر قابلة للتدارک أو غیر واجبة التدارک، و أمّا إذا فرضنا أنّ المصلحة الباقیة قابلة للاستیفاء و واجبة التدارک فلا مجال حینئذ للقول بالإجزاء و لا دلیل و لا إطلاق فی مقام الإثبات حتّی یعیّن بعض هذه الصور، إلّا أن یقال بإطلاق صلّ مع الطهارة.

المناقشة الرابعة:
اشارة

((1))

«إنّ الحکومة المدّعاة فی المقام لیست إلّا من باب جعل الحکم الظاهری و تنزیل المکلّف منزلة المحرز للواقع فی ترتیب آثاره و هذا مشترک فیه بین جمیع الأحکام الظاهریة سواء ثبتت بالأمارة أم بالأصل محرزاً کان أم غیر محرز، بل الأمارة أولی بذلک من الأصل، فإنّ المجعول فی الأمارات إنّما هو نفس صفة الإحراز و کون الأمارة علماً تعبّداً، و أمّا الأُصول فلیس المجعول فیها إلّا التعبّد بالجری العملی و ترتیب آثار إحراز الواقع فی ظرف الشک.»((2))

ص: 126


1- أجود التقریرات، ج1، ص289.
2- قال الشیخ حسین الحلی فی أصول الفقه، ج 2، ص388: «یمکن الجواب عن هذا الإشکال بأنّ التعمیم لدلیل الشرط إنّما یکون مستفادا من دلیل التنزیل. فإن کان لسان دلیل الحکم الظاهری متکفلا للتنزیل ترتب علیه تعمیم الشرط، أما إذا لم یکن مفاده إلّا الحکم بإحراز الواقع فلایترتب علیه التعمیم المذکور، و لایکون دخوله فی الصلاة من باب الحکم علیه بأنّه طاهر تنزیلا، کی یکون بذلک واجدا لأحد فردی الشرط الذی هو الطهارة الظاهریة، بل إنّما یکون جواز دخوله فیها من باب کونه محرزا للشرط و تنزیله منزلة العالم به، و ذلک لایلزمه وجدان الشرط، بل لایکون حاله إلّا کحال العالم بالشرط و بالجملة: فرق بین الحکم علیه بأنّه محرز للواقع الذی هو الطهارة و تنزیل ذلک الإحراز الذی تکفله الأصل الإحرازی أو الأمارة منزلة العلم الوجدانی، و بین الحکم علی ذلک المشکوک بأنّه طاهر، و أنّه منزّل منزلة الطاهر الواقعی فی ترتیب أثره علیه الذی یکون من جملته هو تحقق الشرط. فإنّ الأول لایوجب تعمیم الشرط بخلاف الثانی فإنّه یوجبه. نعم یرد علیه ما تقدم مراراً من أنّ هذا التعمیم لایکون تعمیما واقعیا، بل لایکون إلّا ظاهریا، فلایکون موجبا للإجزاء».
أجاب عنها المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

((1)):

«إنّ الحکومة بلحاظ لسان القاعدة فإنّ مفادها [أی الأُصول العملیة مثل الاستصحاب و قاعدة الطهارة و الحلّیة] جعل الطهارة [أو الحلّیة مثلاً] ابتداء من دون نظر إلی الواقع و فی الأمارة بالنظر إلی الواقع و البناء علی وجودها فی الواقع.»

فالمجعول فی الأُصول العملیة بنفسه حکم شرعی و هذا یوجب توسعة فی أدلّة الشروط فإنّ الصلاة کانت مشروطة بالطهارة و بعد جعل الطهارة الظاهریة یوجد مصادیق أُخری للطهارة و هذا معنی التوسعة فی أدلّة الشروط.

و لکن هذا المعنی مفقود فی الأمارات لأنّ المجعول فیها لیس إلّا جعل الطریقیة و الکاشفیة عن الواقع و الحکم بثبوت الواقع عند قیام الأمارة علیه، فإذا قامت الأمارة علی وجود الشرط واقعاً ثمّ انکشف خلافها بعد ذلک فالعمل المأتی به یکون فاقداً لشرطه واقعاً و لا مجال حینئذ للقول بالإجزاء.

المناقشة الخامسة:
اشارة

((2))

«إنّ الحکومة لو کانت واقعیة فلابدّ من ترتیب جمیع آثار الواقع لا خصوص

ص: 127


1- نهایة الدرایة، ج1، ص394 و تبعه فی ذلک المحقّق الخوئی (قدس سره) فی حاشیة أجود التقریرات، ج1، ص289و بعض الأساطین (حفظه الله) فی تحقیق الأُصول، ج2، ص204.
2- أجود التقریرات، ج1، ص289.

الشرطیة فلابدّ و أن لایحکم بنجاسة الملاقی لما هو محکوم بالطهارة ظاهراً و لو انکشف نجاسته بعد ذلک و لا أظنّ أن یلتزم به أحد.»

و أجاب عنها المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

«إنّه بعد البناء علی أنّ الطهارة و النجاسة من الموضوعات الواقعیة التی کشف عنها الشارع، لاتصرّف من الشارع جعلاً إلّا التکلیف و الوضع بجواز الارتکاب و بجعل الشرطیة [فی الطهارة] و بحرمة الارتکاب و جعل المانعیة [فی النجاسة]، و إلّا فلایعقل أن یتأثّر المغسول بالنجس الواقعی بأثر الطهارة اقتضاء أو إعداداً.»

توضیح ذلک: إنّ الطهارة و النجاسة من الموضوعات الواقعیة و الشارع عند الشک فی تلک الموضوعات الواقعیة یجعل أحکاماً وضعیة و تکلیفیة و بعد ارتفاع الشک ینتهی أمد تلک الأحکام بانتفاء موضوعها الذی هو الشک و بعبارة أُخری مع انکشاف الواقع لا مجال لتلک الأحکام الوضعیة و لذلک یحکم بنجاسة الملاقی لما هو محکوم بالطهارة ظاهراً.

نعم إنّ جعل الطهارة العنوانیة یوجب أثراً وضعیاً و هو التوسعة فی الشرطیة و ذلک یرجع إلی إطلاق دلیل الشرط بالنسبة إلی الطهارة الواقعیة و الطهارة العنوانیة التی هی حکم مجعول شرعی.

إیراد المحقّق الخوئی علی مبنی المحقّق الخراسانی و دفاعه عن المناقشة الخامسة

((2)):

«إنّ ما أفاده خاطئ نقضاً و حلاً:

ص: 128


1- حاشیة نهایة الدرایة، ج1، ص394.
2- المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص70 و (ط.ق)، ج2، ص254.

أمّا الأول [أی نقضاً] فلأنّ الالتزام بما أفاده لایمکن فی غیر باب الصلاة من أبواب الواجبات کالعبادات و المعاملات و من هنا لو توضأ بماء قد حکم بطهارته من جهة قاعدة الطهارة أو استصحابها ثم انکشف نجاسته لم یلتزم أحد من الفقهاء و المجتهدین حتّی هو (قدس سره) بالإجزاء فیه و عدم وجوب إعادته.

و کذا لو غسل ثوبه أو بدنه فی هذا الماء ثم انکشف نجاسته لم یحکم أحد بطهارته...

و من هذا القبیل ما إذا افترضنا أنّ زیداً کان یملک داراً مثلاً ثم حصل لنا الشک فی بقاء ملکیته فأخذنا باستصحاب بقائها [أی ملکیته] ثم اشتریناها [أی الدار] منه و بعد ذلک انکشف الخلاف و بان أنّ زیداً لم یکن مالکاً لها فمقتضی ما أفاده (قدس سره) هو الحکم بصحّة هذا الشراء لفرض أنّ الاستصحاب حاکم علی الدلیل الواقعی و أفاد التوسعة فی الشرط و جعله أعمّ من الملکیة الواقعیة و الظاهریة مع أنّه لن یلتزم و لایلتزم بذلک أحد»

و أمّا حلّاً: فملخّص ما أفاده (قدس سره) هو أنّ «الأحکام الظاهریة فی الحقیقة أحکام عذریة فحسب و لیست أحکاماً حقیقیة فی قبال الأحکام الواقعیة و المکلّف مأمور بترتیب آثار الواقع علیها (أی علی الأحکام الظاهریة) مادام الجهل، و إذا ارتفع ارتفع عذره و بعده لایکون معذوراً فی ترک الواقع و ترتیب آثاره علیه من الأوّل.»((1))

و قد تحصّل من ذلک أنّه لافرق بین هذه القواعد و الأُصول و بین الأمارات فإنّها من واد واحد.

ص: 129


1- المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص73و (ط.ق)، ج2، ص257.
تحقیق حول إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) نقضاً و حلاً:

إنّ ما أفاده فی النقض الأوّل یتوجه إلی المحقّق الإصفهانی و أستاذه المحقّق الخراسانی (قدس سرهما) نعم إنّ ما أفاده العلامة الإصفهانی (قدس سره) وافٍ لحلّ النقض الثانی کما أنّ النقض الثالث خارج عن حریم النزاع و سیجیء البحث عن ذلک إن شاء الله تعالی.

و لکن النقض الأوّل فهو بعین ما نحن فیه لأنّ طهارة الماء شرط للوضوء کما أنّ الطهارة شرط للصلاة، فإنّ أدلّة الأُصول العملیة إن کانت حاکمة علی أدلّة اشتراط الصلاة بالطهارة لابدّ أن تکون حاکمة علی أدلّة اشتراط ماء الوضوء بالطهارة أیضاً.

و یمکن أن یقال: لابدّ من أن یلاحظ دلیل الاشتراط فإن وجدنا دلیلاً علی شرطیة الطهارة بما أنّها من الموضوعات الواقعیة فلایبقی حینئذ مجال لإطلاق دلیل الاشتراط بالنسبة إلی الطهارة الواقعیة و العنوانیة و لکن إن لم نجد دلیلاً علی شرطیة الطهارة المقیدة بکونها واقعیة فحینئذ نتمسّک بإطلاق الطهارة و الأمر فی ما نحن فیه کذلک فإنّ الطهارة فی دلیل اشتراط ماء الوضوء بالطهارة، لیست مطلقة و یستفاد ذلک من الأدلّة و القرائن.

أمّا ما أفاده فی حلّ المطلب من أنّ الأحکام الظاهریة فی الحقیقة أحکام عذریة فحسب و لیست أحکاماً حقیقیة فی قبال الأحکام الواقعیة فهو مخالف لمبناه حیث إنّه یقول بأنّ الحکم الظاهری فی باب الأُصول حکم مجعول شرعی کما هو الظاهر من خطاب «کلّ شیء طاهر» فإنّ کلمة «طاهر» فی کلام الشارع ظاهر فی أنّه اعتبار و حکم شرعی.

ص: 130

و علی فرض تسلّم ذلک إنّه جواب مبنائی و لایجدی فی حقّ من لم یلتزم بهذا المبنی (أی کونها عذریة).

فتحصّل إلی هنا: أنّ الأُصول العملیة إذا جرت لإثبات موضوع التکلیف و تحقیق متعلّقه مجزیة عن الواقع لوجهین:

الوجه الأوّل: ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی الکفایة من حکومة أدلّة الأُصول علی أدلّة الاشتراط و نتیجتها التوسعة فی دائرة الشرط و إطلاقه بالنسبة إلی الطهارة الواقعیة و الظاهریة.

و هذا فیما لم یثبت من الأدلّة تقیید الشرط بالموضوعات الواقعیة کما فی اشتراط طهارة ماء الوضوء فإن استصحبنا طهارته فتوضأنا ثم علمنا بنجاسته لایحکم بصحّة الوضوء باستصحاب طهارة الماء.

الوجه الثانی: ما أفاده المحقّق الاصفهانی (قدس سره) من جهة حصول ملاک الأمر الواقعی و ذلک لأنّ المأموربه بالأمر الظاهری فیما إذا کان أصلاً عملیاً هو حکم ظاهری واجد للمصلحة البدلیة (ولابدّ من تتمیم بیانه بالصور الأربع الثبوتیة ثم التمسّک باطلاق صلّ مع الطهارة واقعیة کانت أو ظاهریة لإثبات الإجزاء)

هذا کلّه بالنسبة إلی الأُصول العملیة.

ص: 131

ص: 132

المقام الثانی: الأمارات

اشارة

نبحث فیه بناءً علی المبانی المختلفة فیها و هی خمسة((1)):

المبنی الأول: الطریقیة
اشارة

إنّ المشهور بین القدماء هو القول بالإجزاء علی الطریقیة و لکن المتأخرین قالوا بعدم الإجزاء((2)) و خالفهم السید البروجردی (قدس سره) ((3)).

أدلّة القول بالإجزاء:
اشارة

أدلّة القول بالإجزاء(4):

الدلیل الأوّل:
اشارة

إنّا نفرض وجود الأمارتین: الأمارة الأُولی (التی انکشف خطأها بالأمارة

ص: 133


1- قال صاحب الکفایة (قدس سره) بعدم الإجزاء فیها بناءً علی القول بالطریقیة و التنجز و بالإجزاء بناء علی القول بالسببیة و له بحث آخر بناءً علی عدم إحراز معنی الحجیة من السببیة و الطریقیة.
2- فی تحقیق الأصول، ج2، ص211: «أمّا بناءً علی الطریقیة فالمشهور بین المحققین عدم الإجزاء و قیل بالإجزاء».
3- نهایة الأُصول، ط.ق. ص132.
4- . فی تحقیق الأصول، ج2، ص211: «قد ذکر الأستاذ فی الدورة السابقة ثلاثة و فی اللاحقة خمسة وجوه و قد أجاب عنها کلّها». و فی ص228: «هذا تمام الکلام فی مقتضی الأدلّة الأوّلیة و استدل للقول بالإجزاء بوجوهٍ من الأدلّة الثانویة عمدتها ما یلی: قاعدة لاضرر و لاحرج، الإجماع، السیرة». و فی 232: «تلخّص أنّه لا دلیل علی الإجزاء من الأدلّة الثانویة».

الثانیة) و الأمارة الثانیة و کلتاهما حجّتان لکن مبنی القول بعدم الإجزاء هو ترجیح الأمارة الثانیة علی الأُولی و هو ترجیح بلا مرجح((1)).

أورد علیه بعض الأساطین (حفظه الله):

((2))

إنّ الفرض هو انکشاف الخلاف بالنسبة إلی الأمارة الأولی فتسقط عن الحجیة.((3))

ص: 134


1- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص211: «الوجه الأول: إنّ الأمارة الاولی حجّة و الأمارة الثانیة أیضاً حجّة و القول بعدم الإجزاء مبناه تقدیم الثانیة و هذا ترجیح لإحدی الحجّتین علی الأخری بلا مرجّح». و فی مطارح الأنظار (ط.ج)، ج1، ص163و ط.ق. ص30: «الخامس أنّ الأخذ بالأمارة الثانیة فی الوقائع المترتبة علی الوقائع السابقة دون الأمارة الأولی ترجیح بلا مرجح و تخصیص بدون ما یقضی به فإنّ المفروض أنّ الأمارتین کلتاهما ظنیتان فلایعلم بمطابقة إحداهما دون الأخری للواقع و لا وجه للأخذ بإحداهما دون الأخری. قال الشیخ الأجلّ کاشف الغطاء عن وجوه التحقیقات بعد کلام له فی المقام ما لفظه علی أنّه لا رجحان للظن علی الظن السابق حین ثبوته، إنتهی». و فی کشف الغطاء ط.ج. ج 1، ص217: «و علیه یلزم علی المجتهد و مقلّدیه بعدوله عن الإجتهاد، الحکم علی ما مرّ بالفساد و لزوم الإعادة و القضاء فیما فیه قضاء و إن کان هو الموافق للأصل و غیره من الأدلّة کما مر لترتّب الحرج علی ذلک، و خلوّ الأخبار و المواعظ و الخطب عن بیانه، مع أنّ وقوع مثله من الأصحاب کثیر لایعدّ بحساب، علی أنّه لا رجحان للظّنّ علی الظنّ السابق حین ثبوته».
2- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص212: «فیه أنّه واضح الفساد لأنّه مع قیام الثانیة لا حجیة للاولی فالأخذ بالثانیة هو الأخذ بالحجّة و علی فرض التنزّل فإنّ الأمارتین تتعارضان و تتساقطان فلایبقی للإجزاء وجه».
3- فی مطارح الأنظار(ط.ج): ج1،ص164و ط.ق. ص30: «قلت: و فساد هذا الوجه مما لایکاد یخفی أمّا أوّلاً فلأنّ المفروض قیام الدلیل علی اعتبار الظن الثانی و معنی اعتباره علی ما هو ظاهر تنزیله منزلة العلم بمعنی أنّه یجب الأخذ به علی حسب کشفه عن الواقع و من المعلوم عدم سقوط الواقع بمقتضی کشف الظن الثانی عن الواقع فیجب الإتیان بما هو مسقط عنه عقلا و نقلا فإن أرید من عدم الترجیح عدم دلالة الأمارة الثانیة علی فساد العمل الواقع أوّلاً علی حسب الأمارة الأولی فهو فی غایة السقوط فإنّ ذلک أمر قهری لازم من الظن بجزئیة السورة و إن أرید عدم دلالة دلیل علی اعتبار الظن بالنسبة إلی غیر الواقعة الغیر المرتبطة بسابقها فقد عرفت فساده بما لا مزید علیه. و أمّا ثانیاً فلأنّ بعد فرض عدم الترجیح لأحد الظنین علی الآخر لا وجه للأخذ بالأمارة الأولی فیها أیضا لایقال: إنّ ذلک طریق جمع بینهما لأنّا نقول کلاّ بل ذلک طرح للأمارة الثانیة و لا قاضی بالجمع بعد کشف فساد الأولی بالثانیة و بالجملة فمطالبة الترجیح مما لاینبغی أن یصغی إلیه فإنّ ذلک إنّما یستقیم عند التعارض و لایعقل التعارض فی المقام سواء قلنا بأنّ الأمارات المعمولة فی الأحکام مغیرة للواقع أم لا نقول به أمّا علی الأول فهو ظاهر إذ لایعارض بعد اختصاص کل منهما بموضوع لایرتبط بموضوع الآخر و أمّا علی الثانی فلأنّ قضیة اعتبار الثانی فساد الأول و لا تعارض بین الدلیل و ما لیس بدلیل». و فی التنقیح فی شرح العروة الوثقی، الاجتهاد و التقلید، ص 59: «و بما سردناه یندفع ما ربما یتوهم من أنّ الحکم بعدم الإجزاء عملا بالحجة الثانیة ترجیح بلا مرجح ... و الوجه فی الإندفاع أنّ الحجة السابقة قد سقطت عن الحجیة فی ظرف الرجوع بخلاف الحجة الثانیة و هذا هو المرجح لها علی سابقتها».

و علی فرض التنزّل، فالأمارتان تتعارضان و تتساقطان فلایبقی مجال للقول بالإجزاء.

الدلیل الثانی:
اشارة

إنّ ظرف العمل بالأمارة السابقة مضی و الأمارة الثانیة لاتکون منجزة للتکلیف السابق إذا انقضی ظرفه (فالأمارة الأُولی حجّة بالنسبة إلی الظرف السابق و إن انکشف خلافه بالأمارة الثانیة).((1))

ص: 135


1- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص212: «الوجه الثانی: إنّ العمل علی طبق الأمارة السابقة قد وقع و ذلک الظرف قد مضی و لایمکن أن یکون للحجّة اللاحقة أثر بالنسبة إلی ذاک العمل بأن یکون منجّزاً له فلا بدّ و أن یکون الأمارة السابقة هی الحجّة علی العمل و مقتضی القاعدة حینئذٍ هو الإجزاء».
إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علیه:

((1))

إنّ الأمارة الثانیة و إن وردت فی الظرف اللاحق و لکن یؤثر فی تنجیز التکالیف السابقة إعادةً و قضاءً (فیما إذا احتملنا اشتغال الذمّة بالتکالیف السابقة) لأنّ أثر الأمارة السابقة قابل للتنجیز بقاءً.

الدلیل الثالث:
اشارة

إنّ الأمارة الثانیة ما لم تصل إلی المکلّف لیست بحجّة أبداً و حینئذ الأمارة الأُولی بالنسبة إلی الزمان السابق حجّة و لاحجیة للأمارة الثانیة فی الظرف السابق بل حجیتها تنحصر فی الزمان اللاحق، فالأمارة الأُولی مجزیة بالنسبة إلی الأعمال السابقة((2)).

ص: 136


1- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص212: «إنّ الحجة الثانیة غیر منجّزة للعمل السابق و غیر مؤثرة فیه فی الظرف السابق لکن لها أثر فی التنجیز بالنسبة إلیه بقاء إمّا إعادة و إمّا قضاء لأنّه أثر باق و هذا الأثر قابل للتنجیز».
2- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص212: «الوجه الثالث: إنّ الحجّة الثانیة فی ظرف العمل السابق لم تکن واصلةً إلی المکلَّف کی تکون حجة و قد تقرّر أنّ الحجیة تدور مدار الوصول بل کان الواصل هو الحجّة الأولی و قد وقع العمل علی طبق الحجّة و مقتضی القاعدة إجزاؤه». و فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 3، ص711: «و إن بلغ إجتهاده الثانی إلی حدّ الظنّ أو تردّد فی المسألة و قضی أصل الفقاهة عنده بخلاف ما أفتی به أوّلاً فظاهر المذهب عدم وجوب الإعادة و القضاء للعبادات الواقعة منه و من مقلّدیه، و یدلّ علیه بعد لزوم العسر و الحرج فی القول بوجوب القضاء أنّ غایة ما یفیده الدلیل الدالّ علی وجوب الأخذ بالظنّ الأخیر هو بالنسبة إلی حال حصوله و أمّا بالنظر إلی ما قبل حصوله فلا دلیل علی وجوب الأخذ به، و قد وقع الفعل المفروض علی مقتضی حکم الشرع، و ما دلّ علیه الدلیل الشرعی فیکون مجزئا، و الظنّ المذکور القاضی بفساده لم یقم دلیل علی وجوب الأخذ به بالنسبة إلی الفعل المتقدّم. و حینئذ فلا داعی إلی الخروج عن مقتضی الظنّ الأوّل بعد وقوع الفعل حال حصوله و کون إیقاعه علی ذلک الوجه مطلوبا للشرع، و منه یعلم الحال بالنسبة إلی من قلّده» إلخ.
أورد علیه بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

أنّ حجیة الأمارة إذا وصلت لاتنحصر بزمان دون زمان فإنّ الأمارة طریق إلی الواقع بالنسبة إلی جمیع الأزمنة و جمیع الأعمال فالتفصیل بین حجیة الأمارة بین زمان الوصول و قبل زمان الوصول غیر وجیه.

الدلیل الرابع:
اشارة

إنّ العمل الواحد لایقبل اجتهادین، فالاجتهاد الأوّل هو حکم الأعمال السابقة و الاجتهاد الثانی هو حکم الأعمال اللاحقة فالاجتهاد الأوّل مجز بالنسبة إلی الأعمال السابقة((2)).

أورد علیه بعض الأساطین (حفظه الله):

أولاً: بالنقض بالموارد التی یکون الموضوع فیها باقیاً فإنّ العمل الواحد حینئذ لابدّ أن یقبل الاجتهادین و ذلک مثل ذبح الحیوان بغیر الحدید فإنّه إذا

ص: 137


1- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص212: «إنّه عند ما تقوم الحجّة الثانیة و تصل إلی المکلَّف تکون طریقاً إلی الواقع بالنسبة إلی جمیع الأعمال فإذا تبدّل رأی المجتهد من فتوی إلی أخری أفادت الثانیة أنّ الحکم الإلهی فی المسألة کذا و أنّ العمل السابق قد وقع علی خلاف الشریعة المقدَّسة، إذن تجب إعادته أو قضاؤه و لا إجزاء».
2- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص212: «الوجه الرابع: إنّ القضیة الواحدة لاتتحمَّل اجتهادین فحکم العمل یکون علی الإجتهاد الذی وقع علی طبقه، و هذا هو الإجزاء». و فی مطارح الأنظار (ط.ج): ج1، ص160-161و (ط.ق): ص29: «أمّا ما یمکن أن یکون وجها للأول فأمور ... الثانی ما قد قیل من أنّ الواقعة الواحدة لاتحتمل إجتهادین و لعل المراد به منع الدلیل الدال علی وجوب إتّباع الأمارة الثانیة فی الواقعة المجتهد فیها و إلّا فهو بظاهره مما ل یکاد یعقل و قد عرفت فیما تقدم فساده بما لا مزید علیه».

فرضنا صحّة ذلک علی الاجتهاد الأوّل ثم تبدّل الاجتهاد مع بقاء اللحم فإنّه لایجوز أکله علی الاجتهاد الثانی((1)).

و ثانیاً: بالحلّ فإنّ أثر العمل باق إعادةً و قضاءً هذا من جهة بقاء أثر العمل و من جهة أخری إنّ حجیة الاجتهاد و قول المجتهد (و أیضاً حجیة الأمارة و طریقیته) لاتنحصر بزمان دون زمان بل تشمل جمیع الأزمنة((2)).

الدلیل الخامس:
اشارة

إنّ قاعدة لاحرج و أیضاً قاعدة لا ضرر تجریان فی المقام، لأنّ کثرة مبانی الاجتهاد من القواعد الأصولیة و الرجالیة و أیضا اختلاف الاستظهارات بحسب القرائن و الوجوه الکثیرة فی الجمع بین الروایات توجب کثرة تبدّل آراء المجتهدین و حینئذ فلو قلنا بعدم الإجزاء یلزم حصول الضرر و الحرج علی نوع المکلّفین فتجری قاعدة لاحرج و أیضاً قاعدة لاضرر((3)).

ص: 138


1- «قد تکون القضیة الواقعة طبق الإجتهاد السابق باقیةً إلی زمان الإجتهاد اللاحق کما لو ذبح حیوان بغیر الحدید فأُکل من لحمه و کانت بقیة اللحم موجودة حین الإجتهاد الثانی بأنّه یشترط فی الذبح أن یکون بالحدید فلایجوز أکل هذا اللحم فإذا کان الموضوع باقیاً تحمّل إجتهادین».
2- «و أیضاً فإنّ الصلاة مثلاً و إن وقعت علی طبق الإجتهاد السابق بتسبیحةٍ واحدة مثلا لکن أثرها باق فهی مورد للإعادة و القضاء بثلاثة تسبیحات فهی تتحمّل الإجتهادین بلحاظ الأثر».
3- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص213: «الوجه الخامس: لزوم العسر و الحرج و الضرر من القول بعدم الإجزاء». و فی ص228.«و استدل للقول بالإجزاء بوجوهٍ من الأدلّة الثانویة عمدتها ما یلی: 1 و 2- قاعدة لاحرج و لاضرر فإنّه لا شک فی کثرة تبدّل الرأی عند الفقهاء علی أثر الاختیارات و المختارات فی المبانی و القواعد و فی علم الرجال و غیر ذلک و لا شک أنّه إذا قیل بوجوب الإعادة علی المکلّفین أو القضاء فیه حصول الضرر و الحرج علی نوع المکلّفین و هما مرفوعان فی الشریعة. و لذا قال صاحب الجواهر ما حاصله: إنّه مع کثرة تبدّل الآراء عند الفقهاء حتی فی الکتاب الواحد لم یکن من دأبهم محو ما کانوا أفتوا به من قبل أو کتبوه سابقاً و إعلام المقلّدین بالخطأ فی الفتاوی المتقدّمة منهم إلّا إذا رجعوا عنها بأدلّة قطعیةٍ تثبت بطلان الفتوی السابقة». و فی مطارح الأنظار (ط.ج): ج1، ص164و (ط.ق): ص30: «و أمّا ما یمکن أن یکون وجها لخروج ما نحن بصدده عن القاعدة المقررة فوجوهٌ أحدها و هو عمدة ما یتمسک به فی عدم جواز الأخذ بالأمارة الثانیة من أنّ ذلک یوجب حرجا عظیما و یورث عسرا شدیدا و هو منفی فی الشریعة السمحة السهلة و بیان اللزوم أنّ من رأی طهارة الغسالة و جواز العقد بالفارسیة و عدم وجوب السورة و عدم نشر الحرمة بعشر رضعات فی أوائل بلوغه بواسطة تقلید أو إجتهاد و عمل بتلک الوقائع فی مدة مدیدة فلم یجتنب عن الغسالة و صاحب مع ذلک لجمع کثیر و جمّ غفیر و اشتری عِقارا کثیرة بالعقود الفارسیة و صلی جمیع دهره بلا سورة و عقد علی المرتضعة المذکورة أو مرضعتها ثم بدا له بإجتهاد أو تقلید نجاسة الغسالة و فساد العقود الفارسیة و وجوب السورة و نشر الحرمة إلی غیر ذلک من الأحکام فی الموارد المختلفة لو وجب علیه النقض بالنسبة إلی تلک الآثار کان یجب علیه قضاء الصلاة التی صلی مع عدم الإجتناب عن الغسالة و تطهیر ثیابه و غیرها من عقاره و منقوله و یکون أملاکه معزولة عنه و المرأة بائنة عنه من دون طلاق إلی غیر ذلک عسرا شدیدا و حرجا أکیدا یقطع بنفیه فی هذه الشریعة».
قد أورد علیه بوجوه:

((1))

منها إیرادان من بعض الأساطین (حفظه الله) علیه:

أولاً: إنّ قاعدة لاضرر و قاعدة لاحرج رافعتان للتکلیف لا جاعلتان فعلی هذا کلّ من القاعدتین ترفع عدم الإجزاء و لایجعل الإجزاء((2)).

ص: 139


1- إیراد ثالث علی الدلیل الخامس من المحقق الخوئی (قدس سره): قال فی التنقیح فی شرح العروة الوثقی، الاجتهاد و التقلید، ص60: «إنّ هذا الدلیل لو تم فإنّما یتم فی القضاء و لایأتی فی الإعادة لأنّه فی مثل الصلاة إذا عدل إلی فتوی المجتهد الذی یری بطلانها- و لم یفت بعد وقت الصلاة- لم یکن فی إعادتها حرج بوجه. نعم قد یتحقق الحرج فی الحج لو قلنا بوجوب إعادته و الإتیان به مطابقا لفتوی المجتهد الثانی».
2- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص229: «أوّلاً: إنّه قد تقرّر فی محلّه أنّ أدلّة رفع الحرج و الضرر نافیة و رافعة للتکلیف لا أنّها تجعل و تضع التکلیف و الحاصل: إنّها ترفع عدم الإجزاء لا أنّها تضع الإجزاء».
یلاحظ علیه:

إنّ لا حرج و لا ضرر یوجب رفع التکلیف بالإعادة و القضاء و هذا یکفی فی القول بالإجزاء.

ثانیاً: إنّ لا ضرر (و أیضاً لا حرج) یرفع الضرر الشخصی لا الضرر النوعی فان لزم من القول بعدم الإجزاء ضرر شخصی أو حرج شخصی ﻓ «لاضرر» و أیضاً «لاحرج» یرفعه أمّا الضرر النوعی أو الحرج النوعی فلا، إلّا إذا قلنا بأنّهما رافعتان للضرر و الحرج النوعیین و حینئذ یجوز الاستدلال بکلتا القاعدتین للزوم الحرج والضرر النوعیین من القول بعدم الإجزاء((1)).

ص: 140


1- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص229: «و ثانیاً: إنّه قد تقرّر فی محلّه کذلک أنّ المرفوع هو الضرر و الحرج الشخصیان نعم، بناء علی کون المرفوع هو الحرج و الضرر النوعیین فلا ریب فی تحقّقهما من الفتوی بعدم إجزاء الأعمال السابقة الواقعة علی طبق الفتوی السابقة». و فی ص213: «هذا اللزوم [أی لزوم العسر و الحرج و الضرر] تامٌّ لو کان الموضوع فی هذه القواعد هو الحرج و العسر و الضرر النوعیین و لکنّه شخصی». و فی التنقیح فی شرح العروة الوثقی، الاجتهاد و التقلید، ص60: «إنّ الحرج کالضرر المنفیین فی الشریعة المقدسة و المدار فیهما إنّما هو علی الحرج و الضرر الشخصیین لا النوعیین، و الحرج الشخصی أمر یختلف باختلاف الموارد و الأشخاص فکل مورد لزم فیه من الحکم بوجوب الإعادة أو القضاء حرج علی المکلف فلا مناص من أن یلتزم بعدم وجوبهما کما إذا لزم منه وجوب قضاء العبادة خمسین سنة- مثلا- و کان ذلک حرجیا علی المکلف و أمّا الموارد التی لایلزم فیها من الحکم بوجوبهما حرج علیه فلا مقتضی للحکم بعدم وجوب الإعادة أو القضاء کما إذا بنی علی أنّ التیمم ضربة واحدة فتیمم و صلی ثم عدل عن ذلک- غدا- فبنی علی أنّه ضربتان. و من الواضح أنّ قضاء عبادة الیوم الواحد مما لا عسر فیه و لا حرج و معه لا موجب لنفی وجوب الإعادة أو القضاء لانّه لازم کون المدار علی الحرج الشخصی دون النوعی هذا.» راجع المستمسک، ج 1، ص81؛ مطارح الأنظار(ط.ج): ج1، ص165- 168و (ط.ق): ص30 - 31.
الدلیل السادس: الإجماع علی القول بالإجزاء
اشارة

ادّعاه صاحب الجواهر (قدس سره) ((1)) و المحقّق النائینی (قدس سره) ((2)) و لکن یفصّل المحقّق النائینی (قدس سره) بین العبادات((3)) و المعاملات عند عدم بقاء الموضوع فیقول بالإجزاء

ص: 141


1- فی جواهر الکلام، ج 40، ص99: «و ما عن العمیدی من الإجماع علی النقض فی نحو نکاح المرتضعة لم نتحققه، بل لعلّه علی العکس، کما هو مقتضی السیرة». و فی النور الساطع فی الفقه النافع، ج 1، ص284: «قد حکی المامقانی (قدس سره) فی تقریراته للسید حسین الترک عن صاحب الهدایة الإجماع علی العمل بالأمارة الأولی و عدم العمل بالأمارة الثانیة». راجع معالم الزلفی فی شرح العروة الوثقی، ص81 - 82.
2- فی أجود التقریرات،ج 1، ص299: «التحقیق أنّ هناک ثلاثة مقامات (المقام الأول) الإجزاء فی العبادات الواقعة علی طبق الإجتهاد الأول عن الإعادة و القضاء (الثانی) الإجزاء فی الأحکام الوضعیة فیما لم یبق هناک موضوع یکون محلا لإابتلاء کما إذا بنی علی صحة العقد الفارسی إجتهاداً أو تقلیدا فعامل معاملة فارسیة و لکنّ المال الّذی انتقل إلیه بتلک المعاملة أتلفه أو تلف عنده (الثالث) الإجزاء فی الأحکام الوضعیة مع بقاء الموضوع الّذی یکون محلا للإبتلاء کبقاء المال بعینه فی الفرض السابق و کما إذا عقد علی إمرأة بالعقد الفارسی و کانت محل الإبتلاء له بعد انکشاف الخلاف أمّا المقام الأول فلا إشکال فی أنّه القدر المتیقن من مورد الإجماع و أمّا المقام الثالث فلا إشکال فی خروجه عن مورده و فتوی جماعة فیه بالإجزاء إنّما هو لا لأجل ذهابهم إلی کون الإجزاء هو مقتضی القاعدة الأولیة لأجل الإجماع علی ذلک و أمّا المقام الثانی ففی شمول الإجماع له إشکال بل منع و إن کان لایبعد إنعقاد الإجماع علی عدم التبعة فی الأفعال الصادرة علی طبق الإجتهاد الأول سواء کانت التبعة هی الإعادة و القضاء أو الضمان فیشمل المقام الثانی أیضاً لکنّه مجرد نفی البعد و شمول معقد الإجماع له فی غایة الإشکال إن لم نقل بأنّه ممنوع فلابد من التأمل و التتبع التام».
3- فی کفایة الأصول، ص470: «فصل إذا اضمحلّ الإجتهاد السابق بتبدل الرأی الأول بالآخر أو بزواله بدونه فلا شبهة فی عدم العبرة به فی الأعمال اللاحقة و لزوم اتباع إجتهاد اللاحق مطلقا أو الإحتیاط فیها و أمّا الأعمال السابقة الواقعة علی وفقه المختل فیها ما أعتبر فی صحتها بحسب هذا الإجتهاد فلابد من معاملة البطلان معها فیما لم ینهض دلیل علی صحة العمل فیما إذا إختل فیه لعذر کما نهض فی الصلاة و غیرها مثل لاتعاد و حدیث الرفع بل الإجماع علی الإجزاء فی العبادات علی ما أدعی».

فیها و بین المعاملات فیقول بعدم الإجزاء فیها عند بقاء الموضوع.((1))

و أیضاً نقل عن صاحب الفصول (قدس سره) هذا التفصیل بین ما إذا کان الموضوع باقیاً فالإجماع منعقد علی عدم الإجزاء و بین ما إذا کان الموضوع غیر باق فالإجزاء إجماعی((2)).

ص: 142


1- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص229: «3- الإجماع علی الإجزاء، و هو ظاهر کلام صاحب الجواهر ردّاً علی کلام العضدی فی دعوی الإجماع علی عدم الإجزاء، و قد ادّعی المیرزا هذا الإجماع صریحاً ... بل المیرزا أیضاً إنّما یدّعیه فی باب العبادات، سواء فی الصلاة و غیرها، ففی الصّوم مثلًا إذا کان المجتهد یجوّز الإرتماس علی الصائم ثم تبدّل رأیه فلایجب قضاء الصوم، و کذا فی الحج، کما لو إعتمد علی فتوی فقیه العامّة و قاضی الجماعة بالهلال و عمل، و کان یری جواز العمل علی حکم القاضی منهم، ثم تبدّل رأیه إلی عدم الجواز، فلاتجب الإعادة ... ففی مثل هذه الموارد لایتردّد المیرزا فی الإجزاء. لکنّه یقطع بعدم الإجزاء فی المعاملات مع بقاء الموضوع، کما لو تزوَّج أو باع بالعقد الفارسی، فإنّ المرأة إذا کانت باقیةً و تبدّل رأی المجتهد إلی اشتراط العربیة ترتّب أثر الفساد، و کذا فی حال بقاء الثمن و المثمن فی المعاملة، و إن أمکن وجود الموضوع للضمان و الحاصل إنّ المیرزا یفرّق بین العبادات و المعاملات، و فی المعاملات بین صورة بقاء الموضوع و عدم بقائه».
2- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص231: «و عن صاحب الفصول التفصیل بین ما إذا کان الموضوع باقیاً فالإجماع علی عدم الإجزاء، و ما إذا کان غیر باق فالإجزاء ... و قد أوضح المحقّق الأصفهانی فی کتاب الإجتهاد و التقلید و فی الأصول علی النهج الحدیث رأی صاحب الفصول بأنّ الواقعة قد تقع و تنقضی کما لو صلّی طبق الفتوی و تبدّل الرأی، و قد تقع و هی غیر منقضیة کما لو قال بتحقّق التذکیة و اللّحم لایزال باقیاً ثمّ تبدّل رأیه إلی عدمها، ففی الصورة الاولی قال بالإجزاء، أمّا فی الثانیة فلا و علی هذا، ففی العبادات أیضاً لابدَّ من التفصیل، فلو کانت الواقعة غیر منقضیة و تبدّل الرأی، وجب ترتیب أثر الفتوی اللّاحقة علی مسلک الفصول، کما لو توضّأ بماءٍ حکم بطهارته بالفتوی الأولی، لکنّه کان باقیاً بعدُ و تبدّل الرأی، فالصّلاة تلک صحیحة، إلّا أنّ الماء لایجوز الوضوء به مرةً أخری، بل یجب الإجتناب عنه، و کذا یجب تطهیر مواضع الوضوء». و فی أصول الفقه للشیخ حسین الحلی، ج 2، ص430: «إنّه فی الکفایة نقل عن الفصول التفصیل بین الأحکام و متعلقاتها، فیکون الرجوع مؤثرا فی الأول دون الثانی لکنّ الظاهر من مراجعة الفصول بعد التأمل أنّه یفصّل بین العمل الذی وقع علی طبق الفتوی السابقة، مثل ما لو صلی تارکا للسورة أو فی شعر الأرانب بانیا علی الجواز ثم رجع، فإنّه لایعید ذلک العمل الذی وقع علی طبق الفتوی السابقة...».

و أمّا عبارته فی الفصول الغرویة، (ص409 - 410) فهکذا: «فصل إذا رجع المجتهد عن الفتوی انتقضت فی حقه بالنسبة إلی مواردها المتأخرة عن زمن الرجوع قطعا ... و أمّا بالنّسبة إلی مواردها الخاصة التی بنی فیها قبل رجوعه علیها فإن قطع ببطلانها واقعا فالظاهر وجوب التعویل علی مقتضی قطعه فیها بعد الرجوع ... و کذا لو قطع ببطلان دلیله واقعا و إن لم یقطع ببطلان نفس الحکم ... و إن لم یقطع ببطلانها أو لا ببطلانه فإن کانت الواقعیة مما یتعین فی وقوعها شرعا أخذها بمقتضی الفتوی فالظاهر بقاؤها علی مقتضاها السّابق فیترتب علیها لوازمها بعد الرجوع إذ الواقعة الواحدة لا یحتمل اجتهادین و لو بحسب زمانین لعدم دلیل علیه و لئلا یؤدّی إلی العسر و الحرج المنفیین عن الشریعة السّمحة لعدم وقوف للمجتهد غالبا علی رأی واحد فیؤدی إلی الاختلال فیما یبنی فیه علیها من الأعمال و لئلا یرتفع الوثوق فی العمل من حیث إن الرجوع فی حقه محتمل و هو مناف للحکمة الداعیة إلی تشریع حکم الاجتهاد و لا یعارض ذلک بصورة القطع لندرته و شذوذه و لأصالة بقاء آثار الواقعة إذ لا ریب فی ثبوتها قبل الرجوع بالاجتهاد و لا قطع بارتفاعها بعده إذ لا دلیل علی تأثیر الاجتهاد المتأخر فیها فإن القدر الثابت من أدلته جواز الاعتماد علیه بالنسبة إلی غیر ذلک فیستصحب ... و أمّا عدم جریان الأصل بالنسبة إلی نفس الحکم حیث لا یستصحب إلی الموارد المتأخرة عن زمن الرجوع فلمصادمة الإجماع مع اختصاص مورد الاستصحاب علی ما حققناه بما یکون قضیته البقاء علی تقدیر عدم طرو المانع و لیس بقاؤه بعد الرجوع منه لأن الشک فیه فی تحقق المقتضی لا فی طرو المانع فإنّ العلة فی ثبوته هی ظنه به و کونه مؤدّی نظره و قد زالت بعد الرجوع فلو بقی الحکم بعد زوالها لاحتاج إلی علة أخری و هی حادثة فیتعارض الأصلان أعنی أصالة بقاء الحکم و أصالة عدم حدوث العلة و کون العلة هنا

ص: 143

إعدادیة و استغناء بعض الحوادث فی بقائها عن علتها الإعدادیة غیر مجد لأن الأصل بقاء الحاجة لثبوتها عند الحدوث فتستصحب و لا یتوجّه مثله فی استصحاب بقاء الآثار بعد الرجوع فإنّ المقتضی لبقائها حینئذ متحقق و هو وقوع الواقعة علی الوجه الذی ثبت کونه مقتضیا لاستتباع آثارها و إنما الشک فی مانعیة الرجوع فیتوجّه التمسّک فی بقائها بالاستصحاب ... و بالجملة فحکم رجوع المجتهد فی الفتوی فیما مرّ حکم النسخ فی ارتفاع الحکم المنسوخ عن موارده المتأخرة عنه و بقاء آثار موارده المتقدمة إن کان لها آثار ... و لو کانت الواقعة مما لا یتعین أخذها بمقتضی الفتوی فالظاهر تغیر الحکم بتغیر الاجتهاد کما لو بنی علی حلیة حیوان فذکاه ثم رجع بنی علی تحریم المذکی منه و غیره أو علی طهارة شی ء کعرق الجنب من الحرام فلاقاه ثم رجع بنی علی نجاسته و نجاسة ملاقیه قبل الرجوع و بعده أو علی عدم تحریم الرضعات العشر فتزوّج من أرضعته ذلک ثم رجع بنی علی تحریمها لأنّ ذلک کله رجوع عن حکم الموضوع و هو لا یثبت بالاجتهاد علی الإطلاق بل ما دام باقیا علی اجتهاده فإذا رجع ارتفع کما یظهر من تنظیر ذلک بالنسخ». ((1))

ص: 144


1- فی التنقیح فی شرح العروة الوثقی؛ الاجتهاد و التقلید، ص61: «الجواب عن ذلک أنّ الإجماع المدعی لو کان محصلا لم نکن نعتمد علیه لما یأتی بیانه فما ظنک بما إذا کان إجماعا منقولا بالخبر الواحد و سرّه أنّ تحصیل الإجماع فی المسألة دونه خَرطُ القتاد، إذ کیف یمکن إستکشاف قوله (علیه السلام) فی المقام و لم یتعرض أکثر الأصحاب للمسألة و لم یعنونوها فی کلماتهم؟! هذا علی أنّا لو سلمنا إتّفاقهم أیضا لم یمکننا الإعتماد علیه لأنّا نعلم أو نظن و لا أقل من أنّا نحتمل إستنادهم فی ذلک إلی بعض الوجوه المستدل بها فی المقام و معه لایکون الإجماع تعبدیا کاشفا عن قوله (علیه السلام) ». و فی تحقیق الأصول، ج 2، ص231: «و أمّا الکبری، فلایخفی الإحتمال بل الظنّ بکونها مستندةً إلی احدی الوجوه المُقامة فی المسألة».
أورد علیه بعض الأساطین (حفظه الله):

نقل عن العلّامة (قدس سره) الإجماع علی عدم الإجزاء((1)) و عن الشیخ (قدس سره) إنکار الإجماع علی الإجزاء((2)).

ص: 145


1- فی نهایة الوصول إلی علم الأصول، ج 5، ص225: «البحث السادس: فی نقض الإجتهاد إذا تغیر إجتهاد المجتهد فإن کان فی حقّه مثل أن یکون قد أدّاه إجتهاده إلی جواز التزویج بغیر ولی أو إلی أنّ الخلع فسخ فنکح امرأة خالعها ثلاثا، ثمّ تغیر اجتهاده فیهما؛ فإن کان الحکم الأوّل قد إتّصل به حکم حاکم و قضاء قاض، سواء کان المجتهد نفسه أو غیره، لم ینقض النکاح و کان صحیحا ... و إن لم یتّصل به حکم الحاکم لزمه مفارقتها إجماعا، و إلّا کان مستدیما یحل الإستمتاع بها علی خلاف معتقده، و مرتکبا لما یحرم بتحریمه، و هو خلاف الإجماع». و قد ردّ إجماع العلامة و السید العمیدی بعض الأعلام: ففی القوانین المحکمة، ط.ج. ج 4، ص544: «إنّ الصّور التی یتصوّر فیها تخالف الرّأیین مع قطع النّظر عن المرافعة و المخاصمة خمسة: الأولی مخالفة المجتهد لرأیه السّابق بسبب التغیر و تبدّل الحکم بالنّسبة إلیه، کما إذا عقد الباکرة بنفسه بدون إذن الولی ثمّ تجدّد رأیه، فالمشهور بینهم، بل إدّعی علیه السید عمید الدّین الإتّفاق أنّه یبنی علی الرّأی الثّانی، فیحرم علیه زوجته قالوا: إلّا أن یلحقه حکم حاکم قبل ذلک، فلاتحرم علیه لکثرة قوّة الحکم، و تأمّل فیه بعضهم لأنّ الحرام لایصیر حلالا بسبب الحکم أقول: و یشکل الحکم بالتّحریم و إن لم یلحق به حکم، لعدم الدّلیل علیه ... و ما إدّعاه السید عمید الدّین من الإجماع فهو ممنوع کما أشرنا». و فی مهذب الأحکام، ج 1، ص93: «و أما ما عن العمیدی و العلامة من دعوی الإجماع علی عدم الإجزاء، فلا اعتبار به مع تسالم القدماء علی الإجزاء».
2- فی مطارح الأنظار(ط.ج)، ج1، ص153الی 156و ط.ق. ص27 و 28: «هدایةٌ فی أنّ الأمر الظاهری الشرعی هل یقتضی الإجزاء فیما لو انکشف الخلاف بواسطة قیام أمارة ظنیة أخری؟ فذهب جماعة من متأخری المتأخرین ممن عاصرناهم أو یقارب عصرهم عصرنا إلی الإجزاء و عدم لزوم الإعادة حتی أنّ بعض الأفاضل قد نسبه إلی ظاهر المذهب فی تعلیقاته علی المعالم و قضیة ما زعموا أن یکون قیام الأمارة اللاحقة بمنزلة النسخ للآثار المترتبة علی الأمارة السابقة ففی الوقائع المتجددة الغیر المرتبطة یؤخذ بالناسخ فلایجوز إیقاع عقد المعاطاة بعد ذلک و لکنّه یؤخذ بالمنسوخ فی الآثار المرتبطة فلایحکم بعدم ملکیة المبیع المعاطاتی و قد صرح بذلک بعض الأجلة أیضا و الحق الحقیق بالتصدیق هو عدم الإجزاء فلابد من الإعادة و عدم ترتیب الأحکام المترتبة علی الأمارة السابقة وفاقا للنهایة و التهذیب و المختصر و شروحه و شرح المنهاج علی ما حکاه سید المفاتیح عنهم بل و فی محکی النهایة الإجماع علیه بل و إدّعی العمیدی قدس سرّه الإتّفاق علی ذلک قال فی نکاح امرأة خالعها زوجها فی المرة الثالثة معتقدا أنّ الخلع فسخ لا طلاق ثم تبدل إجتهاده و إعتقد کونه طلاقا ما هذا لفظه فإن کان قد حکم بصحة ذلک النکاح حاکم قبل تغیر اجتهاده بقی النکاح علی حاله و إن لم یحکم به حاکم لزمه مفارقته إتّفاقا و فی المقام وجوه من التفصیل یطلع علیها إن شاء الله». و فی ص169من الطبع الجدید و ص31 من الطبع القدیم: «الرابع ما یظهر من البعض من دعوی کونه ظاهر المذهب بل قد إدّعی بعض من لا تحقیق له الإجماع بل الضرورة و فیه مع کونه معارضا بدعوی الإجماع من العمیدی و العلامة علی خلافه أنّ ذلک مما لا سبیل إلی إثباته بل المتتبع الماهر فی مطاوی کلماتهم یظهر له بطلان الدعوی المذکورة إذ لم نجد فیما وصلنا من کلمات المتقدمین و المتأخرین ما یلوح منه الحکم بعدم النقض بل یظهر من جملة من الفتاوی فی نظیر المقام خلاف ذلک کما ستطلع علیه مثل ما إذا إقتدی القائل بوجوب السورة بمن لایری ذلک مع علمه ترکها منه إلی غیر ذلک و بالجملة فعلی تقدیر کون الطرق الظاهریة طرقا إلی الواقع لا وجه للقول بالإجزاء إلّا بواسطة دلیل خارج و قد عرفت انتفاء ما یصلح لذلک». أیضاً راجع مفاتیح الأصول، ص579 – 582.

فمع هذا الاختلاف لایبقی مجال للاستدلال بالإجماع((1)).

الدلیل السابع: تحقّق سیرة الفقهاء علی الإجزاء
اشارة

إنّ کثرة تبدّل آراء المجتهدین ممّا لا غبار علیه و لکن لم نجد فی سیرتهم محو ما کانوا أفتوا به سابقاً فی کتبهم و لا إعلامهم للمقلّدین بالخطأ فی فتاویهم إلّا إذا

ص: 146


1- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص230: «لکن عن العلامة الإجماع علی عدم الإجزاء، و الشیخ کلامه صریح فی عدم الإجماع، بل یقول بأنّ دعواها علی الإجزاء هی ممّن لا تحقیق له». و فی المستمسک، ج 1، ص81: «و فیه- مع أنّه [أی الإجماع علی الإجزاء] غیر ثابت- أنّ المحکی عن العلامة و العمیدی (قدس سرهما) دعوی الإجماع علی خلافه». و فی أصول الفقه للشیخ حسین الحلی، ج 2، ص427: «و أمّا الإجماع فهو علی الظاهر فی خصوص تبدل التقلید، أمّا تبدل الرأی فلم یعلم تحقق الإجماع فیه، بل یمکن تطرق الوهن إلی الأول أیضا».

دلّت الأدلّة القطعیة علی بطلان اجتهادهم.((1))

یلاحظ علیه:

أولاً: لاتتحقّق سیرة عامّة بینهم مع اختلاف آرائهم فی هذه المسألة.((2))

ص: 147


1- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص232: «سیرة المتشرّعة ... قائمة علی الإجزاء ... و سیرة الفقهاء- عملًا- هو الإجزاء، لما تقدّم عن صاحب (الجواهر) من عدم تنبیههم المقلّدین و العوام علی تبدّل آرائهم، لأّنها کانت مستندةً إلی أدلّة و حجج، اللهم إلّا إذا قام دلیل قطعی علی خلاف الفتوی السابقة». و فی التنقیح فی شرح العروة الوثقی، ص61: «و منها: السیرة المتشرعیة بدعوی أنّها جرت علی عدم لزوم الإعادة أو القضاء فی موارد العدول و التبدل فی الإجتهاد حیث لانستعهد أحدا یعید أو یقضی ما أتی به من العبادات طیلة حیاته إذا عدل عن رأیه أو عن فتوی مقلده و حیث لم یردع عنها فی الشریعة المقدسة فلا مناص من الإلتزام بالإجزاء و عدم وجوب الإعادة أو القضاء عند قیام حجة علی الخلاف».
2- ظاهر المحقق الحکیم و صریح المحقق الخوئی أیضا جعل الدلیل سیرة المتشرعة و ردُّها ففی المستمسک، ج 1، ص81: «هذا إمّا مبنی علی ... أو علی دعوی قیام الدلیل علیه بالخصوص، و هو إمّا ... و إمّا لدعوی قیام السیرة علیه لکنّها غیر ثابتة أیضا». و فی التنقیح فی شرح العروة الوثقی، الاجتهاد و التقلید، ص62: «و فیه أنّ موارد قیام الحجة علی الخلاف و بطلان الأعمال الصادرة علی طبق الحجة الأولیة- کما إذا کانت فاقدة لرکن من الأرکان- من القلة بمکان و لیست من المسائل عامة البلوی لیستکشف فیها سیرة المتشرعة و أنّهم بنوا علی الإجزاء فی تلک الموارد أو علی عدمه». و فی مطارح الأنظار (ط.ج): ج1، ص168و (ط.ق): ص31: «الثانی من الوجوه جریان السیرة علی عدم النقض و مخالفتُه للواقع یظهر مما مر من ندرة الوقوع فإنّ ما هو المعلوم بحسب السیرة هو الأخذ بالوقائع السابقة و عدم ترتب آثار خلافها و هو أعم من المدعی من وجوه شتی فإنّ ذلک ربما یکون بواسطة عدم الرجوع و علی تقدیره فربما لایکون من موارد النقض و علی تقدیره فربما لایکون العمل مطابقا للمنقوض و علی تقدیره فربما ینتقل من تقلیده إلی تقلید موافق للأول و فی مورد الإنحصار أو رجوع المجتهد لانسلم جری السیرة علی عدم النقض بل الظاهر جریانها علی النقض هذا مضافا إلی ندرة تحقق الرجوع لاسیما بالنسبة إلی أرباب الأنظار الصائبة التی تعسر إجتهادهم فإنّ العلّامة (قدس سره) مع اشتهاره باختلاف الفتاوی فی کتبه مما لا سبیل إلی إثبات الرجوع فی فتاویه المختلفة علی الوجه المذکور». و لکن بعض الأساطین فصّل بین سیرة الفقهاء و المتشرعة و بین سیرة العقلاء و رد الثانیة فقط قال فی تحقیق الأصول، ج 2، ص231 - 232: «هل المراد سیرة الفقهاء أو سیرة أهل الشرع أو سیرة العقلاء؟ إن أرادوا السیرة العقلائیة، فلا ریب فی أنّ سیرتهم علی عدم الإجزاء سواء ما کان بین الموالی و العبید بالخُصوص، أو بین سائر العقلاء، أمّا بین الموالی و العبید، فواضح، و أمّا بین غیرهم، فإنّ جمیع الأخبار عند العقلاء طریق إلی الواقع، و إذا إنکشف الخلاف فهم یقولون بعدم الإجزاء.» إلخ.

ثانیاً: إنّ اتصال هذه السیرة بزمن المعصوم (علیه السلام) منتف فلیست بحجّة.((1))

ثالثاً: تکون هذه السیرة مدرکیة.((2))

الدلیل الثامن:
اشارة

یمکن الاستدلال بسهولة الشریعة فإنّ القول بعدم الإجزاء ینافی سهولة الشریعة.

یلاحظ علیه:

إنّ سهولة الشریعة لاتوجب عدم قضاء ما فاتته من التکالیف و الأمر من هذا القبیل.

ص: 148


1- فی التنقیح فی شرح العروة الوثقی، الاجتهاد و التقلید، ص62: «علی أنّا لو سلمنا إستکشاف السیرة بوجه فمن أین یمکننا إحراز إتّصالها بزمان المعصومین (علیهم السلام)؟ إذ لا علم لنا بأنّ شخصا واحدا فضلا عن جماعة إتّفق له العدول فی عصرهم (علیهم السلام) و بنی علی عدم إعادة الأعمال المتقدمة و لم یردع عنه الإمام (علیه السلام) حتی نستکشف إتّصال السیرة بزمانهم و کونها ممضاة عندهم علیهم السلام و من الممکن أن تکون السیرة مستندة إلی فتوی جماعة من الفقهاء قدس الله أسرارهم و الذی یوقفک علی ذلک أنّ المسألة لو کانت عامة البلوی فی عصرهم (علیهم السلام) لسئل عن حکمها و لو فی روایة واحدة و حیث لم ترد إشارة إلی المسألة فی شی ء من النصوص فنستکشف بذلک أنّ کثرة الإبتلاء بها إنّما حدثت فی الأعصار المتأخرة و لم یکن منها فی عصرهم (علیه السلام) عین و لا أثر فالسیرة علی تقدیر تحققها غیر محرزة الإتصال بعصرهم و لا سبیل معه إلی إحراز أنّها ممضاة عندهم (علیهم السلام) أو غیر ممضاة».
2- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص232: «و إن أرادوا سیرة المتشرّعة خاصّةً، فهی قائمة علی الإجزاء، لکنّ من المحتمل قریباً استنادها إلی الفتاوی و إن أرادوا سیرة الفقهاء أنفسهم، فسیرة الفقهاء- عملًا- هو الإجزاء ... و [لکن] هذه السیرة أیضاً مدرکیة».
الدلیل التاسع:
اشارة

و هو ما أفاده السید البروجردی (قدس سره) ((1)) من أنّ الأمارات مثل الأصول تکون حاکمة علی أدلّة الاشتراط و لسان أدلّة حجیة الأمارات هو بعینه لسان أدلّة الأصول.

بیان ذلک: هنا فرق بین نفس ما تؤدی عنه الأمارة و تحکیه و بین ما هو المستفاد من دلیل حجّیتها، فإنّ البینة مثلاً إذا قامت علی طهارة شیء کانت هذه البینة بنفسها حاکیة للواقع، جعلها الشارع حجّة أم لا، و لکن الحکم الظاهری فی المقام لیس هو ما یحکیه البینة من الطهارة بل الحکم الظاهری عبارة عن حکم الشارع بوجوب العمل علی طبقها و ترتیب آثار الواقع علی مؤداها، و ظاهر ما دلّ علی هذا الحکم هو قناعة الشارع فی امتثال أمر الصلاة مثلاً بإتیانها فیما قامت البینة علی طهارته و لازم ذلک سقوط الطهارة الواقعیة من الشرطیة فی هذه الصورة، و کذلک إذا دلّ خبر زرارة مثلاً علی عدم وجوب السورة کان قول زرارة حاکیاً للواقع جعله الشارع حجّة أم لا، و لکن الحکم الظاهری لیس عبارة عن مقول زرارة بل هو عبارة عن مفاد أدلّة حجّیة الخبر أعنی حکم الشارع و لو إمضاءً بوجوب ترتیب الآثار علی ما أخبر به الثقة، فلو انحلّ قول «صدّق العادل» مثلاً بعدد الموضوعات کان معناه فیما قام خبر علی عدم وجوب السورة «یا أیها المکلّف الذی صرت بصدد امتثال الأمر الصلاتی، ابنِ علی عدم وجوب السورة».

ص: 149


1- نهایة الأصول، ط.ق. ص132.
یلاحظ علیه:

إنّ قناعة الشارع بالطهارة العنوانیة فی ظرف الشک فی الطهارة الواقعیة من جهة طریقیة البینة إلی الواقع و هذا غیر حکم الشارع بالطهارة (بأن یقال: إنّه طاهر) و أیضاً مفاد دلیل حجّیة الخبر (فیما إذا قلنا بانحلاله بتعداد الموضوعات) هو «ابنِ علی ما دلّ علی عدم وجوب السورة» و ذلک غیر حکم الشارع ظاهراً بعدم وجوب السورة، فإنّ لسان الأصول هو حکم الشارع بأنّ الماء طاهر فی المثال الأوّل و أیضاً حکم الشارع بأنّ السورة لیست بواجبة فی المثال الثانی و لکن لسان الأمارات و أدلّة حجّیتها فاقدة لهذا الحکم فلایمکن حکومتها علی مفاد أدلّة الاشتراط.((1))

ص: 150


1- ذکروا أدلة أخری أیضا ففی مطارح الأنظار(ط.ج)، ج1، ص161و ط.ق. ص29: «الثالث أن یقال بعد تسلیم عدم الموضوعیة و القول بکون الأمارات الظاهریة طرقا إلی الواقع و دلالة الدلیل علی لزوم إتّباع الأخذ بها فی جمیع ما یستفاد منها إنّه یکفی فی صحة الأعمال الواقعة علی حسب الأمارة الأولی سواء کانت عبادة أو معاملة کالصلاة بدون السورة و العقد علی المرضعة عشر رضعات وقوعها عند العامل حال صدور العمل علی الوجه الصحیح و إن إعتقد بعد ذلک فساده فالزوجیة و سقوط القضاء من آثار النکاح الصحیح و الصلاة الصحیحة و المفروض وقوع الصلاة الصحیحة و النکاح الصحیح حال وقوعها لدی العامل فلایجب علیه الإعادة و لا علی ولیه القضاء بعد موته و إن کان الولی ممن یری فساد الصلاة بلا سورة بحسب اجتهاده أو تقلیده و ربما یؤید ذلک بما أفاده الفخر فی الإیضاح حیث إستدل علی صحة نکاح الکفار حال کفرهم بقوله تعالی و امرأة فرعون و قوله و امرأته حمّالة الحطب فإنّ التعبیر عنهما علی وجه الإضافة کاشف عن تحقق نسبة الزوجیة الواقعیة بینهما و بین بعلیهما و لکنّه بعید جدا لإمکان کون الإضافة علی وجه المناسبة و ذلک ظاهر و کیف کان فهذا الوجه أیضا أضعف من سابقیه. الرابع إستصحاب الآثار المترتبة علی ما قامت علیه الأمارة الثانیة من الطهارة و النجاسة و جواز الأکل و البیع و الوطی فإن قبل قیامها کانت تلک الأحکام ثابتة و لایعلم تمیز بینها بعد قیام الأمارة فیجب الحکم بالإستصحاب بعده و فساده مما لایکاد یخفی علی أوائل العقول». و فی ص31: «الثالث إنّ ذلک یوجب رفع الوثوق و الهرج و المرج و فیه أنّه إن أرید بذلک ما یکون رجوعه إلی قاعدة اللطف الواجب علی الحکیم فی مقام التشریع فهو یوجب القول بالعصمة و إن أرید ما هو أهون من ذلک فهو وجه إستحسانی لانقول به مطلقا و لاسیما فی قبال الأدلة الواقعیة القاضیة بالإعادة و القضاء و منه یظهر الوجه فی فساد ما قد یوجد فی کلمات الشیخ الأجلّ کاشف الغطاء من خلو الخطب و المواعظ عن ذلک فإنّ ذلک لایرجع إلی دلیل».
دلیل عدم الإجزاء (علی القول بالطریقیة):
قد أفاد بعض الأساطین (حفظه الله) فی وجه ذلک:

((1)):

إنّ دلیل الحکم الشرعی یکشف عن ملاکه و غرضه (فإنّ الملاک بمثابة العلّة للحکم الشرعی) کما أنّه یقتضی الامتثال (فإنّ دلیل الحکم الشرعی أیضاً بمثابة العلّة لامتثاله) فللحکم الواقعی کاشفیة عن الملاک کما أنّ له اقتضاء للامتثال، و

ص: 151


1- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص213: «إنّ الدلیل القائم علی التکلیف الواقعی أو علی موضوعه الواقعی، ذو جهتین علی مسلک العدلیة، فهو من جهةٍ یقتضی الإمتثال و الإطاعة، فإذا قام الدلیل علی وجوب صلاة الظهر- مثلًا- کان علّةً لإمتثال هذا الحکم، فهذه جهة إنّیة و من جهةٍ یکون کاشفاً عن الملاک و الغرض للمولی من هذا الحکم، فهو معلول للملاک، و هذه جهة لمّیة- ینکرها الأشاعرة- و علی هذا، فإنّ إجزاء صلاة الجمعة عن صلاة الظهر إنّما یتمُّ بتصرّف الدلیل القائم علیها- و هو الأمارة- فی احدی الجهتین، و إلّا، فإنّ دلیل الواقع یقتضی الإمتثال و العقل یحکم بذلک- تحصیلًا لغرض المولی من الجهة الأولی، و خروجاً عن إشتغال الذمّة من الجهة الثانیة- حتی یأتی البدل عن الحکم الواقعی، کما فی قاعدة الفراغ مثلاً، الدالّة علی قبول العمل بدلاً عن الواقع فی مرحلة الإمتثال ... أمّا فی مرحلة الملاک، فلایمکن التصحیح، لأنّ الملاک کان علةً للحکم الأوّل، و لایعقل أن یصیر ملاکاً للحکم الثانی الذی قامت علیه الأمارة ... إذن، لایمکن للأمارة نفسها و لا دلیل إعتبارها التصرف لا فی الملاک، و لا فی مرحلة الإمتثال، لأنَّ حال الأمارة لیس بأقوی من حال القطع، فکما أنّه بعد انکشاف الخلاف یسقط القطع عن التأثیر و یقال ببقاء الغرض و عدم حصول الإمتثال، کذلک عند انکشاف مخالفة الأمارة للواقع هذا کلّه بناءً علی مسلک الطریقیة بمعنی الکاشفیة عن الواقع ... و إذا لم یمکن ذلک ثبوتاً، فلاتصل النوبة إلی البحث الإثباتی».

إجزاء الأمارة عنه لایتحقّق إلّا إذا تدارک ملاک الواقع و اکتفی فی مقام الامتثال بإتیان مفاد الأمارة.

فلابدّ فی مقام إثبات إجزاء الأمارة إمّا من إحراز استیفاء ملاک الواقع أو إحراز اکتفاء الشارع بامتثاله عن امتثال الواقع

و بناء علی طریقیة الأمارة فلا ملاک لها فیما إذا انکشف خطؤها کما أنّه لا دلیل علی اکتفاء الشارع بالامتثال الظاهری فیما إذا انکشف مخالفتها للواقع.

هذا کلّه علی مسلک الطریقیة فی حجّیة الأمارات.

ص: 152

المبنی الثانی: المنجزیة و المعذریة
اشارة

و الأمر علی هذا المبنی کالأمر علی الطریقیة.

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) لعدم الإجزاء علی المبنیین الأوّلین:

قال (قدس سره): علی القول بالطریقیة أو التنجز فالحقّ عدم الإجزاء، لأنّ الأمارة إن طابقت الواقع فهی کاشفة عنه علی الطریقیة و مثبتة له إثباتاً تنجیزیاً و إن لم تطابق فلا حکم فی موردها و مفادها لا حکماً واقعیاً و لا ظاهریاً، أمّا الحکم الواقعی فظاهر و أمّا الحکم الظاهری فلأنّ المجعول فی الأمارات بناءً علی الطریقیة هو کاشفیة الأمارة عن الواقع من دون جعل حکم ظاهری فی قبال الحکم الواقعی و أیضاً المجعول فی الأمارات بناءً علی المنجزیة و المعذریة هو معذریة الأمر الظاهری عن الواقع من دون جعل حکم ظاهری فیها.

ص: 153

المبنی الثالث: مسلک جعل الحکم المماثل
اشارة

الحقّ علی هذا المسلک هو إجزاء الأمارة عن الواقع لأنّ الشارع هو الجاعل للحکم المماثل و جعل الشارع لایخلو من ملاک و مصلحة بدلیة و یکون وزان الأمارة حینئذ بعینها وزان الأوامر الاضطراریة و الأصول العملیة.

إشکال بعض الأساطین (حفظه الله):
اشارة

((1))

إنّ الحکم المماثل لا بقاء له بعد فرض انکشاف مخالفته للواقع لأنّ ظرف مجعولیته هو الشک فی الواقع فإذا فرضنا انتفاء الشک فی الواقع و انکشاف خطأ الأمارة الأولی فینتفی موضوع الحکم المماثل و لا بقاء للحکم بعد انتفاء موضوعه فحینئذ ملاک الواقع باق علی حاله و یقتضی امتثال الواقع فلا وجه للإجزاء (فإنّ الواقع بحسب الفرض هو مفاد الأمارة الثانیة).

یلاحظ علیه:

إذا فرضنا وجود المصلحة للحکم المماثل بحیث تکون بدلاً عن مصلحة الواقع فلا وجه لبقاء مصلحة الواقع و اقتضائه الامتثال کما مضی مفصّلاً فی البحث عن الأمر الاضطراری و الأصول العملیة.

فلا إشکال فی إجزاء الأمارة عن الواقع بناء علی تفسیر الحجّیة بجعل الحکم المماثل.

ص: 154


1- تحقیق الأصول، ج2، ص215.
تفصیل المحقق الإصفهانی (قدس سره) بین العبادات و المعاملات:
اشارة

إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال بالتفصیل بینهما بناءً علی القول بتفسیر الحجّیة بإنشاء الحکم المماثل.

فإنّه (قدس سره) قال((1))بعدم الفرق بین المعاملات و العبادات بناءً علی الطریقیة و أیضاً قال بعدم الفرق بین البابین بناء علی المنجزیة و المعذریة.((2))

أمّا بناء علی أنّ مفاد دلیل حجّیة الأمارات

الشرعیة جعل الحکم المماثل علی طبق مؤدیاتها (کما یقتضیه ظاهر الأمر باتّباعها) فقال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((3)) بأنّ أستاذه المحقّق الخراسانی (قدس سره) و غیره قالوا بأنّ مقتضی تفسیر الحجّیة بهذا القول هو المسببیة و صحّة العبادة و المعاملة، لأنّ المفروض أنّ مؤداها حکم حقیقی فینتهی أمده بقیام حجّة أخری لا أنّه ینکشف خلافه.

ولکن الحقّ هو التفصیل بین العبادات و المعاملات.

أمّا فی العبادات:

فإنّ غایة ما یقتضیه ظهور الأمر هو البعث الحقیقی المنبعث عن مصلحة فی متعلّقه و حیث إنّ المفروض تخلف الأمارة و خلوّ الواقع من مصلحة فیجب الالتزام بأنّ المصلحة فی المؤدّی بعنوان آخر غیر عنوان متعلقه الذاتی.

أمّا کون تلک المصلحة، مصلحة بدلیة عن مصلحة الواقع فلا موجب له و الإجزاء و عدم الإعادة و القضاء یدور مدار بدلیة المصلحة لتوجب سقوط

ص: 155


1- نهایة الدرایة، ج1، ص400.
2- الإجتهاد و التقلید و حاشیة المکاسب، ج1، ص295.
3- الإجتهاد و التقلید، ص12.

الأمر الواقعی بملاکه، فالموضوعیة بمعنی کون المؤدّی بما هو مؤدّی ذا مصلحة مقتضیة للحکم الحقیقی علی أی حال لاتقتضی الإجزاء و لا فرق فیما ذکرنا بین ما إذا کان الواقع و المؤدّی متباینین أو أقلّ و أکثر، لأنّ فعلیة الأمر بمقدار ما علم تعلقه به لاتوجب الإجزاء و لاتکشف إلّا عن مصلحة ملزمة فی المأتی به فی هذه الحال لا عن المصلحة الواقعیة بما علم تعلّقه به بنفسها أو بما یسانخها.

أمّا فی العقود و الإیقاعات:

فیمکن أن یقال: إنّ الوضعیات الشرعیة و العرفیة من الملکیة و الزوجیة و شبههما حیث إنّها (علی ما حققناه فی الأصول) اعتبارات خاصّة من الشرع و العرف لمصالح قائمة بما یسمی بالأسباب، دعت الشارع مثلاً إلی اعتبار الملکیة و الزوجیة مثلاً، فلا کشف خلاف لها، إذ حقیقة الاعتبار بسبب کون العقد الفارسی الذی قامت الحجّة علی سببیة ذو مصلحة و لیست المصلحة المزبورة استیفائیة حتّی یقال: إنّ مصلحة الواقع باقیة علی حالها و إنّ مصلحة المؤدّی غیر بدلیة.((1))

ص: 156


1- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص232: «تنبیهات ... الأول: قد نسب فی التنقیح إلی المحقق الأصفهانی القول بالإجزاء فی التکلیفیات و هی العبادات، و فی الوضعیات و هی المعاملات. أمّا فی المعاملات، فلأنّ الملاک فیها هو المصلحة فی نفس جعل الحکم، لا فی فعل المکلّف، فالمصلحة قائمة بنفس جعل الحلیة- کما فی الخل و غیره- من المحلّلات، و الحرمة فی المحرمات- کما فی الخمر و المیتة و غیرهما- و جعل الملکیة- مثلًا- فی المعاطاة، و هکذا. أمّا فی العبادات فهی قائمة بالفعل- کالصلاة- لا فی وجوبها و لمّا کانت المصلحة فی الوضعیات فی نفس الإعتبار و الجعل، فإنّ الإعتبار لایتصوّر فیه کشف الخلاف، بل إذا قامت الأمارة علی الفساد و البطلان أو بالعکس، فإنّه مع قیامها ینتهی أمد الجعل الأول و یتبدّل الموضوع، و حینئذٍ لا معنی لعدم الإجزاء و کذلک الحال فی التکلیفیات، فإنّه و إنْ کانت المصلحة فی المتعلَّق، لکنّ الحجّة اللّاحقة لایمکنها التأثیر فی الأعمال السّابقة الواقعة طبق الحجّة السّابقة، إذ لا معنی لقیام المنجز أو المعذّر بالنسبة إلی ما سبق، و إنّما یکون بالنسبة إلی ما بیده من العمل ... فلا وجه لعدم الإجزاء هذا ما جاء فی التنقیح عن المحقق الأصفهانی فی حاشیة المکاسب و فی الإجتهاد و التقلید. قال الأستاذ: قد إختلف کلام المحقّق الأصفهانی فی کتبه، و بالنّظر إلی المبنی فی الأمارات أمّا فی آخر کتبه- و هو الأصول علی النهج الحدیث- فقد ذکر أنّ حجیة الأمارات، إمّا من باب المنجّزیة و المعذّریة، و إمّا من باب جعل الحکم المماثل، و علی کلا القولین، ففی العبادات لا مجال للإجزاء، أمّا فی المعاملات، فیمکن القول به بمناط أنّ المصلحة فی الوضعیات فی نفس الجعل إذن، هو قائل بالتفصیل فی هذا الکتاب علی کلا المسلکین فی حجیة الأمارات. و أمّا فی نهایة الدرایة فاختار الطریقیة و ذهب علی أساسها إلی عدم الإجزاء فی المعاملات و العبادات معاً. و أما فی حاشیة المکاسب فی مبحث اختلاف المتعاملین إجتهاداً أو تقلیداً، و کذا فی رسالة الإجتهاد و التقلید فقد قال بعدم الإجزاء مطلقاً، بناءً علی المنجزیة و المعذّریة، لأنّ معنی ذلک أن یکون مفاد الأمارة السابقة حجةً ما لم تقم أمارة أخری علی خلافها، لأنّها عذر للمکلَّف، فإذا قامت الأخری علی الخلاف سقطت عن المعذریة، کما لو کان عنده علم، فإنّه حجة ما دام موجوداً، فإذا زال فلا حجیة، بل الحجّة هو الدلیل الجدید القائم علی خلافه. فهذا مقتضی هذا المسلک، سواء للمجتهد أو المقلّد، و سواء فی العبادات أو المعاملات و أمّا بناءً علی جعل الحکم المماثل، فالتفصیل بین العبادات و المعاملات، لأنّ الحکم المماثل فی العبادات إنّما ینشأ عن المصلحة فی المتعلَّق، ففی صلاة الظهر- مثلًا- مصلحة، و هذه المصلحة یجب أن تستوفی- لأنّ المصالح فی العبادات استیفائیة بخلاف المعاملات- و إذا انکشف الخلاف ظهر عدم استیفاء مصلحتها و الغرض من جعل الحکم فیها، إذ المفروض أنّ صلاة الجمعة لم تستوف مصلحة صلاة الظهر، و لا أنّ مصلحتها بدل عن مصلحة الظهر، و حینئذٍ تجب الإعادة بمقتضی إطلاق دلیل الواقع، و بمقتضی قاعدة الإشتغال، و بمقتضی الإستصحاب. هذا فی العبادات أمّا فی المعاملات، فلو قامت الأمارة علی کفایة العقد بالفارسیة مثلًا، و المفروض جعل الشارع الحکم المماثل علی طبقها، فإنّه تعتبر الزّوجیة أو الملکیة إذا اجری العقد، و لیس هناک مصلحة أخری حتی إذا انکشف الخلاف یکون الواجب إستیفاؤها، بل المصلحة فی نفس جعل الحکم المماثل، و هذه المصلحة یستحیل إنقلابها بانکشاف الخلاف».
یلاحظ علیه:

إنّه لافرق بین البابین و الحق هو الإجزاء مطلقاً.

أمّا فی المعاملات فظاهر لما أفاده من أنّها اعتبارات شرعیة و عرفیة و لا مصلحة واقعیة لها سوی الاعتبار حتی یقال بعدم استیفائها.

ص: 157

و أمّا فی العبادات فلأنّ الحکم المماثل لایخلو من المصلحة و حیث إنّ الحکم الظاهری اعتبر مماثلیته للحکم الواقعی فلابدّ أن تکون مصلحته أیضاً ناظراً إلی استیفاء مصلحة الواقع فیجری الاحتمالات الأربعة فی مقام الثبوت (التی ذکرت فی بحث الأمر الاضطراری) و أیضاً یجری الإطلاق المقامی و نتیجته هو القول بالإجزاء (علی ما مضی فی الأمر الاضطراری طابق النعل بالنعل) إلّا أنّ التفصیل الذی ذکره یجری فی الأمر الظاهری الذی هو لبیان أصل التکلیف.

ص: 158

المبنی الرابع: مسلک جعل المؤدّی منزلة الواقع
اشارة

لهذا المسلک تفسیران:

التفسیر الأول:

إنّ المراد هو جعل الشارع للمؤدی فالمؤدّی مجعول للشارع فی ظرف الشک فی الحکم الواقعی.

فعلی هذا لا فرق بینه و بین مسلک جعل الحکم المماثل و الکلام هو عین ما ذکرناه.

التفسیر الثانی:
اشارة

إنّ المراد هو أنّ الإمام (علیه السلام) یعتبر قول الراوی قولاً له و عن لسانه الشریف واقعاً.

الدلیل علی الإجزاء علی التفسیر الثانی:

إنّ الدلیل علی هذا المسلک هو الصحیحة الواردة فی شأن العمری (قدس سره):((1))

عن الکلینی فی الکافی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْیرِی وَ مُحَمَّدِ بْنِ یحْیی جَمِیعاً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْیرِی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ وَ قُلْتُ مَنْ أُعَامِلُ (وَ عَمَّنْ) آخُذُ؟ وَ قَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ؟ فَقَالَ (علیه السلام) «الْعَمْرِی ثِقَتِی فَمَا أَدَّی إِلَیکَ عَنِّی فَعَنِّی یؤَدِّی وَ مَا قَالَ لَکَ عَنِّی فَعَنِّی یقُولُ فَاسْمَعْ لَهُ وَ

ص: 159


1- وسائل الشیعة، ج27، ص138.

أَطِعْ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ» قَالَ وَ سَأَلْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (علیه السلام) عَنْ مِثْلِ ذَلِکَ فَقَالَ «الْعَمْرِی وَ ابْنُهُ ثِقَتَانِ فَمَا أَدَّیا إِلَیکَ عَنِّی فَعَنِّی یؤَدِّیانِ وَ مَا قَالا لَکَ فَعَنِّی یقُولَانِ فَاسْمَعْ لَهُمَا وَ أَطِعْهُمَا فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ الْمَأْمُونَانِ» الْحَدِیثَ.

فعلی هذا إنّ الإمام (علیه السلام) جعل مفاد قول العمری مصداقاً لقوله و وسّع فی الواقع الذی هو عین قوله (علیه السلام) فإذا عمل المکلّف علی طبق قول العمری (قدس سره) امتثل الواقع.

إشکال بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

إنّ هذه التوسعة ظاهریة و إلّا لزم التصویب المجمع علی بطلانه فحینئذ إذا انتفی الشک فینتفی جعل الشارع للمؤدی بانتفاء موضوعه (و هو الشکّ) فیبقی الواقع مقتضیاً لامتثاله.

یلاحظ علیه:

إنّ قول العمری نزّل منزلة قول الإمام (علیه السلام) و قول الإمام (علیه السلام) عین المصلحة و تمام المصلحة فالعمل علی طبق قول العمری واجد للمصلحة التامّة و معه لا وجه لبقاء مصلحة الواقع حتّی یقتضی امتثاله.

فالحقّ هو الإجزاء أیضاً.

ص: 160


1- تحقیق الأصول، ج2، ص217.
المبنی الخامس: مسلک السببیة
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

علی القول بالسببیة یقع الکلام أولاً فی الصور الثبوتیة و ثانیاً فی مقام الإثبات

أمّا الصور الثبوتیة فهی علی وزان ما مضی فی الأمر الاضطراری و إلیک بیانه:

المأموربه بالأمر الظاهری:

إمّا واف بتمام الغرض و مصلحة الواقع «الإجزاء».

و إمّا غیر واف به و هنا:

إمّا لایمکن استیفاء الباقی «الإجزاء»

و إمّا یمکن استیفاء الباقی و هنا:

إما یجب استیفائه «عدم الإجزاء»

و إما لایجب بل یستحب استیفائه «الإجزاء».

أمّا البحث الإثباتی فإنّ قضیة إطلاق دلیل الحجیة علی القول بالسببیة هو الاجتزاء بموافقة الأمر الظاهری.

بیان أقسام السببیة و تحقیق المسألة:
اشارة

إنّ السببیة علی وجوه و أقسام: السببیة التی نسبت إلی الأشاعرة و السببیة التی نسبت إلی المعتزلة و المصلحة السلوکیة.

ص: 161

الأُولی: السببیة التی نُسبت إلی الأشاعرة
اشارة

إنّ الله تعالی لم یجعل حکماً واقعیاً غیر ما أدّی إلیه نظر المجتهد بسبب قیام أمارة أو أصل، و إذا تبدّل رأیه ینقلب الحکم إلی رأیه فالحکم الواقعی تابع لرأیه، فلایعقل فیه انکشاف الخلاف.

فلا مصلحة فی المتعلّق قبل قیام الأمارة أو الأصل، و لا معنی حینئذ لاشتراک الحکم بین العالم و الجاهل لعدم تحقّق موضوع الحکم بالنسبة إلی الجاهل، لأنّ موضوع الحکم رأی المجتهد.

و علی هذا القول لا موضوع لبحث الإجزاء لعدم تصویر الحکم الظاهری بل ما أدّی إلیه رأی المجتهد هو الحکم الواقعی.

اتفق الأعلام علی بطلان هذه السببیة لأوجه:

أولاً: إنّه خلاف الضرورة من الشرع و یکذبه الکتاب و السنة إذ لازمه بطلان بعث الرسل و إنزال الکتب.

ثانیاً: اختصاص الحکم بمن قامت عنده الأمارة خلاف الضرورة و ما تسالم علیه الأصحاب.

ثالثاً: اختصاص الحکم به خلاف الإطلاقات الأوّلیة حیث إنّ مقتضاها ثبوت الأحکام الشرعیة فی الواقع من دون فرق بین العالم و الجاهل.

رابعاً: لایعقل الکشف من دون مکشوف و الحکایة من دون محکی فالکشف متوقف علی المکشوف فلو توقّف الحکم الواقعی (المکشوف) علی الأمارة (الکاشفة) لزم الدور أو الخلف.

ص: 162

و أجیب عن الإشکال الرابع بأنّ الأمارة مثل الجهل المرکب الذی لا واقع له بل یحکی عن وجود عنوانی فالأمارة تحکی عن وجود عنوانی للحکم (لا الحکم الواقعی) أمّا الحکم الواقعی فهو متوقّف علی وجود الأمارة فلا دور.

الثانیة: السببیة التی نُسبت إلی المعتزلة
اشارة

إنّ المعتزلة اعترفوا بوجود الأحکام الواقعیة المشترکة بین العالم و الجاهل شأناً و اقتضاءً و قالوا: إنّ الأمارة إن طابقت الحکم الواقعی الاقتضائی فهی توجب فعلیة الواقع و إن لم تطابق فهی توجب إحداث مصلحة فی متعلّقه أقوی من مصلحة الواقع، فتکون مصلحة الواقع اقتضاءً بلا فعلیة، فینقلب الحکم الواقعی إلی ما هو مفاد الأمارة، لأنّ الأحکام الواقعیة تابعة للمصالح و المفاسد فهنا حکم واقعی اقتضائی قد تخالفه الأمارة، و حکم واقعی فعلی و هو مفاد الأمارة.

و علی هذا المعنی لابدّ من الالتزام بالإجزاء، لأنّ الحکم الواقعی الاقتضائی لایقاوم مع الحکم الواقعی الفعلی الذی هو مفاد الأمارة، فلا حکم واقعی فعلی فی قبال الأمارة حتّی نبحث عن الإجزاء بالنسبة إلیها.

هذه السببیة و إن کانت ممکنة ثبوتاً لکنّه مخدوشة إثباتاً لوجهین:
الوجه الأول:

((1)):

إنّ دلیل الاعتبار إمّا السیرة العقلائیة أو الآیات و الروایات.

أمّا السیرة العقلائیة فقد جرت علی العمل بالأمارت بملاک طریقیتها إلی

ص: 163


1- المحاضرات(ط.ج): ج2، ص86 و (ط.ق): ج2، ص270.

الواقع و کشفها عنه و الشارع أمضاها بما هی علیه.

أمّا الآیات و الروایات فإنّ الظاهر منها هو إمضاء ما هو حجّة عند العقلاء، فلاتدلان علی حجّیة شیء تأسیساً، و من هنا لم نجد فی الشریعة المقدّسة أن یحکم الشارع باعتبار أمارة تأسیساً، نعم قد زاد الشارع فی بعض الموارد قیداً فی اعتبارها و لم یکن ذلک القید معتبراً عند العقلاء.

الوجه الثانی:

إطلاقات أدلّة الأحکام تقتضی عدم اختصاص مدالیلها بالعالمین بها بل هی محفوظة سواء طابقتها الأمارة أو لا و فیه ما لایخفی.

الثالثة: المصلحة السلوکیة
اشارة

و فیه بحثان:

البحث الأوّل: فی تصویر المصلحة السلوکیة
اشارة

إنّ الأمارة لاتوجب انقلاب الواقع و تغیره بل الواجب الواقعی محفوظ دائماً إلّا أنّ الأمارة سبب لحدوث مصلحة فی السلوک علی وفقها و بها یتدارک ما فات من مصلحة الواقع.

فعلی هذا الأحکام الواقعیة فعلیة و إن قامت الأمارة علی خلافها و هذه الأمارة لاتوجب حدوث المصلحة فی المتعلّق حتّی ینقلب الواقع بل هی توجب حدوث المصلحة فی السلوک نحو الأمارة و هذه المصلحة لاتنافی مصلحة الواقع بل تتدارکها فیما فاتت (أی فاتت مصلحة الواقع).

ص: 164

إشکال بعض تلامیذ الشیخ (قدس سره) فی مجلس بحثه علی المصلحة السلوکیة:

((1)):

إنّ مؤدی الأمارة إن کان وافیاً بتمام مصلحة الواقع یلزم الأمر بالجامع بین الحکم الواقعی و مفاد الأمارة لاشتراکهما من حیث وحدة الأثر فی جامع لهما و یکون الأمر بکلّ من الواقع و المؤدّی تخییریاً، فیمتنع تخصیص الوجوب الواقعی بأحدهما لأنّه لاموجب لهذا التخصیص بل هو ترجیح من دون مرجح فیکون الحکم الواقعی تعیینیاً فی حقّ العالم و تخییریاً فی حقّ الجاهل بالحکم الواقعی الذی قامت عنده الأمارة.

مع أنّ اطلاقات الأوامر ظاهرة فی الوجوب التعیینی فهذا القول یوجب انقلاب الواقع من الوجوب التعیینی إلی التخییری بالنسبة إلی من قامت عنده الأمارة و هذا خلاف الضرورة و الإجماع.

أجاب عنه المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((2))

إنّ قوام الوجوب التخییری بأن یکون وجوب طرفیه أو أطرافه فعلیاً و هذا فیما نحن فیه محال، لأنّ فعلیة الأمر بالمؤدّی منوطة بعدم وصول الواقع و فعلیة الواقع منوطة بوصوله فلا واجب فعلی إلّا أحدهما و کما یستحیل فعلیة الأمر بهما تعییناً فکذا تخییراً.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی تصویر المصلحة السلوکیة مع عدم لزوم

ص: 165


1- نقله المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج1، ص404؛ و اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات(ط.ج): ج2، ص89 و(ط.ق): ج2، ص272.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص405.

التصویب مخدوش، و توضیح ذلک: إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال باستحالة جعل الوجوب التخییری هنا، و نزید إلی ما أفاده استحالة جعل الوجوب التعیینی أیضاً علی القول بالمصلحة السلوکیة فینتج عدم إمکان الالتزام بهذا القول.

أمّا بیان استحالة جعل الوجوب التعیینی فهو أنّه کما أنّ أصل الوجوب تابع للملاک و المصلحة کذلک خصوصیة التعیینیة أیضاً تابعة للملاک و المصلحة و هذا فی مقام الثبوت بأن یکون الواجب واجداً للمصلحة مع خصوصیة أنّ شیئاً آخر لایقوم مقامه، و أمّا فی مقام الإثبات فلابدّ من إطلاق لأنّ الواجب التخییری یحتاج إلی التقیید بکلمة «أو».

فحینئذ إن کانت المصلحة السلوکیة وافیة بمصلحة الحکم الواقعی فلایصحّ إطلاق الحکم الواقعی لأنّ المصلحة السلوکیة تکون بدلاً عن مصلحة الواقع و مفاد الأمارة یکون عدلاً للحکم الواقعی فلایصحّ تحقّق الوجوب التعیینی لأنّ الواجب التعیینی ما لایقوم مقامه شیء آخر.

و من جهة أخری إنّ الحکم الواقعی و مفاد الأمارة کلیهما واجدان للمصلحة فتخصیص الحکم الواقعی بالوجوب دون مفاد الأمارة ترجیح بلا مرجح.((1))

یلاحظ علیه:

إنّ ملاک الواجب التعیینی فی الحکم الواقعی تامّ، لأنّ الحکم الظاهری (مفاد الأمارة) لیس فی عرض الحکم الواقعی بل هو فی طوله (أی عند الشک فی الحکم الواقعی) فإنّ الواجب التعیینی هو ما لیس فی عرضه بدل و عدل له (ثمّ إنّ

ص: 166


1- تحقیق الأصول، ج2، ص222.

التعیینیة بمقتضی إطلاق الوجوب إثباتاً و ملاک الوجوب عند إطلاقه یقتضی التعیینیة ثبوتاً).

البحث الثانی فی الإجزاء بناء علی القول بالمصلحة السلوکیة:
اشارة

قد قال بعض الأعلام مثل المحقّق النائینی (قدس سره) و بعض الأساطین بعدم الإجزاء و خالفهم جمع آخر مثل المحقّق الخوئی (قدس سره) .

استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی عدم الإجزاء:

((1)):

إنّ مصلحة أصل الصلاة غیر مصلحة وقته، فقد تفوت مصلحة الوقت و أمّا مصلحة أصل الصلاة قابلة للتدارک و المصلحة السلوکیة هی بمقدار ما فات من الواجب من مصلحة وقته و لیست بمقدار مصلحة أصل الواجب، فإنّ المصلحة السلوکیة قد تکون بمقدار فضیلة الوقت أمّا مصلحة أصل الوقت فهی باقیة، فإذا انکشف الخلاف فی الوقت فلابدّ من إعادة الواجب تحصیلاً لمصلحة أصل الواجب و مصلحة أصل الوقت، أمّا مصلحة فضیلة الوقت فهی متدارکة بالمصلحة السلوکیة، و قد تکون بمقدار أصل الوقت (تمام الوقت) فإذا انکشف الخلاف بعد وقت الواجب فلابدّ من قضاء الواجب تحصیلاً لمصلحة أصل الواجب أمّا مصلحة أصل الوقت و فضیلته فتدارک بالمصلحة السلوکیة. فالقول بالمصلحة السلوکیة لاینافی عدم الإجزاء إعادةً و قضاءً.

استشکله المحقّق الخوئی (قدس سره):

إنّ ذلک مبنی علی تبعیة القضاء للأداء حیث إنّ المطلوب علی هذا القول

ص: 167


1- فوائد الأصول،ج3،ص97 و أجود التقریرات،ج1،ص293-294.

متعدّد (مطلوبیة أصل الصلاة و مطلوبیة وقته) و لکنه خاطئ جدّاً لأنّ المتفاهم العرفی من تقیید الواجب بأمر زمانی أو بوقت خاص هو وحدة المطلوب لاتعدّده، فإنّ المأموربه هو الطبیعی المقید بهذا القید و الدلیل علی ذلک هو الظهور العرفی لدلیل التقیید، فعلی هذا تبعیة القضاء للأداء باطل و المصلحة السلوکیة لیست بمقدار فضیلة الوقت أو أصل الوقت بل هی بمقدار الواجب المقید بالوقت لما سلکناه من عدم تعدّد المطلوب. ((1))

دفاع بعض الأساطین عن المحقّق النائینی (قدس سره)

((2)):

إنّ القول بعدم الإجزاء لایتوقف علی القول بتبعیة القضاء للأداء بل هو موقوف علی تعدّد المطلوب و هو أعمّ من القول بالتبیعیة أو القول بأنّ القضاء بأمر جدید، و الحقّ هو أنّ أصل الصلاة مطلوب و وقتها مطلوب آخر و لکل منهما مصلحة لابدّ من استیفائها و بعد انکشاف الخلاف لابدّ من استیفاء مصلحة أصل الصلاة أمّا مصلحة وقته فتتدارک بالمصلحة السلوکیة.

یلاحظ علیه:

إنّ الکلام فی عالم الإثبات لا الثبوت، فإنّ فی عالم الثبوت مصلحة أصل الصلاة غیر مصلحة وقته و لکن الدلیل الإثباتی ظاهر عرفاً فی طلب الصلاة المقیدة بالوقت فالمطلوب فی عالم الإثبات واحد.

ص: 168


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص90-91 و (ط.ق): ج2، ص274.
2- تحقیق الأصول، ج2، ص224.
تتمیم: إذا شککنا بین الطریقیة و السببیة
اشارة

البحث فی مقامین:

المقام الأوّل: من حیث الإعادة
بیان صاحب الکفایة (قدس سره) لعدم الإجزاء:

((1)):

إذا شک و لم یحرز أنّ الحجیة بمعنی السببیة أو الطریقیة:

أمّا من حیث الإعادة فلایجزی و الإعادة واجبة و الدلیل علی ذلک هو أصالة عدم الإتیان بما یسقط معه التکلیف.

إن قلت: استصحاب عدم فعلیة التکلیف الواقعی فی الوقت یوجب عدم وجوب الإعادة.

قلت: إنّ ذلک لایوجب و لایثبت أنّ ما أتی به مسقط إلّا علی القول بالأصل المثبت.

و قد علم اشتغال ذمّته و یشک فی فراغ الذمّة بذلک المأتی فتجب الإعادة.

أورد علیه المحقق الإصفهانی (قدس سره)

أورد((2))علیه المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((3)):

إنّه لا أصل فی المسألة الأُصولیة، نعم لنا التمسّک بالأصل العملی فی المسألة الفرعیة من وجوب الإعادة أو القضاء و عدمه، و حیث علم عدم موافقة المأتی

ص: 169


1- کفایة الأصول(طبع آل البیت)، ص87.
2- مع أنّه أیضاً یقول بعدم الإجزاء.
3- بحوث فی الأصول، ص129.

به للمأمور به واقعاً و یشک فی کونه محصّلاً لغرضه من حیث کونه ذا مصلحة بدلیة، فلامحالة یشک فی سقوط التکلیف الواقعی بعد الیقین بثبوته، فمقتضی القاعدة و الاستصحاب بقاء اشتغال ذمّته.

و أمّا أصالة عدم الإتیان بما یسقط معه التکلیف و یحصل الغرض فلا موقع لها لعدم ترتیب أثر شرعی علی الإتیان و عدمه.

نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ المورد لیس من موارد التمسّک بقاعدة الاشتغال بل هو من موارد التمسّک بقاعدة البراءة.

و الوجه فیه هو أنّ حجّیة الأمارة إن کانت من باب السببیة و الموضوعیة لم تکن ذمّة المکلّف مشغولة بالواقع أصلاً و إنّما تکون مشغولة بمؤدّاها فحسب، حیث إنّه الواقع فعلاً و حقیقةً فلا واقع غیره و إن کانت من باب الطریقیة و الکاشفیة اشتغلت ذمته به و بما أنّه لایدری أنّ حجّیتها کانت علی الشکل الأوّل أو کانت علی الشکل الثانی فبطبیعة الحال لایعلم باشتغال ذمّته بالواقع لیکون المقام من موارد قاعدة الاشتغال، فإذن لامناص من الرجوع إلی أصالة البراءة من وجوب الإعادة، حیث إنّه شک فی التکلیف من دون العلم بالاشتغال به.

و بکلمة أُخری إنّ الشک فیما نحن فیه و إن أوجب حدوث العلم الإجمالی بوجود تکلیف مردّد بین تعلّقه بالفعل الذی جیء به علی طبق الأمارة السابقة و بین تعلّقه بالواقع الذی لم یؤت به علی طبق الأمارة الثانیة إلّا أنّه لا أثر لهذا العلم الإجمالی و لایوجب الاحتیاط و الإتیان بالواقع علی طبق الأمارة الثانیة، و ذلک

ص: 170


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص 95 و (ط.ق): ج2، ص278.

لأنّ هذا العلم حیث قد حدث بعد الإتیان بالعمل علی طبق الأمارة الأُولی کما هو المفروض فلا أثر له بالإضافة إلی هذا الطرف، فلا مانع من الرجوع إلی أصالة البراءة من الطرف الآخر هذا بالنسبة إلی الإعادة.

المقام الثانی: بالنسبة إلی القضاء
اشارة

إنّ مختار صاحب الکفایة (قدس سره) هو أنّ القضاء لایجب بناءً علی أنّه فرض جدید و أخذ فی وضعه الفوت و هو غیر محرز.

بیان صاحب الکفایة (قدس سره):

أمّا من حیث القضاء فإن قلنا: إنّ القضاء بالأمر الأوّل (تبعیة القضاء للأداء) فلایجزی لأنّ القضاء مثل الإعادة.

و إن قلنا: إنّ القضاء بالأمر الجدید و کان الفوت أمراً وجودیاً فاستصحاب عدم الإتیان بالفریضة فی الوقت بالنسبة إلیه مثبت فلایمکن إحراز عنوان الفوت حتی یقال بتحقّق موضوع القضاء فالقضاء لیس بواجب.

و إن کان الفوت أمراً عدمیاً فیجدی استصحاب عدم الإتیان بالفریضة فی الوقت فی إحراز عنوان الفوت فالقضاء واجب.

و المحقّق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً قال بعدم وجوب القضاء حیث إنّه بأمر جدید و هو مشکوک الحدوث.

و المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً یختار مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) فی عدم وجوب القضاء.

ص: 171

ص: 172

البحث الثانی: مقدمة الواجب

اشارة

فیه مقدمة و فصلان و خاتمة

ص: 173

ص: 174

المقدمة

اشارة

قبل الورود فی البحث عن الملازمة بین وجوب الشیء و وجوب مقدّمته لابدّ من بیان أُمور:

إجمال ذلک هو أنّا نبحث عن مقدّمات للبحث من کونه أُصولیاً أو کلامیاً أو فقهیاً أو غیر ذلک و من معنی الوجوب فی هذا البحث.

ثم نبحث عن تقسیمات المقدّمة:

الأوّل: المقدّمة الداخلیة و الخارجیة.

الثانی: المقدّمة العقلیة و الشرعیة و العادیة.

الثالث: المقدّمة الوجودیة و الوجوبیة و مقدّمة الصحّة و المقدّمة العلمیة.

الرابع: المقدّمة المتقدّمة و المقارنة و المتأخرة (الشرط المتأخر).

و بعد ذلک یقع الکلام فی تقسیمات الواجب:

الأوّل: المطلق و المقید((1)).

ص: 175


1- عدّ المحقق الخراسانی (قدس سره) المطلق و المقید من تقسیمات الواجب و الحقّ أنّه من تقسیمات الوجوب کما سیأتی.

الثانی: المعلّق و المنجّز.

الثالث: النفسی و الغیری.

الرابع: الأصلی و التبعی.

ثم إنّ هنا بحثاً عن المقدّمة الموصلة و بحثاً آخر عن ثمرة البحث و بحثاً عن تأسیس الأصل و بعد ذلک تصل النوبة إلی تحقیق أدلّة القول بوجوب المقدّمة.((1))

ص: 176


1- فی تشریح الأصول، ص173 و 174: «إنّ النزاع فی وجوب المقدمة محتمل لوجوه: الأول: أن یکون النزاع فی أنّه هل هی واجبة بطلبٍ و إیجابٍ مستقلٍ من الشارع أم لا؟ ... الثانی: أن یکون النزاع بعد فرض استلزام إیجاب ذی المقدمة لإیجابها فی أنّه هل یترتب علی مخالفة إیجابها عقابٌ أم لا؟ ... الثالث: أن یکون النزاع فی أنّه بعد فرض عدم إیجاب و عدم طلب من الأمر بالنسبة إلی المقدمة هل یترتب علی ترک نفسها عقاب أم لا؟ ... الرابع: أن یکون النزاع فی وجوبها التبعی یعنی بعد فرض عدم إیجابها من الأمر و بعد فرض عدم ترتب العقاب علی ترکها هل یجب علی المکلف الإتیان بها عقلا للفرار عن عقاب ذیها أم لا؟».

الأمر الأوّل: هذه المسألة من أی قسم من المباحث؟

اشارة

فیه أقوال أربعة:

إنّ هذه المسألة هل هی من المباحث الکلامیة أو الفقهیة أو الأُصولیة؟

و إن کانت أُصولیة فهل یکون من المبادی الأحکامیة لعلم الأُصول أو یکون من المسائل الأصولیة؟ و إن کانت المسألة أُصولیة فهل یکون مسألة لفظیة أو عقلیة؟

القول الأوّل: إنّها من المسائل الکلامیة
اشارة

استدلّ علی ذلک بأنّ البحث عنها عقلی لا لفظی.

إجابة عن هذا الدلیل:

أجاب عنه السید الخوئی (قدس سره) ((1))بأنّ کلّ مسألة عقلیة لیست کلامیة بل المسائل الکلامیة هی المسائل العقلیة بالمعنی الأخص و صنف خاص منها و هی المسائل المستقلات العقلیة التی یبحث فیها عن أحوال المبدأ و المعاد.

و إرجاع البحث عنها إلی أحوال المبدأ و المعاد و إن کان ممکناً إلّا أنّ الحیثیة المبحوث عنها هنا هی حیثیة أُصولیة.((2))

ص: 177


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص113و(ط.ق): ج2، ص294.
2- و فی نهایة الأفکار، ج 2، ص259: «الأمر الثانی: هل المسألة من المسائل الفرعیة ... أو من المسائل الکلامیة باعتبار رجوعها إلی البحث عن استحقاق المثوبة علی الموافقة و العقوبة علی المخالفة؟ فیه وجوه أبعدها الأخیر من جهة وضوح أنّ المقدمة علی القول بوجوبها لیست مما یترتب علیها المثوبة و العقوبة عند الموافقة و المخالفة فإنّ المثوبة و العقوبة کانتا من تبعات موافقة الواجب النفسی و مخالفته لا من تبعات مطلق الواجب و لو غیریا، و ما یری من استحقاق العقوبة عند ترک المقدمة فإنّما هو من جهة تأدیة ترکها إلی ترک ذیها الذی هو الواجب النفسی لا من جهة أنّها مما یقتضی مخالفتها فی نفسها مع قطع النظر عن ترتب ترک ذیها استحقاق العقوبة علیها، کما لایخفی. و مع [ذلک] لا مجال لِعَدّ المسألة من المسائل الکلامیة.
القول الثانی: إنّها من المسائل الفقهیة
اشارة

و نسب ذلک إلی بعض المتقدّمین منهم صاحب المعالم (قدس سره) .((1))

استدلّ علی ذلک بأنّ المبحوث عنه هو وجوب المقدّمة و الوجوب حکم فرعی، و لذا استدلّ علی نفی وجوب المقدّمة بانتفاء الدلالات الثلاث اللفظیة.

إشکالان علی هذا الدلیل:
الإیراد الأوّل: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)

((2))

إنّ البحث هنا عن ثبوت الملازمة بین الأمر بالشیء و الأمر بمقدّماته.

الإیراد الثانی: إشکال المحقّق النائینی (قدس سره) علی عدّها مسألة فقهیة
اشارة

إنّ الأحکام الفقهیة مجعولة للعناوین الخاصّة مثل الصلاة و الحج و غیرهما و المقدّمة تصدق فی الخارج علی العناوین المتعدّدة و لیست عنواناً لفعل واحد. ((3))

ص: 178


1- فی محاضرات فی أصول الفقه ط.ج. ج 2، ص112: «قیل: إنّها من المسائل الفقهیة، و یظهر ذلک من عبارة جملة من المتقدمین منهم صاحب المعالم (قدس سره) حیث قد استدل علی نفی وجوب المقدمة بانتفاء الدلالات الثلاث ولکنّ هذا القول خاطئٌ جدّاً». و فی معالم الدین و ملاذ المجتهدین، ص62: «لنا أنّه لیس لصیغة الأمر دلالة علی إیجابه بواحدة من الثلاث و هو ظاهر».
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص112و(ط.ق): ج2، ص293.
3- فی أجود التقریرات، ج1،ص310:« و أمّا جعلها من المسائل الفقهیة ففی غایة البعد فإنّ علم الفقه متکفل لبیان أحوال موضوعات خاصة کالصلاة و الصوم و غیرها و البحث عن وجوب کلی المقدمة التی لاینحصر صدقها بموضوع خاص لایتکفله علم الفقه أصلا».
إجابة المحقّق الخوئی (قدس سره) عن الإشکال الثانی:

((1))

إنّ الضابط فی المسائل الفقهیة هو أنّها مجعولة للموضوعات و العناوین الخاصّة، من دون فرق بین کونها منطبقة فی الخارج علی حقیقة واحدة کالصلاة و الحج أو علی حقائق مختلفة کإطاعة الوالد و الأمر بالمعروف و النذر و غیره.((2))

ص: 179


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص113و (ط.ق): ج2، ص294.
2- إیراد المحقق الأردکانی و العراقی و الإصفهانی علی القول الثانی: قال فی غایة المسؤول فی علم الأصول، ص226: «إنّ هذه المسألة من المبادی الأحکامیة التصدیقیة و لیست فقهیة و لا أصولیة و لا لُغویة کما توهم ... و أما الثانی فلأنّ البحث فیها لیس من عوارض الکتاب و السنة و لا عن دلالة الأمر أصلا لما عرفت أنّ البحث إنّما هو غیر التلازم و لو ثبت الوجوب بالإجماع و العقل. لایقال: إنّهما أیضا من موضوع الأصول لأّنا نقول: المسألة الأصولیة ما یبحث فیها عن أحوال الأدلة بعد ثبوتها لا عن نفس وجودها و هنا الکلام فی نفس حکم العقل بوجوب المقدمة فلایرجع إلی الأدلة العقلیة حتی یدخل فی الأصول بل یکون نظیر مسألة أنّ العقل هل یحکم بالحسن و القبح أو لا؟». و فی نهایة الأفکار، ج 2، ص259 فیه: أنّ عنوان البحث و إن کان هو البحث عن وجوب المقدمة و عدم وجوبها و لکن المهم المبحوث عنه کما عرفت لما کان ثبوت الملازمة بین حکم شی ء بواحد من الأحکام الأربعة و بین حکم مقدماته بلا نظر إلی خصوص الوجوب، فلا جرم لاتکون من المسائل الفرعیة غیر المناسبة لتعرض الأصولی إیاها فی الأصول، بل علیه تکون المسألة أصولیة محضة، إذ البحث عن الملازمة حینئذ کالبحث عن سائر الأحکام العقلیة غیر المستقلة فلاترتبط حینئذ بالمسألة الفرعیة. و مع الغض عن ذلک و الأخذ بظاهر عنوان البحث نقول: بعدم ارتباطها أیضا بالمسألة الفرعیة لأنّ الملاک فی المسألة الفرعیة، علی ما یقتضیه الإستقراء فی مواردها إنّما هو وحدة الملاک و الحکم و الموضوع، فکان المحمول فیها دائما حکما شخصیا متعلقا بموضوع وحدانی بملاک خاص کما فی مثل الصلاة واجبة فی قبال الصوم واجب و الحج واجب، و مثل هذا الملاک غیر موجود فی المقام فلایکون تعلق الوجوب المقدمة من باب تعلق شخص حکم بموضوع وحدانی بمناط وحدانی خاص، بل بعد أن کان عنوان المقدمیة من الجهات التعلیلیة لا التقییدیة لا جرم الحکم المحمول علی العنوان المزبور یکون حاکیا عن وجوبات متعددة مختلفة شدّةً و ضعفاً بموضوعات عدیدة بملاکات متعددة، فکان حال المقدمة حینئذ بعد کون وجوبها بمناط دخلها فی ذیها حال کل واجب یترشح إلیه الوجوب من جهة دخله فی ترتب المصلحة الخاصة علیه، فیختلف الوجوب فیها حینئذ حقیقة و ملاکا باختلاف ما یترتب علی المقدمات نظیر اختلاف الوجوبات باختلاف المصالح المترتبة علیها، و علیه فلایکون هذا العنوان فی المقام حاکیا عن محمول واحد متعلق بموضوع واحد بملاک واحد کما فی الصلاة واجبة، و الصوم الواجب بل هو یکون حاکیا و مرآة موضوعا و محمولا عن موضوعات متعددة محکومة بأحکام متعددة بمناطات مختلفة، و من المعلوم حینئذ أنّه لایکون فی البین حینئذ جهة وحدة فی البحث المزبور إلّا حیثیة الملازمة التی عرفت کونها محطّ النظر و البحث، و علیه لایکاد إرتباطها بالمسألة الفرعیة بوجهٍ أصلا، مضافا إلی ما عرفت أیضا من عدم اختصاص مورد البحث بخصوص مقدمة الواجب بل عمومه فی مقدمات الحرام و المکروه و المستحب أیضا مع ما لَها من الإختلاف بحسب المراتب و المناط، فکان المقام من هذه الجهة من قبیل البحث عن أنّ فعل المکلف هل یکون محکوما بالأحکام الخمسة أم لا؟ و معلوم حینئذ عدم ارتباطها بالمسألة الفرعیة، کما هو واضح». و فی بحوث فی الأصول، ج 1، ص134: «کما أنّه بهذا العنوان لاتکون مسألة فقهیة، حیث لاتتکفل ثبوت تکلیف أو وضع لفعل المکلف و لا وجه لعقدها فقهیة و البحث عن وجوب المقدمة مع توقفه علی الملازمة التی لم یبحث عنها فی العلم المتکفل لمبادئه التصدیقیة فتدبر جیدا».
القول الثالث: إنّها من المبادی الأحکامیة للمسائل الأُصولیة
اشارة

((1))

استدلّ علیه بأنّ المبادی الأحکامیة هی عوارض الحکم و حالاته و البحث هنا فی أنّ وجوب ذی المقدّمة هل یقتضی وجوب مقدّمته.((2))

ص: 180


1- إختاره السید البروجردی (قدس سره) .
2- إختار هذا القول أیضاً الفاضل الأردکانی و میرزا حبیب الله الرشتی (قدس سرهما): ففی غایة المسؤول فی علم الأصول، ص226: «فالتحقیق أنّها من جملة المبادی الأحکامیة التی یبحث فیها عن الحکم و لوازمه کذکر معنی الوجوب و الإستحباب و نحو ذلک». و فی بدائع الأفکار، ص296: «أمّا کونها من مبادی الأصول أو من مسائله اللفظیة أو العقلیة فلکلٍّ وجهٌ بل قولٌ أوجهها الأوّل». و قال الشیخ: إنّ بحث مقدمة الواجب إمّا من المبادی الأحکامیة و إمّا من المسائل الأصولیة العقلیة قال فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص198: «ثم إنّ من هنا ینقدح لک القول بأنّ الترتیب الطبیعی یقضی بأن تکون ملحقة بالمسائل المذکورة فی المبادئ الأحکامیة- کما صنعه العضدی تبعا للحاجبی- فإنّ من المناسب عند تحقیق الحکم الشرعی و تقسیمه إلی الوضعی و التکلیفی و تنویعه إلی الأنواع الخمسة المعروفة تحقیق لوازم تلک الأحکام، من حیث إنّ الوجوب المتعلق بشی ء یستلزم وجوب مقدماته أو لا. أو مذکورة فی مباحث الأدلة العقلیة- کما صنعه آخرون- من حیث ثبوت حکم العقل فی هذه المسألة، کما فی مسألة ثبوت حکمه فی أصالة الإباحة؛ إذ لا اختصاص لها بما یتفرع علی قاعدة التحسین و التقبیح العقلیین و لا بما یستقل العقل باستفادة حکمه و لو من غیر توسیط للخطاب الشرعی، بل قد عدّت فی عدة مواضع من کلمات المحققین الملازمات العقلیة فی عداد أدلتها». و قال المحقق العراقی: إنّ هذه المسألة تناسب کونها من المسائل العقلیة و کونها من المبادی الأحکامیة و إن کان الأنسب هو الأول، قال فی نهایة الأفکار، ج 2، ص261: «هل هی من المسائل العقلیة کالبحث عن غیرها من الملازمات أم هی من المبادی الأحکامیة باعتبار کونها بحثا عن لوازم وجوب الشی ء؟ و أنّه هل من لوازم وجوب الشی ء وجوب مقدماته أم لا کالبحث عن أنّ من لوازم وجوب الشی ء حرمة ضده؟ فیه وجهان حیث تناسب المسألة کلّاً منهما، فإنّه بعد الفراغ من دلالته الصیغة علی الوجوب کما یناسب البحث عن ثبوت الملازمة بین وجوب الشی ء و وجوب مقدمته کذلک یناسب البحث عن لوازم وجوب الشی ء و إن کان الأنسب هو الأوّل، و علیه تکون المسألة من المسائل العقلیة الأصولیة- حیث کانت من الأحکام العقلیة غیر الإستقلالیة و کان ذکرها فی المقام للمناسبة المزبورة».
إجابة عن هذا الدلیل:

أجاب عنه فی المحاضرات((1))بأنّ البحث هنا لیس عن حالات الحکم و عوارضه بل هو عن إدراک العقل الملازمة بین حکمین شرعیین النفسی و الغیری.

و علی هذا فإن أراد القائل بالمبادی الأحکامیة أنّها من المبادی التصدیقیة لعلم الفقه یرد علیه أنّ جمیع المسائل الأصولیة بشتّی أنواعها کذلک.

و إن أراد أنّها من المبادی التصدیقیة لعلم الأصول فهو خاطئ جداً لأنّ هذه

ص: 181


1- المحاضرات، (ط.ج): ج2، ص114و(ط.ق): ج2، ص295.

المسألة من المسائل الأصولیة التی تقع فی طریق الاستنباط بلا توسط مسألة أُخری أُصولیة.((1))

القول الرابع: إنّ هذه المسألة أُصولیة

و هو الحق لوجود ضابط المسألة الأُصولیة فیها لأنّها تقع فی طریق استنباط الحکم الشرعی بنفسها من دون ضمّ مسألة أُصولیة أُخری((2)).

ص: 182


1- و فی بحوث فی الأصول، ج 1، ص134: «و لا وجه لإدراجها فی المبادئ الأحکامیة، إذ لیس البحث عن ثبوت شی ء لحکم من الأحکام ملاک المبادئ الأحکامیة، بل کما أشرنا إلیه فی أول الفن أنّ المبادئ سواء کانت لغویة أو أحکامیة لاتخلو عن کونها مبدأ تصوریا أو تصدیقیا و من الواضح أنّ مسألة الملازمة لیست مبدأ تصدیقیا لثبوت شی ء للمحمولات الأصولیة».
2- إختار هذا القول معظم الأصولیین المتأخرین: قال فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص197: «مرجع البحث فیها إلی أنّ العقل هل یحکم بوجوب المقدمة عند وجوب ذیها أو لا؟ فیرجع البحث فیها إلی البحث عن تحقق الملازمة بین الإرادة الجازمة المتعلقة بشی ء و بین إرادة مقدماته. و ذلک کما تری لیس بحثاً عن فعل المکلف، بل هو بحث عن اقتضاء نفس التکلیف و الطلب و إن استلزم العلم بها العلم بکیفیة عمل المکلف من حیث وجوب الإتیان به و إباحته، کما هو الشأن فی جمیع المسائل الأصولیة، فإنّها مهّدت لاستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة منها و من ذلک یظهر شمول الحدّ المذکور للأصول لها أیضاً». و فی کفایة الأصول، ص89: «الظاهر أنّ المهم المبحوث عنه فی هذه المسألة البحث عن الملازمة بین وجوب الشی ء و وجوب مقدمته فتکون مسألة أصولیة لا عن نفس وجوبها کما هو المتوهم من بعض العناوین کی تکون فرعیة و و ذلک لوضوح أنّ البحث کذلک لایناسب الأصولی و الإستطراد لا وجه له بعد إمکان أن یکون البحث علی وجه تکون عن المسائل الأصولیة». و فی فوائد الأصول،ج1،ص261و262:«لاینبغی الإشکال فی کون المسألة من المسائل الأصولیة، و لیست من المبادی الأحکامیة، و لا من المسائل الفقهیة، و ذلک لما تقدّم من أنّ الضابط فی مسألة الأصولیة هو وقوعها فی طریق الإستنباط بحیث تکون نتیجتها کبری لقیاس الإستنباط علی وجه یستنتج منها حکم فرعی کلّی، و هذا المعنی موجود فی المقام، فإنّ البحث فی المقام إنّما یکون عن الملازمة بین وجوب شی ء و وجوب مقدّماته، لا عن نفس وجوب المقدّمة، بل یکون وجوب المقدّمة نتیجة الملازمة علی القول بها، فلا وجه لجعل المسألة من المسائل الفقهیة، کما لا وجه لجعلها من المبادی الأحکامیة الّتی هی عبارة عن البحث عن الأحکام و ما یلازمها، کالبحث عن تضادّ الأحکام الخمسة، و تقسیم الحکم إلی الوضعی و التکلیفی، و غیر ذلک ممّا عدّوه من المبادی الأحکامیة، فی مقابل المبادی التّصوریة و التصدیقیة، فإنّ جعلها من المبادی الأحکامیة بلا موجب، بعد إمکان جعلها من المسائل الأصولیة». و فی نهایة الأفکار، ج 2، ص260: «علی أنّه ینطبق علیه أیضا میزان المسألة الأصولیة، فإنّ میزان کون المسألة أصولیة کما أفادوه هو ما یکون نتیجتها واقعةً فی طریق استنباط الحکم الفرعی علی معنی وقوع نتیجتها کبری فی القیاس لصغری یفید الحکم الفرعی، و مثل هذا المیزان ینطبق علی المسألة کما فی قولک: "هذه مقدمةُ الواجب و کلُّ مقدمةُ الواجبِ واجبةٌ فهذه واجبةٌ" کما ینطبق فی فرض جعل النزاع فی ثبوت الملازمة، غایته أنّه علی ذلک یحتاج إلی تشکیل قیاسین فی إنتاج الحکم الفرعی، بخلافه علی ظاهر عنوان البحث، فإنّه لایحتاج إلّا إلی تشکیل قیاس واحد» إلخ. و فی بحوث فی الأصول، ج 1، ص133، الباب الأول فی المسائل الأصولیة العقلیة: «الفصل الثانی فی الملازمة بین وجوب شی ء و وجوب مقدمته و إنّما أدرجناها فی المسائل لأنّ نتیجتها مبدأ تصدیقی لحکم فقهی و هو وجوب المقدمة». و فی محاضرات فی أصول الفقه ط.ج. ج 2، ص114: «و الصحیح: أنّها من المسائل الأصولیة العقلیة، فلنا دعویان: الأولی أنّها من المسائل الأصولیة. الثانیة أنّها من المسائل العقلیة». و فی تحقیق الأصول، ج 2، ص248: «و تلخَّص تعین کون المسألة من مسائل علم الأصول، و یکفی فی ذلک بعد ثبوت عدم کونها من مسائل غیره من العلوم- إنطباق تعریف العلم علیها، فإنّه یمکن وقوع مسألة مقدمة الواجب فی طریق الإستنباط».

ثم إنّ هذه المسألة لیست لفظیة کما ادّعاه صاحب المعالم (قدس سره) ((1)) بل عقلیة لأنّ

ص: 183


1- إختار کثیرٌ کونَ المسألة من المسائل العقلیة: قال فی مطارح الانظار (ط.ج):ج1،ص199و (ط.ق): ص37:« و أمّا ذکرها فی مباحث الألفاظ- کما صنعه صاحب المعالم و تبعه فی ذلک جماعة فلیس علی ما ینبغی؛ إذ غایة ما یمکن أن یقال فیه هو: أنّ الوجوب لمّا کان من مدالیل الألفاظ صحّ ذکرها فی مباحثها و ذلک ظاهر الفساد، إذ فیه- بعد الغضّ عن أنّ الوجوب کما قد یکون الدلیل علیه هو اللفظ فکذلک قد یکشف عنه العقل أو الإجماع أو الضرورة و نحوها ممّا لیس بلفظ، و النزاع المذکور کما یتأتّی فیما یدلّ علیه اللفظ یجری فی غیره أیضاً من غیر اختصاصٍ بأحدهما، کما أشار إلیه المدقّق الشیروانی[1]- أنّه لایعقل أن یکون البحث فی المقام بحثاً لغویا و نزاعا لفظیا». و فی فوائد الأصول،ج1،ص261: «... نعم هی لیست من المسائل اللّفظیة، کما یظهر من المعالم بل هی من المسائل العقلیة، و لکن لیست من المستقلات العقلیة الراجعة إلی باب التّحسین و التّقبیح و مناطات الأحکام، بل هی من الملازمات العقلیة، حیث إنّ حکم العقل فی المقام یتوقّف علی ثبوت وجوب ذی المقدّمة، فیحکم العقل بالملازمة بینه و بین وجوب مقدّماته، و لیس من قبیل حکم العقل بقبح العقاب من غیر بیان الّذی لایحتاج إلی توسیط حکم شرعی، بل البحث فی المقام نظیر البحث عن مسألة الضدّ و مسألة إجتماع الأمر و النّهی یتوقّف علی ثبوت أمر أو نهی شرعی، حتّی تصل النّوبة إلی حکم العقل بالملازمة کما فی مسألتنا، أو اقتضاء النّهی عن الضّد کما فی مسألة الضّد، أو جواز الإجتماع و عدمه کما فی مسألة جواز اجتماع الأمر و النّهی، و لکن القوم لمّا لم یفرّدوا باباً للبحث عن الملازمات العقلیة- مع أنّه کان حقّه ذلک أدرجوا المسألة و ما شابهها فی مباحث الألفاظ مع أنّها لیست منها کما لایخفی». و فی بحوث فی الأصول، ج 1، ص133: «و إنّما جعلناها عقلیةً لأنّ الحاکم بهذه الملازمة هو العقل وجدانا أو برهانا».

الحاکم بالملازمة هو العقل غیرُ المستقلّ حیث لابدّ من انضمام دلیل وجوب المقدّمة شرعاً إلی کبری الملازمة ثم استنتاج وجوب المقدّمة.

ص: 184

الأمر الثانی: ما هو المراد من وجوب المقدّمة؟

اشارة

فیه وجوه ستة:

الوجه الأوّل: الوجوب العقلی

لیس المراد من وجوب المقدمة الوجوب العقلی و اللابدیة العقلیة، لأنّ ثبوت الوجوب بهذا المعنی ضروری و لا مجال للنزاع فیه.

الوجه الثانی: الوجوب الإرشادی

و لیس المراد منه الوجوب الإرشادی، لأنّه إرشاد إلی الحکم العقلی و ثبوت الحکم العقلی بوجوب المقدّمة ممّا لا خلاف فیه و البحث هنا فی الوجوب الشرعی للمقدّمة.

الوجه الثالث: الوجوب المجازی

و لیس المراد الوجوب المجازی بمعنی أنّ الوجوب النفسی لذی المقدّمة یستند إلی مقدّمته مجازاً، فإنّ هذا الإسناد صحیح و لکنه بحث لغوی و لیس من شأن الأُصولی البحث عن ذلک.

الوجه الرابع: الوجوب الشرعی الطریقی

و لیس المراد الوجوب الشرعی الطریقی إلی الحکم أی الوجوب الذی هو طریق إلی حکم شرعی کالاحتیاط فإنّ وجوب الاحتیاط یوجب أن نصل إلی الحکم الشرعی و لکن وجوب المقدّمة هنا لیس طریقاً إلی حکم شرعی آخر.

ص: 185

الوجه الخامس: الوجوب النفسی

و لیس المراد الوجوب النفسی لأنّ ذلک یقتضی کونه ذا ملاک و غرض مع أنّ وجوب المقدّمة لیس عن ملاک فی متعلّقه بل ملاکه هو ما یوجد فی ذی المقدّمة من الملاک و الغرض و لأنّ الآمر کثیراً لایلتفت إلی نفس المقدّمة فضلاً عن إیجابها.

الوجه السادس: الوجوب الغیری التبعی

الحق أنّ المراد هو أنّ هنا إرادة تبعیة و طلباً غیریاً توجّه إلی مقدّمة المراد الأصلی و المطلوب النفسی، بحیث لو التفت الشارع إلی المقدّمة لأوجبها تمهیداً لذی المقدّمة لا استقلالاً.

و سمّاها المحقّق الخوئی (قدس سره) بالوجوب الارتکازی لارتکاز هذا الوجوب فی ذهن کل آمر و حاکم.

و هذا الوجوب یسمی عند الأعلام بالوجوب الغیری التبعی.

ص: 186

الأمر الثالث: إنّ النزاع لایختص بالوجوب

إنّ المقدّمة المحرمة بل المستحبة و المکروهة کلّها داخلة تحت البحث فإنّه یبحث عن الأمر الحرام هل تکون مقدّمته حراماً أو لا؟ و الحرمة التی للمقدّمة أیضاً حرمة غیری. و هکذا فی المستحب و المکروه.

ص: 187

ص: 188

الفصل الأوّل: فی ذکر التقسیمات

اشارة

(فیه أمور ثلاثة)

الأمر الأوّل: فی تقسیمات المقدّمة

الأمر الثانی: فی تقسیم الوجوب إلی المطلق و المشروط

الأمر الثالث: فی تقسیمات الواجب

ص: 189

ص: 190

الأمر الأوّل: فی تقسیمات المقدّمة

اشارة

(و هی أربعة):

التقسیم الأوّل: المقدّمة إمّا داخلیة و إمّا خارجیة و الثانیة قسمان

التقسیم الثانی: مقدّمة الوجوب و مقدّمة الوجود و مقدّمة الصحّة و مقدّمة العلم

التقسیم الثالث: المقدّمة العقلیة و الشرعیة و العادیّة

التقسیم الرابع: المتقدّم و المقارن و المتأخّر

ص: 191

ص: 192

التقسیم الأوّل: المقدّمة إمّا داخلیة و إمّا خارجیة و الثانیة قسمان
اشارة

و هذا التقسیم باعتبار دخول المقدّمة فی المأمور به و خروجها عنه.

أمّا المقدّمة الداخلیة فهی أجزاء المأموربه المرکّب.

أمّا المقدّمة الخارجیة فعلی قسمین:

الأول: المقدّمة الخارجیة بالمعنی الأعمّ و هی الأجزاء التی هی خارجة عن المأموربه قیداً و داخلة فیه تقیداً مثل شرطیة الطهارة و استقبال القبلة فی الصلاة.

الثانی: المقدّمة الخارجیة بالمعنی الأخصّ و هی الأجزاء التی هی خارجة عن المأموربه قیداً و تقیداً مثل توقف زیارة کربلاء و الحج علی طی المسافة.((1))

أمّا دخول المقدّمة الخارجیة فی بحث الملازمة بین وجوب الشیء و وجوب مقدّمته فلا إشکال فیه.

إنّما الکلام فی دخول المقدّمة الداخلیة فی محل النزاع.

ص: 193


1- راجع أجود التقریرات، ج1، ص313.

و هناک ثلاثة أبحاث حاولها المحقّقون:

البحث الأول: هل یصح إطلاق المقدّمة علی الأجزاء الداخلیة أو لا؟

البحث الثانی: بناء علی صحّة إطلاق المقدّمة علیها، هل یوجد المقتضی لاتصافها بالوجوب الغیری؟

البحث الثالث: بناء علی ثبوت المقتضی هل من مانع یمنع عن اتصافها بالوجوب الغیری؟

نبحث عن المقدمة الداخلیة فی ثلاثة مواضع:

الموضع الأوّل: هل یصح إطلاق المقدمة علی الأجزاء الداخلیة؟

إنّ للمقدمة إطلاقین:

الإطلاق الأول: «ما له دخل فی الشیء» بأن یکون وجوده غیر وجود الشیء و وجود الشیء یتوقف علیه.

الإطلاق الثانی: «ما یتوقف علیه الشیء» سواء کان وجوده غیر وجود الشیء أم لم یکن.

أمّا المقدمة بالإطلاق الأوّل فلاتصدق علی الأجزاء الداخلیة لأنّ وجود الکلّ عین وجود أجزائه من حیث إنّها أجزائه (أی مع لحاظ اللابشرطیة لا بشرط لائیة، فإنّ الأجزاء مع لحاظ بشرط لائیة لیست أجزاء للمرکّب).

أمّا المقدمة بالإطلاق الثانی فتصدق علی الأجزاء لأنّ وجود الکلّ یتوقف علی وجود أجزائه، فإنّ الکلّ هو الأجزاء بشرط الانضمام و الأجزاء هی ما یلحظ لابشرط الانضمام.

ص: 194

الموضع الثانی: هل یوجد المقتضی لاتصافها بالوجوب الغیری بناءً علی صحة إطلاق المقدمة علیها؟
اشارة

فیه قولان:

القول الأوّل: عدم وجود الاقتضاء
اشارة

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) (و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1))) قال فی هامش الکفایة بعدم وجود الاقتضاء لاتصاف الأجزاء بالوجوب الغیری لأنّ الأجزاء عین الکلّ فی الخارج فوجوبها عین وجوب الکلّ (و اتصافها بالوجوب الغیری لغو محض علی تقریر المحقّق الخوئی (قدس سره) فلا ملاک غیر ملاک وجوب الکلّ و التغایر الاعتباری بین الکلّ و الجزء لایوجب ترشح ملاک الوجوب من الکلّ إلی الجزء.

إشکال علی القول الأوّل:

استشکل بعض الأساطین علی بیان المحقّق الخوئی (قدس سره) ((2))بأنّ إشکال اللغویة مثل إشکال اجتماع المثلین مرتبط بمرحلة المانع لا المقتضی.

القول الثانی: وجود الاقتضاء

الحقّ وجود الاقتضاء فإنّ الملاک و إن کان واحداً إلّا أنّه یوجب تحقّق إرادتین: الإرادة الأصلیة المتعلّقة بالواجب النفسی و الإرادة التبعیة المتعلّقة بمقدّماته و مناط الاقتضاء هو هذه الإرادة التبعیة فإنّها من مبادئ الحکم.

ص: 195


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص118و (ط.ق): ج2، ص299.
2- تحقیق الأصول، ج2، ص254.
الموضع الثالث: هل من مانع یمنع عن اتصافها بالوجوب الغیری بناءً علی ثبوت المقتضی؟
اشارة

فیه قولان:

القول الأوّل: عدم المانع

و هو مختار المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهما)

القول الثانی: وجود المانع
اشارة

و هو مختار صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی و المحقق العراقی (قدس سره)

بیان صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

إنّ المانع هو لزوم اجتماع المثلین لأنّ الأجزاء بشرط الانضمام واجبة بوجوب نفسی فلو وجبت الأجزاء بالوجوب الغیری یلزم اجتماع الحکمین المتماثلین فی شیء واحد و هو محال.

و الوجه فی ذلک هو أنّ عنوان المقدّمیة لیست حیثیة تقییدیة للوجوب الغیری حتی یکون موضوعاً له بل هی حیثیة تعلیلیة فالوجوب للمعنون لا لعنوان المقدّمیة.

إیراد المحقّق النائینی (قدس سره) علی بیان صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّ ما فرضه مانعاً فی فرض ثبوت المقتضی لایصلح للمانعیة، لأنّ اجتماع الحکمین المذکورین فی شیء واحد لایؤدّی إلی اجتماع المثلین، بل یؤدّی إلی

ص: 196

اندکاک أحدهما فی الآخر، فیصیران حکماً واحداً مؤکّداً مثل صلاة الظهر بالنسبة إلی صلاة العصر، فإنّ صلاة الظهر واجبة نفسیاً و واجبة أیضاً غیریاً باعتبار توقف صلاة العصر علیها، فهی ذات ملاکین و إذن بطبیعة الحال یندک أحدهما فی الآخر و یتحصّل من مجموعهما وجوب واحد أکید متعلّق بها. ((1))

الدفاع عن صاحب الکفایة (قدس سره) بوجوه أربعة:
الدفاع الأوّل: بیان المحقّق العراقی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ الوجوب الغیری متأخر رتبة عن الوجوب النفسی لأنّه مترشح عنه و علی هذا یکون اتصاف الأجزاء بالوجوب الغیری فی رتبة متأخرة عن اتصافها بالوجوب النفسی و معه لایعقل حصول الاندکاک بینهما.

إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی الدفاع الأوّل:

((3))

إنّ ما أفاده مبنی علی الخلط بین تقدّم حکم علی حکم آخر زماناً و بین تقدّمه علیه رتبة مع اتحادهما زماناً.

توضیحه: إذا کان الحکمان مختلفین زماناً بأن یکون أحدهما فی زمان و الآخر فی زمان آخر فلایعقل الاندکاک و التأکد.

أمّا إذا کانا متقارنین زماناً و مجتمعین فیه و إن اختلفا رتبةً فلا مناص من

ص: 197


1- أجود التقریرات، ج1، ص315؛ و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات (ط.ج): ج2،ص119و (ط.ق): ج2، ص299.
2- نهایة الأفکار، ج1، ص268.
3- نهایة الدرایة، ج2، ص24؛ و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات (ط.ج): ج2،ص120و (ط.ق): ج2، ص300.

الالتزام بالتأکّد و الاندکاک، و الوجه فی ذلک هو أن لا أثر لاختلاف الرتبة العقلیة فی الأحکام الشرعیة و الاختلاف فی الرتبة ثابتة للموجودات الزمانیة.

مثال الاندکاک فی التکوینیات هو فیما إذا کان اتصاف شیء بلون خاص موجباً لانعکاس هذا اللون فیه بسبب المرآة مثلاً فاللونان -و إن اختلافا رتبة- یوجب اتحادُهما زماناً اندکاک أحدهما فی الآخر.

مثال الاندکاک فی التشریعیات هو فیما إذا نذر الصلاة فی المسجد أو فی الجماعة، فإنّ الوجوب الآتی من ناحیة النذر متأخر عن الاستحباب النفسی للصلاة فی المسجد و صلاة الجماعة لأنّ رجحان المتعلّق (و هو الاستحباب النفسی فی هذا المثال) مأخوذ فی موضع النذر و لا شبهة فی اندکاک الوجوب الآتی من قبل النذر فی الاستحباب النفسی.

و الظاهر بقاء الاستحباب النفسی لصلاة الجماعة و بقاء وجوب النذر أیضاً.

جواب بعض الأساطین عن إیراد المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) مخدوش نقضاً و حلاً:

أمّا نقضاً: فلأنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال:((2)) إنّ العلّة و المعلول لایقبلان الاتحاد فی الوجود و لکن المتضایفان فی بعض الموارد یقبلان وجوداً واحداً کالحبّ حیث إنّ النفس الإنسانیة تحبّ نفسها فیجتمع المحبّ و المحبوب و هکذا السلطنة حیث إنّ الإنسان مسلّط علی نفسه فیجتمع المسلَّط و المسلَّط علیه

ص: 198


1- تحقیق الأصول، ج2، ص259.
2- حاشیة المکاسب، ج1، ص55.

و یؤیده حدیث «الناس مسلّطون علی أنفسهم».[ لم نجد هذه العبارة فی الجوامع الروائیة و الظاهر أنّه نقل بالمعنی و قیل إنه قاعدة فقهیة].)(1)(

و علی هذا المبنی لایجوز اتحاد الوجوب النفسی و الغیری و اندکاکهما لأنّهما من قبیل العلّة و المعلول لأنّ الوجوب الغیری یترشح من الوجوب النفسی.

أمّا حلاً: فإنّه اشتبه علی المحقّق الإصفهانی (قدس سره) رابطة الوجوب النفسی و الغیری برابطة متعلّقهما فإنّ متعلّق الوجوب الغیری هو الجزء و متعلّق الوجوب النفسی هو الکلّ و الرابطة بینهما هو التقدّم و التأخر الطبیعیان و لذا یمکن وجودهما بوجود واحد مثل الواحد و الإثنین أمّا إذا کان أحد الوجودین علّة للآخر فلایعقل اتحادهما فی الوجود و الحکم النفسی علّة للحکم الغیری فلایعقل فیهما الاندکاک.

یلاحظ علیه:

إنّ النقض و الحلّ کلاهما ممنوعان و الوجه فیه هو أنّ الوجوب النفسی لیس علّة للوجوب الغیری بل هما معلولان لعلّة ثالثة و هی المصلحة و الملاک و ذلک بأنّ الملاک یوجب تحقّق الإرادة الأصلیة و التبعیة و هما یوجبان تحقّق الحکم النفسی و الغیری.

الدفاع الثانی عن صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((2))

الإرادة و إن کانت قابلة للشدّة و الضعف و قابلة للاشتداد و الخروج من حدّ إلی حدّ إلّا أنّ وجود إرادة شدیدة ابتداء أو اشتدادها و الخروج من حدّ

ص: 199


1- . قَالَ النَّبِی (صلی الله علیه و آله) النَّاسُ مُسَلَّطُونَ عَلَی أَمْوَالِهِم. عوالی اللئالی، ج 3، ص208.
2- للمحقق الإصفهانی (قدس سره) فی هامش نهایة الدرایة، ج2، ص22.

الضعف إلی الشدة إنّما یعقل إذا کان فی متعلّقها مصلحة أکیدة أو مصلحتان.

أمّا إذا کان مصلحةٌ قائمةً بمجموع الأجزاء و مصالحُ أُخر قائمةً بکلّ من تلک الأجزاء (کما فی ما نحن فیه) فلایعقل اقتضاء إرادة شدیدة لمجموع الأجزاء و لا اشتداد الإرادة المتعلّقة بنفس المجموع.

و فرض الإرادة الشدیدة لمجموع الأجزاء أو اشتداد الإرادة المتعلّقة بنفس المجموع فی هذا المقام (الذی فرضنا فیه وجود المصالح الأخر القائمة بالأجزاء دون الکلّ) محال للزوم تحقّق المعلول بلا علّة (لأنّه لا علّة للإرادة الشدیدة أو اشتداد الإرادة) إذ کلّ مصلحة تقتضی انبعاث الإرادة نحو ما فیه المصلحة و فرض مصلحة فی الجزء دون المجموع یقتضی تعلّق الإرادة بالجزء دون المجموع، فلایعقل الاندکاک هذا بالنسبة إلی الإرادة التی هی من مبادئ الحکم.

یلاحظ علیه:

إنّ هذا البیان مبنی علی وجود المصلحة فی الجزء بخصوصه و لیس الأمر هنا کذلک لأنّ الوجوب الغیری و إن توقف وجوده علی تحقّق الإرادة التبعیة إلّا أنّ الإرادة التبعیة لاتنشأ من مصلحة خاصةٍ فی الجزء دون الکلّ بل المصلحة هنا واحدة و هی تقتضی الإرادة الأصلیة و الإرادة التبعیة و لا إشکال فی ذلک (کما یقال: من أحبّ شیئاً أحبّ آثاره).

الدفاع الثالث عن صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((1))

إنّ البعث أمر اعتباری لا شدة فیه و لا اشتداد، توضیح ذلک:

إنّ الأحکام أُمور اعتباریة و لا اشتداد فی الاعتباریات کما لاشدة فیها

ص: 200


1- المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج2، ص23.

فلایعقل فیها التأکّد لأنّ التأکّد یرجع إلی الشدّة أو إلی الاشتداد (أی الخروج من حدّ الضعف إلی حدّ القوة و هذا الخروج یتعقّل فی الأُمور التکوینیة لا الاعتباریة) فلایعقل اندکاک الحکمین فی حکم واحد مع تأکّده.

ناقشه بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

أوّلاً بالنقض: لأنّه قال فی رسالة الحقّ و الحکم:

لا مانع من قبول الاعتباریات للشدّة و الضعف إن کانت ذات مرتبة، و حیث إنّ الوجوب علی مسلکه نسبة بعثیة و البعث الاعتباری فی قبال البعث التکوینی و الخارجی الذی هو ذو مراتب فکذا البعث الاعتباری لابدّ أن یکون ذا مراتب فینتج ذلک أنّ الوجوب یقبل الشدّة و الضعف.

ثانیاً بالحلّ: فإنّ معنی الاندکاک هو أنّ الملاکین یوجبان اعتبار المرتبة الشدیدة الأکیدة من الوجوب (أو فقل: إنّ الإرادتین تندک إحداهما فی الأُخری و توجبان جعل الوجوب الشدید المتأکّد).

الدفاع الرابع عن صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

إنّ أمر البعث الإعتباری کالإرادة (کما قلنا فی الدفاع الثانی).

توضیحه ببیان زائد هو أنّ البعث الاعتباری نحوَ الواجب الأصلی و الکلِّ ینشأ من إرادته (إرادة الکلّ) و البعث الاعتباری نحو الجزء ینشأ من إرادة الجزء بإرادة تبعیة و هذه الإرادة التبعیة بما أنّها متعلّقة بالجزء لایؤکّد الإرادة المتعلّقة بالکلّ لتفاوت متعلقهما بالجزئیة و الکلیة، نعم الإرادة المتعلّقة بالکلّ توجب

ص: 201


1- تحقیق الأصول، ج2، ص260.
2- المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج2، ص23.

تأکّد الإرادة التبعیة المتعلّقة بالجزء و لکن القائل باندکاک الوجوب فی المقدّمة الداخلیة لایرتضی ذلک بل یرید اندکاک الوجوب المتعلّق بالجزء فی الوجوب المتعلّق بالکلّ و هذا لایعقل.

فحدیث الاندکاک و تأکّد الوجوب غیر معقول فالحقّ مع صاحب الکفایة (قدس سره) فیما أفاد من لزوم اجتماع المثلین علی القول بوجوب المقدّمة الداخلیة کما یصحّ أن یقال بلغویة ذلک کما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) .

ص: 202

خاتمة فی ثمرة البحث:
اشارة

ادّعی لهذا البحث ثمرتان:

الثمرة الأُولی:
اشارة

ثمرة تظهر فی مبحث العلم الإجمالی بین الأقلّ و الأکثر الارتباطیین.

و فی بیان هذه الثمرة قولان:

القول الأوّل: جریان البراءة فی الجزء الأخیر إن قلنا بوجوب المقدمة الداخلیة.

توضیح ذلک: إنّا إذا شککنا فی الواجب أنّ له تسعة أجزاء أو ثمانیة أجزاء؟ فالأقلّ یکون معلوم الوجوب و نشک فی وجوب الجزء التاسع و لذا قال بعض الأعلام بجریان البراءة بالنسبة إلی هذا الجزء الأخیر، لأنّ الشک بالنسبة إلیه بدوی.

و لکن هنا شبهة و هی أنّ الواجب أمره مردد بین الأقلّ و الأکثر فالأقلّ إمّا هو تمام الواجب فوجوبه نفسی و إمّا هو جزء الواجب (بناء علی أنّ الواجب هو الأکثر) و حینئذ لایتصف الأقلّ بالوجوب بناء علی عدم اتصاف الأجزاء الداخلیة بالوجوب، فالشک بین کون الواجب هو الأقلّ أو الأکثر یرجع إلی الشک بین وجوب الأجزاء فی الأقلّ بالوجوب النفسی لأنّها تمام أجزاء الواجب أو عدم وجوب الأقلّ لأنّه جزء الواجب و الجزء الداخلی لایتّصف بالوجوب فلابدّ حینئذ من الاحتیاط بإتیان الأکثر حتّی یحصل العلم بفراغ الذمّة عن إتیان الواجب و أمّا إذا قلنا بأنّ الجزء أیضاً یتّصف بالوجوب الغیری (لصدق عنوان المقدّمة علیه و تحقّق اقتضاء الاتصاف بالوجوب الغیری من دون وجود مانع

ص: 203

عنه) فنتیجة ذلک هو العلم التفصیلی بوجوب الأقلّ إمّا نفسیاً و هو فیما إذا کان الواجب فی الحقیقة هو الأقلّ و إمّا غیریاً و هو فیما إذا کان الواجب فی الحقیقة هو الأکثر فالشک فی الجزء التاسع یکون شکّاً بدویاً فتجری فیه أصالة البراءة.

و إلی هذا أشار الشیخ (قدس سره) فی أحد تقریبی انحلال العلم الإجمالی بین الأقلّ و الأکثر فقال: إنّ الأقلّ معلوم الوجوب لأنّه إمّا واجب نفسیاً أو غیریاً فیکون الشک فی الأکثر بدویاً.

القول الثانی: المحقّق العراقی (قدس سره) جعل الثمرة علی عکس ذلک و قال: إن قلنا بوجوب المقدّمة الداخلیة فیجری الاشتغال و إن قلنا بعدم وجوبه تجری أصالة البراءة.و إلیک بیانه:((1))

إن قلنا بالوجوب الغیری للأجزاء ربما یتعین فی تلک المسألة المصیرُ إلی الاشتغال نظراً إلی وجود العلم الإجمالی بالتکلیف و عدم صلاحیة العلم التفصیلی بمطلق وجوب الأقلّ (الأعمّ من الغیری و النفسی) للانحلال، لمکان تولّده من العلم الإجمالی السابق علیه و تحقّق التنجّز فی الرتبة السابقة. [و ذلک لأنّ فرض اتصاف الأقلّ بالوجوب الغیری ینشأ من فرض کون الواجب النفسی هو الأکثر فالعلم التفصیلی بوجوب الأقلّ متأخر عن العلم الإجمالی بین الأقلّ و الأکثر الارتباطیین و لایمکن انحلال العلم الإجمالی بالعلم التفصیلی الذی تولّد منه و إلّا یلزم إسقاط العلّة بمعلولها].

و إن قلنا بعدم الوجوب الغیری للأجزاء الداخلیة إمّا من جهة انتفاء ملاک المقدّمیة فیها أو من جهة محذور اجتماع المثلین، فأمکن القول بمرجعیة البراءة فی

ص: 204


1- نهایة الأفکار، ج1، ص269.

تلک المسألة نظراً إلی رجوع الأمر حینئذ إلی علم تفصیلی بتعلّق إرادة الشارع بذات الأقلّ و لو لا بحدّه و الشک البدوی فی تعلّقها بالزائد و أمّا العلم الإجمالی فإنّما هو متعلّق بحدّ التکلیف و أنّه الأقلّ أو الأکثر و مثل هذا العلم لا أثر له فی التنجّز لأنّ المؤثر منه إنّما هو العلم الإجمالی بذات التکلیف لا بحدّه.

یلاحظ علیه:

أولاً: إنّ العلم الإجمالی بوجوب الأقلّ و الأکثر الارتباطیین فی الصورة الأُولی لایزید علیه فی الصورة الثانیة فکیف قال بتنجیزه هناک و لایقول به فی هذه الصورة فإنّ العلم الإجمالی تعلّق بحد متعلّق التکلیف و إلّا فأصل التکلیف معلوم فهو منجز فی کلتا الصورتین.

ثانیاً: إنّ العلم الإجمالی یتعلّق بالوجوب النفسی بین الأقلّ و الأکثر، و الوجوب الغیری الذی هو أحد أرکان العلم التفصیلی بوجوب الأقلّ معلول للوجوب النفسی لا إنّ العلم التفصیلی معلول للعلم الإجمالی و هذا خلط بین العلّیة فی ناحیة العلم و المعلوم.

ثالثاً: إنّ معلولیة الوجوب الغیری للوجوب النفسی هو مخدوش لما قلنا من أنّ الوجوب الغیری معلول للإرادة التبعیة و الإرادة التبعیة هی معلول للإرادة الأصلیة التی هی علّة للوجوب النفسی أو معلول لملاکها فالعلّیة لمبادئ الحکم النفسی لا لنفسه.

التحقیق فی هذه الثمرة:

التحقیق أنّ جریان البراءة غیر متوقف علی وجوب المقدّمة غیریاً أو عدم وجوبها کما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأعلام

ص: 205

بیان بعض الأساطین (حفظه الله) لذلک:

((1))

إنّ الأمر یدور بین وجوب الأقلّ مطلقاً عن الجزء الزائد أو مقیداً به و جریان البراءة بالنسبة إلی الأقلّ المطلق عن الزائد لا موضوع له لأنّ حدیث الرفع امتنانی و لا امتنان فی رفع الأقلّ المطلق، أمّا الأقلّ المقید بالزائد فتجری فیه البراءة و حدیث الرفع لأنّ رفعه امتنان، فالقاعدة فی العلم الإجمالی بین الأقلّ و الأکثر الارتباطیین هی جریان البراءة عن القید الزائد.

الثمرة الثانیة:

قد یقال: إنّ ثمرة بحث وجوب المقدّمة هو جواز إفتاء الفقیه بالوجوب و جواز قصد المکلّف فعل الواجب فی مقام الامتثال و علی القول بعدم وجوب المقدّمة لایجوز الإفتاء به و أیضاً لایجوز الإتیان بقصد الوجوب لأنّه تشریع محرم.

و الحاصل: أنّ المقدّمة الداخلیة و إن أُطلقت علیها المقدّمة و لها اقتضاء الاتصاف بالوجوب إلّا أنّها لاتتصف بالوجوب لوجود المانع (و هو اجتماع المثلین علی مسلک المحقّق الخراسانی (قدس سره) و اللغویة علی ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره).

ص: 206


1- تحقیق الأصول، ج2، ص265.
التقسیم الثانی: مقدّمة الوجوب و مقدّمة الوجود و مقدّمة الصحّة و مقدّمة العلم

أمّا مقدّمة الوجوب: فقال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) و سائر الأعلام((2)) بأن لا إشکال فی خروجها عن محل النزاع لأنّ وجوب ذی المقدّمة یتوقّف علی تلک المقدّمة فما لم تحصل المقدّمة لا وجوب لذی المقدّمة و إذا حصلت المقدّمة

ص: 207


1- [1] فی کفایة الأصول، ص92:« و لا إشکال فی خروج مقدمة الوجوب عن محل النزاع بداهةَ عدم إتّصافها بالوجوب من قبل الوجوب المشروط بها».
2- [2] فی فوائد الأصول، ج1،ص390و391:« نعم لو قیل: بأنّ المقدّمة الوجوبیة أیضاً تجب بالوجوب المقدّمی یلزم ذلک، إلّا أنّه لایعقل القول بذلک لما فیه: أوّلاً: من أنّ المقدّمة الوجوبیة تکون علّة لثبوت الوجوب علی ذیها، و لایعقل أن یؤثّر المعلول فی علّته، لأنّ التّأثیر یستدعی سبق الرّتبة، و المعلول لایعقل أن یسبق علّته فی الرّتبة، بل هو متأخّر عنها. و ثانیاً: أنّ المقدّمة الوجوبیة لابدّ أن تؤخذ مفروضة الوجود، و مع أخذها مفروضة الوجود لایعقل أن تجب بالوجوب المقدّمی لاستلزامه طلب الحاصل. و ثالثاً: أنّه یلزم من وجوب المقدّمة الوجوبیة أن یتقدّم زمان وجوب ذیها علی موطنه، و ذلک فی کل مقدّمة تکون سابقة التّحقق فی الزّمان علی موطن وجوب ذی المقدّمة ... و هما (أی الجهتان الأولیان) العمدة لإطّرادها فی جمیع المقدّمات الوجوبیة و اختصاص الجهة الثّالثة بالمقدّمة السّابقة فی الزّمان».

فلاتتصف بالوجوب لأنّه تحصیل للحاصل فإنّ مقدّمة الوجوب أُخذت مفروض الوجود فی مقام جعل وجوب ذی المقدّمة و مثالها الاستطاعة بالنسبة إلی الحج و السفر الذی هو شرط لوجوب القصر فی الصلاة و الإفطار فی الصوم.

و وجوبها بالنذر و أمثال ذلک لیس وجوباً غیریاً فلایرتبط بهذا البحث.

أمّا المقدّمة العلمیة: فقال الأعلام((1)) أیضاً بخروجها عن النزاع، لأنّ العقل و إن استقلّ بوجوبها لکن وجوبها العقلی من باب وجوب الإطاعة إرشاداً لیأمن من العقوبة علی مخالفة الواجب المنجّز فلیس وجوبها مولویاً من باب مقدّمة الواجب و الملازمة بین وجوبها و وجوب ذی المقدّمة.

و مثاله الصلاة إلی أربع جهات عند الجهل بالقبلة فإنّها لتحصیل العلم بوقوعها إلی جانب القبلة فإنّ الصلاة التی وقعت إلی القبلة هی نفس الواجب و لیست مقدّمة له و سائر الصلوات لاتکون مقدّمة واقعیة لهذه الصلاة الصحیحة بل هذه الصلوات مقدّمات علمیة لحصول العلم بفراغ الذمّة عن إتیان الواجب.

أمّا مقدّمة الوجود:((2)) فهی ما یتوقف علیه وجود الواجب و هی ترجع إلی

ص: 208


1- راجع أجود التقریرات، ج1، ص340 و هدایة المسترشدین، ج2، ص92و مطارح الانظار(ط.ج): ج1، ص218 و المحاضرات(ط.ج): ج2، ص122و (ط.ق): ج2، ص302.
2- فی مطارح الانظار (ط.ج)،: ج1، ص215و216:«... فما یتوقّف علیه وجود ذلک الموصوف هی مقدّمة الوجود ثمّ إنّه لا شکّ فی دخول مقدّمة الوجود فی النزاع و ما یتوقّف علیه صحّته هی مقدّمة الصحّة و لا کلام فی دخول مقدّمة الصحّة أیضا». و فی فوائد الأصول، ج1،ص271:«و قد تقسم المقدّمة إلی مقدّمة الصّحة و مقدّمة الوجود، و مقدّمة الصّحة ترجع إلی مقدّمة الوجود، و هی تدخل فی المقدّمة الدّاخلیة أو الخارجیة».

المقدّمة الخارجیة بالمعنی الأخصّ (المقدّمة التی هی خارجة عن ذی المقدّمة قیداً و تقیداً).

أمّا مقدّمة الصحّة: فهی ما تتوقف علیه صحّة الواجب و هی أیضاً ترجع إلی المقدّمة الخارجیة بالمعنی الأعمّ (المقدّمة التی هی خارجة عن الواجب قیداً و داخلة فیه تقیداً مثل الطهارة بالنسبة إلی الصلاة).

فتحصّل من ذلک أنّ مقدّمة الوجوب و العلم خارجتان عن محل النزاع والبحث هنا عن مقدّمة الوجود و مقدّمة الصحّة.

ص: 209

ص: 210

التقسیم الثالث: المقدّمة العقلیة و الشرعیة و العادیّة
اشارة

((1))

أمّا المقدّمة العقلیة: فهی ما استحال واقعاً وجود الواجب بدونها کطی المسافة للحج فهی داخلة فی محل النزاع و هی المقدّمة الخارجیة بالمعنی الأخصّ.

أمّا المقدّمة الشرعیة: فهی ما استحال شرعاً وجود الواجب بدونها و هی تسمّی بالشرعیة لأنّ الشارع أخذها مقدّمة و شرطاً للواجب، ثمّ إنّه بعد حکم الشارع بأخذها فی الصلاة مثلاً و امتناع الصلاة بغیر طهور تصیر هذه المقدّمة عقلیة، لأنّ العقل حاکم بوجوب الإتیان بها لتحصیل الواجب.

ص: 211


1- فی مطارح الانظار (ط.ج)، ج1،ص214:« و منها: تقسیم المقدّمة إلی العقلیة و الشرعیة و العادیة: فالعقلیة: هی ما یتوقّف وجود الشی ء عقلاً علیه، کالعلوم النظریة، فإنّ حصولها علی وجه النظر موقوفٌ علی العلم بالمقدّمات، ضرورة امتناع حصول المعلول بدون العلّة المقتضیة لذلک. و العادیة: هی ما یتوقّف وجود الشی ء عادةً علیه، کنصب السلّم للصعود علی السطح، فإنّ العقل لایستحیل عنده الصعود علیه بدون ذلک، کأن یطیر مثلا، إلّا أنّه خرق للعادة. و الشرعیة: هی ما یتوقّف علیه الشی ء شرعاً، کالصلاة بالنسبة إلی الطهارة، فإنّها موقوفة علیها شرعا؛ إذ لا توقّف للحرکات المخصوصة وجودا و لا عدما علی الطهارة، کذا یقال».
أمّا المقدّمة العادیة فهی علی قسمین:
القسم الأوّل:

ما یتوقف علیه الواجب عادة بمعنی أنّ العادة جرت علی الإتیان بالواجب بواسطة هذه المقدّمة فهذه المقدّمة لاترجع إلی المقدّمة العقلیة و لاینبغی دخولها فی محل النزاع.

القسم الثانی:

ما یتوقف علیه الواجب عادةً بمعنی عدم التمکّن من غیره عادة و إن کان ممکناً عقلاً مثل توقف الصعود علی السطح علی نصب السلّم لعدم التمکّن من الطیران و غیر ذلک عادةً و إن کان ممکناً ذاتاً، فهذه المقدّمة ترجع إلی المقدّمة العقلیة لاستحالة إتیان الواجب بدونها عند العقل أیضاً لفرض عدم التمکّن من الواجب بدونها.

ص: 212

التقسیم الرابع: المتقدّم و المقارن و المتأخّر
اشارة

((1))

أمّا المقدّمة السابقة: فهی کمقدّمیة الوضوء و الغسل مثلاً للصلاة و مقدّمیة اشتراء الزاد و الراحلة للحج.

أمّا المقدّمة المقارنة: فهی کمقدّمیة الطهور للصلاة بناء علی أنّ الطهور هو الأثر الحاصل من الوضوء و الغسل.

أمّا المقدّمة المتأخرة: فهی کمقدّمیة الإجازة فی عقد الفضولی بناء علی الکشف و مقدّمیة غسل الاستحاضة لیلاً لصحّة صومها نهاراً و هذه المقدّمة هی ما تسمّی بالشرط المتأخر.

و قد اختلف الأعلام فی إمکان الشرط المتأخر.

نتکلم فی الشرط المتأخر فی أمرین:

ص: 213


1- فی فوائد الاصول، ج1، ص271: «و من جملة تقسیمات المقدّمة: تقسیمها إلی المقارنة، و المتقدّمة، و المتأخّرة فی الوجود، و هی المعبّر عنها بالشّرط المتأخّر، و قد وقع النّزاع فی جوازه و امتناعه».
الأمر الأوّل: الإشکال فی الشرط المتأخر
اشارة

و له بیانان:

البیان الأوّل:
اشارة

إنّ الشرط من أجزاء العلّة التامّة و العلّة بجمیع أجزائها لابدّ أن تتقدّم علی المعلول و لایعقل تأخر بعض أجزاء العلّة التامّة عن معلولها و إلّا لاتتحقّق العلّة التامّة قبل وجود المعلول فلایتحقّق المعلول، فلایجوز تأخر الشرط عن المشروط عقلاً و لذا لابدّ أن یأوّل ما یوهم ذلک.

فالالتزام بالشرط المتأخر نقض للقاعدة العقلیة إلّا إذا قلنا بنفی العلّیة و المعلولیة بین الشرط و المشروط و هو خلف الفرض أو إذا قلنا بتأثیر المعدوم (أی الشرط قبل وجوده) فی الموجود (و هو المشروط) و هذا أیضاً محال.

تعمیم الإشکال للشرط المتقدّم:

قال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) بالتعمیم لاعتبار مقارنة العلّة و المعلول عنده فکما

ص: 214


1- فی کفایة الاصول، ص92-93:«و منها تقسیمها إلی المتقدم و المقارن و المتأخر بحسب الوجود بالإضافة إلی ذی المقدمة و حیث إنّها کانت من أجزاء العلة و لابد من تقدمها بجمیع أجزائها علی المعلول أشکل الأمر فی المقدمة المتأخرة کالأغسال اللیلیة المعتبرة فی صحة صوم المستحاضة عند بعض و الإجازة فی صحة العقد علی الکشف کذلک بل فی الشرط أو المقتضی المتقدم علی المشروط زمانا المتصرم حینه کالعقد فی الوصیة و الصرف و السلم بل فی کل عقد بالنسبة إلی غالب أجزائه لتصرمها حین تأثیره مع ضرورة اعتبار مقارنتها معه زمانا فلیس إشکال إنخرام القاعدة العقلیة مختصا بالشرط المتأخر فی الشرعیات کما اشتهر فی الألسنة بل یعم الشرط و المقتضی المتقدمین المتصرمین حین الأثر».

لایمکن تأخّر الشرط عن المشروط لایمکن تقدّمه علیه فیعمّ الإشکال الشرط المتقدّم أیضاً.

جواب تعمیم صاحب الکفایة (قدس سره):

أجاب عنه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) بأنّ الشرط هو مصحّح لفاعلیة الفاعل أو متمّم لقابلیة القابل فإنّ شأن الشرط أنّما هو إعطاء استعداد التأثیر للمقتضی فی مقتضاه، و لیس شأنه التأثیر الفعلی فیه حتّی لایمکن تقدّمه علیه زماناً، فلا مانع من تقدّم ما هو معدّ و مقرّب للمعلول حتی یمکن صدوره عن العلّة، و لاتعتبر المقارنة فی الشرط.

البیان الثانی:
إشکال المحقّق النائینی (قدس سره) علی الشرط المتأخر

إشکال المحقّق النائینی (قدس سره) ((2)) علی الشرط المتأخر

إنّ القضایا الشرعیة قضایا حقیقیة، و الموضوع فی القضایا الحقیقیة قد أُخذ مفروض الوجود بتمام شرائطه و قیوده بداهة أنّه ما لم یتحقّق الموضوع فی الخارج یستحیل تحقّق الحکم لأنّ نسبة الموضوع إلی الحکم کنسبة العلّة التامّة إلی معلولها، فإنّ القضایا الحقیقیة قضایا شرطیة مقدّمها وجود الموضوع و تالیها ثبوت المحمول للموضوع فلایمکن وجود التالی قبل وجود الموضوع و لا وجود المعلول قبل وجود العلّة و علی هذا لایمکن تحقّق الشرط المتأخر لأنّه مستلزم لذلک.

ص: 215


1- المحاضرات ط.ق. ج2، ص305 و ط.ج. ج2،ص126.
2- فوائد الاصول، ج1، ص276-278 و ص171-174.
الأمر الثانی: نظریات الأعلام فی حلّ هذه المشکلة
اشارة

قد تصدّی بعض الأعلام لحلّ هذه المشکلة بعدم اعتبار القاعدة العقلیة فی هذا المقام و فی قبالهم بعض المحققین التزموا بهذه القاعدة و حاولوا توجیه الموارد التی یتوهّم فیها انتقاض القاعدة و قد تعرض بعض الأساطین (حفظه الله) لبیان تلک الوجوه و التحقیق حولها.

الأُولی: نظریة المحقّق النراقی (قدس سره)
اشارة

إنّ المشروط متوقّف فی وجوده علی الشرط فلابدّ من تحقّق الشرط فی وجود المشروط، أمّا اشتراط تقارن الشرط و المشروط فلا ملزم له.((1))

أورد علیه بعض الأساطین:

((2))

أنّ هذا الجواب فی الحقیقة إنکار للقاعدة العقلیة و التزام بالإشکال المذکور، و القول بعدم اعتبار التقارن بین الشرط و المشروط یستلزم حصول الأثر قبل حصول مؤثّره (و هذا یرجع إلی تحقّق المعلول بلا علّة).

الثانیة: نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره)

إنّ الشیخ (قدس سره) ملتزم بالقاعدة العقلیة و لذا یقول: إنّ الشرط المتأخر غیر

ص: 216


1- قال المحقق الخراسانی فی فوائد الاصول، ص58: «ثانیها: ما هو قریب من ذلک و هو أنّ الشرط فی أمثال هذه الموارد إنّما هو الوجود فی الجملة، سبق أو لحق، کما عن النراقی رحمة الله فی مسألة الإجازة فی الفضولی».
2- تحقیق الأُصول، ج2، ص276.

معقول، فالشرط هنا لیس متأخراً و لابدّ له من توجیه الموارد الموهمة للشرط المتأخر، و لذلک أنکر کون الإجازة کاشفة فی الفضولی و قال بأنّ الشرط فی هذه الموارد لیس هذا الأمر بوجوده المتأخر بل بوصف التأخر. ((1))

الثالثة: نظریة السید المجدّد الشیرازی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ الشرط لیس المتقدّم أو المتأخر بوجودهما الکونی الزمانی کی یلزم المحذور، بل بوجودهما الدهری و هما بهذا الوجود لایکونان إلّا مقارنین للمشروط، فإنّ المتفرقات فی سلسلة الزمان مجتمعات فی وعاء الدهر((3)).

ص: 217


1- مطارح الأنظار (ط.ج): ج1،ص290و (ط.ق): ص58.
2- علی ما نقل عنه فی فوائد صاحب الکفایة (قدس سره)، ص58.
3- فی الحکمة المتعالیة، ج3، ص411- 415: «قال المحقق الطوسی فی شرح رسالة مسألة العلم: ... إنّه یکون محیطا بالکلّ عالما بأنّ أی حادث یوجد فی أی زمان من الأزمنة ... و لایحکم علی شئ بأنّه موجود الآن أو معدوم أو موجود هناک أو معدوم أو حاضر أو غائب لأنّه لیس بزمانی ولا مکانی بل نسبه جمیع الأزمنة والأمکنة إلیه نسبه واحده ... و هذا هو المفسر بالعلم بالجزئیات علی الوجه الکلی و إلیه أشیر بطی السماوات التی هی جامع الأزمنة والأمکنة کلها کَطی السجل للکتب فإنّ القاری للسجل یتعلق نظره بحرف حرف علی الولاء و یغیب عنه ما تقدم نظره إلیه أو یتأخر أمّا الذی بیده السجل مطویاً یکون نسبته إلی جمیع الحروف نسبه واحده و لایفوته شئ منها ... أقول: فیه موضع أنظارٍ الأولُ ... و ثالثها أنّ أنحاء وجودات الأشیاء فی أنفسها بحسب ما هو الأمور علیه فی الواقع لایختلف بالقیاس إلی شیءٍ دونَ شیءٍ لأنّها لیست بأجمعها من باب المضاف حتی یختلف باختلاف ما أضیف إلیه فالمادی فی نفسه مادی أبداً و المتغیر بالذات متغیر دائما. و قال المحقق السبزواری فی التعلیقة علی قوله: «إنّ أنحاء وجودات الأشیاء فی أنفسها»: «أقول لیس مراد المحقق قدس سره من الإضافة الإضافة المقولیة بل الإضافة الاشراقیة کما فی قول أساطین الحکمة أنّ الأشیاء الممکنة المتغیرة بالنسبة إلی أنفسها ممکنات متغیرات و بالنسبة إلی الأول تعالی علی الضرورة البحت وعلی الثبات الصرف فالمراد أنّها بما هی وجودات وبما هی إشراقات الله تعالی واجبات ثابتات و من القواعد الموروثة من الأقدمین أنّ الأزمنة و الزمانیات و الأمکنة و المکانیات بالنسبة إلی المبادئ العالیة کالآن و النقطة فضلا عن مبدء المبادئ تعالی شانه و مثّلوا بخَیطٍ ملوّنٍ کان بمحضر إنسان و یمشی علیه نملة و السید المحقق الداماد (قدس سره) قال المتعاقبات فی سلسله الزمان مجتمعات فی وعاء الدهر و مثل بمن ینظر إلی عسکر یتعاقبون من کوه و من ینظر عن عریش أقول و یعینک علی فهم المطلب أن تنظر ببصرک بیاضا أو بخیالک و أن تنظر بعقلک کل بیاض کما هو موضوع المحصورة الموجبة الکلیة و تحکم علیها بحکم کلی ینسحب علی جمیعا فیحیط عقلک بالکل فالمحدود للمحدود و الوسیع للوسیع» إلخ. و فی ج7، ص13 – 14: «قال بعض المحققین [أی المحقق الطوسی فی آغاز و انجام، الفصل الحادی عشر فی الإشارة إلی طی السموات، ص45 و 46] أنّ الإنسان ما دام فی مضیق البدن و سجن الدنیا مقیدا بقیود البعد و المکان و سلاسل حرکة و الزمان لایمکنه مشاهده الآیات الآفاقیة و الأنفسیة علی وجه التمام و لایتلوها دفعه واحده إلّا کلمة بعد کلمة وحرفا بعد حرف و یوما بعد یوم و ساعة بعد ساعة فیتلوا آیة و یغیب عنه أخری فیتوارد علیه الأوضاع و یتعاقب له الشؤون و الأحوال و هو علی مثال من یقرا طومارا و ینظر إلی سطر عقیب سطر آخر و ذلک لقصور نظره و فتور إدراکه عن الإحاطة بالتمام دفعة واحدة قال تعالی (و ذکّرهم بأیام الله إنّ فی ذلک لَآیاتٍ لکلّ صبّار شکور) فإذا قویت بصیرته و تکحلت عینه بنور الهدایة و التوفیق کما یکون عند قیام الساعة فیتجاوز نظره عن مضیق عالم الخلق و الظلمات إلی فسحه عالم الأمر و النور فیطالع دفعةً جمیع ما فی هذا الکتاب الجامع للآیات من صور الأکوان و الأعیان کمن یطوی عنده السجل الجامع للسطور و الکلمات و إلیه الإشارة بقوله تعالی: (یوم نطوی السماء کطی السجل للکتب) و قوله تعالی: (و السماوات مطویاتٌ بیمینه). و فی تعلیقة المحقق السبزواری علی قوله: «فیطالع دفعة جمیع ما فی هذا الکتاب»: «کما هو مأثورٌ عن أمیر المؤمنین و مولی الموحدین علی علیه السلام و هذا کما قال الحکماء: إنّ الأزمنة و الزّمانیات بالنسبة إلی المبادئ العالیة کالآن و الأمکنة و المکانیات بالنسبة إلیها کالنقطة و إنّ المتعاقبات فی سلسله الزمان مجتمعات فی وعاء الدهر و قد مثلوا لذلک بأمر ممتدٍّ کحبل أو خشب مختلف الأجزاء فی اللون یمر فی محاذاة نملة أو نحوها مما یضیق حدقته عن الإحاطة بجمیع ذلک الإمتداد فیکون تلک الألوان المختلفة متعاقبة فی الحضور لدیها تظهر لها شیئاً فشیئاً لضیق نظرها و متساویة فی الحضور لدیک تراها کلها دفعة واحدة لإحاطة نظرک و سعة حدقتک».

فما أفاده مبتن علی التزامه بالقاعدة العقلیة و حلّ الإشکال بجعل الشرطیة فی الوعاء الذی فوق الزمان.

ص: 218

أورد علیه بعض الأساطین:

((1))

أوّلاً: أنّ الخطابات الشرعیة ملقاة إلی العرف و العرف لایفهم الوجود الدهری بل هو یری الزمان و الزمانیات فالأمر الموجود فی الزمان المتأخر هو المؤثر عند العرف العام علی ما استظهره من الخطابات الشرعیة.

ثانیاً: أنّ الشرط لابدّ أن یکون مقدوراً للمکلّف و المکلّف قادر علی إیجاد الشرط فی الزمان أمّا وجوده الدهری فهو خارج عن تحت قدرة المکلّف فلایمکن أخذه شرطاً للتکلیف.

یلاحظ علیه:

أولاً: أنّ الخطابات الشرعیة أُلقیت لبیان وظائف المکلّفین و لا ریب فی أنّ وظیفة المکلّف مثلاً أداء العمل فی الزمان المتأخر عن المشروط أمّا کون الشرط هو نفس هذا العمل بوجوده الزمانی أو لحاظه و وجوده العلمی أو وجوده الدهری فهو خارج عن نطاق الخطابات بل هو مرتبط بملاکات الأحکام.

ثانیاً: أنّ العمل الزمانی له صورة مثالیة و صورة ملکوتیة و صورة جبروتیة فوق عالم التقدّر و التعلّق به، فما یصدر عن المکلّف الموجود فی عالم الطبیعة لیس عملاً زمانیاً صرفاً بل الصورة الملکوتیة أیضاً صادرة عن المکلّف و إنّما الفرق هو فی إدراک هذه الصور فمن انغمر فی هذه النشأة الدنیویة لایری الصورة الملکوتیة لعمله إلّا إذا خرجت عنها کما قال تعالی: (وَ بُرِّزَتِ الْجَحیمُ لِمَنْ یریٰ)((2)).

ص: 219


1- تحقیق الأصول، ج2، ص275-276.
2- النازعات: 36 .

نعم ما أفاده السید المجدّد الشیرازی (قدس سره) و إن کان ممکناً ثبوتاً إلّا أنّه لا دلیل علیه فی مقام الإثبات، إلّا أنّ صرف احتمال ذلک یوجب حلّ الإشکال.

الرابعة: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1))

و الکلام فیها فی صورتین:

الصورة الأُولی: شرائط الحکم
اشارة

أمّا شرائط الحکم فمحصّل الکلام فیها هو أنّ الشرط فی الحقیقة تصور الشیء و وجوده الذهنی فإنّ ما هو دخیل فی تحقّق المشروط لحاظ الشرط.

التحقیق حول نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

أمّا ما أفاده فی شرط الحکم فقد قرّبوه بوجوه ثلاثة:

التقریب الأوّل:
اشارة

إنّ الحکم أمر نفسانی فإنّه الاعتبار القائم بالإرادة النفسانیة (إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) یقول بأنّ الحکم هو ذاک الاعتبار و المحقّق العراقی (قدس سره) یقول: هو الإرادة النفسانیة المذکورة)

و بمقتضی لزوم السنخیة بین العلّة و المعلول فلابدّ أن تکون مبادئ الحکم (من المقتضی و الشرط و عدم المانع) أیضاً أُموراً نفسانیة و لیس ذلک إلّا لحاظ الشرط لأنّ الشرط بوجوده الخارجی لیس أمراً نفسانیاً فیرتفع إشکال الشرط المتأخر بأنّ الشرط لیس متأخراً بل هو مقارن للمشروط.

ص: 220


1- کفایه الأصول، ص93.

فلو تمّ هذا التقریب یکون برهاناً عقلیاً علی أنّ شرط الحکم لابدّ أن یکون وجوداً ذهنیاً.

الإیراد علیه:

إنّ السنخیة بین العلّة و المعلول لاتنحصر فی الوجودات النفسانیة، بل الوجود سنخ واحد و حقیقة واحدة و علی هذا لا مانع من شرطیة الوجود الخارجی لما هو من سنخ الوجودات النفسانیة بل الحکم من الموجودات الاعتباریة و الإرادة التی هی من مبادئ الحکم وجود نفسانی و شرطها إمّا وجود خارجی و إمّا وجود نفسانی و إمّا وجود اعتباری و کلها من سنخ واحد.

التقریب الثانی:
اشارة

إنّ العلم هو المؤثر فی الإرادة لا المعلوم الخارجی، فإنّ العطش بوجوده الخارجی لایوجب إرادة شرب الماء إلّا إذا علم به، فالصورة العلمیة هی المؤثر فی إرادة الشیء، و هکذا یقال: المؤثر فی الملکیة هو العلم بالإجازة لا الإجازة الخارجیة، فالشرط هو الصورة العلمیة و هی مقارنة للمشروط.

و حاصل التقریب الثانی أنّ المؤثّر فی الإرادة و التحریک نحو الشیء هو العلم و الوجود اللحاظی فلابدّ أن یکون الشرط وجوداً علمیاً.

الإیراد علیه:

إنّ العلم و إن کان کذلک من حیث إنّه شرط التنجّز و لکن الحکم الفعلی قبل وصوله بالعلم موجود فالصورة العلمیة للشرط توجب وصول الحکم إلی المکلّف و تنجّزه و أمّا الحکم فهو قبل وصوله إلی المکلّف یکون فعلیاً من جهة تعلّقه بالمکلّف الجاهل فإنّ وجوب الصوم بالنسبة إلی الجاهل بوجوب صوم

ص: 221

شهر رمضان المبارک أو الجاهل بحلول الشهر فعلی و لذا یحکم بقضاء صومه إن مات فی حال جهله نعم إنّ شرط التنجّز قد یکون شرطاً للفعلیة و أُخری لایکون کذلک و لکن هذا لایرتبط بما نحن فیه.

فلا مانع حینئذ من أن یکون شرط فعلیة الحکم وجوداً خارجیاً.

التقریب الثالث:
اشارة

إنّ الحکم یتفاوت حاله عن سائر الموجودات من حیث العلل الأربع، فإنّ الموجودات الخارجیة تحتاج إلی العلل الأربع من العلّة الفاعلیة و الغائیة و الصوریة و المادّیة و لکن الحکم یتحقّق بمجرد العلّة الفاعلیة و العلة الغائیة متصورة عند الحکم مؤثرة بهذا التصور.

و حاصل التقریب الثالث أنّ العلّة الغائیة بوجودها العلمی یؤثر فی التحریک نحو الشیء.

الإیراد علیه:

إنّ الکلام هنا فی شرط الحکم لا فی العلّة الغائیة لحکم وجوب الصلاة، فلا مانع من أن یکون فعلیة الحکم متوقّفةً علی وجود أمر خارجی من جهة توقّف المصلحة الملزمة التی هی فی متعلّق الحکم علی تحقّق هذا الأمر الخارجی و لذا یجعل الشارع إنشاء الحکم و فعلیته متوقّفاً علی هذا الأمر بوجوده الخارجی.

ثمّ إنّ بطلان التقریبات الثلاثة المذکورة لاینافی إمکان إرجاع الشرط المتأخر إلی الصورة العلمیة بنحو الشرط المقارن (فإنّ الشرط قد یکون وجوداً خارجیاً و أُخری وجوداً علمیاً و ثالثة وجوداً دهریاً کما أفاده المحقّق السید المجدّد الشیرازی (قدس سره) علی حسب اعتبار الشارع).

ص: 222

إشکال المحقّق النائینی (قدس سره) علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

یتوقف بیان الإشکال بالنسبة إلی شرائط الحکم علی مقدّمتین:

المقدمة الأُولی: إنّ العنوان المأخوذ فی موضوع القضیة الخارجیة حیثیة تعلیلیة و الموضوع الحقیقی هو معنونه و أمّا العنوان المأخوذ فی موضوع القضیة الحقیقیة حیثیة تقییدیة و نتیجة ذلک هی أنّ إنشاء الحکم فی القضیة الخارجیة متحد مع الفعلیة و لکن الإنشاء فی القضیة الحقیقیة مقدّم علی الفعلیة.

المقدمة الثانیة: إنّ

مراتب الحکم عند صاحب الکفایة (قدس سره) أربع و هی: الملاک والإنشاء و الفعلیة و التنجز و أمّا المحقّق النائینی (قدس سره) فیقول بخروج الملاک عن مراتب الحکم لأنّ الملاک علّة للحکم و أیضاً یقول بخروج مرحلة التنجّز لأنّ التنجّز هو حکم العقل باستحقاق العقاب.

و حینئذ نقول: إنّ الشرط فی القضیة الخارجیة ینحصر فی شرط الجعل و الإنشاء لاتحاد مرحلتی الإنشاء و الفعلیة فیها، و لکن الشرط فی القضیة الحقیقیة إمّا شرط للجعل و إمّا شرط للمجعول الذی هو الحکم الفعلی.

و شرط مرحلة الفعلیة هو الوجود الخارجی للموضوع المتصور بقیوده أمّا شرط مرحلة الإنشاء فهو لحاظ ذلک فی عالم الاعتبار.

و البحث هنا فی شرائط الحکم فی مرحلة الفعلیة لا شرائط إنشاء الحکم فما قال من أنّ الشرط هو لحاظ الأمر المتأخر لایجدی بالنسبة إلی شرائط فعلیة الحکم.

یلاحظ علی إشکال المحقّق النائینی (قدس سره) علی صاحب الکفایة (قدس سره):

أوّلاً: إنّ فعلیة الحکم تتوقف علی فعلیة موضوعه بتمام قیوده و شرائطه و

ص: 223

لکن یمکن أن یکون شرط الحکم هو العلم من حیث إنّه کیف نفسانی فإنّ العلم بتحقّق أمر فی المستقبل فعلی و إن کان المعلوم بالعرض معدوماً فعلاً و علی هذا یقول صاحب الکفایة (قدس سره): اللحاظ شرط فی الحکم و فعلیة الحکم تتوقف علی فعلیة اللحاظ لا فعلیة الملحوظ بالعرض.

ثانیاً:((1))لا دلیل علی تقارن فعلیة الحکم و فعلیة شرطه، لأنّ الحکم أمر اعتباری و لا واقع له ما عدا اعتبار من بیده الاعتبار فإذا کان أمره بید الشارع وضعاً و رفعاً و سعةً و ضیقاً کان له جعله بأی شکل و نحو أراد، لأنّ المجعول فی القضایا الحقیقیة حصّة خاصّة من الحکم و هی الحصّة المقیدة بقید فرض وجوده فی الخارج و من الطبیعی أنّ هذا القید یختلف؛

فمرّة یکون قیداً لها بوجوده المتأخر مثل أن یأمر المولی بإکرام زید مثلاً فعلاً بشرط مجیء عمرو غداً فإنّ المجعول فیه هو حصّة خاصّة من الوجوب و هو الحصّة المقیدة بمجیء عمرو غداً فإذا تحقّق القید فی ظرفه کشف عن ثبوتها فی موطنها و إلّا کشف عن عدم ثبوتها فیه؛

و مرّة ثانیة یکون قیداً لها بوجوده المتقدّم کما لو أمر بإکرام زید غداً بشرط مجیء عمرو هذا الیوم و مرة ثالثة بوجوده المقارن.

و مثال الشرط المتأخر فی العرفیات: الحمامات المتعارفة فی زماننا هذا فإنّ المالک یرضی فی نفسه رضیً فعلیاً بدخول الأفراد فیها بشرط أداء الأُجرة، فالرضا فعلی و الشرط متأخر.

ص: 224


1- المحاضرات، (ط.ج): ج2، ص316 و (ط.ق): ج2،ص134.
الصورة الثانیة: شرائط المأمور به
اشارة

أمّا شرائط المأموربه: فإنّ معنی کون شیء شرطاً للمأموربه هو أنّ المامور به یکون بالإضافة إلی هذا الشرط حسناً فیکون حینئذ متعلّقاً للأمر، فما لم تحصل الإضافة لیس حسناً.

توضیح ذلک: هو أنّ الشیء إمّا علّة تامّة للحسن و القبح مثل العدل و الظلم و إمّا مقتضٍ له مثل الصدق و الکذب و إمّا هو لااقتضاء بالنسبة إلیهما بل یتصف بهما بالوجوه و الاعتبارات مثل الضرب فإنّه حسن للتأدیب و قبیح للتفریح و أمثاله، لأنّ الضرب بالاعتبار الأوّل یکون مصداقاً للعدل و بالاعتبار الثانی یکون مصداقاً للظلم.

ثم إنّ الإضافة کما تکون إلی المقارن تکون إلی المتأخر أو المتقدّم فیکون الشیء (مثل الضرب) بالإضافة إلی المتقدّم أو المتأخر حسناً أو قبیحاً و هنا لابدّ من التفریق بین الإضافة و طرفها، فإنّ ما هو موجب للاتصاف بالحسن و القبح هو الإضافة فمتی تحقّقت الإضافة یتصف الشیء بالحسن و القبح و إن کان طرف الإضافة متقدّماً أو متأخراً.

فالشرط فی الحقیقة هو الإضافة و أمّا المتقدّم و المتأخر فیطلق علیه الشرط تسامحاً من جهة أنّه لولا حصول المتأخر فی محلّه لما کانت للمتقدّم تلک الإضافة.

إشکالان بالنسبة إلی شرائط المأموربه:
الإشکال الأوّل: من المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

التحقیق هو خروج شرائط المأموربه عن حریم النزاع، بداهة أنّ شرطیة شیء للمأموربه لیست إلّا بمعنی أخذه قیداً فی المأموربه، فکما یجوز تقییده بأمر سابق

ص: 225

أو مقارن یجوز تقییده بأمر لاحق کتقید صوم المستحاضة بالاغتسال فی اللیلة اللاحقة إذا اغتسلت بعد اللیل فهل هذا الغسل یؤثر فی رفع الحدث إلی طلوع الفجر و کذلک الغسل بعد الفجر یؤثر فی رفع الحدث إلی الزوال و کذا الغسل بعد الزوال یؤثر فی رفعه إلی الغروب أو إنّ کلّ غسل یؤثر فی رفع الحدث السابق علیه، فالغسل فی اللیل یرفع الحدث من الزوال إلی اللیل؟

و الأوّل هو مختار المشهور و لذا أفتوا بأنّها لو ترکت الاغتسال فی اللیل بطل صومها فی الغد لطلوع الفجر علیها و هی غیر طاهرة.

و ذهب بعضهم إلی الثانی، و من ثم وقع الإشکال فی إمکان تأثیر الغسل اللاحق فی رفع الحدث السابق.

و مع قطع النظر عن هذه الجهة لاینبغی الإشکال فی جواز تأخّر شرط المأموربه عن مشروطه، إذ لایزید الشرط بالمعنی المزبور علی الجزء الدخیل فی المأموربه تقیداً و قیداً، فکما لا إشکال فی إمکان تأخر الأجزاء بعضها عن بعض لاینبغی الإشکال فی جواز تأخر الشروط عن المشروط بها أیضاً.((1))

جوابان من المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

أوّلا بالنقض: إنّ هذا مناقض لما أفاده (قدس سره) من الفرق بین المقدّمات الداخلیة بالمعنی الأخصّ و المقدّمات الخارجیة بالمعنی الأعمّ حیث قال بخروج الأُولی عن محل النزاع دون الثانیة و لکن هنا یقول بأنّ الشرائط الخارجیة بحکم المقدّمات الداخلیة.

ص: 226


1- أجود التقریرات، ج1، ص322.
2- المحاضرات، (ط.ج): ج2،ص128- 129و (ط.ق):ج2،ص307-308.

ثانیاً بالحلّ: إنّ الشرائط بأجمعها خارجة عن المأمور به و الداخل فیه إنّما هو تقیده بها فإذن کیف یعقل أن تکون متعلّقة للأمر النفسی کالأجزاء.

و علی هذا یکون قیاس شرائط المأموربه بالأجزاء الداخلیة قیاساً مع الفارق فإنّ الأجزاء یجوز تقدیم بعضها علی بعض و هذا فی المرکّب التدریجی و لکن الشرط و المشروط فلا.

الإشکال الثانی: من بعض الأساطین (حفظه الله)
اشارة

((1))

إنّ الإضافة أمر واقعی و المتضایفان متکافئان قوّةً و فعلاً و لایعقل وجود الإضافة و المضاف فی وقت مع أنّ الطرف الآخر للإضافة لم یوجد.

و بعبارة أُخری: إنّ تحقّق الإضافة بلاتحقّق طرفها محال، فإنّ المفاهیم التی هی ذات إضافة لاتوجد إلّا مع تحقّق طرف الإضافة فضلاً عن نفس الإضافة، فإنّ تحقّقها بدون تحقّق طرفها خلف، لأنّ الکلام فی الإضافة المقولیة لا الإضافة الإشراقیة).

نقض علی هذا الإشکال:

انتقض علی هذا البیان بأنّ بعض المفاهیم یضاف إلی الزمان السابق أو اللاحق مع أنّ الزمان أمر متصرم و الزمان السابق أو اللاحق غیر موجود فی الحال، مثلاً یقال الیوم الماضی و الیوم المستقبل مع أنّ طرف الإضافه منعدم.

جواب عن هذا النقض:

((2))

أجاب عنه الشیخ الرئیس (قدس سره) بأنّ الإضافة هنا ذهنیة و یمکن اجتماع الأزمنة

ص: 227


1- تحقیق الأصول، ج2، ص284.
2- الشفاء، ج1، ص148.

السابقة و اللاحقة فی ظرف الذهن و وعائه.

(بل الإضافة اعتباریة لأنّها تقوم بطرفیها و إذا کان طرفها أمراً إعتباریاً فهو أیضاً کذلک).

و لذا لانلتزم بما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی شرط الحکم (بل له أن یقول بشرطیة الصورة العلمیة علی وزان ما أفاده فی شرط الحکم) و لکنّه یکفی فی بیان عدم استحالة ما یوهم أنّه شرط متأخّر إمکان إرجاعه إلی شرطیة الصورة العلمیة.

ملخص الکلام:

هذا کلّه بناءً علی الاعتقاد بتحفظ قاعدة العلیة و المعلولیة کما علیه الشیخ الأنصاری و السید المجدّد الشیرازی و صاحب الکفایة و المحقّق النائینی (قدس سره) و لذا حاولوا توجیه الشرط المتأخر.

أمّا بعض الأعلام مثل صاحب الجواهر و المحقّق النراقی و المحقّق الاصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سره) یرون توسعة عالم الاعتبار.

فمنهم من قال بالتحفّظ للقاعدة العقلیة من جهة أنّ فعلیة الحکم تتوقّف علی فعلیة شرطه و لکن لم یلتزم بلزوم تقارنهما مثل المحقّق النراقی و المحقّق الخوئی (قدس سره) و منهم من لم یلتزم بأصل القاعدة العقلیة و قال بتوسعة عالم الاعتبار و أنّه بید المعتبر((1)) و لایمکن الإشکال بالاستحالة لأنّ فی عالم الاعتبار یجتمع

ص: 228


1- ممن لم یلتزم بالقاعدة فی ما نحن فیه العلّامة الطباطبائی و المحقق السیستانی: قال الأوّل فی حاشیة الکفایة، ج 1، ص107: «و الحقّ أن یقال: إنّ البرهان إنّما قام علی استحالة توقف الموجود علی المعدوم فی الأمور الحقیقیة و أمّا الأمور الإعتباریة کما هو محل الکلام فلا لما عرفت مرارا أنّ صحّتها إنّما یتوقف علی ترتب الآثار فلا موجب لهذه التعسفات إلّا الخلط بین الحقائق و الإعتباریات فالصواب فی الجواب أن یقال: إنّ شرط التکلیف أو الوضع ما یتوقف علیه المجعول بحسب وعاء الإعتبار لا بحسب وعاء الخارج و کذلک شرط المأمور به ما یتوقف علیه بحسب ما یتعلق به من الغرض أو یعنون به من العنوان فی ظرف الإعتبار هذا و کأنّه الذی یرومه المصنف (ره) فی کلامه و إن لم یفِ به بیانه». و قال الثانی فی الرّافد فی علم الأصول، ص61: «الجانب الثالث: نتائج التأثر الفلسفی: من أهمّ نتائج تأثر الأصول بالفلسفة وقوع الخلط بین القوانین التکوینیة و الإعتباریة و أمثِلتُنا علی ذلک کثیرةٌ، منها القول بامتناع الشرط المتأخر لاستحالة تقدم المعلول علی علته زمانا مع أنّ الشرط المتأخر من الإعتباریات لا من التکوینیات».

المتضادان و النقیضان و إذا قلنا بعدم استحالة اجتماع النقیضین فلا وجه لاستحالة شیء فی هذا الوعاء لأنّ جمیع المحالات ترجع إلی استحالة اجتماع النقیضین.

فلا مانع من اعتبار شرطیة أمر متأخّر لتحقّق أمر اعتباری کما أنّه لا مانع من اعتبارات متناقضة مثل اعتبار ملکیة زید لهذا الدار من یوم الخمیس إلی یوم الجمعة ثمّ اعتبار عدم ملکیتّه فی خصوص هذا الظرف((1)).

ص: 229


1- أمّا نظریة المحقق العراقی فی المسألة ففی نهایة الأفکار، ج 2، ص285: «الذی یقتضیه التحقیق فی حل الإعضال الوارد علی الشرائط المتأخرة سواء فی شرائط التکلیف أو شرائط الواجب و المأمور به هو ما ذکرنا من إخراج الشرائط طرّاً عن کونها معطیات الوجود و مؤثرات و جعلها طرفا للإضافات و التقیدات و المصیر إلی کون دخلها من قبیل منشأ الإعتبار فی الأمر الإعتباری، فإنّه علی ما ذکرنا یندفع الإشکال المزبور من رأسه فیما ورد من الأدلة المقتضیة لشرطیة الأمر المتأخر للتکلیف أو الواجب و المأمور به، فأمکن الأخذ حینئذ بظاهرها من الإناطة بالأمر المتأخر من دون احتیاج إلی صرف تلک الأدلة عن ظاهرها ... هذا کلّه فی شرائط التکلیف و الواجب و لقد عرفت بأنّ تصویر شرط المتأخر فیها بمکان من الإمکان و أمّا الأحکام الوضعیة فهی باعتبار کونها من الإعتبارات الجعلیة یکون أمر تصویر الشرط المتأخر فیها أوضح مما فی باب التکالیف».

ص: 230

الأمر الثانی: فی تقسیم الوجوب إلی المطلق و المشروط

اشارة

(فیه مقدمة و ناحیتان)

الناحیة الأُولی:القیود المأخوذة فی الأدلّة ترجع إلی الهیأة أو المادة؟

الناحیة الثانیة:إذا تردّد أمر القید بین الرجوع إلی المادّة أو الهیأة فما مقتضی الأصل؟

ص: 231

ص: 232

المقدمة
اشارة

و فیها مطالب ثلاثة:

المطلب الأوّل: تعریف المطلق و المشروط
اشارة

إنّهم قد ذکروا لهما تعریفات کثیرة((1)) و أطالوا الکلام فی ذلک و لکنّها تعریفات لفظیة و لیست بالحدّ و الرسم، و الظاهر هو أنّه لیس للأُصولیین اصطلاح خاصّ فی هذا البحث بل إنّهم أرادوا المعنی اللغوی، کما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) و جمع من الأعلام.

ص: 233


1- قال فی مطارح الأنظار (ط.ج): ج1، ص224و (ط.ق): ص43:«فمن جملة التقسیمات للواجب تقسیمه إلی المطلق و المشروط فالأول علی ما عرّفه به عمید الدین فی شرح التهذیب هو ما لایتوقف وجوبه علی أمر زائد علی الأمور المعتبرة فی التکلیف من العقل و العلم و البلوغ و القدرة و المشروط ما کان وجوبه موقوفا علی أمر آخر أیضا و عرّفه التفتازانی و المحقق الشریف بأنّه ما لایتوقف وجوبه علی ما یتوقف علیه وجوده و المشروط بما یتوقف وجوبه علی ما یتوقف علیه وجوده و زاد بعضهم قید الحیثیة فی الحدّین».
2- کفایة الأصول (ط.آل البیت)، ص95.
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قال: إنّ هذه التعریفات تعاریف لفظیة لشرح الاسم و اتبع فی ذلک تعبیر الحکیم السبزواری (قدس سره) و استشکل هذا القول المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة((1))بأنّ التعریف اللفظی هو ما یقابل شرح الاسم، فإنّ السؤال عن الماهیة قد یکون قبل العلم بوجوده (أی قبل السؤال عن الهلیة البسیطة) فالسؤال عن حدّ الماهیة أو رسمها حینئذ یسمّی بما الشارحة و الجواب عنه هو شرح الاسم و قد یکون بعد العلم بوجوده (أی بعد السؤال عن الهلیة البسیطة) فالسؤال عن حدّ الماهیة أو رسمها یسمی بما الحقیقة و الجواب عنه هو شرح الحقیقة لأنّ الحقیقة هی الماهیة الموجودة.

و لذا قال: المعروف عندهم أنّ الحدود قبل الهلیات البسیطة حدود اسمیة و هی بأعیانها بعد الهلیات تنقلب حدوداً حقیقیة. (کما صّرح به الشیخ الرئیس و المحقّق الطوسی (قدس سرهما).

نعم إنّ شرح الاسم قد یساوق التعریف اللفظی و لکن شرح الاسم المرادف لمطلب ما الشارحة لایساوق التعریف اللفظی.

ص: 234


1- نهایة الدرایة، ج2، ص50.
المطلب الثانی: هل هذا التقسیم من تقسیمات الوجوب أو الواجب؟
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)

((1)):

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) جعل هذا التقسیم من تقسیمات الواجب و لایمکن المساعدة علیه کما صرّح به المحقّق الخوئی (قدس سره) ((2))و بعض الأساطین (حفظه الله) ((3)).

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین علیها:

إنّ التقسیم المذکور بناء علی مبنی الشیخ الأنصاری (قدس سره) هو من تقسیمات الواجب و لکن علی مبنی صاحب الکفایة (قدس سره) و جمع من الأعلام لابدّ من عدّه من تقسیمات الوجوب و سیتضح ذلک إن شاء الله تعالی فی خلال البحث (و قد صرح صاحب الکفایة (قدس سره) ((4))بأنّ نفس الوجوب فی الواجب المشروط مشروط بالشرط).

ص: 235


1- [1] کفایة الاصول (ط.آل البیت)،ص94: الأمر الثالث فی تقسیمات الواجب منها تقسیمه إلی المطلق و المشروط.
2- المحاضرات، (ط.ج): ج2، ص141و (ط.ق): ج2، ص319.
3- تحقیق الأُصول، ج2، ص299.
4- کفایة الأصول (ط.آل البیت)، ص95.
المطلب الثالث:

إنّ وصفی الإطلاق و التقیید أمران إضافیان لاحقیقیان کما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) و إلّا فجمیع الواجبات مشروطة بالشرائط العامة للتکلیف من البلوغ و العقل فالمراد هو أنّ الشیء الواحد قد یکون مشروطاً بشیء و أُخری یکون مطلقاً بالنسبة إلیه.

ص: 236

الناحیة الأُولی: القیود المأخوذة فی الأدلّة ترجع إلی الهیأة أو المادة؟
اشارة

و فیها موضعان:

قد اختلف الأعلام فی القیود المأخوذة فی الأدلّة علی نحو الشرطیة هل ترجع إلی الهیأة فیکون الوجوب مقیداً و مشروطاً أو ترجع إلی المادّة فیکون الوجوب مطلقاً والواجب مشروطاً.

الموضع الأوّل: فی ذکر الأقوال
اشارة

و المهم هنا ثلاثة من الأقوال:

القول الأوّل:

إنّ المعروف بینهم (کما علیه صاحب الکفایة (قدس سره) و من تبعه) هو أنّ القید یرجع إلی الهیأة.

القول الثانی:

إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) یقول برجوع القید إلی المادّة (علی ما نسب إلیه فی

ص: 237

مطارح الأنظار((1)) و المحقق النائینی (قدس سره) نقل عن أُستاذه عن المیرزا الشیرازی (قدس سره) عدم صحّة الانتساب المذکور((2)))

القول الثالث:

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) یقول بتقیید المادّة المنتسبة بمعنی رجوع القید إلی اتصاف المادّة بالوجوب((3)).

ص: 238


1- مطارح الانظار (ط.ق)، ص48 و(ط.ج)، ج1،ص245.
2- أجود التقریرات، ج1، ص194.
3- أجود التقریرات، ج1، ص194، طبع مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه). و فی المسألة قول رابع هو للمحقق العراقی قال فی نهایة الأفکار، ج 2، ص316: «و حینئذ فعَلی التحقیق بعد ما أمکن کل من المعلق و المشروط ثبوتا و إثباتا أیضا برجوع القید الواقع فی القضیة إلی الهیأة تارة و المادة أخری فلا جرم یکون المتبع فی استفادة أنّه من أی القبیل هو لسان الدلیل، و فی مثله یفرق بین مثل قوله: إن جاءک زید فأکرمه أو یجب إکرامه أو قوله: أکرم زیدا إن جاءک الظاهر فی إناطة الوجوب بمادّته بالمجی ء و بین قوله: أکرم زیداً الجائی بنحو القضیة الوصفیة الظاهر فی إطلاق الوجوب و فی کون الموضوع هو الذات المتقیدة و المتصفة بالوصف العنوانی فی قبال القضایا الشرطیة الظاهرة فی أنّ تمام الموضوع للحکم فی القضیة هو نفس الذات محضاً».
الموضع الثانی: فی ذکر الأدلّة
اشارة

مقتضی القواعد الأدبیة و المتفاهم العرفی هو أنّ الشرط و القید یرجع إلی الهیأة کما هو ظاهر القضیة الشرطیة لأنّ الظاهر من مثل قوله: «إن جاءک زید فأکرمه» هو أنّ طلب الإکرام و إیجابه مترتب علی تحقّق مجیء زید.

و اعترف الشیخ الأنصاری (قدس سره) بهذا الظهور و لم ینکره إلّا أنّه قد أُقیمت وجوه علی عدم إمکان رجوع القید و الشرط إلی الهیأة کما أنّه استدلّ علی رجوع القید إلی المادّة.

الوجوه التی استدلّوا بها علی عدم إمکان رجوع الشرط إلی الهیأة:
الوجه الأوّل:
اشارة

إنّ مفاد الهیأة هو المعنی الحرفی و هو جزئی لا کلی و الوضع فی الحروف و الهیئات عام و الموضوع له خاص، و حیث لم یکن کلّیاً لایتصوّر فیه الإطلاق و کل ما لایقبل الإطلاق لایقبل التقیید أیضاً لأنّهما من قبیل الملکة و العدم، بل المعنی الحرفی لایقبل التقیید لجزئیته (فلو لم نقل بأنّ الإطلاق و التقیید من قبیل الملکة و العدم لایمکن تقییده أیضاً.) فإنّ الشیء الجزئی لایتصوّر فیه سعة حتی یکون مطلقاً فیمکن تقییده.

أجوبة أربعة عن هذا الوجه:
الجواب الأوّل: ما عن المحقّق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

إنّ مفاد الهیئات کما حقّقه المحقّق الخراسانی (قدس سره) لیس من المعانی الحرفیة بل

ص: 239

هو من المعانی الاسمیة و الوضع و الموضوع له و المستعمل فیه فی الحرف عام و الخصوصیة من قبل الاستعمال و هو لحاظ الآلیة.

فعلی هذا یکون الطلب المستفاد من الهیئة مطلقاً و قابلاً لأنّ یقید.((1))

الإشکال علیه:

قد تقدّم بطلان هذا المبنی فی مبحث المعانی الحرفیة.

الجواب الثانی: ما عن المحقق الخراسانی (قدس سره) أیضاً
اشارة

لو سلّمنا جزئیة المعنی الحرفی فإنّ ذلک یمنع من التقیید بمعنی کونه مطلقاً ثمّ تقییده أمّا إذا أُنشئ مقیداً من أوّل الأمر من دون أن یکون مطلقاً (لأنّ إطلاقه عند القائل بالجزئیة محال) فلا إشکال فیه.

الإشکال علیه:

لا فرق بین الصورتین بل نتصوّر إطلاق المعنی الحرفی و تقییده و إن کان جزئیاً و سیجیء بیان ذلک ذیل کلام المحقّق الاصفهانی (قدس سره) .

الجواب الثالث: ما عن المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

إنّ المحقّق العراقی (قدس سره) و إن کان یختلف مبناه عن ما هو علیه المحقّق الخراسانی (قدس سره) و لکنّه أیضاً یقول بعموم الموضوع له فی الحروف لأنّ المعانی الحرفیة عنده من الأعراض النسبیة و الموضوع له فیها الحیثیة السنخیة المحفوظة فی ضمن أنحاء النسب الشخصیة من الابتدائیة و الانتهائیة و الظرفیة((2)).

ص: 240


1- کفایة الأصول (ط.آل البیت)، ص97.
2- مقالات الأصول، ج1، ص92.

فالهیئات و الحروف عنده تقبل الإطلاق و التقیید.

الإشکال علیه:

قد تقدم بطلان مبناه فی البحث عن المعانی الحرفیة.

إیراد المحقّق النائینی (قدس سره) علی هذه الأجوبة:

((1))

ما أُجیب به عن ذلک من أنّ المعانی الحرفیة معان کلیة لاجزئیة فهی قابلة للتقیید و الإطلاق فهو غیر صحیح، لأنّ المانع عن الإطلاق والتقیید لیس الجزئیة کما توهمه المجیب بل المانع هو کون المعنی ملحوظاً آلیاً و هذا لایرتفع بکون المعنی کلیاً.

ملاحظتنا علیه:

ما أفاده مبتنٍ علی إشکال آخر فی رجوع الشرط إلی الهیأة و سیجیء تحقیقه إن شاء الله تعالی.((2))

الجواب الرابع: ما عن المحقّق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((3))

إنّ المعانی الحرفیة و معانی الهیئات لیست جزئیة ذهنیة و لا عینیة بل جزئیتها و خصوصیتها بتقومها بطرفیها ولذا قلنا: إنّ الوضع فیها عام و الموضوع له خاص کما أنّها غیر کلیة بمعنی صدقها علی کثیرین لأنّها لا جامع ذاتی لها حتی

ص: 241


1- أجود التقریرات، ج1، ص195.
2- و هذا الإشکال هو الوجه الثانی من الوجوه الثلاثة لعدم رجوع الشرط إلی الهیأة.
3- نهایة الداریة، ج2، ص59.

یصدق علی أفرادها، بل کلیتها بمعنی قبولها للوجودات لأنّ القدر المسلّم من خصوصیتها هی الخصوصیة الناشئة من التقوم بطرفیها فقط.

أمّا تقیید المعانی الحرفیة و الهیئات فلا مانع منه، بمعنی أنّ البعث الملحوظ نسبته بین أطرافه من الباعث و المبعوث و المبعوث إلیه ربما یکون مطلقاً و أُخری یکون مخصّصاً و مشروطاً من جهة الشرط الذی علّق علیه.

و لم یکن جامع ذاتی بین النسبة المطلقة (غیر المتخصصة) و النسبة المتخصّصة المشروطة، لأنّ النسبة لیست لها ماهیة بل لها ذات تعلقیة و وجود ربطی تعلّقی و وجودها لیس محمولیاً حتی تنتزع عنه الماهیة، لأنّ الماهیة هی ما یقال فی جواب ما هو، فلابدّ أن یکون لها وجود محمولی حتّی تکون مقولة فی جواب ما هو و الوجود الربطی هو فی قبال الوجود المحمولی.

فتحصّل أنّ الإطلاق و التقیید فی المعانی الحرفیة لیسا بمعنی سعة المفهوم و تضییقه حتّی یستشکل علیه بعدم إمکان سعة مفهومه و تضییقه، بل الإطلاق بمعنی عدم تعلیق الفرد الموجود علی شیء وتعلیق الطلب لیس من شؤونه حتّی یکون موجباً لتضییق دائرة مفهمومه، فالتقیید بمعنی تعلیقه علی أمر مقدّر الوجود.

إیراد بعض الأساطین علی المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

((1)):

إنّ التعلیق فی الشیء لایعقل إلّا إذا کان للشیء فردان و حصّتان مثل البیع فإنّه مطلق و له فردان: البیع المنجّز و البیع المعلّق و علی هذا یکون فرض التعلیق فی المعنی الحرفی ملازماً لإطلاقه بالنسبة إلی صورتی التنجیز و التعلیق فما أفاده لایجدی فی دفع إشکال الشیخ (قدس سره) .

ص: 242


1- تحقیق الأصول، ج2، ص305.
یلاحظ علیه:

قد تقدّم أنّ الإطلاق الذی لایقبله المعنی الحرفی هو الإطلاق الذی بمعنی سعة مفهومه بحیث یشمل الصورتین فی آن واحد کما هو فی موارد الإطلاق الشمولی، أمّا الإطلاق الذی لایشمل الصورتین کما فی موارد الإطلاق البدلی فلا مانع من تصویره فی المعنی الحرفی، فإنّ المعنی الحرفی إمّا منجّز من حیث عدم ترتّبه علی الشرط و إمّا معلّق علی تحقّق الشرط.

الوجه الثانی لعدم إمکان رجوع الشرط إلی الهیأة:
اشارة

و هذا الوجه هو ما اعتمد علیه المحقق النائینی (قدس سره) ((1))فقال برجوع الشرط إلی المادّة المنتسبة و استدلّ علی عدم إمکان رجوعه إلی الهیأة بأنّ التحقیق هو أنّ النسبة مدلولة للهیأة فهی ملحوظة آلةً و معنی حرفیاً و الإطلاق و التقیید من شؤون المفاهیم الاسمیة الاستقلالیة.

جوابان عن الوجه الثانی:
الأول: ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

((2))

إنّ الإطلاق و التقیید یتقوّمان باللحاظ، أمّا کونهما استقلالیاً فلا بل تابع لما اعتُبِرا فیه فإن کان استقلالیاً فالإطلاق و التقیید کذلک و إن کان آلیاً فهما کذلک.

ص: 243


1- أجود التقریرات، ج1، ص194.
2- تعلیقة نهایة الداریة، ج2، ص91.

(إنّ الآلی بذاته آلی فی جمیع وجوداته و بتمام اعتباراته).

الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)

((1))

أوّلاً: ربما یکون المعنی الحرفی مورد الالتفات و التوجّه استقلالاً و ذلک کما إذا علمنا بورود زید مثلاً فی بلد و نعلم أنّه سکن فی مکان و لکن لانعلم المکان بخصوصه، فنسأل عن تلک الخصوصیة التی هی معنی الحرف فالمعنی الحرفی هو الملحوظ استقلالا.ً

ثانیاً: علی تقدیر تسلیم لزوم ملاحظة المعنی الحرفی باللحاظ الآلی فإنّ طرو التقیید حین لحاظ المعنی الحرفی باللحاظ الآلی ممنوع و لکن إذا قید المعنی أوّلاً بقید، ثم لوحظ المقید آلیاً فلا محذور فیه أبداً، و علیه فلا مانع من ورود اللحاظ الآلی علی الطلب المقید فی رتبة سابقة علیه.

یلاحظ علیه بالنسبة إلی جوابه الأوّل:

إنّ ذلک مبتن علی مختاره فی المعنی الحرفی و لکن علی ما تقدّم من أنّ المعنی الحرفی تعلّقی ذاتاً و وجوداً (و لیس للنسبة الحقیقیة وجود نفسی محمولی لا عیناً و لا ذهناً بل وجودها عین وجود طرفیها ذهناً و عیناً فإنّ فعلیتها بالعرض بتبع فعلیة الطرفین بالذات، فلذا تکون کالآلة لوقوع طرفیها موقع الظرفیة و المظروفیة و أمثالهما) فلایمکن لحاظه استقلالاً، فما أفاده فی الجواب الأوّل مبنائی و لایمکن لنا الالتزام به أمّا الجواب الثانی فهو ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی الجواب الثانی عن الشیخ (قدس سره) بعینه و مضی الکلام عنه.

ص: 244


1- المحاضرات، (ط.ج): ج2، ص144و (ط.ق): ج2، ص321.
الوجه الثالث: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی «إن قلت»
اشارة

((1))

تقریره علی ما فی المحاضرات:((2))

إنّ رجوع القید إلی مفاد الهیأة بما أنّه مستلزم لتفکیک الإنشاء عن المنشأ و الإیجاب عن الوجوب الذی هو مساوق لتفکیک الإیجاد عن الوجود فهو غیر معقول، بداهة أنّه لا فرق فی استحالة التفکیک بین الإیجاد و الوجود فی التشریع و التکوین، و علی الجملة إیجاب المولی و وجوبه إنّما یتحقّقان بنفس إنشائه فلا فرق بینهما إلّا بالاعتبار فبملاحظة فاعله إیجاب و بملاحظة قابله وجوب، فلو رجع القید إلی الهیأة لزم تحقّق الإیجاب دون الوجوب و مردّه إلی تخلّف الوجود عن الإیجاد و هو مستحیل.

فالنتیجة تعین رجوع القید إلی المادّة بعد استحالة رجوعه إلی الهیأة.

أجوبة أربعة عن الوجه الثالث:
الجواب الأوّل: ما عن صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

إنّ المنشأ إذا کان هو الطلب علی تقدیر حصول الشرط فلابدّ أن لایکون قبل حصول الشرط طلب و بعث.

و إن کان الطلب حاصلاً قبل حصول الشرط لتخلّف المنشأ عن الإنشاء، حیث فرضنا کون المنشأ هو الطلب المشروط، فحصوله قبل شرطه یوجب تخلّف المنشأ عن الإنشاء.

ص: 245


1- کفایه الأصول (ط. آل البیت)، ص97.
2- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص145و (ط.ق): ج2، ص322.

و تعلیق المنشأ لایوجب تعلیق الإنشاء کما لایوجب تعلیق المخبر به تعلیقاً فی الإخبار.

إیرادان علی الجواب الأوّل:
الإیراد الأوّل:

قد أورد علیه السید الخوئی (قدس سره) ((1))بأنّه مصادرة إلی المطلوب کما أوردوا علیه ببطلان قیاس باب الإنشاء و الإخبار.

الإیراد الثانی:

قال بعض الأساطین((2)): انّ النسبة بین الإنشاء و المنشأ هی نسبة الإیجاب و الوجوب و نسبة الإیجاد و الوجود بخلاف باب الإخبار فإنّ النسبة بین المخبر و المخبر، نسبة الحاکی و المحکی و تفکیک الإیجاد و الوجود غیر معقول لأنّ تفاوتهما بالإعتبار، أمّا تفکیک الحاکی و المحکی فلا إشکال فیه.

الجواب الثانی: ما عن المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

((3))

إذا أُرید بالإنشاء ما هو من وجوه الاستعمال فتخلفه عن المستعمل فیه محال، سواء وجد البعث الحقیقی أم لا، لأنّ الإنشاء إیجاد المعنی باللفظ و هو نحو من استعمال اللفظ و لایمکن تحقّق الإیجاد الإنشائی من دون وجود المعنی الإنشائی، لاستحالة الاستعمال مع عدم المستعمل فیه فعلاً فی مرتبة وجوده الاستعمالی.

ص: 246


1- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص145و (ط.ق): ج2، ص322.
2- تحقیق الأصول، ج2، ص309.
3- نهایة الداریة، ج2، ص64.

و إذا أُرید به البعث التقدیری، فما هو الثابت فعلاً هو البعث بثبوت فرضی تقدیری حیث جعل المرتّب علیه (و هو الشرط) واقعاً موقع الفرض و التقدیر و إثبات شیء کذلک (أی بإثبات فرض) لایتخلّف عن الثابت بذاک النحو من الثبوت الفرضی فلاینفک الإیجاد و الوجود فی هذه المرحلة.

و إذا أُرید به البعث التحقیقی، فثبوت البعث تحقیقاً یتبع ثبوت المرتب علیه (أی الشرط) تحقیقاً، و الإنشاء لایکون مطابقاً و مصداقاً لإثبات البعث تحقیقاً إلّا بعد ثبوته تحقیقاً، و بعد حصول الشرط یتحقّق الإثبات و الثبوت التحقیقیان فلاینفک الإیجاد و الوجود أیضاً.

ثم إنّ المحقّق (قدس سره) أکّد علی عدم إمکان انفکاک الإیجاد و الوجود فی التشریعیات کما لاینفکان فی التکوینیات وقال: توهّم الانفکاک فی عالم التشریع ناش عن عدم الالتفات إلی وجه الاتحاد و کیفیة الاعتبار.

مثال ذلک هو أنّ حقیقة الملکیة الاعتباریة عین اعتبار الملکیة، فالهویة الاعتباریة لها نسبة إلی المعتبر فیکون إیجاداً اعتباریاً منه و لها نسبة إلی طبیعی الملکیة فیکون وجوداً اعتباریاً له، و لایعقل تحقّق الاعتبار فعلاً و تأخّر المعنی المعتبر إذ الاعتبار المطلق لایوجد، فلامحالة یتقوّم بمعنی الملکیة و المفروض عدم الوجود للملکیة إلّا بالاعتبار أوّلاً و آخراً، فلابدّ من تحقّق المعنی المعتبر حین تحقّق الاعتبار.

الجواب الثالث: ما عن المحقّق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّه لا مدفع لهذا الإشکال بناءً علی نظریة المشهور من أنّ الإنشاء عبارة عن

ص: 247


1- المحاضرات، (ط.ج): ج2، ص146و (ط.ق): ص323.

إیجاد المعنی باللفظ، ضرورة عدم إمکان تخلّف الوجود عن الإیجاد.

أمّا بناءً علی نظریتنا من أنّ الإنشاء عبارة عن إبراز الأمر الاعتباری النفسانی -و اختاره فی منتقی الأصول((1)) و قال: إنّ مدلول الهیأة الإنشائیة إبراز الاعتبار النفسانی- ببیان أنّه و إن کان الاعتبار فعلیاً لکن المعتبر هو ثبوت الفعل فی الذمة فالمقید هو الثبوت الخارج عن مدلول الهیأة و هو من المعانی الاسمیة فی الخارج بمبرز من قول أو فعل یندفع الإشکال.

لأنّ المراد من الإیجاب إمّا إبراز الأمر الاعتباری النفسانی و إمّا نفس ذلک الاعتبار النفسانی، فعلی کلا التقدیرین لا محذور فی رجوع الشرط إلی مفاد الهیأة.

أمّا علی الأوّل: (بأن یکون الإیجاب إبراز الأمر الاعتباری النفسانی) فلأنّ کلّاً من الإبراز و المبرز و البروز فعلی و لیس شیء منها معلّقاً علی أمر متأخّر.

أمّا علی الثانی: (بأن یکون الإیجاب نفس ذلک الأمر الاعتباری) فلأنّ الاعتبار بما أنّه من الأُمور النفسانیة التعلقیة یعنی ذات الإضافة کالعلم و الشوق و ما شاکلهما من الصفات الحقیقیة لا مانع من تعلّقه بالأمر المتأخر کما یتعلّق بالأمر الحالی.

فکما یمکن تأخر المعلوم عن العلم یمکن تأخر المعتبر عن الاعتبار، فالتفکیک بین الاعتبار و المعتبر لا محذور فیه بخلاف التفکیک بین الإیجاد و الوجود.

أورد علیه بعض الأساطین:

أمّا علی التقدیر الأوّل: فإن قلنا بفعلیة الإبراز و البروز و المبرز فلایلزم انفکاک

ص: 248


1- منتقی الأصول، ج2، ص142.

الإیجاد عن الوجود إلّا أنّه بمعنی إنکار الوجوب المشروط حیث إنّ لازم فعلیة هذه الأُمور هو فعلیة الوجوب قبل حصول الشرط و عدم تعلیقه علیه.

و أمّا علی التقدیر الثانی: فإنّ الإیجاب اعتبار نفسانی و الوجوب هو المعتبر و الانفکاک بین الاعتبار و المعتبر هو الانفکاک بین الإیجاب و الوجوب مع أنّ الانفکاک بین الإیجاب و الوجوب هو بعینه الانفکاک بین الإیجاد و الوجود فما أفاده لایجدی فی دفع الإشکال. ((1))

الجواب الرابع: ما عن بعض الأساطین (حفظه الله)
اشارة

((2))

إنّ التحقیق یقتضی التفریق بین باب الإنشاء و المنشأ و باب الإیجاد و الوجود لأنّ الإنشاء و المنشأ هما متقابلان تقابل السبب و المسبّب و لا اتّحاد بینهما بخلاف الإیجاد و الوجود فإنّهما متّحدان فی الحقیقة مختلفان بالاعتبار.

و حینئذ نقول: إنّ التخلّف بین الإیجاد و الوجود محال لمکان اتّحادهما بحسب الحقیقة و أمّا التخلّف بین السبب و المسبّب (و هنا الإنشاء و المنشأ) فلا استحالة فیه کما وقع نظیر ذلک کثیراً فی الاعتبارات الشرعیة.

و الدلیل علیه هو أنّهم جعلوا «هی طالق» سبباً للبینونة و «أنکحت» سبباً للزوجیة و «بعت» سبباً للملکیة، کما قال فی المسالک: إنّ العقد سبب للملکیة و هکذا فی جامع المقاصد و المستند و أمثالهما و صرّح المحقّق النائینی (قدس سره) فی بحث الصحیح و الأعمّ بأنّ المشهور هو أنّ الإنشاءات أسباب.

هذا حلّ المشکل بناءً علی مسلک المشهور فی باب الإنشاء.

ص: 249


1- تحقیق الأصول، ج2، ص316-317.
2- تحقیق الأصول، ج2، ص317

أمّا حلّ الإشکال بناءً علی مسلک الاعتبار و الإبراز، هو أنّ الاعتبار یتعلّق بالأمر المعدوم الذی فرضنا وجوده، مثل الوصیة حیث یفرض ملکیة شخص آخر بعد موت الموصی و یوجده فی عالم الاعتبار و ذلک لأنّ الاعتبار أمر نفسانی فیمکن أن یتعلّق بالأمر المتأخر.

یلاحظ علیه:

أوّلاً: ما أفاده علی مسلک المشهور فلایتمّ، لأنّ المشهور عرّفوا الإنشاء بإیجاد المعنی باللفظ، فإنّ اللفظ عندهم و إن کان سبباً لإیجاد المعنی إلّا أنّ الإنشاء هو إیجاد المعنی الذی هو المسبّب لا اللفظ الذی هو السبب، و الکلام هو فی أنّ الإنشاء (الذی هو إیجاد المعنی) و المنشأ (الذی هو وجود المعنی) متّحدان اتّحاد الإیجاد و الوجود.

ثانیاً: إنّ مبنی المشهور و ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) لایمکن المساعدة علیه، لأنّ اللفظ لیس له سببیة لإیجاد المعنی فی عالم الاعتبار بل إیجاد المعنی فی عالم الاعتبار هو بنفس اعتبار المعتبر، کما قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)): إنّ اللفظ لیس علّة تکوینیة للمعنی و أیضاً لا سببیة له لإیجاد المعنی فی عالم الاعتبار لأنّ الاعتبار یکفی لتحقّق الوجود الاعتباری بلا حاجة إلی اللفظ و علیة اللفظ لوجود المعنی عیناً أو ذهناً غیر معقولة، لأنّ وجود الشیء عیناً یتّبع مبادئ وجوده لا اللفظ و وجوده ذهناً یتّبع وجود مبادئ الانتقال لا اللفظ، و حضور المعنی ذهناً بتبع حضوره لیس من باب علیة اللفظ بوجوده الخارجی أو بوجوده الذهنی لحضور المعنی، بل للتلازم بین الحضورین لمکان التلازم بین الحاضرین

ص: 250


1- بحوث فی الأصول،ج1، ص27.

جعلاً و بالمواضعة و لذا ربّما ینتقل من تخیل المعنی إلی وجوده اللفظی أو وجوده الکتبی.

ثالثاً: إنّ ما أفاده فی حلّ الإشکال بناءً علی مسلک الاعتبار و الإبراز هو ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) فی التقدیر الثانی و استشکل علیه بعض الأساطین (حفظه الله) بعینه.

استدلال الشیخ (قدس سره) علی رجوع الشرط إلی المادّة:
اشارة

استدلال الشیخ ((1)) (قدس سره) علی رجوع الشرط إلی المادّة:

إنّ الإنسان إذا توجّه إلی شیء فإمّا یطلبه أو لا، لا کلام علی الثانی.

فإذا طلبه إمّا یکون المطلوب طبیعی ذلک الشیء فیطلبه بإطلاقه و سعته و إمّا یکون المطلوب حصّة خاصّة فیطلبه مقیداً بقید خاص.

و هذا القید إمّا غیر اختیاری کقیدیة زوال الشمس لوجوب الصلاة

و إمّا اختیاری و مورد للطلب کالطهارة بالنسبة إلی الصلاة.

و إمّا اختیاری و لیس مورداً للطلب بل أُخذ مفروض الوجود کالاستطاعة فی الحج.

و الطلب فعلی و المطلوب مقید علی جمیع هذه التقادیر، فما ذکرنا من رجوع القید إلی المادّة أمر وجدانی.

جوابان عن هذا الاستدلال:
جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن بیان الشیخ (قدس سره):

أمّا بناءً علی تبعیة الأحکام لمصالح فیها: فهو أنّ ذلک الشیء کما یمکن أن

ص: 251


1- مطارح الأنظار(ط.ج): ج1،ص267 و (ط.ق): ص52.

یبعث فعلاً إلیه و یطلبه حالاً لعدم مانع عن طلبه کذلک، یمکن أن یبعث إلیه معلّقاً و یطلبه استقبالاً علی تقدیر شرط متوقّع الحصول، لأجل مانع عن الطلب و البعث فعلاً قبل حصول الشرط فلابدّ أن یکون الطلب معلّقاً بحصول الشرط.

و أمّا بناءً علی تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد فی المأمور به و المنهی عنه:

فإنّ تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد الثابتة فی متعلّقاتها إنّما تکون فی الأحکام الواقعیة بما هی واقعیة لا بما هی فعلیة فلا تلازم بین الإنشائیة و الفعلیة.

و ذلک فی موارد متعدّدة:

الأوّل: فی الموارد التی جرت الأُصول علی خلاف الأحکام الواقعیة فتبقی الأحکام علی إنشائیتها.

الثانی: فی موارد قیام الأمارات علی خلاف الأحکام الواقعیة فهذه الأمارات مانعة عن فعلیة الحکم الواقعی.

الثالث: فی موارد عدم بیان بعض الأحکام فی أوائل البعثة تسهیلاً علی المسلمین حتّی یرغبوا فی الدین.

الرابع: فی موارد عدم فعلیة بعض الأحکام إلی ظهور خاتم الأوصیاء (عجل الله تعالی فرجه).((1))

جواب المحقّق الخوئی (قدس سره) عن بیان الشیخ (قدس سره):

إن أراد من الطلب فی کلامه «الشوق النفسانی» فالأمر و إن کان کذلک من

ص: 252


1- کفایة الأصول (ط.آل البیت)،ص97-98.

جهة أقسامه إلّا أنّ الشوق النفسانی لیس من مقولة الحکم لأنّ الحکم الشرعی أمر اعتباری و الشوق أمر تکوینی نفسانی.

و إن أراد من الطلب فی کلامه «الإرادة بمعنی الاختیار» فیرد علیه: أنّه لایتعلّق بفعل الغیر حتی نبحث عن أنّ القید راجع إلیه أو إلی متعلّقه، و من هنا ذکرنا أنّه لا معنی لتقسیم الإرادة إلی التکوینیة و التشریعیة، بداهة أنّا لانعقل للإرادة التشریعیة معنی فی مقابل الإرادة التکوینیة.

و إن أراد بالطلب فی کلامه «جعل الحکم و اعتباره» حیث إنّ حقیقة الطلب هی التصدّی نحو حصول الشیء فی الخارج و التصدّی إمّا خارجی و إمّا اعتباری و جعل الحکم هو مصداق التصدّی الاعتباری نظراً إلی أنّ الشارع تصدّی نحو حصول الفعل من الغیر باعتباره فی ذمّته و هو فعلی دائماً سواء کان المعتبر أیضاً فعلیاً أم کان أمراً استقبالیاً و لکنّ الکلام فی رجوع القید إلی المعتبَر و عدم رجوعه إلیه لا إلی الاعتبار و جعل الحکم ضرورة أنّ الاعتبار و الإبراز غیر قابلین للتقیید و التعلیق أصلاً.

و إن أراد من الطلب ما تعلّق به الاعتبار (أی المعتبَر) المعبّر عنه بالوجوب فصریح الوجدان شاهد علی أنّه قابل للتقیید و الإطلاق.

بیان ذلک هو أنّ الفعل الذی هو متعلّق الوجوب إمّا أن یکون ذا ملاک ملزم فلایتوقّف علی زمان أو زمانی فالوجوب حینئذ فعلی.

و إمّا أن یکون ذا ملاک ملزم و إن کان تحقّق الفعل فی الخارج یتوقّف علی مقدّمات اختیاریة (مثل توقّف الصلاة علی الطهارة) أو غیر اختیاریة ففی مثل ذلک لا مانع من کون الإیجاب حالیاً و الواجب استقبالیاً.

و إمّا ان یکون ذا ملاک فی ظرف متأخّر لا فعلاً بمعنی أنّ ملاکه لایتمّ إلّا بعد

ص: 253

مجیء زمان خاص أو تحقّق أمر زمانی فی ظرف متأخّر فالوجوب حینئذ تقدیری و معلّق علی فرض تحقّق ما له الدخل فی الملاک ففی مثل ذلک لو رجع القید إلی المادّة و کان المعتبر کالاعتبار فعلیاً لکان لغواً صرفاً.

مضافاً إلی ظهور القضایا الشرطیة فی رجوع القید إلی الهیأة دون المادّة فإنّ المتفاهم العرفی هو تعلیق مفاد الجملة الجزائیة علی الشرط لا تعلیق المادّة التی هی المعنی الإفرادی بل القول بأنّ أدوات الشرط تدلّ علی تعلیق المعنی الإفرادی (أی المادّة) علی الشرط غلط أدبی.((1))

ص: 254


1- المحاضرات(ط.ج): ج2،ص 148و (ط.ق): ج2، ص325.
الناحیة الثانیة: إذا تردّد أمر القید بین الرجوع إلی المادّة أو الهیأة فما مقتضی الأصل؟
اشارة

هنا مقامان:

المقام الأوّل: مقتضی الأصل اللفظی
اشارة

و فیه قولان:

القول الأوّل: قال الشیخ و المحقّق النائینی (قدس سرهما) برجوعه إلی المادّة بحسب مقتضی الأصل اللفظی.

القول الثانی: قال صاحب الکفایة و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) برجوعه إلی الهیأة.

قد استدلّ الشیخ (قدس سره) بوجهین:

الاستدلال الأوّل للشیخ (قدس سره):
اشارة

(1)

هذا الاستدلال مشتمل علی دعویین:

الدعوی الأُولی دعوی کبروی و هو تقدیم الإطلاق الشمولی علی البدلی.

ص: 255


1- . فی مطارح الأنظار (ط.ج)، ج1،ص252-253و(ط.ق)، ص49:«... و کیف ما کان، ففی هذه الصورة بناء علی مذاق القوم لابدّ من الأخذ بالإطلاق فی جانب الهیئة و الحکم بتقیید المادّة بوجهین: أحدهما: أنّ تقیید الهیئة و إن کان راجعا إلی تقیید المادّة- کما عرفت- إلّا أنّ بین إطلاق المادّة علی الوجهین فرقا، إذ علی تقدیر إطلاقه من جهة الهیئة یکون إطلاقه شمولیا- کما فی شمول العامّ لأفراده- فإنّ وجوب الإکرام علی تقدیر الإطلاق یشمل جمیع تقادیر الإکرام من الأمور التی یمکن أن یکون تقدیرا للإکرام، و إطلاق المادّة من غیر جهة الأمر إطلاق بدلی، فإنّ المطلق غیر شامل للفردین فی حالة واحدة. و السرّ فی ذلک ما قرّر فی محلّه: من الفرق بین الإطلاق الملحوظ فی الأحوال أو فی الأفراد، فتأمّل.»

و الدعوی الثانیة دعوی صغروی و هو أنّ مسألتنا من صغریات تلک الکبری.

الدعوی الکبروی:
اشارة

إنّ مفاد الهیأة إطلاق شمولی (ثبوت الوجوب علی تقدیری حصول القید و عدمه) و مفاد المادّة إطلاق بدلی و إذا دار الأمر بین تقیید إطلاق الهیأة و تقیید إطلاق المادّة تعین الثانی لأنّ رفع الید عن الإطلاق البدلی أولی من رفع الید عن الإطلاق الشمولی.

إیراد صاحب الکفایة(قدس سره):
اشارة

((1))

إنّ مفاد إطلاق الهیأة و إن کان شمولیاً بخلاف المادّة، إلّا أنّه لایوجب ترجیحه علی إطلاق المادّه، لأنّ إطلاق الهیأة أیضاً کان بالإطلاق و مقدّمات الحکمة، غایة الأمر أنّها تارة تقتضی الإطلاق الشمولی و أُخری الإطلاق البدلی و ترجیح عموم العام علی إطلاق المطلق لأجل کون دلالته بالوضع لا لکونه شمولیاً بخلاف المطلق فإنّ دلالته لایتمّ إلّا بتمامیة مقدّمات الحکمة، فیکون العام أظهر فیقدّم علی الإطلاق.

ص: 256


1- کفایه الأصول (ط.آل البیت)، ص105و106.
بیان لهذا الإیراد:

أوضحه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) بأنّ الملاک فی الجمع الدلالی إنّما هو بأقوائیة الدلالة و الظهور و من الطبیعی أنّ ظهور الإطلاق الشمولی لیس بأقوی من ظهور الإطلاق البدلی، لأنّ ظهور کل منهما مستند إلی تمامیة مقدّمات الحکمة، نعم لو کان ظهور أحدهما بالوضع و ظهور الآخر بالإطلاق بمقدّمات الحکمة قدّم ما کان بالوضع علی ما کان بالإطلاق و لکن مسألتنا لیس من هذا القبیل.

دفاع المحقق النائینی (قدس سره) عن الشیخ (قدس سره) بوجوه ثلاثة:
اشارة

إنّ المحقق النائینی (قدس سره) استدلّ علی تقدیم الإطلاق الشمولی علی البدلی إذا کانا منفصلین بوجوه:

الوجه الأوّل:
اشارة

((2))

إنّ تقدیم الإطلاق البدلی یقتضی رفع الید عن الإطلاق الشمولی فی بعض مدلوله و هی حرمة إکرام العالم الفاسق فی مفروض المثال.

بخلاف تقدیم الإطلاق الشمولی فإنّه لایقتضی رفع الید عن مدلول الإطلاق البدلی أصلاً، فإنّ المفروض أنّه الواحد علی البدل و هو محفوظ لامحالة، غایة الأمر أنّ دائرته کانت وسیعة فصارت ضیقةً.

و توضیح ذلک علی ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) هو أنّ الإطلاق الشمولی عبارة عن انحلال المعلّق علی الطبیعة المأخوذة علی نحو مطلق الوجود فیتعدّد الحکم بتعدّد أفرادها فی الخارج أو أحوالها و یثبت لکل فرد منها حکم مستقل، و

ص: 257


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص157-158و (ط.ق): ج2، ص333.
2- أجود التقریرات، ج1، ص236.

ذلک مثل «لاتکرم فاسقاً» فإنّ الفاسق لوحظ علی نحو مطلق الوجود موضوعاً لحرمة الإکرام فطبعاً تتعدّد الحرمة بتعدّد وجوده خارجاً.

و الإطلاق البدلی عبارة عن حکم واحد مجعول للطبیعة علی نحو صرف الوجود القابل للانطباق علی کل فرد من أفرادها علی البدل فهو حکم واحد ثابت لفردها فلاینحلّ بانحلال الطبیعة و لایتعدّد بتعدّد وجودها مثل أکرم عالماً.

فإذا دار الأمر بین رفع الید عن الحکم (کما هو لازم رفع الید عن الإطلاق الشمولی) أو المحافظة علی الحکم و رفع الید عن توسعته (کما هو لازم رفع الید عن إطلاق البدلی) تعین الثانی.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی هذا الوجه

((1)):

أوّلاً: إنّ هذا الوجه مجرد استحسان عقلی و لایکون وجهاً عرفیاً للجمع بینهما، فإنّ الملاک فی الجمع العرفی إنّما هو بأقوائیة الدلالة و الظهور و هی منتفیة فی المقام، والسبب فیه أنّ ظهور کل منهما فی الإطلاق بما أنّه مستند إلی مقدّمات الحکمة فلایکون أقوی من الآخر.

ثانیاً: إنّ الإطلاق البدلی و إن کان مدلوله المطابقی ثبوت حکم واحد لفردٍما من الطبیعة علی سبیل البدل إلّا أنّ مدلوله الالتزامی ثبوت أحکام ترخیصیة متعدّدة بتعدّد أفرادها فإطلاقه من هذه الناحیة شمولی فلا فرق بینه و بین الإطلاق الشمولی من هذه الجهة، غایة الأمر شمول هذا بالدلالة المطابقیة و شمول ذاک بالدلالة الالتزامیة.

ص: 258


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص159-160 و (ط.ق): ج2،ص334-335.

و نفی الإطلاق البدلی یستلزم عقلاً ثبوت الترخیص شرعاً فی تطبیقها علی أی فرد من أفراد صرف الوجود من الطبیعة.

یلاحظ علیه:

أمّا إیراده الأوّل علی المحقّق النائینی (قدس سره) ففیه: أنّ الملاک فی الجمع العرفی و إن کان بأقوائیة الدلالة إلّا أنّ الإطلاق الشمولی أقوی و أظهر.

توضیحه:

إنّ ملاک قوّة الظهور لاینحصر فی کون دلالته بالوضع أو بمقدّمات الحکمة بل یقدّم ما هو أقلّ مخالفةً للظهور علی ما هو أکثر مخالفةً منه للظهور کما آنّه إذا دار الأمر بین معنیین یؤخذ ما هو أقرب من الظهور و یترک ما هو أکثر مخالفةً .

مثلاً إذا کان أحد المعنیین موجباً لتقدیر کلمتین و الآخر موجباً لتقدیر کلمة واحدة یؤخذ بالثانی و یترک الأوّل (فیما إذا کان الثانی أظهر) و فیما نحن فیه مخالفة الظهور الإطلاقی فی المطلق الشمولی أکثر منها فی المطلق البدلی حیث إنّ رفع الید عن الإطلاق الشمولی یوجب رفع الید و إلغاء الحکم عن موضوعه بجمیع حالاته أمّا رفع الید عن الإطلاق البدلی یوجب فقط خروج بعض حالات الموضوع عن تحت الحکم فلابدّ من رفع الید عن الإطلاق البدلی لأنّه أقلّ مخالفة لظهور الکلام.

یرد علیه:

أنّ ذلک خارج عن فهم العرف بل یدرک بالدقّة العقلیة مع أنّ ملاک الظهورات هو العرف فلایمکن القول بالأظهریة.

و أمّا إیراده الثانی علی المحقق النائینی (قدس سره) ففیه: أنّ ملاک الدلالة الالتزامیة هو

ص: 259

اللزوم البین بالمعنی الأخصّ أمّا اللزوم غیرُ البین أو البین بالمعنی الأعم فلیسا من الدلالة الالتزامیة ثمّ إنّ التخییر بین أفراد صرف الوجود من الطبیعة (أی الإطلاق البدلی) آنّما هو بحکم العقل فهذا التخییر عقلی و الترخیص الشرعی الذی ادّعاه المحقّق الخوئی (قدس سره) من فروع التخییر العقلی المذکور مع أنّ الحکم العقلی الذی ذکرناه لیس من ظهورات الکلام فکیف یعدّ الأحکام الترخیصیة المذکورة ظهوراً إطلاقیاً شمولیاً لهذا الکلام.

الوجه الثانی:
اشارة

((1))

إنّه یحتاج الإطلاق البدلی (زائداً علی کون المولی فی مقام البیان و عدم نصب القرینة علی الخلاف) إلی إحراز التساوی بین الأفراد فی الوفاء بالغرض حتّی یحکم بالتخییر بخلاف الإطلاق الشمولی، فإنّه لایحتاج إلی أزید من ورود النهی علی الطبیعة غیرِ المقیدة (مثل لاتکرم الفسّاق) فیسری الحکم إلی الأفراد قهراً، فمع وجود الإطلاق الشمولی لایحرز العقل تساوی الأفراد من حیث الوفاء بالغرض.

فیکون الإطلاق الشمولی حاکماً علی الإطلاق البدلی من حیث دلیلیته و حجیته و إن کان ظهوره منعقداً فی حدّ نفسه لفرض کون القرینة منفصلة.

و بعبارة أُخری: ثبوت الإطلاق البدلی یتوقّف علی إحراز تساوی الأفراد فی الوفاء بالغرض و لایمکن إحراز ذلک مع وجود الإطلاق الشمولی علی خلافه حیث إنّه یکون صالحاً لبیان التعیین فی بعض الأفراد و أشدّیة الملاک فیه و معه لاینعقد الإطلاق البدلی.

ص: 260


1- أجود التقریرات، ج1، ص236.
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الثانی:

((1))

إنّ إحراز تساوی الأفراد فی الوفاء بالغرض لیس مقدّمة رابعة فی قبال المقدّمات الثلاث المتقدّمة لکی یتوقّف الإطلاق علیها، ضرورة أنّه یتحقّق بنفس تلک المقدّمات من دون حاجة إلی شیء آخر، فإذا کان الحکم ثابتاً علی الطبیعة بنحو صرف الوجود و کان المولی فی مقام البیان و لم ینصب قرینة علی الخلاف فبطبیعة الحال کان إطلاق کلامه قرینة علی تساوی أفرادها فی الوفاء بالغرض، إذ لو کان بعض أفرادها أشدّ ملاکاً من غیره لکان علی المولی البیان، فجمیع أفراد البدل وافٍ بالغرض.

الوجه الثالث:
اشارة

((2))

إنّ حجیة الإطلاق البدلی تتوقّف علی عدم المانع فی بعض الأطراف عن التخییر العقلی فلابدّ أن لایکون هناک مانع عن انطباقه علی بعض الأفراد دون بعضها الآخر.

و الإطلاق الشمولی صالح للمانعیة عن بعض أفراد الإطلاق البدلی.

فلو توقّف عدم صلاحیته للمانعیة علی وجود الإطلاق البدلی لزم الدور.

فبالنتیجة إنّ المطلق الشمولی صالح لأن یکون مانعاً عن المطلق البدلی فی مورد المعارضة و الاجتماع دون العکس.

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الثالث:

إنّ ثبوت الإطلاق فی کلیهما یتوقّف علی تمامیة مقدّمات الحکمة و لامزیة

ص: 261


1- المحاضرات (ط.ج): ج2،ص161-162و (ط.ق): ج2،ص336-337.
2- أجود التقریرات، ج1، ص236.

لأحدهما علی الآخر من هذه الناحیة.

فکما أنّ الطلاق الشمولی صالح لأن یکون مانعاً عن البدلی و مقیداً له کذلک البدلی صالح لأن یکون مانعاً عن الشمولی و مخصّصاً له فلا ترجیح لأحدهما علی الآخر و هذا الوجه الثالث بالحقیقة یرجع إلی الوجه الثانی و تقریب له بعبارة أُخری هذا کلّه فی القرینة المنفصلة.

أمّا تقدیم الإطلاق الشمولی علی البدلی إذا کانا متّصلین فلأنّ الإطلاق الشمولی رافع للظهور فی البدلی و یکون وارداً علیه و فیه ما لایخفی و لانطیل الکلام حوله و خلاصته أنّ ما أفاده دقّة عقلیة لایفهمه العرف مع أنّ الظهور أمر عرفی.

الدعوی الصغروی:
اشارة

و هو أنّ مسألتنا من صغریات تلک الکبری (و هی تقدیم الإطلاق الشمولی علی الإطلاق البدلی) حیث إنّ مفاد الهیأة له إطلاق شمولی (لثبوت الوجوب علی تقدیری حصول القید و عدمه) و مفاد المادّة له إطلاق بدلی.((1))

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الصغری تبعاً للمحقق النائینی (قدس سره):

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الصغری((2)) تبعاً للمحقق النائینی (قدس سره) ((3)):

إنّ المقام لیس من صغریات تقدیم الإطلاق الشمولی علی الإطلاق البدلی لعدم التعارض و التنافی بین الإطلاقین بالذات، بداهة أنّه لا مانع من أن یکون کلّ من الهیأة و المادّة مطلقاً من دون أی منافاة بینهما و التنافی إنّما جاءت من

ص: 262


1- المحاضرات (ط.ج): ج2،ص162-163 و(ط.ق): ج2،ص337-338.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2،ص163-164و(ط.ق): ج2،ص338-339.
3- أجود التقریرات، ج1، ص238.

الخارج و هو العلم الإجمالی برجوع القید إلی أحدهما، فلا وجه لتقدیم إطلاق الهیأة علی المادّة، فإذا کان التقیید المزبور بدلیل متّصل فأوجب العلم الإجمالی الإجمال و عدم انعقاد أصل الظهور لفرض احتفاف الکلام بما یصلح للقرینیة، و إذا کان بدلیل منفصل فأوجب سقوط الإطلاقین عن الاعتبار.

الاستدلال الثانی للشیخ (قدس سره):
اشارة

((1))

إنّ القید إذا تردّد رجوعه إلی الهیأة أو إلی المادّة فالأصل یقتضی إرجاعه إلی المادّة، لأنّه لو رجع إلی الهیأة فهو کما یوجب رفع الید عن إطلاق الهیأة یوجب رفع الید عن إطلاق المادّة لفرض عدم الوجوب قبل وجود الشرط و حینئذ لاتکون مصداقاً للواجب مثلاً إذا فرضنا أنّ وجوب إکرام زید مقید بمجیئه یوم

ص: 263


1- فی مطارح الأنظار (ط. ج)، ج 1،ص252- 253 و( ط. ق)، ص49:« ...کیفما کان ففی هذه الصورة بناء علی مذاق القوم لابدّ من الأخذ بالإطلاق فی جانب الهیئة و الحکم بتقیید المادة بوجهین ... و ثانیهما أنّ تقیید الهیئة و إن لم یستلزم تقیید المادة لما عرفت من المحذور إلّا أنّه مع ذلک فالحکم بتقیید المادة أولی لدوران الأمر بین تقییدین أحدهما یبطل محل الإطلاق فی الآخر و یرتفع به مورده و الآخر لایؤثر شیئاً فی مورد إطلاقه و لا شک أنّ التقیید الثانی أولی فلَنا فی المقام أمران: أحدهما إثبات أنّه متی ما دار الأمر بین هذین التقییدین فالثانی أولی و ثانیهما إثبات الصغری أمّا الأوّل فلایکاد یستریب أحد فیه بعد ما هو المدار فی أمثال المقام من الرجوع إلی قاعدة العرف و اللغة و لا شک أنّ التقیید و إن لم یکن مجازاً إلّا أنّه خلاف الأصل و لا فرق فی لبّ المعنی بین تقیید الإطلاق و بین أن یعمل فیه عملا یشرک مع التقیید فی الأثر و إن لم یکن تقییدا مثل ارتفاع محل بیانه الذی هو العمدة فی الأخذ بالإطلاق و أما إثبات أنّ المقام من هذا القبیل فقد عرفت فی محله أنّ الأخذ بالإطلاق لیس إّلا بواسطة قبح تأخیر البیان عن مورد الحاجة فإذا فرضنا أنّ مطلقاً من المطلقات لیس له محلُ بیانٍ فلایمکن الأخذ بإطلاقه فإذا قلنا بتقیید الهیأة لزم أن لایکون لإطلاق المادة محل حاجة و بیان لأنّها لامحالة مقیدة به بمعنی أنّ وجودها لاینفک عن وجود قید الهیئة فبذلک لا محل لإطلاقه بخلاف تقیید المادة فإنّ الأخذ بإطلاق الهیأة مع ذلک فی محله فیمکن الحکم بوجوب الفعل علی تقدیر وجود القید و عدمه».

الجمعة فهذا بطبیعة الحال یستلزم تقیید الواجب (الإکرام) فیدلّ علی أنّ المطلوب لیس هو طبیعی الإکرام علی الإطلاق بل هو حصّة خاصّة منه و هی الحصّة الواقعة فی یوم الجمعة، هذا بخلاف ما إذا رجع القید إلی المادّة فإنّه لایلزم منه رفع الید عن إطلاق الهیأة.

و لا شبهة فی أنّه إذا دار الأمر بین رفع الید عن إطلاق واحد و رفع الید عن إطلاقین، تعین رفع الید عن الإطلاق الواحد.

إیرادان علی الاستدلال الثانی:
الأوّل: مناقشة صاحب الکفایة (قدس سره) و تفصیله فی المقام
اشارة

إنّه سلّم ما أفاده الشیخ (قدس سره) فی القرینة المنفصلة دون المتّصلة.

أمّا وجه مناقشته فی القرینة المتّصلة هو أنّ التقیید و إن کان خلاف الأصل إلّا أنّه لمکان اتّصاله یوجب عدم جریان مقدّمات الحکمة و انتفاء بعض مقدّماته و حینئذ لایکون هناک إطلاق حتّی یکون التقیید خلاف الأصل، و التقیید هنا یوجب عدم انعقاد الإطلاقین لا رفع الید عن الإطلاقین.

أمّا فی القرینة المنفصلة فکلام الشیخ (قدس سره) صحیح، لأنّ التقیید إذا کان بالقرینة المنفصلة فینعقد للمطلق ظهور إطلاقی و حینئذ تقیید الهیأة یوجب رفع الید عن الظهور الإطلاقی فی جانب الهیأة و المادّة فهو مخالف للأصل من جهتین و أمّا تقیید المادّة فلایوجب إلّا رفع الید عن الإطلاق فی ناحیة المادّة و الإشکال فی تعین ذلک لأنّه أقلّ مخالفةً للأصل. (و مراده هو أنّ تقیید الهیأة یوجب بطلان محل إطلاق المادّة و هذا کتقیید المادّة فی الأثر).

ص: 264

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن تفصیل صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی خصوص القرینة المنفصلة فمبنی علی توهّم أنّ تقیید الهیأة و إن لم یستلزم تقیید المادّة إلّا أنّه یوجب بطلان محل الإطلاق فیها و هو کتقییدها فی الأثر و لکن هذا التوهّم خاطئ لأنّ تقیید الهیأة کما لایستلزم تقیید المادّة لایوجب بطلان محل الإطلاق فیها و توضیح ذلک یقتضی بیان معنی تقیید الهیأة و المادّة.

الثانی: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الاستدلال الثانی للشیخ (قدس سره)

((2))

إنّ الشیخ (قدس سره) ادّعی استلزام تقیید الهیأة تقیید المادّة أیضاً (کما أنّ المحقّق النائینی (قدس سره) أیضاً وافقه فی أصل المطلب و قال: علی هذا تقیید المادّة هو القدر المتیقّن و تقیید الهیأة یحتاج إلی خصوصیة زائدة و مؤونة أکثر).

و هذا مبتن علی تخیل أنّ المراد من تقیید المادّة هو عدم وقوعها علی صفة المطلوبیة إلّا بعد تحقّق قید الهیأة و لکن هذا المعنی لیس هو المراد من تقییدها بل معنی تقیید المادّة هو أنّ المولی جعل حصّة خاصّة منها موضوعاً للحکم و متعلّقاً له، فلا ملازمة بین تقیید المادّة و تقیید الهیأة و سیجیء زیادة توضیح لذلک.

ص: 265


1- المحاضرات (ط.ج): ج2،ص171 و(ط.ق): ج2، ص346.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2،ص171 و(ط.ق): ج2، ص346.
تنبیه: تحقیق المحقق الخوئی (قدس سره) حول معنی الإطلاق والتقیید فی الهیأة والمادّة:

((1)):

إنّ معنی الإطلاق هو رفض القیود عن شیء و عدم ملاحظتها معه لا وجوداً و لا عدماً فمعنی إطلاق الهیأة عدم اقتران مفادها عند اعتباره بوجود قید و لا بعدمه و معنی تقییدها هو أنّ المجعول حصّة خاصّة من الوجوب و هی الحصّة المقیدة بهذا القید.

و معنی إطلاق المادّة هو أنّ الواجب ذات المادّة من دون ملاحظة دخل قید من القیود فی مرتبة موضوعیتها للحکم، و معنی تقییدها هو جعل حصّة خاصّة منها موضوعاً للحکم و متعلّقاً له و هی الحصّة المقیدة بهذه الخصوصیة.

فظهر أنّ النسبة بین تقیید الهیأة و تقیید المادّة العموم من وجه.

أمّا کون الشیء قیداً لمفاد الهیأة فقط کالاستطاعة فإنّها قید لوجوب الحج دون الواجب و من هنا لو استطاع شخص و وجب الحج علیه و لکنّه بعد ذلک أزال الاستطاعة باختیاره فحجّ متسکّعاً صحّ حجه و لو کانت الاستطاعة شرطاً للواجب لم یصحّ.

أمّا کون الشیء قیداً لمفاد المادّة فقط کاستقبال القبلة و الطهارة عن الحدث و الخبث فإنّها قید للمادّة فقط و لیست قیداً للوجوب.

أمّا کون الشیء قیداً لهما معاً کالوقت الخاص بالإضافة إلی الصلاة کزوال

ص: 266


1- المحاضرات (ط.ج): ج2،ص168-170، الواجب المطلق والمشروط، الوجه الثانی:الکلام فی الملازمة بین تقیید الهیأة و تقیید المادّة و(ط.ق): ج2، الواجب المطلق و المشروط، ص343-345.

الشمس و غروبها فإنّ هذه الأوقات من ناحیة کونها شرطاً لصحّة الصلاة قید للمادّة و من ناحیة أنّها ما لم تتحقّق لایکون الوجوب فعلیاً فهی قید للوجوب، فتبین أنّ رجوع القید إلی الهیأة یباین رجوعه إلی المادّة بالعموم من وجه فحینئذ نقول: إنّ القید المردّد بین رجوعه إلی المادّة أو الهیأة إن کان متصلاً فهو مانع عن أصل انعقاد الظهور لفرض احتفاف الکلام بما یصلح للقرینیة علی تقیید کل منهما و معه لاینعقد الظهور لهما جزماً.

و إن کان منفصلاً فظهور کل منهما فی الإطلاق و إن انعقد، إلّا أنّ العلم الإجمالی بعروض التقیید علی أحدهما أوجب سقوط کلیهما عن الإعتبار فلایمکن التمسک بشیء منهما

بیانه هو أنّ المدلول الالتزامی لتقیید المادّة هو تعلّق الوجوب بتقیید المادّة به و المدلول الالتزامی لتقیید الهیأة هو أخذه مفروض الوجود و إرادة کلّ منهما (تقیید المادّة أو الهیأة) تحتاج إلی مؤونة زائدة و مع العلم الإجمالی بتقیید الهیأة أو المادّة لایمکن التمسک بالإطلاق لدفع تقیید الهیأة و لا لدفع تقیید المادّة و لایمکن التمسک به أیضاً لا لنفی أخذ القید مفروض الوجود و لا لنفی تعلّق الوجوب بتقید المادّة به (للعلم الإجمالی بوقوع التنافی فی مدلولهما الالتزامی أیضاً) فیسقط إطلاق الهیأة و المادّة عن الاعتبار هذا تمام الکلام فی مقتضی الأصل اللفظی.

ص: 267

المقام الثانی: مقتضی الأصل العملی

إذا احتملنا رجوع القید إلی الهیأة فما لم یحصل القید نشک فی أصل الوجوب فتجری البراءة.

ص: 268

الأمر الثالث: فی تقسیمات الواجب

اشارة

(و هی ثلاثة):

التقسیم الأوّل: الواجب المعلّق و المنجّز

التقسیم الثانی: الواجب النفسی و الغیری

التقسیم الثالث: الواجب الأصلی و التبعی

ص: 269

ص: 270

التقسیم الأوّل: الواجب المعلّق و المنجّز
اشارة

فیه ثلاثة مواضع و تنبیه:

إنّ صاحب الفصول (قدس سره) ((1)) قال: إنّ الواجب إمّا واجب مطلق و إمّا واجب مشروط، و الواجب المطلق أیضاً ینقسم إلی قسمین: الواجب المنجّز و الواجب المعلّق.

أمّا الواجب المنجّز هو ما کان الواجب فیه حالیاً کالوجوب.

أمّا الواجب المعلّق هو ما کان الوجوب فیه حالیاً و الواجب استقلالیاً.

فإنّ الواجب المعلّق مقید بقید متأخّر خارج عن اختیار المکلّف من زمان أو زمانی.

ص: 271


1- فی الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، المقالة الأولی فی جملة من المباحث المتعلقة بالکتاب و السنة، القول فی الأمر، تمهید مقال لتوضیح حال، ص79: «... ینقسم باعتبار آخر إلی ما یتعلق وجوبه بالمکلف و لایتوقف حصوله علی أمر غیر مقدور له کالمعرفة و لیسمّ منجّزا أو إلی ما یتعلق وجوبه به و یتوقف حصوله علی أمر غیر مقدور له و لیسمّ معلقا کالحج فإنّ وجوبه یتعلق بالمکلف من أوّل زمن الإستطاعة أو خروج الرفقة و یتوقف فعله علی مجی ء وقته و هو غیر مقدور له و الفرق بین هذا النوع و بین الواجب المشروط هو أنّ التوقف هناک للوجوب و هنا للفعل».
الموضع الأوّل: فی ما أُورد علی صاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

و هی ثلاثة:

الإیراد الأوّل: کلام الشیخ الأنصاری (قدس سره) فی إنکار الواجب المعلّق

الإیراد الأوّل: کلام الشیخ الأنصاری((1)) (قدس سره) فی إنکار الواجب المعلّق

إنّ الشیخ (قدس سره) أنکر الواجب المعلّق و قال: لانتعقّل واجباً مطلقاً معلّقاً، والوجه فی إنکاره هو أنّه یفسّر الواجب المشروط بما یکون الوجوب فیه فعلیاً حالیاً و الواجب فیه استقبالیاً، و علی هذا الواجب المعلّق الذی تصوّره صاحب الفصول (قدس سره) و أدرجه فی الواجب المطلق هو بعینه الواجب المشروط الذی تصوّره الشیخ (قدس سره) .

و أمّا علی مبنی المشهور من رجوع الشرط إلی مفاد الهیأة (و عدم فعلیة الوجوب ما لم یحصل الشرط) فلایتوجّه ما أفاده الشیخ (قدس سره) علی صاحب الفصول (قدس سره) .

الإیراد الثانی: من صاحب الکفایة(قدس سره):
اشارة

((2))

إنّ هذا التقسیم لغو، لأنّ الواجب المعلّق و المنجّز کلیهما من أقسام الوجوب المطلق و علی کلا القسمین وجوب ذی المقدّمة مطلق فیقتضی إطلاق وجوب المقدّمة فإنّ ملاک وجوب المقدّمة هو إطلاق وجوب ذی المقدّمة و هذا الملاک موجود فی الواجب المعلّق و المنجّز فلا أثر لهذا التقسیم.

ص: 272


1- مطارح الأنظار(ط.ج): ج1، ص261-263 و (ط.ق): ص51-52.
2- کفایة الأصول ( ط. آل البیت )، المقصد الأول الأوامر، فصل فی مقدمة الواجب، الأمر الثالث فی تقسیمات الواجب، ص102.
جواب المحقّق الإصفهانی (قدس سره) عن إیراد صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) من انفکاک زمان الوجوب عن زمان الواجب یجدی فی تصحیح وجوب المقدّمة قبل زمان الواجب، فیصحّ تقسیم الواجب:

الأوّل: ما یتّحد زمانه مع زمان وجوبه فلاتکون مقدّمته واجبة قبل زمانه.

الثانی: ما یتأخّر زمانه عن زمان وجوبه، فیمکن وجوب مقدّمته قبله و لعلّه إلیه أشار (قدس سره) بقوله«فافهم».

الإیراد الثالث: مناقشة المحقّق الخوئی (قدس سره) فی نظریة صاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ المقسم للواجب المعلّق و المنجّز هو الواجب المشروط لا الواجب المطلق توضیحه:

إنّ وجوب کل واجب قد یکون مشروطاً بشیء من زمان أو زمانی مقارن له أو متأخر عنه فهو الواجب المشروط.

و قد یکون غیر مشروط به فهو الواجب المطلق.

فلابدّ من ملاحظة أنّ وجوب الحج مثلاً مشروط بیوم عرفة أو مطلق.

لا شبهة فی أنّ ذات الفعل و هو الحج مقدور للمکلّف فلا مانع من تعلّق التکلیف به و کذا إیقاع الحج فی زمان (یوم عرفة) أیضاً مقدور للمکلّف، أمّا نفس وجود الزمان فهو غیر مقدور له فلایمکن وقوعه تحت التکلیف.

ص: 273


1- نهایة الدرایة (ط.ج): ج 2، ص،72.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص174و (ط.ق): ج2، ص348.

ربّما لم یتعلّق التکلیف بذات الفعل علی الإطلاق و إنّما تعلّق بإیقاعه فی زمان خاص فعلم من ذلک أنّ للزمان دخلاً فی ملاکه و إلّا فلا مقتضی لأخذه فی موضوعه و علیه فبطبیعة الحال یکون مشروطاً به، غایة الأمر أنّه علی نحو الشرط المتأخر.

و من هنا إذا افترضنا عدم مجیء هذا الزمان الخاصّ و عدم تحقّقه فی الخارج من جهة قیام الساعة مثلاً أو فرضنا أنّ المکلّف حین مجیء هذا الزمان خرج عن التکلیف بالجنون أو نحوه کشف ذلک عن عدم وجوبه من أوّل الأمر.

ثم إنّ المشروط بالشرط المتأخر علی نوعین:

النوع الأوّل: ما یکون متعلّق الوجوب فیه حالیاً.

النوع الثانی: ما یکون متعلّق الوجوب فیه أمراً استقبالیاً کالحج فی یوم عرفة.

فما سمّی فی الفصول بالواجب المعلّق هو النوع الثانی من الشرط المتأخر.

جواب بعض الأساطین عن إیراد المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ مرتبة قید الوجوب متقدّم علی مرتبة قید الواجب و الشرط المتأخر بما أنّه دخیل فی الملاک فهو فی مرتبة قید الوجوب و بما أنّ متعلّق الوجوب أمر استقبالی فهو فی مرتبة قید الواجب، فیکون الشرط المتأخر فی تلک المرتبتین (و حینئذ یلزم تقدّم المتأخر أو تأخّر المتقدّم و بعبارة أُخری یلزم تقدّم الشیء علی نفسه).

یلاحظ علیه:

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قال فی بحث الواجب المشروط:

ص: 274


1- تحقیق الأصول، ج2، ص345.

إنّ الشرط قد یکون قیداً للمادّة (فهو قید للواجب) و قد یکون قیداً للهیأة (فهو قید للوجوب) و قد یکون قیداً لهما معاً و ذلک کالوقت الخاصّ بالإضافة إلی الصلاة کزوال الشمس و غروبها و طلوع الفجر، فإنّ هذه الأوقات من ناحیة کونها شرطاً لصحّة الصلاة هی قید للصلاة و من ناحیة أنّها ما لم تتحقّق لایکون الوجوب فعلیاً هی قید للوجوب.

فعلی هذا ما هو فی المرتبة المتأخرة بما أنّه فی الرتبة المتأخرة لم یتقدّم علی نفسه بل الزمان الواحد شرط لتحقّق المرتبتین و هما و إن اختلفا فی الرتبة و لکنّهما یوجدان فی زمان واحد. (و أمّا تأخّر الشرط عن مشروطه فقد أُجیب عنه فی الواجب المشروط بوجوه متعدّدة فلا مانع من ناحیة تأخّره عن المشروط.) ((1))

ص: 275


1- المحاضرات )ط.ج): ج2، ص169و (ط.ق): ج2، ص344.
الموضع الثانی: فی إمکان الواجب المعلق ثبوتاً
اشارة

اختلف الأعلام فی إمکان الواجب المعلّق فقال بعضهم بإمکانه و بعض آخر باستحالته، فلابدّ من ملاحظة مقام الثبوت لتحقیق ذلک.

فیه قولان:
القول الأوّل: استحالة الواجب المعلّق
اشارة

و استدل علیها بأوجه ثلاثة:

الدلیل الأوّل علی الاستحالة:
اشارة

و هو ما أفاده المحقّق النهاوندی (قدس سره) فی تشریح الأُصول و ینسب إلی المحقّق الفشارکی (قدس سره) ((1)) و هو أنّ الإرادة لایمکن أن یتعلّق بما هو متأخّر لأنّ الإرادة

ص: 276


1- فی کفایة الأصول مع حواشی المشکینی ج 1، ص511 قوله: «إشکال فی الواجب المعلق»: « ... و صرّح الأستاذ- رحمه الله- بأنّ هذا البعض هو المحقق النهاوندی (قدس سره) ». و فی هدایة الأصول فی شرح کفایة الأصول، ج 1، ص283: «و المراد من أهل النظر هو المحقق النهاوندی و وافقه فی هذا الإشکال جماعةٌ من الأکابر». و فی منتهی الدرایة، ج 2، ص192: «و هو المحقق النهاوندی علی ما فی حاشیة المحقق المشکینی قدهما و وافقه جماعة من الأکابر». و فی زبدة الأصول، ج 2، ص142: «الأول: ما عن المحقق السید محمد الأصفهانی ره» و فی التعلیقة: «نسب البعض هذا القول إلی المحقق النهاوندی، فی تشریح الأصول، إلّا أنّ المصنف حفظه المولی نقله عن السید الاصفهانی سماعا، کما أفادنا عند مراجعته». و فی عنایة الأصول، ج 1، ص322: «قیل إنّ المراد من بعض أهل النظر هو المحقق الشهیر السید محمد الإصفهانی و هو من أعاظم تلامذة العلامة المجدد السید الشیرازی رحمه الله و قیل هو المحقق النهاوندی صاحب تشریح الأصول». و فی حقائق الأصول، ج 1، ص245 قوله «بعض أهل النظر»: «بل هو الذی أصرّ علیه جماعة من الأعیان».

لاتنفک عن المراد و لا فرق فی ذلک بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة، لأنّ الطلب و الإیجاب فی الإرادة التشریعیة إنّما یکون بإزاء الإرادة المحرّکة للعضلات نحو المراد فی الإرادة التکوینیة، فلابدّ أن لاینفک الإیجاب عما یتعلّق به (الواجب) فلایصحّ الطلب و البعث فعلاً نحو الأمر المتأخر.

إیرادان علی هذا الدلیل:
الإیراد الأوّل: من صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1))

أوّلاً: إنّ الإرادة تتعلّق بالأمر المتأخر الاستقبالی کما تتعلّق بالأمر الحالی ضرورة أنّ تحمّل المشاقّ فی تحصیل المقدّمات فیما إذا کان متعلّق الإرادة بعید المسافة و کثیر المؤونة لیس إلّا لأجل تعلّق الإرادة به.

و لعّل الاشتباه نشأ من أنّهم عرّفوا الإرادة بالشوق المؤکّد المحرّک للعضلات نحو المراد فتوهّم المستشکل أنّ تحریکها نحو المتأخر غیر ممکن و لکنّه غفل عن أنّ کونه محرّکاً نحو المراد یختلف حسب اختلافه فی کونه مما لا مؤونة له کحرکة العضلات أو کونه ممّا له المؤونة و المقدّمات و الجامع هو أن یکون نحو المراد.

ﻓ-:

1- إذا کان المراد حالیاً توجب الإرادةُ تحریک العضلات نحوه فعلاً.

ص: 277


1- کفایة الأصول ( ط. آل البیت )، المقصد الأول الأوامر، فصل فی مقدمة الواجب، الأمر الثالث، الإشکال علی الواجب المعلق و دفعه، ص102-103.

2- إذا کان المراد استقبالیاً ذا مقدّمات توجب الإرادةُ التحریک نحوه بفعل المقدّمات.

3- إذا کان المراد استقبالیاً بلا مقدّمة خارجیة غیر مجیء زمان خاص فالإرادة لاتوجب التحریک مع أنّ الإرادة بهذه المرتبة الخاصّة من الشوق موجودة فی أُفق النفس فعدم التحریک من جهة عدم الموضوع لا من جهه قصور فی الإرادة.

ثانیاً: إنّه لایکاد یتعلّق البعث إلّا بأمر متأخّر عن زمان البعث، لأنّ البعث إنّما یکون لإحداث الداعی للمکلّف إلی فعل المکلّف به، بأنّ یتصوّر الفعل بما یترتّب علیه من المثوبة و علی ترکه من العقوبة و لایکاد یکون هذا إلّا بعد البعث بزمانٍ ما، فإذا جاز الانفکاک فی هذا الزمان القصیر فلابدّ من أن یجوز فی الزمان الطویل أیضاً لأنّه لایتفاوت طول الانفکاک و قصره فیما هو ملاک الاستحالة و الإمکان فی نظر العقل.

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن إیراد صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول: لایعقل تعلّق الإرادة بأمر استقبالی و کذا تعلّق البعث به.

أمّا عدم تعلّق الإرادة بالفعل المتأخر:

فتوضیحه یظهر بالتأمل فی حقیقة الإرادة التکوینیة و کیفیة تأثیر القوّة الشوقیة (الباعثة) فی القوّة العاملة التی هی المنبثة فی العضلات.

ص: 278


1- نهایة الدرایة ) ط.ج): ج2، ص73 - 79.

فإنّ سرّ هذا التأثیر و التأثّر هو أنّ النفس فی وحدتها کل القوی فهی مع وحدتها ذات منازل و درجات:

أمّا مرتبة القوّة العاقلة: فتدرک فی الفعل فائدة عائدة إلی جوهر ذاتها أو قوّة من قواها.

أمّا مرتبة القوّة الشوقیة: فینبعث لها شوق إلی ذلک الفعل (و هذا الشوق قد یتعلّق بما لایقع بل بالمحال).

أمّا مرتبة کمال الشوق (الإرادة): -و یعبّر عنه بتصمیم العزم و الإجماع والإرادة- فإنّ الشوق فی المرحلة السابقة إذا لم یجد مزاحماً و مانعاً یخرج من حدّ النقصان إلی حدّ الکمال فیبلغ إلی حدّ یسمّی ﺑ«الإرادة».

أمّا مرتبة القوّة العاملة: فینبعث من الشوق البالغ حدّ نصاب الباعثیة هیجان فی مرتبة القوّة العاملة فیحصل منها حرکة فی مرتبة العضلات.

و من الواضح أنّ الشوق و إن أمکن تعلّقه بأمر استقبالی، إلّا أنّ الإرادة لیست نفس الشوق بأیة مرتبة کان، بل الشوق البالغ حدّ النصاب بحیث صارت القوّة الباعثة باعثةً بالفعل و حیئذ لایتخلّف عن انبعاث القوّة العاملة المنبثة فی العضلات و هو هیجانها لتحریک العضلات غیرِ المنفک عن حرکتها.

و هذا معنی قولهم: «إنّ الإرادة هو الجزء الأخیر من العلّة التامّة لحرکة العضلات»

فمن یقول بإمکان تعلّق الإرادة بأمر استقبالی:

1- إن أراد حصول الإرادة التی هی علّة تامّة لحرکة العضلات، إلّا أنّ معلولها حصول الحرکة فی ظرف کذا فهو عین انفکاک العلّة عن المعلول.

2- و إن أراد أنّ ذات العلّة و هی الإرادة موجودة من قبل إلّا أنّ شرط

ص: 279

تأثیرها و هو حضور وقت المراد لم یحصل و لذا لم تؤثّر العلّة فی حرکة العضلات.

ففیه: أنّ حضور الوقت إن کان شرطاً فی بلوغ الشوق حدّ النصاب و خروجه من النقص إلی الکمال فمعناه هو شرطیته لتحقّق الإرادة فما لم یحضر الوقت لم تحصل الإرادة و إن کان شرطاً فی تأثیر الشوق البالغ حدّ النصاب فهو غیر معقول، لأنّ بلوغ القوّة الباعثة فی بعثها إلی حدّ النصاب مع عدم انبعاث القوّة العاملة تناقض بین، بداهة عدم انفکاک البعث الفعلی عن الانبعاث.

توضیحه: إنّ الشرط إمّا متمّم لقابلیة القابل أو مصحّح لفاعلیة الفاعل، و دخول الوقت خارجاً لیس من خصوصیات الشوق النفسانی البالغ حدّ النصاب حتّی یکون مصحّحاً لفاعلیة الشوق، و کذا القوّة المنبثة فی العضلات تامّة القابلیة فلایکون دخول الوقت متمّماً لقابلیتها.

نعم دخول الوقت متمّم لقابلیة الفعل لتعلّق القدرة و الشوق البالغ حدّ النصاب بهذا الفعل.

أمّا ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من لزوم تعلّق الإرادة بأمر استقبالی إذا کان المراد ذا مقدّمات کثیرة فإنّ إرادة مقدّماته قطعاً منبعثة عن إرادة ذیها فتوضیح الحال فیه: أنّ الشوق إلی المقدّمة بما هی مقدّمة لابدّ من انبعاثه من الشوق إلی ذیها، لکنّ الشوق إلی ذیها لما لم یمکن وصوله إلی حدّ یتحرّک القوّة العاملة به لم یتحقّق الإرادة نحو ذی المقدّمة فلامحالة یقف الشوق فی مرتبته إلی حصول مقدّمات ذی المقدّمة و بعد طی المقدّمات یمکن تحقّق الإرادة أمّا الشوق إلی المقدّمة فلا مانع من بلوغه حدّ الباعثیة الفعلیة.

فالشوق إلی المقدّمة یتبع الشوق إلی ذی المقدّمة أمّا الإرادة فی المقدّمة فهی حاصلة دون الإرادة فی ذی المقدّمة لوجود المانع عنها.

ص: 280

هذا کلّه فی الإرادة التکوینیة.

أمّا الإرادة التشریعیة فهی إرادة فعل الغیر منه اختیاراً و فعل الغیر لیس تحت اختیار الآمر (فی الموالی العرفیة) بل بالتسبّب إلیه بجعل الداعی إلیه و هو البعث نحوه، فینبعث من الشوق إلی فعل الغیر اختیاراً الشوق إلی البعث نحوه فیتحرّک القوّة العاملة نحو تحریک العضلات بالبعث له.

فالشوق المتعلّق بفعل الغیر إذا بلغ مبلغاً ینبعث منه الشوق نحو البعث الفعلی کان إرادة تشریعیة. (فالإرادة التشریعیة علّة للبعث الفعلی) و هذا البعث الفعلی لایعقل أن یتعلّق بأمر استقبالی، لأنّ البعث هو جعل ما یمکن أن یکون داعیاً عند انقیاد المکلّف و باعثاً له و إمکان الباعثیة یلازم إمکان الانبعاث، و إذا لم یعقل إمکان الانبعاث فعلاً کما فی مفروض المسألة (فی الواجب المعلّق) فلایعقل إمکان البعث فعلاً، فلا مجال لجواز تأخّر الانبعاث عن البعث ضرورة و إمکاناً، فضلاً عن لزوم تأخّره و لو بآنٍ کما عن صاحب الکفایة (قدس سره) .

لایقال: علی هذا لایمکن البعث نحو الفعل فی وقته مع عدم حصول مقدّماته الوجودیة، ضرورة عدم إمکان الانبعاث نحو ذی المقدّمة إلّا بعد وجود مقدّماته مع أنّ البعث إلی المقدّمات الوجودیة ینبعث عن البعث إلی ذی المقدّمة. (فالبعث إلی ذی المقدّمة متوقّف علی إمکان الانبعاث و إمکان الانبعاث متوقّف علی وجود المقدّمات مع أنّ البعث إلی المقدّمات متوقّف علی البعث إلی ذی المقدّمة).

لأنّا نقول: حیث إنّ تحصیل المقدّمات ممکن یتّصف البعث و الانبعاث إلی ذی المقدّمة بصفة الإمکان، بخلاف البعث إلی شیء قبل حضور وقته فإنّ فعل المتقید بالزمان المتأخر مستحیل تحقّقه فی الزمان المتقدّم من حیث لزوم الخلف

ص: 281

أو الانقلاب فهو ممتنع استعدادی و لا إمکان استعدادی بالنسبة إلی تحقّق الفعل المتقید بالزمان المتأخر.

أمّا البعث نحو ما له مقدّمات وجودیة فممکن بالإمکان الاستعدادی، فلا إشکال فی جواز البعث نحوه قبل حصول مقدّماته الوجودیة.

لایقال: کیف الحال فی الفعل المرکّب من أُمور تدریجیة الوجود فإنّ الانبعاث نحو الجزء المتأخر فی زمان الانبعاث نحو الجزء المتقدّم غیر معقول مع أنّ الفعل المرکّب هو مبعوث إلیه ببعث واحد فی أوّل الوقت و ذلک مثل الإمساک فی مجموع النهار فإنّ الإمساک فی الجزء الأخیر غیر ممکن فی أوّل النهار.

لأنّا نقول: الإنشاء بداعی البعث و إن کان واحداً و هو موجود من أوّل الوقت لکن کأنّه بلحاظ تعلّقه بأمر مستمر أو بأمر تدریجی الحصول منبسط علی ذلک المستمر أو التدریجی، فله اقتضاءات متعاقبة بکل اقتضاء یکون بالحقیقة بعثاً إلی ذلک الجزء من الأمر المستمر أو التدریجی فهو لیس مقتضیاً بالفعل لتمام ذلک الأمر المستمر أو المرکّب بل یقتضی شیئاً فشیئاً.

إشکالان من بعض الأساطین علی بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):((1))

أوّلاً: بالنقض بالأُمور التدریجیة مثل الإمساک فی الصوم حیث إنّ الإمساک فی العصر غیرممکن من أوّل النهار.

ولکن أجاب عنه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی لایقال الثانی فلانعید.

ثانیاً: إنّ الحکم إمّا أمر یتعلّق به الجعل الاعتباری استقلالاً و إمّا أمر انتزاعی ینتزع عن الإنشاء بداعی جعل الداعی.

ص: 282


1- تحقیق الأصول، ج2، ص354-355.

فإذا قلنا بأنّ الحکم أمر انتزاعی فنقول:

إنّ الإنشاء إمّا أن یکون فیه إمکان الانبعاث فلا إشکال فیه و إمّا أن لایکون فیه إمکان الانبعاث و هنا وقع الإشکال.

و الحلّ هو أنّ عدم إمکان الانبعاث:

إن کان لقصور فی الإنشاء مثل: إذا زالت الشمس فصلّ فیلازم ذلک عدم إمکان الباعثیة فلابعث فعلی حینئذ حتّی یستشکل بعدم إمکان الانبعاث.

و إن کان لقصور فی المتعلّق مثل ما إذا کان المتعلّق أمراً استقبالیاً متأخّراً فلایضرّ بانتزاع الحکم عن الإنشاء بداعی جعل الداعی، لأنّه لا إشکال فی ناحیة الإنشاء و لا قصور فیه بل القصور من ناحیة المتعلّق من حیث تقییده بالزمان المتأخر. و هذا هو الواجب المعلّق.

و أمّا إذا قلنا بأنّ الحکم أمر یتعلّق به الجعل الاعتباری الاستقلالی فنقول:

إنّ الحکم حینئذ هو نفس المعتبر (أی اللابدیة و ثبوت الفعل علی الذمّة أو الحرمان) و إذا کان الملاک للحکم تامّاً فیتحقّق الحکم إلّا أنّه لاداعویة للحکم إلّا فی الزمان المتأخر و لایضرّ ذلک لأنّ الحکم لایتقوّم بداعویته، فالمعتبر (الحکم) فعلی و حالی و متعلّقه استقبالی و هذا هو الواجب المعلّق.

یلاحظ علیه:

أوّلاً: إذا فرضنا انتزاع الحکم عن الإنشاء:

فإنّ ما أفاده فی تصویر الواجب المعلّق یوجب دفع إشکال استحالة الواجب المعلّق ذاتاً.

أمّا إشکال لغویته فلایدفع بهذا البیان، فإنّ الإنشاء بداعی جعل الداعی

ص: 283

بالنسبة إلی المتعلّق الذی هو مقید بالزمان المتأخر و لایمکن الانبعاث فیه لغو، کما أنّ جعل الحکم بلا داعویة لغو.

ثانیاً: إذا فرضنا أنّ الحکم یتعلّق به الجعل الاعتباری الاستقلالی:

فإنّ ما أفاده من أنّ الحکم إذا کان ملاکه تامّاً فیتحقّق الحکم بلا داعویة ممنوع فیما إذا قلنا بتبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد التی هی فی متعلّقاتها، لأنّه علی فرض تقیید المتعلّق بالزمان المتأخر فلا مصلحة تامّة و لا مفسدة تامّة قبل ظرف المتعلّق فیکون الحکم بلا ملاک تامّ.

ثالثاً: إنّ الحکم الذی تصوّره قبل ظرف المتعلّق حکم إنشائی و البعث فیه فرضی لا حقیقی، سواء قلنا بأنّه أمر جعلی معتبر استقلالاً أو قلنا بأنّه أمر انتزاعی من الإنشاء (فإنّ الملاک فی الحکم الإنشائی غیر تامّ و أمّا فی الحکم الفعلی فهو تامّ).

الإیراد الثانی: مناقشة بعض الأساطین فی استحالة الواجب المعلّق بالوجه الأوّل
اشارة

((1))

إنّ الواقع فی الإرادة التشریعیة هو الإرادة و الطلب من المولی.

أمّا الإرادة التی تعلّقت بالطلب و البعث فهی إرادة تکوینیة فلایتخلّف عن المراد.

أمّا الطلب (و هو قد یسمّی بالإرادة التشریعیة) فلا إشکال فی جواز انفکاکه عن المطلوب فإنّ النسبة بین الإرادة التکوینیة و المراد نسبة العلّة التامّة إلی المعلول و لکنّ النسبة بین الإرادة التشریعیة بمعنی الطلب و المراد هی نسبة المقتضی إلی المقتضی فلا مانع من الانفکاک بینهما.

ص: 284


1- تحقیق الأصول، ج2، ص349.
یلاحظ علیه:

أنّ الکلام لیس فی انفکاک الطلب من المطلوب فإنّه لا خلاف فی جواز انفکاکهما فإنّ المکلّف قد یطیع أمر المولی و قد لایطیعه.

بل المراد هو أنّ الباعثیة الإمکانیة لاتنفک عن إمکان الانبعاث.

الدلیل الثانی علی الاستحالة: ما ذکره فی الکفایة
اشارة

((1))

إنّ التکلیف مشروط بالقدرة فلابدّ أن یکون المکلّف قادراً علی امتثاله حین تعلّق التکلیف به، فلو التزمنا بالواجب المعلّق یلزم عدم إمکان امتثال التکلیف.

إیراد علی هذا الدلیل:

إنّ القدرة المعتبرة فی صحّة التکلیف إنّما هی قدرة المکلّف فی ظرف العمل و الامتثال و إن لم یکن قادراً فی ظرف التکلیف.

الدلیل الثالث علی الاستحالة: ما ذکره المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ الموضوع و القیود المعتبرة فیه لابدّ أن یؤخذ مفروض الوجود فی إنشاء القضایا الحقیقیة، أمّا فعلیة الحکم فلاتساوق إنشاءه، فإنّ فعلیة الحکم تتوقّف علی فعلیة کلّ ما أُخذ مفروض الوجود فی الخطاب، فإذا فرضنا أنّ الواجب من الموقّتات فتتوقّف فعلیة الحکم علی فعلیة الزمان کما تتوقّف علی فعلیة بقیة القیود

ص: 285


1- کفایة الأصول (ط.آل البیت)، المقصد الأول الأوامر، فصل فی مقدمة الواجب، الأمر الثالث، الإشکال علی الواجب المعلق و دفعه، ص103.
2- أجود التقریرات، ج1، ص208.

التی أُخذت فی الخطاب مفروض الوجود و هذا عین إنکار الواجب المعلّق و الالتزام بالاشتراط (و علیه قال باستحالة الشرط المتأخر).

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الدلیل:

أورد علیه المحقّق الخوئی (قدس سره) فی هامش أجود التقریرات فقال: أخذ الزمان مفروض الوجود فی الخطاب و إن کان یستلزم اشتراط التکلیف به لامحالة إلّا أنّه لایستلزم تأخّر التکلیف عنه خارجاً لما عرفت من جواز کونه شرطاً متأخّراً.

القول الثانی: إمکان الواجب المعلق
التحقیق الذی أفاده المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

هو یری عدم المانع من الالتزام بالواجب المعلّق بمعنی کون وجوبه مشروطاً بشرط متأخّر خلاصة بیانه هو أنّه:

إن أُرید بالإرادة الشوق النفسانی غیرُ البالغ إلی مرحلة العزم فهو کما یتعلّق بالأمر الحالی یتعلّق بالأمر الاستقبالی.

و إن أُرید الاختیار و إعمال القدرة فإنّها لاتتعلّق بفعل الإنسان نفسه إذا کان فی زمن متأخّر فضلاً عن فعل غیره، و من هنا لایمکن تعلّقها بالمرکّب من أجزاء طولیة زماناً و تدریجیة وجوداً دفعة واحدة إلّا علی نحو تدریجیة أجزائه و ذلک کالصلاة مثلاً فإنّه لایمکن إعمال القدرة علی القراءة قبل التکبیرة و هکذا.

مع أنّه لا أصل للإرادة التشریعیة سواء قلنا بأنّها الشوق النفسانی أو الاختیار لأنّ الشوق النفسانی أمر تکوینی سواء تعلّق بالأمر التکوینی أم بالأمر التشریعی

ص: 286


1- المحاضرات ( ط.ج): ج 2، ص178-180و (ط.ق): ج2، ص351 -353.

و هکذا الاختیار و إعمال القدرة أمر تکوینی سواء تعلّق بالأمر التکوینی أم بالأمر التشریعی.

و إن أُرید بالإرادة الطلب و البعث باعتبار أنّه یدعو المکلّف إلی إیجاد الفعل فی الخارج.

ففیه أنّه لایمکن ترتّب أحکام الإرادة التکوینیة علیه لأنّه أمر اعتباری، فعدم تعلّق الإرادة بالأمر المتأخر زماناً لایستلزم عدم تعلّق البعث به، بل یمکن أن یتعلّق البعث الاعتباری بالأمر المتأخر.

یلاحظ علیه:

((1))

أنّ تعلّق البعث الاعتباری نحو المتأخر بل نحو المحال ممکن ذاتاً إلّا أنّه غیر ممکن بالإمکان الاستعدادی و تعلّق البعث به لغو، فلیس کل ما هو فی عالم الاعتبار صحیحاً نافعاً، فإنّ اعتبار المتناقضین فی عالم الاعتبار ممکن ذاتاً، فیتمکّن المولی من جعل الوجوب و الحرمة فی عالم الاعتبار بالنسبة إلی متعلّق واحد و لکنّه اعتبار لغو و لایصدر من الحکیم.

مع أنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) لایحتاج إلی البحث عن تعلّق الإرادة بمعنی البعث الاعتباری بالأمر المتأخّر لأنّ الزمان المتأخر عنده لیس قیداً لمتعلّق الأمر بل الزمان المتأخر هو الشرط المتأخر لنفس الوجوب.

ص: 287


1- بالنسبة إلی ما أفاده من تعلّق البعث إلی المتأخر.
الموضع الثالث: ثمرة البحث عن الواجب المعلّق
اشارة

و هی تظهر فی ثلاث مسائل مهمّة:

المسألة الأُولی: المقدّمة المفوِّتة، مثل دفع الإشکال عن إیجاب مقدّمات الحج قبل الموسم و هکذا دفع الإشکال عن وجوب إبقاء الاستطاعة بعد أشهر الحج و هکذا دفع الإشکال عن وجوب الغسل فی اللیل علی المکلّف بالصوم فیما إذا احتاج إلی الغسل.

المسألة الثانیة: التعلّم فإنّ البحث عن الواجب المعلّق یثمر فی مقام دفع الإشکال عن وجوب التعلّم قبل زمان الواجب.

المسألة الثالثة: الواجبات التدریجیة

و المهمّ هو البحث عن المسألة الأُولی و الثانیة.

و قد تعرّض السید الخوئی (قدس سره) ((1))لبیان مقدّمة قبل الورود فی البحث.

ص: 288


1- فی المحاضرات (ط.ج): ج2، ص185-187و (ط.ق): ج2، ص357-359:«... و قبل التعرض لدفع الاشکال و بیان الأقوال فیه ینبغی تقدیم أمرین: [الأوّل: بحث حول قاعدة الإمتناع بالإختیار]... [الثانی: الکلام فی غیر التعلم من المقدّمات المفوّتة]».
المقدّمة:
اشارة

و فیها مطلبان:

المطلب الأوّل: الامتناع بالاختیار هل ینافی الاختیار؟
اشارة

هنا مسالک ثلاثة:

المسلک الأوّل: الامتناع بالاختیار ینافی الاختیار عقاباً و خطاباً

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا المسلک:((1))

إنّ الخطاب و إن کان لغواً إلّا أنّه لامانع من العقاب، لأنّ المکلّف فی بدایة الأمر کان متمکّناً أن لایجعل نفسه مضطرّاً إلی ارتکاب الحرام فلو جعل نفسه حینئذ مضطرّاً إلی ارتکاب الحرام حکم العقل باستحقاقه العقاب.

المسلک الثانی: الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً و خطاباً
اشارة

((2))

إنّه کما یحکم العقل باستحقاقه للعقاب یحکم الشرع بحرمة تصرّفه فی الأرض المغصوبة عند خروجه عنه و ادّعی أنّه لا مانع من التکلیف بغیر المقدور إذا کان مستنداً إلی سوء اختیاره.

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی مختار المحقق القمی (قدس سره):

إنّ الغرض من التکلیف هو إیجاد الداعی للمکلّف بالنسبة إلی المکلّف به فإن

ص: 289


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص186و (ط.ق): ج2، ص358.
2- إختاره المحقق القمی (قدس سره) فی قوانین الأصول (ط.ق): ص124-125.

کان المکلّف به مقدوراً لم یکن التکلیف به لغواً حیث إنّه یمکن أن یصیر داعیاً إلیه، و إن لم یکن مقدوراً کان التکلیف به لغواً، لعدم إمکان کونه داعیاً، و عدم القدرة إذا کان مسبّباً عن سوء الاختیار لایصحّح تکلیف المولی لغیر القادر و إلّا لجاز للمولی أن یأمر عبده بالجمع بین الضدّین معلّقاً علی أمر اختیاری و هو باطل قطعاً حتّی عند المحقّق القمی (قدس سره) .((1))

المسلک الثالث: إنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً لا خطاباً

و معناه أنّه إن اضطرّ الإنسان نفسه باختیاره إلی ارتکاب محرّم مثل الدخول فی الأرض المغصوبة فحینئذ التکلیف عنه ساقط لکونه لغواً لفرض خروج الفعل عن اختیاره أمّا عقاب هذا الشخص فلا قبح فیه، لأنّ هذا الاضطرار منتهٍ إلی الاختیار فیحکم العقل باستحقاقه للعقاب و لا قبح فیه عند العقل.

و الحقّ هو المسلک الثالث أی إنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً و ینافیه خطاباً.

المطلب الثانی:

إنّه لا فرق فی حکم العقل باستحقاق العقاب بین مخالفة التکلیف الالزامی الفعلی و بین تفویت حقیقة التکلیف و روحه و هو الملاک التامّ الملزم کما لو أعجز العبد نفسه اختیاراً عن إنقاذ ولد المولی، فإنّ عجزه و إن کان مانعاً عن توجّه التکلیف إلیه لعدم القدرة إلّا أنّه یستحقّ العقاب علی تفویت الغرض الملزم فیه حیث کان قادراً علی حفظ قدرته.

ص: 290


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص185-186و (ط.ق): ج2، ص358.
المسألة الأُولی: المقدّمات الوجودیة المفوّتة
اشارة

و البحث یقع فی مقام الثبوت و الإثبات:

المقام الأوّل: مقام الثبوت
اشارة

یتصوّر فیه وجهان:

الوجه الأوّل:
اشارة

و هو أن یکون ملاک الواجب تامّاً و القدرة غیر دخیلة فی ملاکه مثل حفظ النفس المحترمة أو حفظ نظام المؤمنین و دفع ما یخلّ به و أمثال ذلک.

و فیه نظریات:

الأُولی: نظریة المحقق التقی وصاحب البدائع والمحقق البروجردی
اشارة

(1)

نشیر إلی بیان صاحب البدایع (قدس سره) فإنه قال: إنّ المقدّمة واجبة فی تلک الموارد قبل وقت وجوب ذیها، لا بالوجوب المعلولی المستتبع من وجوب ذیها و لا

ص: 291


1- . فی هدایة المسترشدین (ط. ج)، ج 2، ص168إلی171 [تتمة البحث الاول فی الأوامر]، أصل [:مقدّمة الواجب]: «(ثانیها: أنّه هل یتصوّر تقدّم وجوب المقدّمة علی وجوب ذیها بحیث لو علم أو ظنّ تعلّق الوجوب بذی المقدّمة بعد ذلک وجب علیه الإتیان بالمقدّمة قبل وجوبها أو أنّها لاتجب إلّا بعد وجوب ذیها؟ ....و تحقیق المقام: أنّه إن فسّر الوجوب الغیری بما یکون وجوب الفعل منوطا بوجوب غیره و حاصلا من جهة حصوله من غیر أن یکون له مطلوبیة بحسب ذاته، بل إنّما یکون مطلوبیته لأجل مطلوبیة غیره، فیکون وجوبه فی نفسه عین وجوبه لوجوب غیره لم یتعقّل الوجوب الغیری قبل حصول الوجوب النفسی، لتفرّع حصوله علی حصول ذلک و تقوّمه به و إن تعلّق به أمر أصلی. و إن فسّر الوجوب الغیری بما لایکون المصلحة الداعیة إلی وجوبه حاصلة فی نفسه، بل یکون تعلّق الطلب به لأجل مصلحة حاصلة بفعل غیره لایجوز تفویت المکلّف لها فیجب علیه ذلک لیتمکّن من إتیانه بذلک الغیر أمکن القول بوجوبها قبل وجوب ذیها لا من جهة الأمر الّذی یتعلّق بذیها، بل بأمر أصلی متعلّق بها، و حینئذ فلایکون مطلوبیة الفعل حاصلة من مطلوبیة غیره آتیة من قبله و إنّما هی حاصلة من الطلب المستقلّ المتعلّق به؛ غایة الأمر أن تکون الحکمة الباعثة علی تعلّق الطلب به تحصیل الفائدة المترتّبة علی فعل آخر یکون الفعل المذکور موصلا إلیه إن بقی المکلّف علی حال یصحّ تعلّق ذلک التکلیف به عند حضور وقته». فی نهایة الأصول، ص179-180؛ بعد بیان المقصود من تصویر الواجب المعلق فی تصحیح وجوب مقدمات ثبت وجوبها مع عدم وصول زمان الإتیان بذیها و تقریب الإشکال، قال (قدس سره): « و قد عرفت منّا عدم الإحتیاج إلی تصویر الواجب المعلق، بل یمکن أن یقال: إنّ الوجوب مشروط بنفس الأمر الإستقبالی، و لکن بنحو الشرط المتأخر... و یمکن أن یجاب عن الإشکال أیضا بالإلتزام بکون المقدمة فی هذه الموارد واجبة بالوجوب النفسی التهیئی، و قد أمر بها الشارع، لئلّا یفوت الواجب حین وصول وقته، و یسمی هذا الوجوب بالوجوب للغیر، و یفترق عن الوجوب الغیری، کما لایخفی».

بالوجوب النفسی الثابت لمصلحة نفسها ولا بالوجوب العقلی الإرشادی بل بالوجوب الأصلی الثابت بالدلیل و الخطاب المستقل مراعاةً لمصلحة ذی المقدّمة و یسمّی هذا بالوجوب التهیؤی، لأنّ فائدته التهیوء و الاستعداد لواجب آخر، فهو قسم من أقسام الوجوب یشبه الوجوب النفسی من حیث عدم تولّده و عدم ثبوته من وجوب ذیها و یشبه الوجوب الغیری المقدّمی من حیث کونه ثابتاً لمصلحة غیره، و لو فسرنا الواجب الغیری بما کان مصلحة وجوبه ثابتاً فی غیره فهذا منه، لأنّ الغیری بهذا التفسیر یعمّ ما ثبت وجوبه بخطاب مستقل لمصلحة الغیر أیضاً.((1))

إیراد علی النظریة الأُولی:

فیه: أنّ ما أفاده أخصّ من موضع البحث، لأنّه لم یقم دلیل علی وجوب هذه

ص: 292


1- بدائع الأفکار، ص319.

المقدّمات بخطاب مستقل إلّا فی بعض الموارد فما أفاده من الوجوب النفسی التهیؤی لایجدی فی عموم الموارد.

الثانیة: نظریة صاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

إنّه تفصّی عن الإشکال فی وجوب المقدّمة فی هذه الموارد بالالتزام بالواجب المعلّق فالوجوب بالنسبة إلی ذی المقدّمة فعلی فلایتوجّه إشکال وجوب المقدّمة قبل وجوب ذی المقدّمة، و سیجیء إن شاء الله تفصیله.

إیراد علی النظریة الثانیة:

قد مضی بطلان الواجب المعلّق.

الثالثة: نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره)

إنّ ما أفاده فی الواجب المشروط من رجوع القید إلی المادّة یجدی فی رفع الإشکال حیث إنّ الوجوب عنده فعلی و الواجب مشروط و علی هذا لیس وجوب المقدّمة مقدّماً علی وجوب ذیها، و سیأتی بیانه إن شاء الله.

إیراد علی النظریة الثالثة:

إنّ هذا القول أیضاً باطل کما مضی.

الرابعة: نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

((1))

لا إشکال فی وجوب المقدّمة قبل زمان الواجب بناءً علی أنّ وجوب ذی

ص: 293


1- و أیضاً السید البروجردی (قدس سره) کما أنّه قال بنظریة المحقّق التقی (قدس سره) أیضاً، کفایة الأصول، ص104.

المقدّمة حالی و إن کان مشروطاً بشرط متأخّر مع العلم بوجود هذا الشرط فیما بعد، ضرورة فعلیة وجوب ذی المقدّمة و تنجّزه بالقدرة علیه بتمهید مقدّمته، فیترشح الوجوب من ذی المقدّمة علی مقدّمته بناءً علی الملازمة فلایلزم محذور وجوب المقدّمة قبل وجوب ذیها ((1)).

إیراد علی النظریة الرابعة:

إنّا قد بیّنّا فیما سبق عند ذکر تحقیق المحقّق الإصفهانی1 أنّ البعث الحقیقی لاینفک عن إمکان الانبعاث، فلایمکن تصویر الوجوب الحالی و إن کان مشروطاً بالشرط المتأخر فیما إذا کان الواجب استقبالیاً.

الخامسة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((2))

إنّ وجوب المقدّمة لاینبعث من وجوب ذی المقدّمة بل إنّ الشوق إلی ذی المقدّمة ینبعث منه الشوق إلی مقدّمته، و أمّا الشوق إلی ذی المقدّمة فلایمکن وصوله إلی حدّ الإرادة، لأنّ ذلک موقوف علی حضور الوقت فلایتصف بالوجوب و أمّا الشوق إلی المقدّمة فلا مانع من بلوغه إلی حدّ الإرادة و الباعثیة

ص: 294


1- قال فی نهایة الأفکار، ج 2، ص318: «و أمّا سائر القیود الوجودیة للواجب من المقدمات المفوّتة التی لایقدر علی تحصیلها فیما بعد فی زمان الواجب فی المعلق و فی ظرف حصول المنوط به و الشرط فی المشروط، فلا إشکال فیها أیضاً فی ثبوت الوجوب لها فی الحال بحیث یجب علی المکلف تحصیلها فی الحال قبل حصول المنوط به و الشرط فی الخارج و هذا بناء علی ما اخترنا سابقا من فعلیة الإرادة و التکلیف فی المعلق و المشروط قبل حصول المنوط به و الشرط فی الخارج فی غایة الوضوح، لأنّ مقتضی فعلیة الوجوب و التکلیف فیهما حینئذ هو ترشح الوجوب الغیری إلی تلک المقدمات فتصیر حینئذ واجبة بالوجوب الغیری المقدمی».
2- نهایة الدرایة، ج2، ص73 إلی 79.

الفعلیة و هذا هو السرّ فی اتّصاف المقدّمة بالوجوب دون ذی المقدّمة و اتّضح بهذا البیان أنّه لا مانع من وجوب المقدّمة قبل وجوب ذیها.

السادسة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

و قبل بیان نظریته لابدّ من الإشارة إلی أنّ العقل یحکم بلزوم إتیان المقدّمة التی لها دخل فی تمکّن المکلّف من امتثال ذی المقدّمة فی ظرفه و إلّا یلزم فوت الملاک الملزم باختیار المکّلف، لأنّه یعلم بأنّه لو لم یأت بالمقدّمة لصار عاجزاً عن إتیان الواجب فی وقته و حیث إنّ عجزه مستند إلی اختیاره یستحقّ العقاب بترک المقدّمة.

ثمّ إنّ المحقق النائینی (قدس سره) قال باستکشاف الحکم الشرعی من هذا الحکم العقلی بوجوب المقدّمة و استدلّ علی ذلک بثبوت الملازمة بینهما و قال: إنّ حکم العقل بذلک دلیل علی جعل الشارع الإیجاب للمقدّمة حفظاً للغرض فیکون ذلک الجعل متمّماً للجعل الأوّل.

توضیحه هو أنّ الملاک الملزم إذا فرض کونه تامّاً فی ظرفه و لم یمکن استیفاؤه بخطاب واحد (إذ المفروض عدم التمکّن من امتثاله فی ظرفه علی تقدیر عدم الإتیان بالمقدّمة قبله) فلابدّ للمولی من استیفائه بخطاب نفسی آخر یتعلّق بالمقدّمة حتّی یکون متمّماً للجعل الأوّل، و بما أنّ الجعل الثانی منشأ من شخص الملاک الناشئ منه الجعل الأوّل فیکون هو و الجعل الأوّل فی حکم خطاب واحد و یکون عصیانه موجباً لاستحقاق العقاب علی ترک ما وجب بالجعل الأوّل فی ظرفه.

ص: 295


1- أجود التقریرات، ج1، ص228.
إیراد بعض الأساطین:

((1))

إنّ ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره): من «عدم إمکان استیفاء الملاک الملزم التام فی ظرفه علی تقدیر عدم الإتیان بالمقدّمة قبله فلابدّ للمولی من استیفائه بخطاب نفسی آخر یتعلّق بالمقدّمة» ممنوع لأنّ حکم العقل بتحصیل المقدّمة کافٍ لاستیفاء الملاک التام الملزم فلا حاجة إلی الجعل الثانی حتّی یکون متمّماً للجعل الأوّل.

السابعة: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ مثل هذا الحکم العقلی لایعقل أن یکون کاشفاً عن جعل حکم شرعی مولوی فی مورده بداهة أنّه لغو صرف، فإنّ حکم العقل باستحقاق العقوبة علی تقدیر المخالفة و تفویت الغرض یکفی فی لزوم حرکة العبد و انبعاثه نحو الإتیان بالمقدّمات، و علیه فلو ورد حکم من الشارع فی أمثال هذا الموارد لکان إرشاداً إلی حکم العقل.

إیراد بعض الأساطین:

((3))

إنّ لغویة الجعل الثانی ممنوع بل بعض الناس لایتحرّکون من الحکم العقلی و لذا جعل الوجوب الشرعی للمقدّمة لیس لغواً فی هذا الفرض فجعل الوجوب الشرعی بالجعل الثانی و إن لم یکن لازماً و واجباً إلّا أنّه علی فرض تحقّقه لیس لغواً.

ص: 296


1- تحقیق الأصول، ج2، ص360.
2- المحاضرات )ط.ج): ج2، ص189و(ط.ق): ج2، ص361.
3- تحقیق الأصول، ج2، ص361.
الثامنة: نظریة بعض الأساطین

((1))

إنّ جعل الوجوب الشرعی للمقدّمات ممکن و لایلزم محذور اللغویة نعم إنّه لیس بواجب لکفایة حکم العقل فی مقام الداعویة.

ثمّ إنّا لم نجد دلیلاً شرعیاً علی وجوب المقدّمة فی جمیع الموارد، فعلی هذا جعل الوجوب الشرعی للمقدّمة ممکن لا واجب کما قال المحقّق النائینی (قدس سره) و لا لغو کما قال السید المحقّق الخوئی (قدس سره) .

الوجه الثانی:
اشارة

((2))

و هو أن تکون القدرة دخیلة فی ملاک الواجب (بحیث یلزم تحصیلها و التحفّظ علیها) وهذا علی أقسام ثلاثة:

الأوّل: أن یکون الشرط هو القدرة المطلقة علی سعتها.

الثانی: أن یکون الشرط فی الواجب هو القدرة الخاصّة و هی القدرة بعد حصول شرط خاص من شرائط الوجوب (مثل الاستطاعة)، بمعنی أنّ القدرة المأخوذة فی الواجب (مثل الحج) التی یجب تحصیلها و التحفّظ علیها هی القدرة المقیدة بحصول شرط الوجوب (الاستطاعة).

الثالث: أن یکون الشرط هو القدرة فی وقت الواجب فلایجب علی المکلّف تحصیل القدرة علی الواجب أو التحفّظ علیها قبل وقت الواجب.

ص: 297


1- تحقیق الأصول، ج2، ص361.
2- الوجه فی هذا التفصیل هو الإشکال الذی ذکره فی الکفایة بقوله: إن قلت.
بیان المحقق الخوئی (قدس سره):
اشارة

قال المحقّق الخوئی (قدس سره) فی هذا المقام:((1))

أمّا القسم الأوّل:

إنّ القدرة التی هی مأخوذة فی ملاک الواجب و یجب تحصیلها و التحفّظ علیها غیر مقیدة بشیء فهی مطلقة (بمعنی أنّه بمجّرد القدرة فی وقتٍ ما یکون الواجب تامّ المصلحة و إن کان الوجوب مشروطاً بالوقت فالمراد من القدرة المطلقة هنا هو مطلق القدرة)((2))و لذا وجب تحصیلها فی أوّل أزمنة الإمکان و إن کان قبل زمان الوجوب و حرم علیه تفویتها إذا کانت موجودة، لأنّه إن تمکّن من إتیان الواجب فی ظرفه و لو بإعداد أوّل مقدّماته فقد تمّ ملاک الواجب فمع تحقّق القدرة علی الواجب (بإعداد أوّل مقدّماته قبل زمان الوجوب) یتمّ ملاکه فیجب التحفّظ علی القدرة و تحصیل المقدّمات.

فلو أعجز نفسه عن الواجب بعد حصول هذه القدرة المطلقة یکون مستحقّاً للعقاب لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً.

أمّا القسم الثانی:

و هو أن یکون الشرط فی الواجب و الدخیل فی ملاکه هو القدرة بعد حصول شرط الوجوب فحینئذ لایجب علی المکلّف تحصیل القدرة علی الواجب بإتیان مقدّماته قبل تحقّق شرط الوجوب و أمّا بعد تحقّق شرط الوجوب فیجب

ص: 298


1- المحاضرات (ط.ج)،ج2،ص190الی192و(ط.ق) ج2، ص362-364 و أیضاً راجع أجود التقریرات، ج1، ص220الی223.
2- راجع الهدایة فی الأصول، ج2، ص41.

تحصیل المقدّمات و التحفّظ علیها فلو أعجز نفسه عن المقدّمات (بحیث یکون عاجزاً عن الواجب) یستحق العقاب لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار لأنّه فوّت الملاک الملزم و العقل یری استحقاق العقاب لمن فوّت الملاک الملزم.

و أمّا مع عدم حصول شرط الوجوب (مثلاً الاستطاعة) فلایحکم العقل بوجوب المقدّمات، فلو ترک المقدّمات و استلزم ذلک ترک الواجب فی موطنه و زمانه لایستحقّ العقاب، مثلاً إذا أراد شخص أن یهبه المال لیستطیع فلایجب علیه القبول.

أمّا القسم الثالث:

و هو أن یکون الشرط فی الواجب و ما هو الدخیل فیه هو القدرة فی زمان الواجب فلایجب علی المکلّف تحصیل القدرة علیه بإتیان مقدّماته قبل دخول وقته بل یجوز له تفویتها إذا کانت موجودة.

و ذلک لأنّ الواجب لایکون ذا ملاک ملزم إلّا بعد القدرة علیه فی زمان الواجب أمّا القدرة علیه قبله فیجوز تفویتها.

و مثال ذلک هی الصلاة مع الطهارة المائیة حیث إنّ القدرة المعتبرة فیها هی القدرة علیها بعد دخول وقتها، أمّا قبله فلایجب تحصیلها بل یجوز له تفویتها بجعل نفسه محدثاً أو بإهراق الماء عنده.

نعم إنّ المحقّق النائینی((1)) (قدس سره) فصّل بین تفویت القدرة قبل الوقت بجعل نفسه محدثاً مع علمه بعدم تمکّنه من الغسل و بین تفویتها بإهراق الماء فقال بالجواز فی الأوّل و بعدم الجواز فی الثانی و استند إلی روایةٍ صحیحة.

ص: 299


1- أجود التقریرات، ج1، ص224-225.

ولکن السید المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) قال بعدم التفصیل بینهما و عدم ورود أیة روایة فی هذا الموضوع فضلاً عن کونها صحیحة.

ص: 300


1- قال فی تعلیقته علی أجود التقریرات: « لایخفی أنّ تمسک شیخنا الأستاذ قدس سره فی هذا المقام بوجود الروایة الصحیحة إنّما کان من باب الغفلة و الإشتباه و إلّا فلم یرد فی هذا الموضوع روایة صحیحة أو غیر صحیحة و لقد إعترف هو قدس سره بذلک حین ما طالبناه بها و العصمة إنّما هی لأهلها و علی ذلک فحکم إراقة الماء قبل دخول الوقت مع العلم بعدم التمکن منه بعده هو حکم إبطال الوضوء قبله مع العلم بعدم التمکن منه بعده».
المقام الثانی: مقام الإثبات
اشارة

إذا شک فی أنّ القدرة دخیلة فی ملاک الواجب أو لا فهل یلزم إتیان المقدّمات قبل وقته فیما إذا علمنا توقّف الواجب علیه؟

بیان المحقق الخوئی (قدس سره):

قال المحقّق الخوئی (قدس سره):((1))

لاطریق لنا إلی إحراز الملاکات، غایة الأمر نستکشف تلک الملاکات من الأمر و النهی المولویین، و علیه تکون سعة الملاک فی مرحلة الإثبات بقدر سعة الأمر دون الزائد.

و بما أنّه فیما نحن فیه لم نحرز أنّ ترک المقدّمة قبل الوقت مستلزم لتفویت ملاک الواجب فی ظرفه، لاحتمال أنّ القدرة علی المقدّمات دخیلة فی ملاک الواجب فی وقته، فلو لم یأت بها قبل الوقت (و المفروض عدم تمکّنه منها بعده) لم یحرز فوت شیء منه لا الأمر الفعلی و لا الملاک الملزم.

أمّا الأمر الفعلی فواضح و أمّا الملاک الملزم فلاحتمال دخل القدرة الخاصّة فیه فإنّه قد تقدّم أنّ ملاک حکم العقل بالقبح و استحقاق العقاب أمران: تفویت التکلیف الواقعی و تفویت الملاک الملزم.

و النتیجة هی أن لا ملاک لحکم العقل باستحقاق العقاب فی المقام لفرض عدم إحراز الملاک مثال ذلک: ما إذا علم شخص أنّه إذا نام فی الساعات الأخیرة من اللیل فاتته صلاة الصبح کما إذا لم یبق إلی الصبح إلّا ساعة واحدة فإنّه یجوز له

ص: 301


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص192-193و (ط.ق): ج2، ص365-364.

ذلک لفرض أنّ الأمر غیر موجود قبل الوقت و أمّا الملاک فغیر محرز لاحتمال دخل القدرة الخاصّة فیه.

ثمّ إنّ الواجبات الشرعیة أکثرها من قبیل ما لاتکون القدرة دخیلة فی ملاکه أو ما لها دخل فیه بنحو مطلق أی القدرة فی وقتٍ مّا موجبة لکون الواجب تامّ المصلحة((1)).

ص: 302


1- الهدایة فی الأصول، ج2، تتمة المقصد الأول فی الأوامر، فصل: فی مقدّمة الواجب، الأمر الرابع: فی تقسیمات الواجب،[الکلام فی المقدّمات المفوّتة]،ص43.
المسألة الثانیة: وجوب التعلّم
اشارة

و فیها صورتان:

و إنّما أفردوا البحث عنه لأنّه ذو حیثیتین، فمن حیثیة یکون مقدّمة وجودیة و من حیثیة أُخری یکون مقدّمة علمیة (لإحراز الامتثال).

الصورة الأُولی: إذا علم المکلف أو اطمأن بالابتلاء
اشارة

هنا أقوال أربعة فی وجوبه:

القول الأوّل: الوجوب النفسی التهیؤی

المحقّق الأردبیلی (قدس سره) ((1)) فی مجمع الفائدة و صاحب المدارک (قدس سره) فی مدارک الأحکام قالا بالوجوب النفسی التهیؤی بمعنی التهیؤ للغیر((2)).

القول الثانی: الوجوب العقلی بمناط فوات الواقع

الشیخ الأنصاری (قدس سره) و المشهور قالوا بعدم وجوبه الشرعی بل وجوبه عقلی و

ص: 303


1- مجمع الفائدة و البرهان، ج2، ص110و مدارک الأحکام، ج2، ص345 و ج3، ص219.
2- فی زبدة الأصول، ج 2، ص121: «إنّه فی التعلیم و المعرفة مسالک ثلاثة: الأول: ما ذهب إلیه المحقق الأردبیلی (قدس سره) و تبعه تلمیذه صاحب المدارک، و هو أنّ التعلم واجب نفسی تهیئی، للنصوص الدالة علیه، و هو الأظهر عندنا کما سیأتی الکلام علیه فی بحث الإشتغال، و لازم ذلک هو وجوبه قبل حصول الشرط أیضا لعدم اختصاص تلک الأدلة بالواجبات المطلقة و المشروطة بعد حصول، الشرط، بل تشمل المشروطة قبل حصول شرطها، و یترتب علی هذا القول إستحقاق العقاب علی ترک التعلم سواء صادف عمله الواقع أم لم یصادف».

الدلیل علیه هو أنّ ترک التعلّم یوجب فوات الواقع و هذا صغری قاعدة «الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً».

القول الثالث: الوجوب العقلی بمناط دفع الضرر المحتمل

المحقّق النائینی((1)) (قدس سره) قال بالوجوب العقلی بملاک لزوم دفع الضرر المحتمل.((2))

ص: 304


1- فی أجود التقریرات، ج1، ص229:« فوجوب التعلم لیس بملاک وجوب المقدمات المعدّة التی یستلزم ترکها عدم القدرة علی الواجب فی ظرفه بل هو بملاک آخر لایبتنی علی قاعدة عدم منافاة الإمتناع بالإختیار للعقاب أصلا و هو لزوم دفع الضرر المحتمل حیث إنّ المفروض مقدوریة الواجب مثلاً فی ظرفه لعدم دخل معرفة الحکم فی القدرة علی فعله بالبداهة فیکون ترکه عصیانا للتکلیف الفعلی مع وجود البیان و لا إشکال فی إستتباعه للعقاب فاحتمال تکلیف تمّت الحجةُ علیه یوجب احتمال الضرر وجداناً فیجب دفعه عقلا».
2- فی زبدة الأصول، ج 2، ص122: «ثالثها: ما اختاره المحقق النائینی (قدس سره) و هو أنّ وجوبه طریقی من قبیل وجوب الإحتیاط فی موارد لزومه، أی الوجوب الذی یکون بملاک التحفظ علی ما فی المتعلق للحکم الواقعی من المصلحة اللازمة الإستیفاء حتی عند الجهل و بعبارةٍ أخری المجعول تحفّظا علی الحکم الواقعی، و یترتب علیه إستحقاقه العقاب علی ترک التعلم عند أدائه إلی مخالفة الواقع، و الفرق بینه و بین سابقه ظاهر». و فی منتقی الأصول، ج 2، ص197: «و أمّا التعلم و معرفة الأحکام فقد إدّعی المحقق النائینی عدم إندراجها فی المقدمات المفوتة، لعدم انسلاب القدرة علی الإتیان بالواجب بترک التعلم، بل الواجب یکون مقدورا، و لذا یصح تعلق التکلیف به فی حال الجهل کتعلقه به فی حال العلم. و علی هذا فلایکون الوجه فی إیجاب التعلم هو قاعدة: عدم منافاة الإمتناع بالإختیار للإختیار لعدم تحقق موضوعها، إذ لایمتنع الفعل بترک التعلم ... هذا محصل ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) فی المقام و هو- مع غض النظر عما أفاده أخیراً من ثبوت استحقاق العقاب بترک المقدمات المفوتة من حین ترکها، فإنّه لایخلو من بحث لیس المقام محله ... - وجیهٌ و تامٌّ فإنّ التعلم لیس من المقدمات المفوتة، و ملاک وجوبه یختلف عن ملاک وجوبها بالتقریب الذی بیناه».
القول الرابع: التفصیل

المحقّق الخوئی (قدس سره) قال بالتفصیل فی المقام.

بیان تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)): إنّ ترک التعلّم قبل وقت الواجب أو قبل شرطه علی أنحاء و صور:

الصورة الأُولی: قد لایکون لترک التعلّم قبل الوقت أثر بل یتمکّن بعد حصول الوقت من التعلّم تدریجاً مثل أن یتعلّم أحکام الحج فی طول مناسک الحج فحینئذ لایجب التعلّم.

نعم إذا جاء الوقت لم یجز ترک التعلّم لاحتمال مخالفة التکلیف الفعلی المنجز و هو صغری دفع الضرر المحتمل فلابدّ من أن یتعلّم لرفع ذلک.

الصورة الثانیة: قد یکون لترک التعلّم أثر و لکنّ الأثر هو فقد تمییز الواجب من غیره لکنّ المکلّف یتمکّن من إحراز امتثاله إجمالاً بطریق الاحتیاط مثل أن یصلّی قصراً و تماماً و هذا فی ما لم نقل بلزوم قصد التمییز (کما أنّ الحق عدم اعتبار قصد التمییز).

و الظاهر هنا عدم وجوب التعلّم، لأنّ الامتثال الإجمالی فی عرض الامتثال التفصیلی.

الصورة الثالثة: قد یکون ترک التعلّم موجباً لترک الامتثال القطعی سواء کان الامتثال تفصیلیاً أم إجمالیاً، فحینئذ لایتمکّن المکلّف إلّا من الامتثال الاحتمالی و لکنّه غیر کاف بل لابدّ من الامتثال القطعی تفصیلاً أو إجمالاً.

و التعلّم هنا واجب و الوجه فی وجوب التعلّم لیس هو ما أفاده الشیخ (قدس سره) فی

ص: 305


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص196الی200و (ط.ق): ص367 -370.

أصل البحث من أنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار لأنّ المفروض هو عدم الامتناع بل یحتمل امتثال التکلیف کما أنّه یحتمل عدم الامتثال.

بل الوجه هنا ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من جریان قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل لأنّ الامتثال الاحتمالی مساوق لاحتمال مخالفة التکلیف الفعلی من دون مؤمّن فیحتمل العقاب فالعقل یستقل بکبری وجوب دفع الضرر المحتمل و هذا مثل من ضاق علیه الوقت و لایتمکّن إلّا من الإتیان إمّا بصلاة القصر أو بصلاة التمام.

نعم إذا کان فی هذه الصورة غیر قادر علی التعلّم قبل الوقت فهو مضطّر إلی أحد أطراف العلم الإجمالی فیجب علیه إتیان أحدهما فهو معذور فی صورة المخالفة للواقع و هذا مثل الصبی الذی هو عاجز عن التعلّم و لایتمکّن من الجمع بینهما.

الصورة الرابعة: قد یکون ترک التعلّم قبل الوقت موجباً لترک الواجب فی ظرفه إمّا للغفلة عن التکلیف أو لعدم التمکّن من امتثاله.

و التعلّم هنا واجب لاستقلال العقل به لأنّه لو لم یتعلّم لفات الغرض الملزم فی ظرفه لما أفاده الشیخ الأنصاری (قدس سره) من أنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً.

نعم لو قلنا بأنّ الواجب مشروط بقدرة خاصّة من ناحیة التعلّم فلایجب التعلّم حینئذ لأنّه لا وجوب حتّی یجب التعلّم مقدّمة لإتیان الواجب فی ظرفه و لا ملاک ملزم حتّی یستلزم ترک التعلّم تفویته لکنّه مجرّد فرض لأنّ مقتضی الآیات و الروایات الدالّة علی وجوب التعلّم هو عدم أخذ القدرة الخاصّة و أنّه لیس للتعلّم أی دخل فی صیرورة الواجب ذا ملاک ملزم فإنّ إطلاق روایات

ص: 306

«هلّا تعلّمت» یشمل المقام.((1))

هذا کلّه فیما إذا علم المکلّف أو اطمأنّ بالابتلاء.

الصورة الثانیة: إذا احتمل الابتلاء
اشارة

و فیها أقوال ثلاثة:

القول الأوّل: وجوب التعلّم

المشهور بین الأصحاب وجوب التعلّم.

ص: 307


1- نظریة المحقق العراقی (قدس سره): قال (قدس سره) «إنّ هذا کلّه فی غیر المعرفة من المقدمات و أمّا هی فقد یقال- کما عن بعض الأعلام- بأنّها تکون واجبة بالوجوب الطریقی لتنجیز الواقع عند الإصابة کما فی سائر الطریق بحث کان العقاب علی نفس المخالفة لا علی ترک التعلم، و لکنّ التحقیق خلافه إذ نقول بأنّ التعلم لایخلو أمره إمّا أن یکون ترکه یؤدی إلی الغفلة عن أصل التکلیف فی ظرفه، و إمّا أن لایکون کذلک بل کان بعد یحتمل وجود التکلیف، و علی الثانی إمّا أن یتمکن من الإحتیاط فی ظرفه بالجمع بین المحتملات و إمّا أن لایتمکن من الإحتیاط کما لو دار الأمر بین الوجوب و الحرمة فی فعل شخصی. فعلی الأول یکون حال التعلم حال المقدمات المعدّة التی یلزم من عدم تحصیلها عدم القدرة علی الواجب فی ظرفه لأنّه بعد تأدیة ترکه إلی الغفلة عن التکلیف یکون غیر قادر علی الإتیان بالواجب و معه یکون حکمه حکم سائر المقدمات المفوتة، طابق النعل بالنعل و أمّا علی الثانی فلا وجه لوجوبه رأسا مع فرض تمکّنه من الإحتیاط و البناء علی صحة عمل المحتاط التارک لطریقَی الإجتهاد و التقلید إلّا إذا فرض کونه غیر معذور فی هذا الجهل تکلیفا، و علیه یکون وجوبه إرشادیاً محضاً لا طریقیاً و أمّا علی الثالث فکذلک أیضا حیث إنّه لایکون وجوبه إلّا إرشادیا محضا لأجل الفرار عن تبعة مخالفة التکلیف الواقعی کما فی موارد العلم الإجمالی بالتکلیف فی الجمع بین المحتملات فعلی کل تقدیر حینئذ لا معنی لدعوی وجوب التعلم بالوجوب الطریقی کما فی الطرق بل هو مما یدور أمره بین کونه واجبا بملاک المقدمات المعدة التی یترتب علی ترکها عدم القدرة علی الواجب فی ظرفه و بین کونه بملاک الإرشاد العقلی لأجل الفرار عن تبعة مخالفة التکلیف کما فی الجمع بین المحتملات فی موارد العلم الإجمالی فی الشبهة المحصورة کما هو واضح». نهایة الأفکار، ج 2، ص321.
القول الثانی: التفصیل

المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) قال بوجوب التعلّم فی الموارد التی یقع الابتلاء بها عادةً أمّا الموارد النادرة فلایجب.

القول الثالث: الإشکال فی عدم الوجوب

إنّ بعض الأساطین (حفظه الله) ذهب إلی عدم قیام الدلیل علی وجوبه و لکنّه قال: مخالفة المشهور مشکلة. ((2))

القول الرابع:عدم وجوب التعلّم
اشارة

إن بعض الأعلام قالوا بعدم وجوبه.

استدلال القائلین بعدم الوجوب: استصحاب عدم الابتلاء

إنّ عدم الابتلاء فعلاً متیقّن و یشک فیه فی ما بعد فیستصحب عدمه بالإضافة إلی الزمن المستقبل، و هذا الاستصحاب علی عکس الاستصحاب المتعارف.

و نتیجة جریان الاستصحاب هنا هو ارتفاع موضوع حکم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل حیث إنّه مع نفی احتمال الابتلاء بالتعبّد لایبقی مجال لاحتمال الضرر.

ص: 308


1- فی المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص204و(ط.ق)، ج2، ص374: « إلی هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتیجة و هی أن تعلم الأحکام الشرعیة واجب مطلقا أی من دون فرق بین ما إذا علم المکلف الإبتلاء بها أو إطمأنّ و بین ما إذا احتمل ذلک عادة. نعم فیما لایحتمل الإبتلاء کذلک لایجب».
2- تحقیق الأصول، ج2، الأوامر، انقسام الواجب إلی: المعلّق و المنجَّز، بحث التعلّم، الکلام فی استصحاب عدم الإبتلاء مستقبلا، ص373.
إیرادات أربعة علی هذا الاستدلال:
الإیراد الأوّل: ما عن صاحب الجواهر (قدس سره)
اشارة

إنّ دلیل الاستصحاب قاصر عن شمول هذا النحو من الاستصحاب الذی هو استصحاب استقبالی بل یختصّ بما إذا کان المتیقّن سابقاً و المشکوک لاحقاً و لایشمل ما إذا کان المتیقّن حالیاً و المشکوک استقبالیاً.

جواب عن هذا الإیراد:

فیه أنّ مفاد أدلّة الاستصحاب عدم نقص الیقین بالشک سواء کان المتیقّن سابقاً أم حالیاً أم استقبالیاً.

الإیراد الثانی:
اشارة

((1))

إنّ الاستصحاب یعتبر فیه أن یکون المستصحب بنفسه حکماً و أثراً شرعیاً أو موضوع حکم و أثر شرعی حتّی یتعبّد به فی ظرف الشک و أمّا إذا لم یکن هناک أثر شرعی أو کان الأثر مترتّباً علی نفس الشک المحرز وجداناً فلا معنی للتعبّد فی مورده، و ما نحن فیه من هذا القبیل، فإنّ وجوب دفع الضرر المحتمل مترتّب علی نفس احتمال الابتلاء المحرز وجداناً، و لیس لواقع الابتلاء بالواقع أثر شرعی حتّی یدفع احتماله بالأصل، فلایبقی مجال لجریان استصحاب عدم الابتلاء بالواقع.

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذا الإیراد:

إنّ الحکم العقلی غیر قابل للتخصیص و لکنّه قابل للتخصّص و الخروج

ص: 309


1- المحقّق النائینی (قدس سره) فی أجود التقریرات، ج1، ص231.

الموضوعی کما إذا کان الشک موضوع الدلیل ثمّ ارتفع الشک تعبّداً فإنّ لزوم دفع الضرر المحتمل و قبح العقاب بلا بیان من القواعد التی قد استقلّ بها العقل و مع ذلک یسبّب المولی إلی رفعهما برفع موضوعهما بجعل الترخیص فی مورد قاعدة دفع الضرر المحتمل و بجعل البیان فی مورد قاعدة قبح العقاب بلا بیان و فی ما نحن فیه احتمال الابتلاء الذی هو موضوع الأثر و إن کان محرزاً بالوجدان إلّا أنّ استصحاب عدم الابتلاء واقعاً إذا جری کان رافعاً للابتلاء الواقعی تعبّداً و به یرتفع الموضوع و هو احتمال الابتلاء. ((1))

رالإیراد الثالث:
اشارة

((2))

العلم الإجمالی بالابتلاء ببعض الأحکام الشرعیة حاصل، فهذا العلم الإجمالی مانع عن جریان الأُصول النافیة فی أطرافه، حیث إنّ جریانها فی الجمیع مستلزم للمخالفة القطعیة العملیة و جریانها فی البعض دون الآخر مستلزم للترجیح من دون مرجّح فلامحالة تسقط الأُصول النافیة فیستقل العقل بوجوب التعلّم و الفحص.

أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله):

((3))

هذا فیما إذا لم ینحلّ العلم الإجمالی، أمّا مع انحلاله فلا، فالدلیل أخصّ من المدّعی.

ص: 310


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص202و(ط.ق): ج2، ص372-373.
2- المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات (ط.ج): ج2، ص203و (ط.ق): ج2، ص373.
3- تحقیق الأصول، ج2، ص373.
الإیراد الرابع:
اشارة

((1))

إنّ ما دلّ علی وجوب التعلّم و المعرفة من الآیات و الروایات کقوله تعالی: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُون)((2)) و قوله (علیه السلام): «هلاّ تعلّمت» و ما شاکل ذلک وارد فی مورد هذا الاستصحاب، حیث إنّ فی غالب الموارد لایقطع الإنسان بل و لایطمئنّ بالابتلاء، فلو جری الاستصحاب فی هذه الموارد (موارد احتمال الابتلاء) لم یبق تحت العمومات و الإطلاقات إلّا الموارد النادرة و التقیید و التخصیص بالأکثر مستهجن، فلابدّ من عدم جریان الاستصحاب.

أجاب عنه بعض الأساطین:

((3))

إنّ الآیات و الروایات الواردة فی وجوب التعلّم تشمل موارد القطع التفصیلی و الإجمالی بالابتلاء و تلک الموارد کثیرة جدّاً و أمّا موارد احتمال الابتلاء فهی داخلة تحت تلک الأدلّة بدواً و لکن الاستصحاب ینفی الابتلاء و یحرز عدمه فتخرج تلک الموارد (موارد احتمال الابتلاء) عن أدلّة وجوب التعلّم.

فعلی هذا تختصّ وجوب التعلّم بصورة القطع أو الاطمینان بالابتلاء و أمّا فی صورة احتمال الابتلاء فلایجب التعلّم.

و لکن بعض الأساطین یری أنّ مخالفة المشهور مشکلة فلابدّ حینئذ من الاحتیاط الوجوبی بالنسبة إلی التعلّم فی موارد احتمال الابتلاء.

ثمّ إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) و إن اختار وجوب التعلّم فی موارد العلم بالابتلاء و

ص: 311


1- المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات (ط.ج): ج2، ص203و (ط.ق): ج2، ص373.
2- النحل:43 و الأنبیاء:7.
3- تحقیق الأصول، ج2، ص373.

الاطمینان به و موارد احتمال ذلک و لکنّه قال بعدم وجوب التعلّم فی الموارد التی یقلّ الابتلاء بها کبعض مسائل الشکوک و الخلل ممّا یکون الابتلاء به نادراً جدّاً.((1))

ص: 312


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص204و (ط.ق): ج2، ص374.
المسألة الثالثة:

هی الواجبات التدریجیة، مثل المضطربة الناسیة للوقت الفاقدة للتمییز و هی تعلم إجمالاً بتحقّق الحیض فی طول الشهر و لکن لاتعلم أیامه بالخصوص فلاتدری أیجوز لها الدخول فی المسجد مثلاً أم لا، فإنّه بناء علی القول بالواجب المعلّق یکون العلم الإجمالی منجّزاً حیث إنّ التکلیف بالحرمة مثلاً فعلی و لکن لایعلم أنّ ما یحرم علیها هو فی الآن أو فی المتأخر، و أمّا بناء علی عدم القول بالواجب المعلّق فلایعلم بتحقّق التکلیف الفعلی فی الآن و حینئذ یمکن القول بجریان البراءة و جواز الدخول فی المسجد.

ص: 313

تنبیه:
اشارة

و فیه مطالب ثلاثة:

المطلب الأوّل: هل یجب التعلم علی الصبی غیر البالغ؟
اشارة

فیه قولان:

القول الأوّل: قال المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) -و تبعه بعض الأساطین (حفظه الله) ((2))بوجوب التعلّم علیه

القول الثانی: اختار المحقّق الخوئی (قدس سره) ((3)) عدم وجوب التعلّم علی الصبی.

استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی القول الأوّل:

إنّ التمسّک بحدیث الرفع لرفع وجوب التعلّم غیر ممکن و ذلک لأنّ وجوبه عقلی و حدیث الرفع لایرفع الوجوب العقلی.((4))

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره):

((5))

إنّ حکم العقل فی المقام و إن کان یعمّ الصبی و غیره إلّا أنّه معلّق علی عدم ورود التعبّد من الشارع علی خلافه و معه لامحالة یرتفع حکم العقل بارتفاع

ص: 314


1- أجود التقریرات، ج1، ص218و221و227.
2- تحقیق الأصول، ج2، ص374، انقسام الواجب إلی: المعلّق و المنجَّز، بحث التعلّم، الکلام فی تعلّم غیر البالغین.
3- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص204و (ط.ق): ج2، ص374.
4- أجود التقریرات، ج1، ص222.
5- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص205و (ط.ق): ج2، ص375.

موضوعه، و المفروض هو أنّ التعبّد الشرعی قد ورد علی خلافه فی خصوص الصبی.

جواب بعض الأساطین عن إیراد المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ وجوب التعلّم لیس شرعیاً و الدلیل علی ذلک هو أنّه إذا قال المولی فی مقام توبیخ العبد: «هلّا تعلّمت» فلایقبل من العبد أن یقول: لم یصل إلی وجوبه فالوجوب عقلی و لایعقل جعل الوجوب الشرعی فی مورده للزوم اللغویة فإذا کان الوجوب عقلیاً لا شرعیاً فلایمکن أن یکون مورداً لحدیث الرفع لأنّه فی مورد الشرعیات.

یمکن أن یلاحظ علیه:

أوّلاً: إنّ الإطاعة للمولی وجوبه عقلی و لکن هی مرفوعة عن الصبی فما الفرق بین وجوب الإطاعة و وجوب التعلّم.

ثانیاً: ما أفاده من أنّ جعل الوجوب الشرعی للتعلّم لغو لمکان وجوبه العقلی فهو مخالف لما أفاده قبلاً فی المقدّمة المفوّتة فی مقام الإیراد علی مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) حیث قال: جعل الوجوب الشرعی لإیجاد الداعی بالنسبة إلی المقدّمة المفوّتة لغو((2)) فأجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله) بعدم اللغویة حیث إنّ بعض الناس ینفعلون من تأکید الشارع و الداعی الشرعی و إلّا فما الوجه فی الأوامر الإرشادیة؟ غیر أنّ الأمر الإرشادی شأنه الهدایة إلی ما یدرکه العقل و الأمر الشرعی یوجب تحقّق الداعی الشرعی فهو أبلغ فی تحریک العبد نحو الفعل.((3))

ص: 315


1- تحقیق الأصول، ج2، ص375.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص189و (ط.ق): ج2، ص361.
3- تحقیق الأصول، ج2، ص361، انقسام الواجب إلی: المعلّق و المنجَّز، توضیح المقام و تفصیل الکلام.
الحقّ فی المقام:

هو أنّ ما أفادوا من افتراض توجّه الحکم العقلی بلزوم التعلّم علی الصبی محلّ تأمّل و مناقشة، لأنّ الحکم العقلی هو ما یدرکه العقل و غیر البالغ لم یکمل عقله حتّی یدرک الأحکام العقلیة نعم إنّ الممیز قد یدرک الأحکام العقلیة و لکن مع الترخیص الشرعی کیف یدرک اللزوم العقلی؟ مع أنّ أعلام أهل الفن اختلفوا فی بقاء موضوع حکم العقل فیما إذا جاء الترخیص الشرعی (بحدیث الرفع).

المطلب الثانی: وجوب التعلّم نفسی أو غیری أو تهیؤی أو إرشادی أو طریقی؟
اشارة

فیه خمسة أوجه:

الوجه الأوّل: الوجوب النفسی
اشارة

((1))

الاستدلال علی الوجوب النفسی:

((2))

الدلیل علیه هو الأمر بالتعلّم مع مطلوبیته بالذات.

إیرادات ثلاثة علیه:
الإیراد الأوّل:
اشارة

إنّ قوله «هلّا تعلّمت» ظاهر فی أنّ وجوب التعلّم لیس إلّا للعمل.

ص: 316


1- إختاره المحقق الأردبیلی (قدس سره) .
2- تحقیق الأصول، ج2، ص377، انقسام الواجب إلی المعلّق و المنجَّز، بحث التعلّم، الکلام فی تعلّم غیر البالغین.
أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله):

إنّ المستفاد من الروایة هو لزوم التعلّم قبل العمل و لاتدلّ علی أنّ العلم لا فائدة فیه إلّا للعمل و أنّه لیس کمالاً علی حدة.

الإیراد الثانی:
اشارة

إنّه یظهر من السؤال عن الشیء (و الشیء هو التعلم) أنّ الشیء واجد للمصلحة و هو المطلوب و مثال ذلک هو أنّ من یسأل عن الطریق لایطلب إلّا المقصد.

أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله):

إنّ القیاس مع الفارق فإنّ العلم بالطریق لیس کمالاً بخلاف العلم بالأحکام فإنّه کمال فی نفسه.

الإیراد الثالث:

إنّ من لم یتعلّم و خالف التکلیف لایؤاخذ إلّا علی ترک التکلیف لا علی ترک التعلّم، مع أنّ التعلّم إن کان واجباً نفسیاً فلابدّ أن یؤاخذ المکلّف علی ترکه ولایمکن الالتزام بالمؤاخذتین.

فالحقّ فی المقام هو أنّ المستفاد من الأدلّة هو أنّ التعلّم مطلوب بنفسه و أمّا وجوبه فلیس نفسیاً.

توضیحه: هو أنّ الآیات مثل قوله تعالی: (قُلْ هَلْ یسْتَوِی الَّذینَ یعْلَمُونَ وَ الَّذینَ لا یعْلَمُونَ)((1)) و قوله تعالی: (وَ ما یسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصیرُ)((2)) و الروایات

ص: 317


1- الزمر:9 .
2- فاطر:19 و غافر:58.

مثل «الْعِلْمُ وَدِیعَةُ اللَّهِ فِی أَرْضِهِ»((1)) و «لَیسَ الْعِلْمُ بِکَثْرَةِ التَّعَلُّمِ وَ إِنَّمَا هُوَ نُورٌ یقْذِفُهُ اللَّهُ تَعَالَی فِی قَلْبِ مَنْ یرِیدُ اللَّهُ أَنْ یهْدِیهُ»((2)) تدلّ علی مطلوبیته بنفسه لأنّه نور و أمّا الوجوب النفسی فلایمکن الالتزام به لما مضی فی الإشکال الثالث من لزوم العقابین و المؤاخذتین و هو باطل قطعاً.

الوجه الثانی: الوجوب الغیری
الاستدلال علی الوجوب الغیری:

إنّ التعلم مقدّمة وجودیة لتحقّق الواجب فهو واجب غیری کما فی سائر المقدّمات الوجودیة.((3))

ص: 318


1- نزهة الناظر، ص41؛ ألدّرّة الباهرة، ص14، عن الرسول (صلی الله علیه و آله) .
2- منیة المرید، ص67 عن الصادق (علیه السلام) .
3- إختار کون الوجوب غیریّاً الشیخ الأنصاری إذ جعل التعلم من المقدمات المفوّتة قال فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص259: «إنّ المقدمات الوجودیة للواجبات المشروطة مما یتّصف بالوجوب علی نحو اتّصاف ذیها به و قضیة ذلک عدم وجوب الإتیان بها قبل وجوب الإتیان بذیها ... و مع ذلک فقد یظهر منهم فی موارد مختلفة الحکم بوجوب الاتیان بالمقدمة قبل اتّصاف ذیها بذلک، کحکمهم بوجوب الغسل قبل الصبح فی لیالی رمضان و قولهم بوجوب السعی إلی الحج قبل أن یهل هلال ذی الحجة و حکمهم بوجوب تحصیل العلم بأجزاء الصلاة و شرائطها قبل دخول الوقت». و فی فوائد الأصول، ج 4، ص281: «و ینبغی أوّلاً أن یعلم أنّ مناط وجوب التعلم و الإحتیاط غیر مناط وجوب حفظ القدرة أو تحصیلها، و لایقاس أحدهما بالآخر، و إن کان یظهر من کلام الشیخ (قدس سره) فی المقام الخلط بین البابین، حیث قاس وجوب التعلم علی وجوب السیر إلی الحجّ عند توجیه کلام المدارک و لکنّ الظاهر أنّ بین البابین فرق» راجع زبدة الأصول، ج 2، ص121.
أورد علیه المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ الإتیان بالواجب لایتوقّف علی التعلّم إلّا فی ما کان الواجب مرکباً فیحتاج المکلّف إلی تعلّم أجزائه و شرائطه، مثل الصلاة.

مع أنّ وجوب التعلّم لایدور مدار ثبوت وجوب المقدّمة بل هو ثابت بالآیات و الروایات.

الوجه الثالث: الوجوب التهیؤی

بناءً علی القول بوجوب المقدّمة فإن عرفنا الواجب الغیری بحیث لاینافی وجود الخطاب المستقل فنلتزم بالوجوب الغیری التهیوئی أمّا إن عرفناه بحیث لایشمل ما له خطاب مستقل فلابدّ أن نلتزم بالوجوب التهیؤی ثم إنّه مع الإیجاب الشرعی الغیری أو التهیؤی لایعقل حمله علی الوجوب الإرشادی.

و الظاهر هو أنّ الوجوب تهیؤی لأنّ المستفاد من الآیات و الروایات هو أنّ الشارع یرید إیجاد الداعی الشرعی مضافاً إلی الداعی العقلی.

الوجه الرابع: الوجوب الإرشادی
اشارة

(2)

الاستدلال علی الوجوب الإرشادی:

إنّ العقل یستقلّ بلزوم تعلّم الأحکام الشرعیة فما ورد فی الکتاب و السنّة من الأوامر الواردة بالنسبة إلی التعلّم لابدّ أن یحمل علی الإرشاد بهذا الحکم العقلی.

ص: 319


1- المحاضرات، (ط.ج)، ج2، ص206و(ط.ق)، ج2، ص375.
2- . مال إلیه بعض الأساطین (حفظه الله) و التعبیر مسامحی بل الوجوب عقلی و الأمر إرشادی، راجع تحقیق الأصول، ج2، ص380. و قال المحقق الخراسانی فی کفایة الأصول (ط. آل البیت): ص99: «هذا فی غیر المعرفة و التعلم من المقدمات و أمّا المعرفة فلایبعد القول بوجوبها حتی فی الواجب المشروط بالمعنی المختار قبل حصول شرطه لکنّه لا بالملازمة بل من باب إستقلال العقل بتنجّز الأحکام علی الأنام بمجرد قیام احتمالها إلّا مع الفحص و الیأس عن الظفر بالدلیل علی التکلیف فیستقلّ بعده بالبراءة و أنّ العقوبة علی المخالفة بلا حجة و بیان و المؤاخذة علیها بلا برهان فافهم». و فی کفایة الأصول مع حواشی المشکینی ج 1، ص503 فی التعلیقة علی قوله: «و أمّا المعرفة فلایبعد القول»: «إن کانت مقدمة وجودیة للواجب ... و أما إذا لم تکن کذلک- کما فی غیر العبادات أو فیها علی التحقیق- فیشکل بأنّها لیست واجدةً لملاک الوجوب الغیری الملازمی، إذ ملاکه توقف وجود الواجب علیه، و هی لیست کذلک، لإمکان إتیانه من دونها- أیضاً- مع قیام الإجماع و الأخبار و الکتاب علی وجوبها و یمکن دفعه بوجوهٍ: الأول: الإلتزام بالوجوب النفسی التهیئی کما ذهب إلیه المدارک. الثانی: الوجوب الإرشادی العقلی- و هو الذی أشار إلیه فی العبارة- و حاصله: أنّ احتمال فعلیة تکلیف قبل الفحص کما هو الفرض منجّزٌ له علی تقدیر وجوده، فیحکم العقل بوجوب المعرفة لکی لایفوته المکلف به المنجز و یعاقب علیه. لایقال: هذا یتم فی الواجبات المطلقة أو فی المشروطة بعد حصول شرطها، و أمّا فیها قبله فلا، إذ لا فعلیة- حینئذ- قطعا، فحینئذ إذا علم عدم التمکن من المعرفة بعد الشرط، فکیف یحکم العقل بوجوبها قبله إرشاداً إلی تحصیل الأمن من العقوبة؟! إذ لا عقوبة علی ترک الواجب قبل الشرط قطعا، و بعده لا تمکّن من مقدمته. و الحاصل: أنّ المنجز هو احتمال الفعلیة فعلاً لا احتمالها بعد الشرط. فإنّه یقال: إنّ الملاک هو احتمال المطلق، فیحکم العقل بالتنجز لقدرته علیه بتمهید مقدمته من الآن» إلخ.
أورد علیه المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

لو کان وجوب التعلّم إرشادیاً یلزم جریان البراءة الشرعیة فی الشبهات الحکمیة قبل الفحص کما أنّها تجری فی الشبهات الموضوعیة قبل الفحص، مع أنّهم لایقولون بجریانها فی الشبهات الحکمیة قبل الفحص.

ص: 320


1- المحاضرات،(ط.ج)، ج2، ص206و(ط.ق)، ج2، ص376.

توضیحه: هو أنّ المقتضی لجریان البراءة الشرعیة فی الشبهات الحکمیة قبل الفحص موجود و هو إطلاق أدلة رفع عن أُمّتی ما لایعلمون و المانع عن جریانها هو أدلّة وجوب التعلّم.

فلو قلنا بأنّ تلک الأدلة أوامر إرشادیة فیکون حکمها مثل الأحکام العقلیة مع أنّ الأحکام العقلیة لاتصلح لمنع إطلاق دلیل الرفع و الوجه فیه هو أنّ الحکم العقلی یرتفع موضوعه مع الترخیص الشرعی و أدلّة البراءة الشرعیة ترخیصیة فیرتفع بها موضوع حکم العقل فلایبقی حکم العقل حتی یمنع عن إطلاق أدلة البراءة الشرعیة فیلزم جریانها فی الشبهات الحکمیة قبل الفحص مع أنّه لایمکن الالتزام به.

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن هذا البیان:

((1))

إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) التزم هناک بقصور مقتضی جریان البراءة الشرعیة فی الشبهات الحکمیة قبل الفحص و قال بعدم إطلاق تلک الأدلّة و وجّهه بأنّها محفوفة بالقرائن العقلیة فقال فی مصباح الأصول:((2))

ص: 321


1- فی تحقیق الأُصول، ج2، انقسام الواجب إلی المعلّق و المنجَّز، بحث التعلّم، الکلام فی تعلّم غیر البالغین، ص379:« إنّ هذا الإشکال لایجتمع مع القول بقصور أدلّة البراءة الشرعیة اقتضاءً، و من قال بکونها غیر مطلقة- لأنّها محفوفة بالقرائن العقلیة، فلاتشمل موارد الشبهة الحکمیة قبل الفحص- فلایمکنه إیراد هذا الإشکال الخ».
2- تحقیق الأصول، ج2، ص494؛ مصباح الأصول (ط موسسة إحیاء آثار السید الخوئی) ج 1، ص572 و ( مباحث حجج و امارات - مکتبة الداوری)؛ ج 1؛ ص494، الأصول العملیة، خاتمة فی شرائط جریان الأصول.

«أمّا الأُصول النقلیة فأدلّتها و إن کانت مطلقة فی نفسها إلّا أنّها مقیدة بما بعد الفحص بالقرینة العقلیة المتّصلة و النقلیة المنفصلة».((1))

ص: 322


1- إختار المحقق العراقی أیضاً کون الوجوب إرشادیّاً قال فی نهایة الأفکار، ج 3، ص476: «الجهة الثالثة فی استحقاق التّارک للفحص للعقاب و عدمه و الأقوال فیه ثلاثة: أحدها هو المنسوب إلی المدارک من استحقاق العقوبة علی ترک الفحص و التعلم مطلقا صادف عمله الواقع أم خالفه. ثانیها یظهر من الشیخ قده و اختاره بعض الأعاظم أیضا من استحقاق العقوبة علی ترک الفحص و التعلم لکن لا مطلقا بل عند أدائه إلی مخالفة الواقع. ثالثها ما نسب إلی المشهور من استحقاق العقوبة علی مخالفة الواقع لو اتّفق لا علی ترک التعلم و الفحص فمن شرب العصیر العنبی من غیر فحصٍ عن حکمه یستحق العقوبة إن اتّفق کونُه حراماً فی الواقع، و إن لم یتفق کونه حراما واقعا فلا عقاب إلّا من حیث تجریه علی القول به. و منشأ هذا الخلاف هو الخلاف فی وجوب التعلم المستفاد من العمومات المتقدمة من نحو قوله: «هَلّا تعلّمتَ» من حیث کونه وجوبا نفسیا استقلالیا کسائر التکالیف النفسیة الإستقلالیة الموجبة للعقوبة علی مخالفتها، أو تهیئا إنشاء لأجل تهیؤ المکلف بالفحص و تعلّم الأحکام لامتثال الواجبات و المحرمات الثابتة فی الشرعیة أو کونه وجوبا طریقیا کسائر الأحکام الطریقیة الثابتة فی موارد الأصول و الأمارات المثبتة الموجبة لاستحقاق العقوبة علی مخالفتها عند مصادفتها للواقع أو وجوبا شرطیا من جهة دعوی شرطیة الفحص تعبدا لحجیة أدلة الأحکام و الأصول النافیة أو کونه وجوبا مقدمیا غیریا نظرا إلی دعوی مقدمیة الفحص و التعلم للعمل بأدلة الأحکام أو کونه إرشادیا محضا إلی حکم العقل بلزوم الفحص للفرار عن العقوبة المحتملة إمّا لأجل العلم الإجمالی، أو لاستقرار الجهل الموجب لعذره، أو لحکمه بمنجزیة احتمال التکلیف قبل الفحص بناءً علی عدم إطلاق أدلة البراءة الشرعیة یشمل مطلق الشک فی التکلیف و لو قبل الفحص. و لکنّ التحقیق هو ما علیه المشهور لإباء مثل هذه العمومات عن کونها مسوقة لإعمال تعبّدٍ فی البین یقتضی کونه أی التعلم واجبا نفسیا أو شرطیا، و ظهور سوقها فی کونها للإرشاد إلی ما هو المغروس فی الذهن من حکم العقل بلزوم الفحص فی الشبهات الحکمیة و عدم جواز الأخذ بالبراءة فیها قبل الفحص، إمّا بمناط العلم الإجمالی بوجود التکلیف فی المشتبهات علی التقریب المختار، أو بمناط وجوب دفع الضرر المحتمل لعدم استقرار الجهل الموجب لعذره مع عدم إطلاق أیضا دلالة البراءة الشرعیة یشمل مطلق الشک فی التکلیف کما یشهد لذلک أیضا إفهام العبد بما قیل له من قول: «هلّا تعلمت» و عدم تمکّنه من الجواب بعدم علمه بوجوب التعلم، فإنّه لو لا سوق مثل هذه الأوامر للإرشاد إلی ما یحکم به العقل من وجوب الفحص و التعلّم للفرار عن العقوبة المحتملة و عدم معذوریة الجاهل مع التقصیر فی مخالفة التکلیف الواقعی، لَکان له أن یجیب بعدم علمه بوجوب الفحص و التعلم کما أجاب بذلک أوّلاً حین ما قیل له: هل عملت؟ و حینئذ فلا مجال لرفع الید عن ظهور هذه الأوامر فی إرادة الإرشاد بحملها علی الوجوب النفسی الإستقلالی أو التهیؤی أو الوجوب الشرطی. کما لا مجال أیضا لحملها علی الوجوب الطریقی کما أفاده بعض الأعاظم (قدس سره)، بل لایصح ذلک فی المقام لأنّ الأمر الطریقی کما ذکرناه غیر مرة هو ما یکون بحسب لبّ الإرادة فی فرض الموافقة عین الإرادة الواقعیة و یکون موضوعه عین موضوعها بحیث یکون امتثاله و العمل علی وفقه عین امتثال الأمر الواقعی، کما یکون ذلک فی جمیع الأوامر الواردة فی موارد الأمارات و الأصول المثبتة حتی مثل إیجاب الإحتیاط و من المعلوم بالضّرورة أنّه لایکون المقام کذلک، لوضوح مباینة الأمر بتعلم حکم الصلاة مثلاً مع الأمر بالصلاة لاختلاف موضوعهما و عدم کون تحصیل العلم بأحکام الصلاة عین فعل الصلاة و امتثال الأمر بها و معه کیف یمکن توهّم کون الأمر بتحصیل الفحص و التعلم أمرا طریقیا إلّا أن یجعل الأمر بالفحص و التعلم کنایة عن لازمه الذی هو إیجاب الاحتیاط و النهی عن مخالفة التکالیف الواقعیة المحتملة، فیصلح حینئذ للطریقیة، و لکنّه علیه یتعین کونه للإرشاد محضا، حیث لامجال لإعمال المولویة بعد استقلال العقل بوجوبه و حکمه بعد معذوریة الجاهل مع تقصیره فی ترک تحصیل الواقع ... و أمّا احتمال کون الأمر بالفحص و التعلم أمرا غیریا، فیدفعه انتفاء ملاک المقدمیة فیه لوضوح أنّه لایکون الفحص و تحصیل العلم بالأحکام مما یتوقف علیه فعل الواجبات و ترک المحرمات بوجهٍ لإمکان الإحتیاط مع الشک فیها.
الوجه الخامس: الوجوب الطریقی
اشارة

((1))

الاستدلال علی الوجوب الطریقی:

((2))

قال المحقّق الخوئی (قدس سره) - بعد إبطال احتمال الوجوب النفسی و الغیری و الإرشادی لوجوب التعلّم: إنّه یتعین الاحتمال الأخیر و هو کون وجوب

ص: 323


1- ذهب إلیه المحقق الخوئی (قدس سره) .
2- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص207-206و (ط.ق): ج2، ص376.

التعلّم طریقیاً و یترتّب علیه تنجیز الواقع عند الإصابة، لأنّه أثر الوجوب الطریقی کما هو شأن وجوب الاحتیاط و وجوب العمل بالأمارات.((1))

أورد علیه بعض الأساطین (حفظه الله):

((2))

إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) یعتقد فی الوجوب الطریقی بأنّه یکون هو المنجّز للواقع فلابدّ أن لایکون قبله منجّزاً للواقع، فعلی هذا لابدّ فی موارد الوجوب الطریقی أن لایکون قبله احتمال العقاب و إلّا فیکون احتمال العقاب هو المنجّز للواقع و وجوب التعلّم إرشاداً إلیه.((3))

فعلی هذا أدلّة وجوب التعلّم إرشادی.((4))

ص: 324


1- إختار المحقق النائینی کون الوجوب طریقیّا قال فی أجود التقریرات ط.ق. ج 1، ص156: «هذا فی غیر التعلم من المقدمات التی لها دخلٌ فی القدرة علی الواجب ذاتا و قیدا أو عنوانا و أمّا هو فحاله حال جمیع الطرق فی أنّ وجوبه طریقی لتنجیز الواقع عند الإصابة و مخالفته لاتوجب استحقاق العقاب إلّا إذا لزم منها مخالفة الواقع إن لم نلتزم بعقاب المتجری و إلّا فیترتب علی مخالفته استحقاق العقاب صادف الواقع أم لم یصادف و قد عرفت أنّ التعلم غیرُ دخیلٍ فی القدرة علی الواجب أصلا و الفعل علی ما هو علیه من کونه مقدورا فی ظرفه و العقل حیثما احتمل تحقّق العصیان فی ظرفه بترکه التعلم مع احتماله البیان فهو لامحالة یحتمل العقاب فیستقل بوجوب دفعه إمّا بالتعلم أو بالإحتیاط فوجوب التعلم لیس بملاک وجوب المقدمات المعدة التی یستلزم ترکها عدم القدرة علی الواجب فی ظرفه بل هو بملاک آخر لایبتنی علی قاعدة عدم منافاة الإمتناع بالإختیار للعقاب أصلاً و هو لزوم دفع الضرر المحتمل حیث إنّ المفروض مقدوریة الواجب مثلا فی ظرفه لعدم دخل معرفة الحکم فی القدرة علی فعله بالبداهة فیکون ترکه عصیانا للتکلیف الفعلی مع وجود البیان و لا إشکال فی استتباعه للعقاب فاحتمال تکلیف تمّت الحجة علیه یوجب احتمال الضرر وجداناً فیجب دفعه عقلا فالفرق بین التعلم و المقدمات التی یستلزم ترکها فوت الواجب فی ظرفه بأمرین» إلخ.
2- تحقیق الأُصول، ج2، انقسام الواجب إلی المعلّق و المنجَّز، بحث التعلّم،ص380.
3- إستفاد ذلک من عبارته فی مصباح الأُصول،(طبع موسسة إحیاء آثار السید الخوئی)، ج 1، ص:331 و (مباحث حجج و امارات - مکتبة الداوری)، ج 1، ص: 286.
4- قد عرفت فی المطلب الثانی أقوالاً خمسة فی وجوب التعلم هی الوجوب النفسی و التهیؤی و الغیری و الإرشادی و الطریقی و الأول هو الوجوب النفسی الإستقلالی و الثانی هو الوجوب النفسی التهیؤی فتصیر أقسام الوجوب أربعة: النفسی و الغیری و الإرشادی و الطریقی ثمّ إنّ احتمال الوجوب لهذه الأقسام یأتی فی بعض المباحث أحدها: بحث وجوب التعلم. ثانیها: بحث وجوب الإحتیاط أو وجوب دفع الضرر أو وجوب التوقف. قال فی نهایة الدرایة، ج 4، ص101 فی التعلیقة علی قوله (قدس سره): «فبما دلّ علی وجوب التوقف عند الشبهة»: «توضیح الإستدلال بهذه الطائفة: أنّ الأمر بالتوقف إمّا نفسی أو طریقی ٌ أو إرشادی: لا مجال للنفسیة ... فیدور الأمر بین کون الأمر بالتوقف طریقیا لتنجیز الواقع المشتبه، أو إرشادیا بداعی إظهار ما فی الإقتحام فی الشبهة من الهلکة الأخرویة». و فی مصباح الأصول ط. الموسسة ج 1، ص329: «إنّ الضرر المحتمل الذی یجب دفعه بحکم العقل إمّا أن یراد به الضرر الاخروی أی العقاب، أو الضرر الدنیوی، أو المفسدة المقتضیة لجعل الحرمة فإن کان المراد به العقاب فإمّا أن یکون وجوب دفعه غیریا أو نفسیا أو طریقیا أو إرشادیا، و لایتصور له خامس». و فی منتهی الدرایة، ج 5، ص309: إنّ وجوب الدفع إمّا شرعی نفسی أو غیری أو طریقی، و إمّا فطری، و إمّا عقلی إرشادی و الظاهر عدم کونه نفسیا، إذ ضابطه- و هو الوجوب المنبعث عن مصلحة فی المتعلق یوجب استحقاق المثوبة علی موافقته و العقوبة علی مخالفته کوجوب الصلاة و الصوم و نحوهما- لاینطبق علیه». ثالثها: بحث وجوب المقدمة. قال فی تحقیق الأصول، ج 3، ص105: «قد ذکرنا الأقوال، و نتعرّض هنا لأدلتها: و قد استدل للقول بالوجوب مطلقا بوجوهٍ ... الثانی: وقوع الأمر بالمقدمة فی القضایا التکوینیة کقوله: أدخل السّوق و اشتر اللحم، و فی القضایا الشرعیة کما فی الخبر: «إغسل ثوبک من أبوال ما لایؤکل لحمه» .. و الأصل فی الإستعمال هو الحقیقة، و الأمر ظاهرٌ فی الوجوب و هذا الوجوب الثابت للمقدمة غیری بالإستقراء، لأنّ الوجوب إمّا إرشادی و إمّا مولوی طریقی و إمّا مولوی نفسی و إمّا غیری». و قد ذکر بعضٌ الوجوبَ الفطری و الوجوب الشرطی أیضا فتصیر الأقسام ستة فمن الأول المحقق الجزائری فی بحث وجوب الدفع و من الثانی المحقق العراقی فی بحث وجوب التعلم.

ص: 325

المطلب الثالث: هل تارک تعلم مسائل الشک و السهو المبتلی بها فاسق؟
قال الشیخ (قدس سره): هو فاسق

إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) أفتی فی «صراط النجاة» بفسق تارک تعلّم مسائل الشک و السهو فیما یبتلی به عامة المکلّفین.((1))

إیراد المحقق النائینی (قدس سره)

((2)):

المحقّق النائینی (قدس سره) لم یرتض بذلک و قال: هذا مخالف لمبنی الشیخ (قدس سره) و لذا احتمل السهو ممن جمع فتاوی الشیخ (قدس سره) و استدلّ علی ذلک بأنّ هذا الفتوی لابدّ أن یستند إلی أحد هذه الأُمور:

الأمر الأوّل: الالتزام بالوجوب النفسی للتعلّم کما هو مختار المحقّق الأردبیلی (قدس سره) و لکن الشیخ (قدس سره) لم یلتزم به فهذا مخالف لمبناه.

الأمر الثانی: الالتزام بحرمة التجرّی و لکنّه أیضاً مخالف لمبناه حیث قال بعدم حرمة التجرّی و أنّ قبحه فاعلی لا فعلی.

الأمر الثالث: الالتزام بالفرق بین مسائل السهو و الشک و سائر المسائل بدعوی أنّ العادة جرت علی الابتلاء بهذه المسائل و لذا یجب تعلّم مسائل السهو و الشک بالخصوص دون غیرها فمن ترکه کان فاسقاً.

ولکنّه أیضاً لایناسب مبنی الشیخ (قدس سره) حیث إنّ وجوب التعلّم عنده وجوب طریقی فلا عقاب علی ترکه بل العقاب علی مخالفة الواقع.

ص: 326


1- صراط النجاة (محشی)، فصل35، مسألة682، ص175.
2- أجود التقریرات، ج1، المبحث الثالث فی تقسیم الواجب إلی المطلق و المشروط، ص231-232.
جواب المحقق الخوئی (قدس سره)

((1)):

السید المحقّق الخوئی (قدس سره) استشکل و قال: إنّ ما أفاده الشیخ (قدس سره) من أنّ تارک التعلّم محکوم بالفسق مبنی علی أنّ التجرّی کاشف عن عدم وجود ملکة العدالة فإنّ المتجرّی و إن لم یکن مستحقاً للعقاب لعدم ارتکابه للمبغوض الواقعی أو لعدم ترکه للواجب إلّا أنّه أتی بما یعتقد کونه مبغوضاً أو ترک ما یعتقد کونه واجباً و هذا کاشف عن فقد ملکة العدالة و لذا یحکم علیه بالفسق.

الإیراد علی هذا الجواب:

إنّ فقد ملکة العدالة لایلازم الفسق بل الفسق مترتّب علی من صدر عنه الحرام أو ترک الواجب فمن لم تصدر عنه المعصیة لایکون فاسقاً و إن لم یکن عادلاً.

ص: 327


1- قال فی تعلیقته علی أجود التقریرات، ج1، ص232:« لا بُعد فی ذلک بعد کشف التجری عن عدم ملکة العدالة ضرورةَ أنّ مصادفة الواقع و عدمها أجنبیةٌ عما فی نفس المتجری من عدم وجود الملکة فیها هذا و قد عرفت أنّه لابدّ من القول بوجوب التعلم نفسیاً طریقیاً فیکون مخالفته مخالفة للواجب النفسی فلا إشکال».

ص: 328

التقسیم الثانی: الواجب النفسی و الغیری
اشارة

فیه موضعان و تنبیهان:

الموضع الأوّل: تعریف الواجب النفسی و الغیری
اشارة

و فیه ستة تعاریف:

الأوّل: تعریف المشهور
اشارة

إنّ المشهور عرّفوا الواجب النفسی بما أُمر به لنفسه و الواجب الغیری بما أُمر به لأجل غیره.((1))

إیراد الشیخ (قدس سره) علیه:

إنّه یلزم أن یکون جمیع الواجبات الشرعیة أو أکثرها من الواجبات الغیریة،

ص: 329


1- فی هدایة المسترشدین ( ط.ج)، ج 2، ص89 و(ط.ق)، المقصد الثانی، ص184:« و الواجب النفسی: ما یکون مطلوبا لنفسه، و الغیری: ما یکون مطلوبا لأجل غیره أی: لحصول الغیر و الإتیان به.» و فی الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، ص80:« و ینقسم الواجب باعتبارٍ آخرَ إلی نفسی و غیری فالواجب النفسی ما تعلّق الطلب به لنفسه و الواجب الغیری ما تعلق الطلب به للوصلة إلی غیره».

إذ المطلوب النفسی قلما یوجد فی الأوامر، فإنّ جلّها مطلوبات لأجل الغایات التی هی خارجة عن حقیقتها، فالتعریف بالنسبة إلی الواجب النفسی غیر منعکس و بالإضافة إلی الواجب الغیری غیر مطردّ. ((1))

الثانی: تعریف الشیخ الأنصاری (قدس سره)
اشارة

((2))

الأولی فی تحدیدهما هو أن یقال: إنّ الواجب النفسی ما أُمر به لا لأجل التوصّل إلی واجب آخر و الواجب الغیری ما أُمر به للتوصّل إلی واجب آخر.

ثمّ إنّ الواجب النفسی قسمان:

الأوّل: ما کان الداعی محبوبیة الواجب بنفسه کالمعرفة بالله تعالی.

الثانی: ما کان الداعی محبوبیة الواجب بما یترتّب علیه من فائدة کأکثر الواجبات من العبادات و التوصّلیات.((3))

ص: 330


1- فی مطارح الأنظار (ط.ج)، ج1، ص330 و (ط.ق)، ص66:« فاعلم أنّه قد فسّر فی کلام غیر واحد منهم الواجب النفسی بما أمر به لنفسه و الغیری بما أمر به لأجل غیره و علی ما ذکرنا فی التمهید یلزم أن یکون جمیع الواجبات الشرعیة أو أکثرها من الواجبات الغیریة، إذ المطلوب النفسی قلّ ما یوجد فی الأوامر، بل جلّها مطلوبات لأجل الغایات التی هی خارجة عن حقیقتها، فیکون أحدهما غیر منعکس، و یلزمه أن یکون الآخر غیر مطّرد، لانتفاء الواسطة».
2- مطارح الأنظار ( ط.ج): ج 1، ص 331 و (ط.ق): ص66.
3- فی مطارح الأنظار (ط.ج): ج 1، ص329 و (ط.ق)، ص66:« ینقسم الواجب باعتبار إختلاف دواعی الطلب علی وجه خاصّ- کما ستعرفه- إلی غیری و نفسی. و تحقیق القول فی تحدیدهما موقوف علی تمهید، و هو: أنّ متعلّق الطلب: قد یکون أمرا مطلوبا فی ذاته علی وجهٍ یکفی فی تعلّق الطلب تصوّره من غیر حاجة إلی غایة خارجة عن حقیقة المطلوب، فلابدّ أن یکون ذلک غایة الغایات، فإذن هو الداعی إلی کلّ شی ء و هو المدعوّ بنفسه، کما فی المعرفة باللّه الکریم و التقرّب إلیه بارتکاب ما یرضیه و الإجتناب عمّا یسخطه، فإنّه هو الباعث علی فعل الطاعات و الداعی إلی ترک المناهی و السیئات، و یلزمه أن یکون المطلوب فی الأمر حصوله فی نفسه، لا حصوله لأجل ما یترتّب علیه. و قد یکون أمراً یترتّب علیه فائدة خارجة عن حقیقة المطلوب، و هذا یتصوّر علی وجهین: أحدهما: أن یکون ما یترتّب علیه أمرا لایکون متعلّقا لطلب فی الظاهر، فیکون من قبیل الخواصّ المترتّبة علی الأفعال التی لیست داخلة تحت قدرة المکلّف حتّی یتعلّق الأمر بها بنفسها. و ثانیهما: أن یکون الغایة الملحوظة فیه تمکّن المکلّف من فعل واجب آخر، فالغایة فیه هو الوصول إلی واجب آخر بالأخرة و إن کانت الغایة الأوّلیة هو التمکّن المذکورالخ».
إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علی تعریف الشیخ (قدس سره)

((1)):

إنّ الواجب الذی یکون الداعی فیه محبوبیته بما یترتّب علیه من الفائدة یکون واجباً غیریاً و الوجه فی ذلک هو أنّ الفوائد المترتّبة علی القسم الثانی من الواجب النفسی مطلوبة للمولی بحیث لولا وجوده هذه الفوائد لما دعی إلی إیجاب ذی الفائدة فمطلوبیة القسم الثانی من الواجب النفسی إنّما هی للتوصّل إلی هذه الفوائد التی یجب تحصیلها، فالقسم الثانی واجب لأجل التوصّل إلی واجب آخر فعاد الإشکال.

دفاع عن الشیخ (قدس سره):

إنّ هذه الفوائد التی تترتّب علی القسم الثانی من الواجب النفسی لیست متعلّقة للوجوب، لأنّها خارجة عن حیز قدرة المکلّف فلایصحّ تعلّق التکلیف بها.

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره):

هی داخلة تحت القدرة لدخول أسبابها تحتها و القدرة علی السبب قدرة علی

ص: 331


1- کفایة الأصول (ط.آل البیت)، المقصد الأول الأوامر، فصل فی مقدمة الواجب، الأمر الثالث فی تقسیمات الواجب، و منها تقسیمه إلی النفسی و الغیری، ص107.

المسبّب و لذا یتعلّق الأمر بالتطهیر المسبّب عن الغسل و الوضوء، فالإشکال الذی أورده علی تعریف المشهور یتوجّه إلی تعریفه أیضاً. ((1))

الثالث: تعریف صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ الواجب النفسی هو ما کان وجوبه لأجل حسنه فی حدّ ذاته، سواء کان مقدّمة لأمر مطلوب واقعاً أم لم یکن.

و الواجب الغیری ما کان وجوبه لأجل حسن غیره، سواء کان فی نفسه معنوناً بعنوان حسن کالطهارات الثلاث أم لم یکن. (کما ورد «الوضوء نور» فإنّ وجوب الوضوء لأجل الصلاة وجوب غیری و إن کان الوضوء فی نفسه معنوناً بعنوان حسن و هو نورانیته، فإنّ نورانیة الوضوء بنفسه لیست ملاک وجوبه الغیری).

إیرادات أربعة علیه:
الإیراد الأوّل: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((3))

لازم ذلک إرجاع جمیع الواجبات النفسیة إلی واجب واحد و هکذا فی المحرّمات توضیحه هو أنّ العناوین الحسنة أو القبیحة علی نحوین:

ص: 332


1- کفایة الأصول ( ط.آل البیت )، ص108.
2- فی کفایة الأصول( ط. آل البیت )، ص108،بعد إیراد الإشکال علی القسم الثانی من الواجب النفسی عند الشیخ قال:« فالأولی أن یقال: إنّ الأثر المترتب علیه و إن کان لازما إلّا أنّ ذا الأثر لمّا کان معنونا بعنوان حسن یستقل العقل بمدح فاعله بل و بذم تارکه صار متعلقاً للإیجاب بما هو کذلک و لاینافیه کونه مقدمة لأمر مطلوب واقعا بخلاف الواجب الغیری لتمحض وجوبه فی أنّه لکونه مقدمة لواجب نفسی و هذا أیضا لاینافی أن یکون معنونا بعنوان حسن فی نفسه إلّا أنّه لا دخل له فی إیجابه الغیری».
3- نهایة الدرایة، ج2، ص103.

النحو الأوّل: ما هو حسن بالذات أو قبیح بالذات کعنوان العدل و الإحسان فی الحسن الذاتی و کعنوان الظلم و الجور فی القبح الذاتی.

النحو الثانی: ما هو حسن أو قبیح بالعرض کغیر العناوین المتقدّمة من سائر العناوین.

و بعبارة أُخری: إنّ العنوان الحسن أو القبیح قد لایتّصف بالحسن و القبح إذا طرأ علیه عنوان آخر یمنع عن اتّصافه بالحسن أو القبح، کعنوان الصدق و الکذب إذا طرأ علیهما عنوان قتل المؤمن أو إنجاؤه، و هذا عنوان عرضی لقبوله طرو المانع.

و قد لایقبل طرو عنوان آخر یزیل حسنه أو قبحه کعنوان العدل و الظلم فهذا عنوان ذاتی.

و من الواضح أنّ کلّ ما بالعرض ینتهی إلی ما بالذات، فجمیع الواجبات النفسیة (إذا کانت واجبة نفسیة من حیث عنوان حسن) لابدّ من أن تنتهی إلی عنوان واحد و کذلک المحرّمات النفسیة کلّها مصادیق واجب واحد أو محرّم واحد بملاک و عنوان واحد، لأنّ عناوینها الحسنة و القبیحة لابدّ من أن تنتهی إلی عنوان ذاتی، فالعنوان الحسن أو القبیح ینحصر فی العنوان الذاتی و إرجاع جمیع الواجبات النفسیة إلی واجب واحد و جمیع المحرّمات النفسیة إلی محرّم واحد مما لایمکن الالتزام به.

لایقال: العنوان الحسن و القبیح لاینحصر فی العنوان الذاتی الذی لایقبل طرّو المانع بل ما بالذات تارة بنحو العلیة و أُخری بنحو الاقتضاء و الواجبات النفسیة و المحرّمات النفسیة لعلّها من قبیل الثانی(أی من قبیل الاقتضاء) فحسنها باعتبار ذواتها و إن کانت قابلة لطرو المانع.

ص: 333

لأنّا نقول: هذا المعنی و إن کان مشهوراً، لکنّه لا أصل له حسبما یقتضیه الفحص و البرهان إذ لا علیة ولا اقتضاء للعنوان بالإضافة إلی حکم العقلاء بمدح فاعله أو ذمّه.

بل المراد بما بالذات و ما بالعرض أنّ العنوان إذا کان بنفسه مع قطع النظر عن اندراجه تحت عنوان آخر محکوماً عند العقلاء بمدح فاعله أو ذمّه لما فیه من المصلحة العامة أو المفسدة العامة کان حسناً أو قبیحاً بالذات و إذا لم یکن بنفسه محکوماً بأحدهما بل باعتبار اندارجه تحت ما کان بنفسه کذلک کان حسناً أو قبیحاً بالعرض.

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً

((1))

إنّ جهة الحسن التی هی موجبة لمدح العقلاء غیر الجهة الموجبة لإیجاب الشارع.

توضیح ذلک هو: أنّ قضیة حسن العدل و قبح الظلم من القضایا المشهورة التی اتّفقت علیها آراء العقلاء حفظاً للنظام و إبقاء للنوع فلا منافاة بین الحسن الذاتی عند العقلاء و عدم المحبوبیة الذاتیة عند الشارع لأنّ الجهة الموجبة لمدح العقلاء لا دخل لها بالجهة الموجبة لإیجاب الشارع.

مثلاً: إنّ الصلاة و إن کانت حسنة عند العقلاء من حیث إنّها تعظیم - و هو عنوان حسن فإنّه عدل- و تعظیم العبد لمولاه من مقتضیات الرقیة و رسوم العبودیة فیکون به النظام محفوظاً و النوع باقیاً، إلّا أنّها غیر محبوبة للشارع من

ص: 334


1- نهایة الدرایة،ج2، ص104.

هذه الجهة، بل من جهة استکمال العبد بها و زوال الأخلاق الرذیلة منه بها فیستعدّ لقبول نور المعرفة و أین إحدی الجهتین من الأُخری؟

الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)

((1))

إنّ حسن الأفعال الواجبة المقتضی لإیجابها إن کان ناشئاً من مقدّمیتها لما یترتّب علیها من المصالح و الفوائد اللازمة فالإشکال باق علی حاله و إن کان ثابتاً فی حدّ ذاتها مع قطع النظر عما یترتّب علیها فلازم ذلک أن لایکون شیء من الواجبات النفسیة متمحّضاً فی الوجوب النفسی و ذلک لاشتمالها علی ملاکین: النفسی (و هو حسنها الذاتی) و الغیری (و هو کونها مقدّمة لواجب آخر، نظیر صلاة الظهر حیثه إنّها واجبة لنفسها و مقدّمة لواجب آخر أیضاً و هی صلاة العصر).

الإیراد الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)

((2))

إنّ دعوی الحسن الذاتی فی جمیع الواجبات النفسیة دعوی جزافیة لأنّ جلّ الواجبات النفسیة لم تکن حسنة بذاتها و فی نفسها کالصوم فإنّ ترک الأکل و الشرب فی نهار شهر رمضان لیس فی نفسه حسناً و الحسن الذاتی فی بعض الأفعال کالسجود غیر هذا الحسن العقلی.

الرابع: تعریف المحقّق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((3))

إنّه لا ریب فی أنّ کلّ ما بالعرض ینتهی إلی ما بالذات مثلاً إذا أراد الإنسان

ص: 335


1- أجودالتقریرات، ج1، ص244.
2- المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص216و (ط.ق)، ج2، ص384.
3- نهایة الدرایة، ج2، ص101.

اشتراء اللحم، فلامحالة یکون لغرض و هو طبخه و الغرض من طبخه أکله و الغرض منه إقامة البدل لما یتحلّل من البدن و الغرض منه إبقاء الحیاة و الغرض منه إبقاء وجوده و ذاته، فغایة جمیع الغایات للشوق الحیوانی ذلک و إذا کان الشوق عقلانیاً فغایة بقائه إطاعة ربّه و التخلّق بأخلاقه و ینتهی ذلک إلی معرفته تعالی.

فجمیع الغایات الحیوانیة ینتهی إلی غایة واحدة و هی ذات الشخص الحیوانی و جمیع الغایات العقلانیة ینتهی إلی غایة الغایات و مبدأ المبادی جلّ شأنّه هذا کلّه فی الإرادة التکوینیة.

و أمّا الإرادة التشریعیة، فإنّ حقیقتها إرادة الفعل من الغیر، و من الواضح أنّ الإنسان لو أراد اشتراء اللحم من زید فالغرض منه و إن کان طبخه، لکنه غیر مراد منه، بل لعلّ الطبخ مراد من عمرو و إحضاره فی المجلس مراد من بکر و هکذا.

فلاتنافی بین کون الشیء مراداً من أحد و الغرض منه غیر مراد منه و إن کان الغرض مقصوداً من الفعل لترتّبه علیه، فالاشتراء مراد بالذات من زید و مقدّماته مرادة بالعرض منه و إن لم یکن الغرض من اشتراء اللحم نفسه بل ینتهی الغرض إلی شخص الآمر حیث یرید إبقاء حیأته و إبقاء وجوده و ذاته.

و منه یعلم حال الصلاة و سائر الواجبات النفسیة، فإنّ الغرض من الصلاة و إن کانت مصلحتها، إلّا أنّها غیر مرادة من المکلّف لا بالعرض و لا بالذات، بل المراد بالذات من المکلّف نفس الصلاة.

و جمیع آثار الواجب النفسی من کونه محرّکاً و مقرّباً و موجباً لاستحقاق الثواب علی موافقته و العقاب علی مخالفته یترتّب علی هذه الواجبات النفسیة مثل الصلاة.

ص: 336

[فتحصل من ذلک أنّ الواجب النفسی هو ما یکون مراداً بالذات من المکلّف و إن کان الغرض منه أمراً آخر غیر مراد من المکلّف و الواجب الغیری هو ما یکون مراداً بالعرض لأجل الإیصال إلی ما یکون مراداً بالذات من المکلّف].

أورد علیه بعض الأساطین:

((1))

أوّلاً: إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) لایجدی فی الشرعیات، نعم إنّ الغرض فی المثال العرفی الذی أفاده مطلوب من شخص آخر لأنّ المولی أمر زیداً بشراء اللحم و عمراً بطبخه، و لکن الغرض فی الشرعیات مطلوب من نفس المخاطب بالأمر مثلاً إذا أمر الشارع زیداً بإتیان الصلاة فالمطلوب هو الانتهاء من الفحشاء و المنکر و هذا الأثر مطلوب من نفس زید لا من عمرو.

ثانیاً: إنّ ما أفاده لایجدی فی العرفیات أیضاً لأنّ الغرض من اشتراء زید اللحم هو طبخ اللحم الذی أراده المولی من عمرو و الغرض منه هو الأکل و لمّا کان الغرض مقدوراً للمکلّف فیجوز أن یتعلّق به الأمر فیکون واجباً نفسیاً فیصدق تعریف الواجب الغیری علی اشتراء اللحم لأنّه واجب للإیصال إلی واجب آخر فیکون الواجب النفسی واجباً غیریاً فعاد الإشکال.

یلاحظ علیه:

أما ما أفاده فی الإیراد الأوّل ففیه أنّ الغرض فی الشرعیات مطلوب للمولی تکویناً و لکن لیس مراداً من نفس المخاطب لا بالإراده التشریعیة الذاتیة ولا بالإرادة التشریعیة العرضیة و ما مثّل به هو لتفهیم إمکان تعلّق الأمر بالشیء و

ص: 337


1- تحقیق الأصول، ج3، الواجب النفسی و الغیری، طریق المحقّق الأصفهانی، ص17.

توجّهه إلی الشخص الأوّل مع أنّ الغرض من الأمر غیر مراد منه، و الشاهد علیه هو أنّا لو فرضنا عدم ترتّب هذا الغرض علی فعل الصلاة (مثل الصلاة التی لا روح لها و صلّاها المکلّف بلا حضور القلب) لایسقط وجوبها.

و أما ما أفاده فی الإیراد الثانی ففیه أنّ طبخ اللحم فی المثال المذکور لیس مقدوراً لزید کما أنّ أکل المولی اللحم لیس مقدوراً لعمرو فالمراد بالذات من زید هو الاشتراء و من عمرو هو الطبخ.

الخامس: نظریة المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ الأغراض و الغایات المترتّبة علی تلک الواجبات النفسیة علی ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما یترتّب علی الفعل الخارجی بلا توسط أمر بینهما لا أمر اختیاری ولا أمر غیر اختیاری مثل ترتّب الزوجیة علی العقد و القتل علی الضرب و هکذا فلا مانع من تعلّق التکلیف بها لأنّها مقدورة بواسطة القدرة علی سببها.

الثانی: ما یترتّب علی الفعل الخارجی بتوسط أمر اختیاری مثل الصعود علی السطح بواسطة نصب السلّم و هنا أیضاً لا مانع من تعلّق التکلیف بالغرض بملاک أنّ الواسطة مقدورة.

الثالث: ما یترتّب علی الفعل الخارجی بتوسط أمر خارج عن اختیار الإنسان فتکون نسبة الفعل إلی الغرض نسبة المعِدّ إلی المعَدّ له لا نسبة السبب إلی المسبّب کحصول الثمر علی الزرع حیث یتوقف علی مقدمات خارجة عن قدرة الإنسان، وهنا لایمکن تعلّق التکلیف بهذا الغرض الأقصی.

ص: 338


1- أجود التقریرات، ج1، ص243.

و ما نحن فیه من هذا القبیل فإنّ نسبة الأفعال الواجبة إلی ما یترتّب علیها من المصالح و الأغراض نسبة المعِدّ إلی المعَدّ له حیث تتوسط بینهما أُمور خارجة عن اختیار المکلّف، و علیه لایمکن تعلّق التکلیف بتلک المصالح و الغایات لخروجها عن تحت قدرة المکلّف.

ناقشه المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ ما أفاده بالنسبة إلی الغرض الأقصی صحیح فإنّ نسبة النهی عن الفحشاء و أفعال الصلاة لیست نسبة العلّیة بل الصلاة معدّ و النهی عن الفحشاء هو المعدّ لها إنّ النهی عن الفحشاء هو الغرض القریب فمن صلّی مع حضور القلب یترتب علیه ذلک، أمّا المعراج (الصلاة معراج المؤمن) و القربان المطلق و بعض مراتب القرب فتعد من الغرض الأقصی، لأنّ ترتّب هذا الغرض الأقصی علی الصلاة متوقّف علی مقدّمة أُخری خارجة عن اختیار المکلّف، لکن هذا لایتمّ بالإضافة إلی الغرض القریب لأنّ الغرض القریب له حیثیة الإعداد للوصول إلی الغرض الأقصی، و ترتّب الغرض القریب علی الأفعال الصلاتیة ترتّب المعلول علی علّته و المسبّب علی سببه، فلا مانع من تعلّق التکلیف بالغرض القریب لأنّه مقدور للمکلّف بواسطة القدرة علی سببه و علی هذا یبقی إشکال دخول الواجبات النفسیة فی تعریف الواجب الغیری.

و مثّل له بالأمر بالزرع فی الأرض فإنّ الغرض الأقصی منه و هو حصول النتاج خارج عن اختیار المکلف لکن الغرض القریب و هو إعداد المحلّ لحصول النتاج داخل تحت اختیاره لوجود القدرة علی سببه.

ص: 339


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص218و(ط.ق): ج2، ص385.
السادس: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

أمّا بناء علی نظریة صاحب المعالم (قدس سره) ((2)) من أنّ الأمر بالمسبّب عین الأمر بالسبب فیکون جمیع الأفعال واجباً بالوجوب النفسی، فلیس هنا واجب آخر لیکون وجوبها لأجل ذلک الواجب فیکون غیریاً.

و أمّا بناء علی نظریة المشهور و هو الحقّ (من أنّ السبب کسائر المقدّمات لیس واجباً نفسیاً) فلأنّ المصالح و الغایات المترتّبة علی الواجبات لیست قابلة لتعلّق التکلیف بها، فإنّ تعلّق التکلیف بشیء یرتکز علی أمرین:

الأوّل: أن یکون مقدوراً للمکلّف و الثانی: أن یکون أمراً عرفیاً و قابلاً لأن یقع فی حیز التکلیف بحسب أنظار العرف و تلک المصالح و الأغراض و إن کانت مقدورة له للقدرة علی أسبابها، إلّا أنّها لیست مما یفهمه العرف العام لأنّها من الأُمور المجهولة عندهم و خارجة عن أذهان عامّة الناس فلایحسن توجیه التکلیف إلیها ضرورة أنّ العرف لایری حسناً فی توجّه التکلیف بالانتهاء من الفحشاء أو بإعداد النفس للانتهاء عن کل أمر فاحش فیتعلّق الوجوب النفسی بنفس الأفعال دون غایاتها.

إیراد بعض الأساطین علی کلام المحقق الخوئی (قدس سره):

((3))

إنّ ما ذهب إلیه من أنّ تلک المصالح و الأغراض لیست مما یفهمه العرف العام بل تکون أُموراً مجهولة عندهم ممنوع، حیث إنّ هذه الأغراض قد أُشیر

ص: 340


1- المحاضرات(ط.ج)، ج2، ص218و(ط.ق)، ج2، ص386.
2- معالم الدین، ص61-62.
3- تحقیق الأصول، ج3، الواجب النفسی و الغیری، إشکال المحاضرات،ص14.

إلیها فی القرآن الکریم مثل غرض الصلاة (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ)((1))و قد أُشیر إلیها فی الروایات مثل ما ورد من أنّ الزکاة تطهیر للنفس و توفیر للمال مع أنّ الشارع لایخاطب العرف العام بما لایفهمون، فما أفاده مخالف لبیانیة آیات الکتاب المبین و تفسیریة الروایات، هذا أوّلاً.

و ثانیاً: ما ذهب إلیه مخالف لطریقة الشارع فی خطاباته حیث إنّه لایخاطب العرف بما لایفهمون.

نعم إنّ العرف العام و الخاص لایعلم کیفیة ترتّب الأغراض و الغایات علی الأفعال و الواجبات النفسیة المذکورة و لکن لیس معنی ذلک مجهولیة الأغراض بل هذا مجهولیة سرّ ترتّب الأغراض علی الواجبات النفسیة.

ص: 341


1- العنکبوت: 45.
الموضع الثانی: إذا شک فی واجب أنّه نفسی أو غیری فما مقتضی الأصل؟
اشارة

فیه مقامان:

المقام الأوّل: مقتضی الأصل اللفظی
اشارة

مقتضی الأصل الوجوب النفسی و فی تقریر ذلک نظریات:

الأُولی: نظریة الشیخ (قدس سره)

إنّ الشیخ (قدس سره) یقول باستحالة رجوع القید إلی الهیأة و لزوم رجوعه إلی المادّة ولذا یمکن التمسک بالإطلاق بوجهین:((1))

الوجه الأوّل: فیما إذا کان الوجوب مستفاداً من الجملة الاسمیة مثل قوله (علیه السلام): غسل الجمعة فریضة من فرائض الله؛ و هنا یتمسک بإطلاق هذه الجملة لإثبات کون الوجوب نفسیاً و إلّا لنصب قرینة علی الغیریة لأنّه فی مقام البیان لم ینصب قرینة علی الغیریة فالإطلاق یقتضی عدم غیریة الوجوب.

الوجه الثانی: فیما إذا کان الوجوب مستفاداً من صیغة الأمر فحیث لم یمکن الإطلاق فی ناحیة الهیأة فلابدّ من التمسّک بالإطلاق فی ناحیة المادّة و بیان ذلک هو أنّ المولی کان فی مقام البیان و لم ینصب قرینة علی تقیید الواجب النفسی بوجود شیء مقدّمی مثلاً شککنا فی تقیید الصلاة بالوضوء علی الفرض فلو لم ینصب قرینة علی هذا التقیید نتمسّک بإطلاق الصلاة و لازم ذلک هو عدم کون الوضوء واجباً غیریاً و هذا اللازم حجّة، لأنّ مثبتات الأُصول اللفظیة حجّة.

ص: 342


1- کما قرره المحقّق الخوئی فی المحاضرات (ط.ج): ج2، ص221و(ط.ق): ج2، ص388 علی مبنی الشیخ.
الثانیة: نظریة المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1))

لابدّ من التمسّک بإطلاق الهیأة، لأنّ الهیأة و إن کانت موضوعة للأعمّ من الوجوب النفسی و الغیری إلّا أنّ الغیری یحتاج إلی مؤونة زائدة لأنّ تقیید وجوب شیء بما إذا وجب غیره یحتاج إلی مؤونة زائدة و حیث لم ینصب قرینة علی ذلک و لم یقیده فمقتضی الإطلاق هو الوجوب النفسی.

إیراد الشیخ (قدس سره) علی نظریة المشهور:

((2))

لا وجه للاستناد إلی إطلاق الهیأة لأنّ مفاد الهیأة هی الأفراد التی لایعقل فیها التقیید لأنّ التقیید عبارة عن التضییق و مفاد الهیأة هو مصداق الطلب و واقعه لا مفهوم الطلب فإنّ مفهوم الطلب قابل للتقیید و التضییق إلّا أنّ مفاد الهیأة لیس مفهوم الطلب و الوجه فی ذلک هو أنّ الأمر هو الطلب الحقیقی و هذا یقتضی أن یکون مفاد الهیأة هو واقع الطلب و مصداقه.

جوابان عن هذا الإیراد:
الجواب الأول: عن صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((3))

إنّ الطلب علی قسمین: طلب حقیقی و طلب إنشائی و الطلب الحقیقی هو

ص: 343


1- فی کفایة الاصول (ط.آل البیت)، ص108:« ثم إنّه لا إشکال فیما إذا علم بأحد القسمین و أمّا إذا شک فی واجب أنّه نفسی أو غیری فالتحقیق أنّ الهیأة و إن کانت موضوعة لما یعمّهما إلّا أّن إطلاقها یقتضی کونه نفسیا فإنّه لو کان شرطا لغیره لوجب التنبیه علیه علی المتکلم الحکیم».
2- مطارح الأنظار (ط.ج): ج1، ص330 و (ط.ق): ص67، الهدایة 11 من القول بوجوب المقدّمة.
3- کفایة الأصول ( ط.آل البیت )، فصل فی مقدمة الواجب، و منها تقسیمه إلی النفسی و الغیری، ص89.

ما یکون بالحمل الشائع طلباً و الطلب الإنشائی هو مفهوم الطلب لأنّ الوجود الإنشائی لکلّ شیء لیس إلّا قصد حصول مفهوم بلفظه.

أمّا الطلب الحقیقی فلایمکن أن یکون مفاد الهیأة لأنّ الطلب الحقیقی من الصفات الخارجیة القائمة بالنفس و لایمکن إنشاؤه باللفظ لأنّ الأمر القائم بالنفس لایمکن إنشاؤه باللفظ فإنّ صیغة افعل إنشاء و مفاد الهیأة طلب إنشائی و هو مفهوم الطلب و هو قابل للإطلاق و التقیید فما لیس قابلاً للإطلاق و التقیید هو الطلب الحقیقی. فما أفاده الشیخ (قدس سره) مبنی علی اشتباه المفهوم بالمصداق.

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی جواب صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ مفاد الجملة خبریة کانت أو إنشائیة لیس إلّا النسبة دون أطرافها، إلّا أنّ المعانی الحرفیة (و منها مفاد الهیآت) علی قسمین:

القسم الأوّل: المعانی الحرفیة التی تکون حقائقها حقیقة النسبة کنسبة الظرف إلی المظروف و نسبة العرض إلی معروضه و النسبة الحکمیة الاتحادیة بین الموضوع و محموله و الوجود الرابط فی القضیة الإیجابیة المرکّبة.

القسم الثانی: المعانی الحرفیة التی تکون معان نسبیة، کالبعث و التحریک فإنّهما بذاتهما معنیان قابلان للحاظ الاستقلالی، لکنه إذا لوحظ البعث من حیث إنّه أمر بین الباعث و المبعوث و المبعوث إلیه فقد لوحظ علی وجه الآلیة و النسبیة و هیأة الأمر نزلت منزلة هذه النسبة الخاصة، فلامنافاة بین کون البعث مفهوماً اسمیاً و کونه مأخوذاً بنحو الآلیة و النسبیة و هو بالاعتبار الثانی قابل

ص: 344


1- تعلیقة نهایة الدرایة، ج 2، فصل: مقدمة الواجب،[فی الواجب النفسی و الغیری]، ص، 108.

للإنشاء و من یقول بإنشاء مفهوم الطلب لیس غرضه إنشاءه بما هو مفهوم اسمی، بل بما هو أمر بین الطالب و المطلوب و المطلوب منه.

الجواب الثانی عن إیراد الشیخ (قدس سره) للمحقق الإصفهانی:

((1))

إنّه لایترقّب من الإنشاء إیجاد الشیء حقیقة بل المراد من إنشاء الإرادة النفسانیة الموجودة هو أن یتحقّق لها وجود إنشائی کما یکون لها وجود حقیقی، فلابدّ من إقامة البرهان علی أنّ الموجود الحقیقی غیر قابل لأن یوجد بوجود إنشائی.

بیان ذلک هو أنّ الوجود الإنشائی وجود عرضی للشیء، و لا منافاة بین کون الشیء موجوداً بالحقیقة و موجوداً بالعرض ولایلزم من هذا الوجود الإنشائی عروض الوجود علی الوجود، بل الوجود الإنشائی هو إیجاد طبیعی المعنی بالعرض لینتقل من الموجود بالذات (و هو اللفظ) إلی الموجود بالعرض (و هو معناه) فلابدّ من أن یکون سنخ الموضوع له و المستعمل فیه «طبیعی المعنی» و الوجه فی ذلک هو أنّ الموجود خارجیاً کان أو ذهنیاً غیر قابل لأن یکون انتقالیاً، إذ الانتقال لیس إلّا وجوده الذهنی، و الموجود بما هو لایعقل أن یعرضه الوجود الذهنی.

و هذا هو السّر فی عدم قابلیة الإرادة النفسانیة بحقیقتها للوجود الإنشائی، لأنّ الموجود الحقیقی النفسانی لایقبل الوجود الإنشائی أمّا طبیعی المعنی الذی هو موجود بالوجود النفسانی قابل لأن یوجد بالوجود الإنشائی.

ثم إنّ مفاد الصیغة و ما هو المنشأ من سنخ المعنی لا من سنخ الوجود و لذا

ص: 345


1- تعلیقه نهایة الدرایة، ج 2، فصل: مقدمة الواجب،[فی الواجب النفسی و الغیری]، ص، 108.

قلنا: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی مقام الإیراد علی الشیخ (قدس سره) من أنّ ایراد الشیخ (قدس سره) مبنی علی اشتباه المفهوم بالمصداق متین.

و هذا هو الإشکال الذی یتوجّه علی الشیخ (قدس سره) .

الثالثة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

إنّ الواجب النفسی علی ما فسّره المشهور هو الواجب لا لواجب آخر و الغیری هو الواجب لواجب آخر فالواجب النفسی مقید بأمر عدمی و الواجب الغیری مقید بأمر وجودی، و القید وجودیاً کان أو عدمیاً یحتاج إلی البیان.

لکن الأمر فی القید العدمی أسهل لأنّ عدم البیان للأمر الوجودی عند العرف کاف فی بیان القید العدمی فإذا لم یقید الواجب بکونه لواجب آخر فهذا یکفی فی إثبات أنّه لیس لواجب آخر، فالإطلاق یدلّ علی کون الواجب نفسیاً إلّا أنّه لا مانع من أن یکون هذا الواجب النفسی (أی الوضوء) بدلیله مقدّمة لذلک الغیر (أی الصلاة) فلابدّ فی رفع المقدّمیة و عدم التقیید للغیر من إطلاق ذلک الغیر (أی الصلاة).

الرابعة: نظریة المحقّق الإیروانی (قدس سره)

((2))

إنّ المحقّق الإیروانی (قدس سره) یقول: إنّ الإطلاق الأحوالی یجری بالنسبة إلی الوجوب الذی أمره مردّد بین النفسیة و الغیریة، فإنّ وجوب الوضوء له حالتان: حالة وجوب الصلاة و حالة عدمه و مقتضی الإطلاق الأحوالی عدم تقییده بحالة وجوب الصلاة فالنتیجة هی نفسیة وجوب الوضوء.

ص: 346


1- نهایة الدرایة، ج2، ص109.
2- نهایة النهایة، ج1، ص156؛ و اختاره بعض الأساطین (حفظه الله) راجع تحقیق الأُصول، ج3، ص24.

و هذا الإطلاق الأحوالی غیر الإطلاق الأفرادی فإنّ الإطلاق الأحوالی جار فی المقام سواء قلنا بمقالة الشیخ (قدس سره) (من أنّ مفاد الهیأة هو فرد الطلب) أم قلنا بمقالة صاحب الکفایة (قدس سره) (من أنّ مفاد الهیأة هو مفهوم الطلب).

أمّا الإطلاق الأفرادی فیجری علی مقالة صاحب الکفایة (قدس سره) من أنّ مفاد الهیأة هو مفهوم الطلب لأنّ مفهوم الطلب یقبل الإطلاق الأفرادی و لکنّه لایجری علی مقالة الشیخ (قدس سره) لأنّ مفاد الهیأة عنده هو فرد الطلب و مصداقه و هو لایقبل الإطلاق و التقیید الأفرادی.

ثم إنّ الإطلاق الأفرادی موضوعه الطبیعة اللابشرط بالنسبة إلی خصوصیات الأفراد فیکون شاملاً لجمیع الأفراد و مفهوم الطلب یقبل هذا الإطلاق الأفرادی إلّا أنّه لایجری فی المقام لأنّ الوجوب فی المقام إمّا نفسی و إمّا غیری و لا معنی لإطلاقه بالنسبة إلی کلا الفردین فعلی هذا إنّ الإطلاق الأفرادی لایجری بناء علی مقالة الشیخ (قدس سره) (من أنّ مفاد الهیأة هو مصداق الطلب و فرده) و لایجدی بناء علی مقالة صاحب الکفایة (قدس سره) (من أنّ مفاد الهیأة هو مفهوم الطلب) لأنه لا فائدة فی إطلاق مفهوم الطلب و کونه أعمّ من الفرد النفسی و الفرد الغیری بل الوجوب إمّا نفسی و إمّا غیری.

فلو أراد صاحب الکفایة (قدس سره) الإطلاق الأُصولی فلابدّ له أن یجیب عن الشیخ (قدس سره) بأنّ الإطلاق الأحوالی جار فی المقام سواء قلنا بأنّ مفاد الهیأة هو مفهوم الطلب أم مصداقه، لکنّه تسلّم عدم قبول مصداق الطلب و فرده للإطلاق و التقیید فیفهم من ذلک أنّ الإطلاق عند صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً هو الإطلاق الأفرادی.

ص: 347

المقام الثانی: مقتضی الأصل العملی
اشارة

و فیه نظریات:

الأُولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ وجوب الغیر (مثل الصلاة) الذی هو نفسی (و شککنا فی أنّ هذا الوجوب المشکوک لکونه مقدّمة له فیکون غیریاً أو عدم کونه مقدّمة له فیکون نفسیاً) إمّا فعلی و إمّا غیر فعلی.

أمّا إذا کان فعلیاً فلابد من الإتیان بما نشک فی مقدّمیته للعلم بوجوبه إمّا نفسیاً (إذا فرضنا عدم کونه مقدّمة) و إمّا غیریاً (إذا فرضنا مقدّمیته) فهنا لابدّ من امتثاله.

و أمّا إذا لم یکن فعلیاً فنشک فی فعلیة وجوب هذا الأمر المشکوک لأنّه علی تقدیر مقدمیته فوجوبه الغیری غیر فعلی فی هذا الفرض و علی تقدیر عدم مقدمیته فوجوبه النفسی یکون فعلیاً فعلی هذا فعلیته مشکوکة و الشک البدوی مجری البراءة.

إیراد المحقق الإیروانی (قدس سره) علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

إنّ فی صورة العلم بوجوب ذلک الغیر إمّا یکون الوجوب فعلیاً فیجری الاشتغال و إمّا یکون غیر فعلی فقال صاحب الکفایة (قدس سره) بالبراءة و لکنّه لابدّ من

ص: 348


1- کفایة الأصول (ط.آل البیت)، فصل فی مقدمة الواجب، و منها تقسیمه إلی النفسی و الغیری، ص110.
2- نهایة النهایة، ج1، ص158.

التفصیل فی هذا الفرض لأنّ وجوب ذلک الغیر إذا کان غیر فعلی له صورتان:

الصورة الأُولی: أن لایکون مسبوقاً بالوجوب فحینئذ تجری البراءة کما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) .

الصورة الثانیة: أن یکون مسبوقاً بالوجوب و لکنّه ارتفع فعلیته فحینئذ یحصل لنا العلم بأنّ ما شک فی نفسیته أو غیریته کان سابقاً واجباً إمّا بالوجوب النفسی أو بالوجوب الغیری فالحالة السابقة هو الوجوب و الآن وجوبه مشکوک بین مقطوع الزوال (إن کان وجوبه غیریاً) و مقطوع البقاء (إن کان وجوبه نفسیاً) فیکون صغری «استصحاب الکلّی القسم الثانی».

فعلی القول بعدم جریان الاستصحاب الکلّی فی القسم الثانی فالمرجع هی البراءة و علی القول بجریانه (کما هو الصحیح عنده) فهو أصل حاکم علی البراءة فلابدّ من إتیان ما نشک فی نفسیته أو غیریته.

جواب بعض الأساطین عن بیان المحقق الإیروانی (قدس سره):

((1))

إنّه یعتبر فی المستصحب أن لایکون التعبّد به لغواً و لذا لابدّ أن یکون المستصحب إمّا حکماً شرعیاً أو موضوعاً للحکم الشرعی أو موضوعاً للحکم العقلی و المستصحب فی الاستصحاب الکلّی هنا لیس حکماً شرعیاً لأنّ الحکم الشرعی إمّا هو الوجوب النفسی أو الوجوب الغیری، أمّا الجامع الانتزاعی بین الوجوب النفسی و الغیری فلیس حکماً شرعیاً و مجعولاً من قبل الشارع، و أیضاً إنّ المستصحب هنا لیس موضوعاً للحکم الشرعی کما هو واضح، و أیضاً إنّ المستصحب لیس موضوعاً للحکم العقلی لأنّ الجامع الانتزاعی إن

ص: 349


1- تحقیق الأصول، ج3،ص27.

کان بین الوجوبین النفسیین فیتحقّق موضوع حکم العقل باستحقاق العقاب و لکن الجامع الانتزاعی هنا بین الوجوب النفسی و الغیری، و الواجب الغیری غیر محکوم بحکم العقل باستحقاق العقاب علی ترکه فالاستصحاب الکلی هنا غیر تامّ.

الثانیة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ الشک فی النفسیة و الغیریة: تارةً فی فرض العلم بوجوب ذلک الغیر فالأمر کما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من أنّ البراءة تجری فی فرض عدم فعلیة وجوب ذلک الغیر بعدم دخول وقته، و أمّا فی فرض فعلیة وجوب ذلک الغیر بدخول وقته فلاتجری البراءة (فلابدّ من امتثاله).

و أُخری فی فرض عدم العلم بوجوب ذلک الغیر کما إذا دار الأمر بین أن یکون الطهارة واجبة نفسیاً أو واجبة غیریاً مقدّمة للصلاة، فالطهارة واجبة علی کل حال فإنّ المسألة حینئذ داخلة فی الأقل و الأکثر، و کما أنّ البراءة عن القید فی تلک المسألة لاتنافی وجوب ذات المقید، کذلک البراءة عن تقید الطهارة بوجوب الصلاة هنا لاتنافی وجوب الطهارة فعلاً.((2))

تصویر السید المحقّق الخوئی (قدس سره) صوراً أربع فی المسألة:
اشارة

تصویر السید المحقّق الخوئی (قدس سره) ((3)) صوراً أربع فی المسألة:

إنّ هنا صوراً أربع لابدّ من البحث عنها:

ص: 350


1- نهایة الدرایة، ج2، ص109 هامش الکتاب.
2- سیجیء توضیحه ذیل الصورة الثانیة لنظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) راجع أجود التقریرات، ط.ق. ج1، ص171و(ط.ج)، ج1، ص248.
3- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص222-226و(ط.ق): ج2، ص389-393.
أمّا الصورة الأُولی:

فهی أنّ المکلّف علم بوجوب شیء إمّا نفسیاً و إمّا غیریاً و هو یعلم بأنّه لو کان واجباً غیریاً لم یکن وجوبه فعلیاً لعدم فعلیة وجوب ذی المقدّمة مثل التردید فی أنّ الوضوء واجب نفسی أو غیری مع علمه بعدم فعلیة الصلاة مثلاً لمانع مثل الحیض أو لعدم دخول وقته و هنا تجری البراءة عقلاً و نقلاً کما أنّ صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) أیضاً ذهبا إلی جریان البراءة.

أمّا الصورة الثانیة:

فهی أنّ المکلّف علم بوجوب شیء فعلاً إمّا نفسیاً و إمّا غیریاً و هو یعلم بأنّه إن کان واجباً غیریاً فیکون وجوبه فعلیاً لفعلیة وجوب ذی المقدّمة و هذا مثل تحقّق النذر و التردید فی متعلّقه بین الوضوء و الصلاة فإن کان متعلّق النذر هو الوضوء فهو واجب نفسی و إن کان متعلّقه هو الصلاة فالوضوء واجب غیری فهنا العلم الإجمالی بالوجوب النفسی المردّد بین الوضوء و الصلاة محقّق، ولایمکن انحلال العلم الإجمالی حقیقة و لکن الانحلال الحکمی محقّق کما فی مسألة الأقلّ و الأکثر الارتباطیین.

توضیح ذلک: هو أنّ العلم الإجمالی إنّما یکون مؤثراً فیما إذا تعارض الأُصول فی أطرافه أمّا إذا لم تتعارض فیها فلا أثر له و هنا من هذا القبیل و الوجه فی ذلک هو أنّ البراءة فی المقام لاتجری بالنسبة إلی الوضوء للعلم التفصیلی بوجوبه و استحقاق العقاب علی ترکه سواء کان وجوبه نفسیاً أم غیریاً و حینئذ لا مانع من جریان أصالة البراءة فی ناحیة الصلاة للشک فی وجوبه و عدم قیام حجّة شرعیة علیه فالعقاب علی ترک الصلاة یکون عقاباً بلا بیان.

ص: 351

أمّا الصورة الثالثة:

فهی أنّ المکلّف علم بوجوب کل من الفعلین و شک فی تقیید أحدهما بالآخر مع علمه بتماثلهما من حیث الإطلاق و الاشتراط، مثل الشک فی تقیید الصلاة بالوضوء.

فقال المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) بالرجوع إلی أصالة البراءة عن التقیید (تقیید الصلاة بالوضوء) و النتیجة هی أنّ الوضوء واجب نفسی، ولایلزم إتیانها قبل الصلاة.

ولکن الحقّ هو أنّ أصالة البراءة عن التقیید معارض بأصالة البراءة عن وجوب الوضوء بوجوب نفسی.

بل العلم الإجمالی بأنّ الواجب إمّا نفسی و إمّا غیری موجود فهو مانع عن جریان أصالة البراءة عن النفسیة و الغیریة فلایمکن جریان الأصلین معاً لاستلزامه المخالفة القطعیة العملیة.

فالمرجع «قاعدة الاحتیاط» و هی تقتضی إتیان الوضوء أوّلاً ثم إتیان الصلاة.

أمّا الصورة الرابعة:

فهی أنّ المکلّف علم بوجوب کل من الفعلین و شک فی تقیید أحدهما بالآخر مع عدم علمه بتماثلهما من حیث الإطلاق و التقیید کما إذا علم باشتراط الصلاة بالوقت و شک فی اشتراط الوضوء بالوقت فإن کان الوضوء واجباً

ص: 352


1- أجود التقریرات، ج1، ص248.

نفسیاً فلایکون مشروطاً بالوقت و إن کان واجباً غیریاً فیکون الوضوء مشروطاً بالوقت.

و هنا ثلاث جهات نشک فیها:

الجهة الأُولی: نشک فی تقیید الصلاة بالوضوء و عدم تقییدها به.

الجهة الثانیة: نشک فی وجوب الوضوء قبل الوقت.

الجهة الثالثة: نشک فی وجوب الوضوء بعد الوقت.

الثالثة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) فی الصورة الرابعة حول الجهات الثلاث

((1))

إنّ المحقّق النائینی قال بجریان البراءة فی جمیع هذه الجهات الثلاث:

أمّا الجهة الأُولی: فنشک فی تقیید الصلاة بالوضوء و هو مجری البراءة فالنتیجة هی صحّة الصلاة بدون الوضوء و هی نتیجة النفسیة فی وجوب الوضوء.

أمّا الجهة الثانیة: فنشک فی وجوب الوضوء قبل الوقت الذی هو شرط لوجوب الصلاة فتجری البراءة و النتیجة هی نتیجة الغیریة فی وجوب الوضوء (حیث إنّه لو کان نفسیاً لکان واجباً قبل الوقت الذی هو شرط لوجوب الصلاة).

أمّا الجهة الثالثة: فنشک فی وجوب الوضوء بعد الوقت بالنسبة إلی من أتی به قبله و مرجع هذا الشک إلی أنّ وجوب الوضوء بعد الوقت مطلق أو مشروط بما إذا لم یؤت به قبله فتجری البراءة عن وجوب الوضوء بعد الوقت و النتیجة هی أنّ الوضوء واجب و المکلّف مخیر بین إتیانه قبل الوقت و بعد الوقت و قبل الصلاة و بعد الصلاة.

ص: 353


1- أجود التقریرات (ط.ج): ج1، ص248و، (ط.ق): ج1، ص171.
الرابعة: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) حول الجهات الثلاث
اشارة

((1))

إنّ وجوب الوضوء إن کان نفسیاً فهو إمّا مقید بإیقاعه قبل الوقت و إمّا مطلق و إن کان غیریاً فهو مقید بما بعد الوقت علی کل تقدیر فهنا صورتان:

1- إنّه إمّا نفسی مقید بقبل الوقت أو غیری:

قال المحقّق النائینی (قدس سره) بجریان البراءة عن تقیید الصلاة بالوضوء و نتیجتها هی النفسیة.

و یرد علیه أنّه معارض بجریان البراءة عن وجوبه النفسی قبل الوقت و جریان البراءة بالنسبة إلی کلیهما مستلزم للمخالفة القطعیة العملیة لأنّ البراءة عن تقید الصلاة بالوضوء یوجب عدم وجوب الوضوء بعد الوقت (لأنّه براءة عن الوجوب الغیری و الوجوب الغیری للوضوء مقید ببعد الوقت) و البراءة عن الوجوب النفسی للوضوء یوجب عدم وجوبه قبل الوقت فجریان البراءة فی کلیهما مستلزم لعدم وجوب الوضوء قبل الوقت و عدم وجوبه بعد الوقت و هذا مخالف للعلم الإجمالی بأنّ الوضوء واجب إمّا نفسیاً أو غیریاً، و العلم الإجمالی هنا من التدریجیات لا الدفعیات بمعنی أنّا نعلم إجمالاً إمّا بوجوب الوضوء قبل الوقت لأنّه نفسی و إمّا بوجوب الوضوء بعد الوقت لأنّه غیری، و العلم الإجمالی فی التدریجیات منجّز کالعلم الإجمالی فی الدفعیات فلابدّ من «جریان الاحتیاط» لتنجیز العلم الإجمالی.

و المتحصّل هو أنّه لابدّ من الإتیان بالوضوء قبل الوقت، فإن بقی إلی ما بعده

ص: 354


1- المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص227-228و(ط.ق)، ج2، ص393-394.

أجزأه من الوضوء بعده و لایجب علیه الإتیان ثانیاً، و إن لم یبق إلی ما بعد الوقت وجب علیه التوضّؤ ثانیاً بمقتضی الاحتیاط.

فالنتیجة هی نتیجة الحکم بالوجوب النفسی و الغیری معاً من باب الاحتیاط.

2- إنّه إمّا نفسی مطلق (بالنسبة إلی قبل الوقت و بعد الوقت) و إمّا غیری:

و هنا لا معنی لإجراء البراءة عن وجوب الوضوء قبل الوقت لعدم احتمال تقیده بقبل الوقت و لأنّ الواجب النفسی فی هذا الفرض هو مطلق غیر مقید بقبل الوقت و البراءة تجری لرفع الضیق عن المکلّف لا رفع السعة و الإطلاق فلایمکن جریان البراءة عن وجوب الوضوء قبل الوقت فی هذا الفرض.

أمّا جریان البراءة عن وجوب الوضوء بعد الوقت فی هذا الفرض (أی الصورة الثانیة) فهو أیضاً لایمکن الالتزام به، لأنّ العقل یحکم بوجوب الوضوء بعد الوقت و ذلک للعلم الإجمالی بوجوب الوضوء إمّا نفسیاً و إمّا غیریاً و هذا العلم الإجمالی منجّز فیجب الاحتیاط. (هذا حکم الجهة الأولی و الثانیة من الجهات الثلاث).

نعم لو شککنا فی وجوب إعادة الوضوء بعد الوقت علی تقدیر کونه غیریاً أمکن رفعه بأصالة البراءة، و ذلک لأنّ تقیید الوضوء بما بعد الوقت یتوقف علی فرض کونه واجباً غیریاً و هو مشکوک فتجری البراءة منه؛ أمّا لو فرضنا وجوبه نفسیاً فهو إمّا مقید بقبل الوقت (کما هو الصورة الأُولی) و إمّا مطلق.

فما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من جریان أصالة البراءة لایتمّ فی الجهتین الأُولیین و تامّ فی الجهة الأخیرة.

ص: 355

إیرادان علی نظریة المحقق الخوئی (قدس سره):
المناقشة الأُولی: ما أفاده فی تحقیق الأُصول
اشارة

((1))

إنّ العلم الإجمالی منجّز فی تمام الجهات الثلاث لأنّ العلم الإجمالی بالوجوب النفسی أو الغیری للوضوء مسبوق بعلم إجمالی مردّد بین الوجوب النفسی للوضوء أو الوجوب النفسی للصلاة و المقتضی لجریان الأصل فی طرف الوضوء و هکذا فی طرف الصلاة موجود فالأصلان یجریان و یتعارضان و یتنجّز العلم الإجمالی و یجب الاحتیاط.

ملاحظتنا علی هذا الإیراد:

إنّ العلم الإجمالی بالوجوب النفسی أو الغیری للوضوء غیر مسبوق بعلم إجمالی مردد بین الوجوب النفسی للوضوء و الوجوب النفسی للصلاة بل مفروض المسألة هو العلم التفصیلی بالوجوب النفسی للصلاة کما أنّ المفروض هو العلم بالوجوب الفعلی للوضوء إلّا أنّ وجوب الوضوء مردّد بین النفسیة أو الغیریة بناء علی تقیید الصلاة به، فعلی هذا نحتمل أن تکون الصلاة واجباً نفسیاً غیر مقید بالوضوء مع کون الوضوء أیضاً واجباً نفسیاً فحینئذ لایجب الوضوء بعد دخول وقت الصلاة فالمقام مجری البراءة کما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) .

المناقشة الثانیة:

إنّ العلم الإجمالی ینحلّ هنا حکماً لجریان البراءة عن تقید الصلاة بالوضوء

ص: 356


1- تحقیق الأصول، ج3، ص39.

بلا معارض و اختاره السید الصدر (قدس سره) فی بحوث فی علم الأصول((1)) و العلامة الصافی الإصفهانی (قدس سره) فی الهدایة فی الأصول((2)) و نکتفی بتقریر الهدایة فی الأصول:

إنّ جریان البراءة الشرعیة یحتاج - مضافاً إلی کون المجری مشکوک الوجود - إلی أمرین آخرین:

أحدهما لزوم التوسعة علی العبد، لأنّها صدرت امتناناً.

ثانیهما أنّها لمّا کانت أصلاً تأمینیاً یؤمّن من العقاب فلابدّ من وجود احتمال العقاب فإذا کان العقاب معلوماً وجوداً أو عدماً فلا مجال لجریان أصالة البراءة.

وکلا الأمرین مفقود فیما نحن فیه

أمّا الأوّل: فلأنّ النفسیة و إن کانت مشکوکة علی الفرض إلّا أنّ رفعها یوجب الضیق علی المکلف، بخلاف رفع الغیریة و ذلک لأنّ وجوب الوضوء إذا کان غیریاً فلابدّ أوّلاً من لزوم إیقاعه قبل ذلک الواجب المحتمل تقیده به و ثانیاً عدم إبطاله حتّی یأتی بذلک الواجب، و أمّا إذا کان نفسیاً فالمکلّف فی سعة من هذا، سواء أتی به قبل ذلک الواجب أم لا، و سواء أبطله أم لا فرفع النفسیة خلاف الامتنان فلاتجری البراءة.

أمّا الثانی: فلأنّ العقاب علی ترک الوضوء قطعی إمّا لترک نفسه إذا کان نفسیاً أو ترک ذلک الواجب إذا کان مقدّمة له، فجریان البراءة عن وجوبه النفسی لایوجب التأمین من العقاب.

ص: 357


1- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص17.
2- الهدایة فی الأصول، ص81.

فتحصل من ذلک أنّ الحقّ مع المحقّق النائینی (قدس سره) فالعلم الإجمالی ینحلّ حکماً و تجری البراءة عن تقیید الصلاة بالوضوء ولاتجری البراءة عن الوجوب النفسی للوضوء.

ص: 358

التنبیه الأوّل:فی ترتّب الثواب و العقاب علی الواجب النفسی و الغیری
اشارة

فیه مطالب أربعة:((1))

المطلب الأوّل: فی بیان وجوه ترتّب الثواب و العقاب
اشارة

((2))

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره): إنّ القول بالثواب و العقاب بوجوه ثلاثة:

الوجه الأوّل: بملاحظه جعل الشارع و تقریبه أنّ «قاعدة اللطف» کما تقتضی إعلام العباد ما فیه الصلاح أو الفساد بالبعث نحو الصلاح و الزجر عن الفساد، کذلک تقتضی تأکید الدعوة فی نفوس العامّة بجعل الثواب و العقاب، فالعبد بعمله یستحقّ ما جعله المولی من المثوبة و العقوبة بحقیقة معنی الاستحقاق.

الوجه الثانی: إنّ العقل و الشرع یشهدان بصحة کون الأعمال الحسنة مقتضیة لصور ملائمة فی الدار الآخرة أو اقتضاء الأعمال السیئة لصور منافرة فی الآخرة لعلاقة لزومیة بینهما.

الوجه الثالث: إنّ العقل العملی (الذی من شأنه أن یدرک ما ینبغی فعله أو ترکه) هو الحاکم بالاستحقاق و لکن لا بما هو قوّة ممیزة للحسن و القبح و شأنها الإدراک بل باعتبار مدرکاته و هی المقدّمات المحمودة و الآراء المقبولة عند عامّة الناس هذا هو الحاکم بالاستحقاق.

أمّا معنی الاستحقاق:

فإنّ المراد من الاستحقاق لیس إیجاب الثواب علی المولی أو العقاب کما یشعر

ص: 359


1- و الکلام یقع أوّلاً فی الواجب النفسی و ثانیاً فی الواجب الغیری.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص110.

به لفظ الاستحقاق حتی یناقش فیه أوّلاً بجواز اکتفاء المولی بإعطاء النعم الدنیویة فی مقام إعطاء الثواب فلایجب علیه إعطاء الثواب الأُخروی و ثانیاً بأنّ حق المولی علی عبده أن ینقاد له فی أوامره و نواهیه، فلا معنی لاستحقاق العبد بانقیاد تکالیف المولی بل المراد بالاستحقاق هو أنّ المدح و الثواب علی الإطاعة هو فی محلّه.

أمّا منشأ حکم العقلاء بالاستحقاق لیس صرف الجعل و المواضعة و اعتبار العقلاء بل منشأ هذا الحکم باستحقاق فاعل العدل للمدح و فاعل الظلم للقدح هو ما یکون فی فعل العدل و الظلم من المصالح العامّة و المفاسد العامّة.

و العقلاء بما هم عقلاء یرون فی ذمتهم جلب المصالح العامّة و المفاسد العامّة لإبقاء النظام و دفع الفساد.

و إبقاء النظام و دفع الفساد یوجب اتّفاق العقلاء علی استحقاق فاعل الخیر للمدح (سواء کان الخیر المذکور واجباً أم مستحباً) و استحقاق فاعل الشرّ للذم (سواء کان حراماً أم مکروها).

و البحث هو فی کل الخیرات سواء کان ترکها ظلماً علی المولی مثل الواجبات أم لا کالمستحبات و هکذا البحث فی کل الشرور.

و من ذلک ظهر أنّ دعوی لزوم الإطاعة من العبد أداء لحقّ المولی لئلاّ یکون ظالماً للمولی أخص من مورد البحث لأنّه یشمل الواجبات فقط دون المستحبات.

(صرّح هذا المحقق((1)) بأنّ اقتضاء المدح و الثواب یشمل الواجبات و المستحبات فلاینحصر بالموارد التی یکون مخالفتها إخلالاً بالنظام).

ص: 360


1- فی هامش ص111.

فعلی هذا زی الرقیة و رسم العبودیة یقتضی التمکین للمولی و الانقیاد له فی کل واجب و مستحب لأنّه عدل و عدم الخروج من ذلک بهتک حرمته و الإقدام علی مخالفته فإنّه ظلم.

فاتّضح من ذلک أنّ إبقاء النظام أوجب اتفاق العقلاء علی استحقاق الثواب لفاعل کل خیر واجب أو خیر مستحب، لا أنّ الخیر الذی یوجب إتیانُه بشخصه إبقاء النظام و ترکُه إخلال النظام هو الذی یوجب استحقاق الثواب عند العقلاء، لأنّ ذلک تخصیص لمورد حکم العقلاء ببعض الواجبات.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

إنّ لازم کلام هذا المحقّق عدم وجوب إطاعة المولی فیما لایترتّب علی مخالفته اختلال النظام و هذا باطل لأنّ العقل یستقلّ بلزوم إطاعة المولی الحقیقی فی جمیع الأحوال.

یلاحظ علیه:

إنّه ظهر من تقریر کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) عدم ورود هذا الإشکال، لأنّ إبقاء النظام لیس ملاکاً لإطاعة الفعل مستقیماً بل هو ملاک لحکم العقلاء بلزوم مدح فاعل کل خیر و إن کان مستحبّاً و إلا فلو لم یحکم العقلاء بذلک لاختلّ النظام.

ص: 361


1- تحقیق الأصول، ج3، ص42.
المطلب الثانی: إنّ ترتّب الثواب علی امتثال الواجب النفسی هل هو بالاستحقاق أو بالتفضّل؟
اشارة

فیه قولان:

القول الأوّل:

قال بعضهم: إنّه بالاستحقاق (معظم الفقهاء و المتکلمین).

القول الثانی:
اشارة

قال بعض آخر: هو بالتفضّل (مثل الشیخ المفید (قدس سره).

تحقیق السید المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

إن قلنا بأنّ المراد من الاستحقاق للثواب کاستحقاق الأجیر لأُجرته فهذا باطل لأنّ إطاعة العبد لأوامر مولاه و نواهیه جری منه علی طبق وظیفته و رسم عبودیته و هذا لازم بحکم العقل المستقلّ.

و إن قلنا بأنّ المراد من الاستحقاق هو أنّ العبد بقیامه بامتثال أوامر المولی و نواهیه یصیر أهلاً لذلک بحیث لو تفضّل المولی بإعطاء الثواب له کان فی محله و مورده، فهذا المعنی متین مذکور فی نهایة الدرایة.((2))

ص: 362


1- و هو مستفاد من کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره)؛ نهایة الدرایة، ج2، ص110، المحاضرات،(ط.ج)، ج2، ص229و (ط.ق)، ج2، ص395.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص110.

و هذ المعنی الأخیر للاستحقاق جمع بین القولین حیث إنّ الاستحقاق بهذا المعنی لاینافی التفضّل إذ کل إفاضة من المبدأ الأعلی الجواد بذاته (سواء کان بإیجاد الشخص أم رزقه أم إعلامه بصلاحه و فساده أم إعطاء الثواب علی عمله) بمقتضی جوده الذاتی لا باقتضاء من طرف القابل إن کان قبول المورد فی فعلیة الإضافة لازماً.

المطلب الثالث: ترتّب الثواب و العقاب علی الواجب الغیری

أمّا استحقاق الثواب کاستحقاق الأجیر للأُجرة فلا ریب فی عدمه.

و أمّا استحقاق الثواب بمعنی أنّ العبد بامتثال أوامر المولی و نواهیه یصیر أهلاً للثواب و مورداً و محلاً للتفضّل بالثواب، فهو مترتّب علی امتثال الغیری فیما إذا أتی به بقصد الامتثال و التوصّل، نعم إذا أتی به بدون قصد التوصّل فلایستحق الثواب و الأمر هکذا فی جمیع الواجبات التوصّلیة.

المطلب الرابع: إنّ ثواب امتثال الأمر الغیری هل یکون غیر ثواب امتثال الأمر النفسی؟
اشارة

فیه قولان:

القول الأوّل:
اشارة

إنّ صاحب الکفایة و المحقّق النائینی (قدس سرهما) قالا: إنّ الثواب واحد.

استدلال القائلین بوحدة الثواب:

إنّ الأمر الغیری لیس إلّا للتوصّل إلی الواجب النفسی فالإتیان بالواجب

ص: 363

الغیری بقصد التوصّل إلی الواجب النفسی شروع فی إطاعة الأمر النفسی فیثاب علی إطاعة الواجب النفسی.

أمّا الأمر الغیری بدون قصد التوصّل فلیس شروعاً فی إطاعة الأمر النفسی.((1))

القول الثانی: تعدد الثواب
اشارة

((2))

استدلال القائلین بتعدّد الثواب:

إنّ ملاک ترتّب الثواب علی امتثال الواجب الغیری هو أنّه بنفسه مصداق للانقیاد و التعظیم و إظهار لمقام العبودیة مع قطع النظر عن إتیانه بالواجب النفسی و لذا لو لم یتمکّن من إتیان الواجب النفسی استحقّ الثواب علیه؛ فالإتیان بالأمر الغیری بنفسه موجب للثواب.

هذا بیان المحقّق الخوئی (قدس سره):

و المستفاد من بعض الروایات الواردة فی بعض الموارد الخاصّة هو ترتّب الثواب علی المقدّمات علی حدة.

ص: 364


1- المحقّق الخراسانی (قدس سره) کفایة الصول (ط.آل البیت)، ص110 و المحقّق النائینی (قدس سره) أجود التقریرات، ج1، ص253.
2- إختاره المحقق الخوئی (قدس سره) المحاضرات (ط.ج): ج2، ص231و (ط.ق): ج2، ص397.
التنبیه الثانی: منشأ عبادیة الطهارات الثلاث
اشارة

و الأقوال فیه ستة:((1))

الأوّل: إنّ منشأها هو الأمر الغیری.

الثانی: إنّ منشأها هو الأمر النفسی الاستحبابی (صاحب الکفایة (قدس سره).((2))

الثالث: إنّ منشأها هو الأمر النفسی الضمنی (المحقّق النائینی (قدس سره).((3))

الرابع: إنّ منشأها إمّا الأمر النفسی الاستحبابی و إمّا قصد التوصّل بها إلی الواجب (المحقّق الخوئی (قدس سره).((4))

ص: 365


1- المحاضرات، ج2، ص397 - 403.
2- فی کفایة الأصول ( ط.آل البیت )، ص111، إشکالٌ و دفعٌ: «و أمّا الثانی [و هو الدفع] فالتحقیق أن یقال: إنّ المقدمة فیها بنفسها مستحبة و عبادة و غایاتها إنّما تکون متوقفة علی إحدی هذه العبادات فلابدّ أن یؤتی بها عبادة و إلّا فلم یؤت بما هو مقدمة لها فقصد القربة فیها إنّما هو لأجل کونها فی نفسها أمورا عبادیة و مستحبات نفسیة لا لکونها مطلوبات غیریة و الإکتفاء بقصد أمرها الغیری فإنّما هو لأجل أنّه یدعو إلی ما هو کذلک فی نفسه حیث إنّه لایدعو إلّا إلی ما هو المقدمة فافهم».
3- فی أجودالتقریرات، ج1، ص257:« فتحصّل أنّ توقّف الأمر الغیری فی الطهارات الثلاث علی عبادیتها مسلّمٌ إلّا أنّ توقّف عبادیتها علی الأمر الغیری أو علی الأمر النفسی الإستحبابی المتعلق بأنفسها ممنوع بل العبادیة متوقفةٌ علی الأمر النفسی المتعلق بالمشروط بها»، و ص255.
4- فی المحاضرات (ط.ج): ج2، ص236و (ط.ق): ج2، ص401:« و الصحیح فی المقام أن یقال: إنّ منشأ عبادیة الطهارات الثلاث أحد أمرین علی سبیل منع الخلو: أحدهما: قصد إمتثال الأمر النفسی المتعلق بها مع غفلة المکلف عن کونها مقدمة لواجب أو مع بنائه علی عدم الإتیان به، کاغتسال الجنب مثلاً مع غفلته عن إتیان الصلاة بعده أو مع قصده عدم الإتیان بها، وهذا یتوقف علی وجود الأمر النفسی، وقد عرفت أنّه موجودٌ. و ثانیهما: قصد التوصل بها إلی الواجب».

الخامس: إنّ العبادیة تتحقّق بما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) و بقصد الأمر الغیری أیضا (بعض الأساطین (حفظه الله)).((1))

السادس: هذه الأُمور الثلاثة مع قصد المحبوبیة الذاتیة.

القول الأوّل: منشؤها الأمر الغیری
اشارة

((2))

إیرادان من المحقق النائینی (قدس سره)

((3)):

أوّلاً: إنّ الأوامر الغیریة کلّها توصّلیة فلاتقتضی عبادیة متعلّقاتها.

ثانیاً: إنّ الأوامر الغیریة تتعلّق بما هو مقدّمة للواجب و المفروض هو أنّ الطهارات الثلاث بعنوان کونها عبادة مقدّمة للواجب، فالأمر الغیری یتعلّق بها بعنوان کونها عبادة و معه کیف یعقل أن یکون منشأ لعبادیتها.

ص: 366


1- فی تحقیق الأصول، ج 3، ص64:« و تلخّص: إنّ منشأ عبادیة الطهارات الثلاث أحد أُمورٍ ثلاثة: 1- قصد امتثال الأمر الإستحبابی النفسی... 2- قصد التوصّل بها إلی الواجب النفسی... 3- قصد الأمر الغیری ...».
2- فی نهایة الأفکار، ج 2، ص329: «و لکن یدفع هذا الإشکال أیضا بما دفعنا به فی مبحث قصد القربة عن کلیة العبادات بالإلتزام بأمرین یعلق هذا الأمر الغیری بذات الوضوء و ذات الغسل باعتبار کونها مما لها الدّخل فی تحقق ذیها و مما یتوقف علیها وجود الواجب و لو بنحو الضمنیة لأنّها أیضا مما یلزم من عدمها العدم مع الکشف أیضا عن تعلق امر غیری آخر بوصفها و هو إتیانها بداعی امرها المتعلق بها، فإذا أتی المکلف حینئذ بالوضوء فی الخارج بداعی أمره الغیری یتحقق الوضوء القربی الذی جعل مقدمة للصلاة».
3- أجود التقریرات، ج1، ص254.
القول الثانی: منشؤها الأمر النفسی الاستحبابی
اشارة

(1)

إیرادات ثلاثة من المحقق النائینی (قدس سره):
الإیراد الأوّل:
اشارة

إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) لو تمّ فإنّما یتمّ فی الوضوء و الغسل حیث ثبت استحبابهما شرعاً و أمّا التیمّم فلادلیل علی استحبابه.

ص: 367


1- . إستصوب هذا القول المحقّق الإصفهانی فقال فی حاشیة نهایة الدرایة، ج 2، ص116: «قولنا: "فإن قلت: ما معنی رجحانها الذاتی؟" ینبغی توضیح ما قیل فی تقریب الإشکال فی الطهارات، فنقول: الإشکال من وجوه: ... ثالثها- ما هو ظاهر شیخنا العلامة الأنصاری (قدس سره) فی کتاب الطهارة من أنّ الطهارات لابّد من أن تقع عبادیة، و إلّا لم یرتفع الحدث بمجرد إتیان ذات الوضوء إجماعا، و عبادیتها إمّا بأمرها الغیری أو بأمرٍ آخرَ، و لا أمر آخر إمّا لعدم استحبابها النفسی أو لعدم بقائه فینحصر الأمر فی کون عبادیتها بأمرها الغیری، و حیث إنّ الأمر الغیری بمثل هذه المقدمة لابدّ من أن یتعلق بمقدمة عبادیة، فإنّ تعلق بالوضوء المأتی به بداعی الأمر الغیری لزم الدور، و إن تعلق بالخالی عن دعوة الأمر الغیری لزم الخلف، و هو عدم کونه أمرا غیریا متعلقا بالمقدمة التی هی علی الفرض عبادیة. و هذا الإشکال أجنبی عن إشکال عدم مقربیة الأمر الغیری، و عن کون الأمر الغیری توصلیا، بل محذوره- بعد فرض کون عبادة مقدمة للصلاة- لزوم الدور أو الخلف. و لا یخفی أنّ الإلتزام باستحباب الوضوء نفسیا یدفع الإشکال بجمیع وجوهه؛ إذ العبادیة من ناحیة التقرب باستحبابه النفسی، لا من ناحیة الأمر الغیری؛ حتی یرد محذور عدم کون الأمر الغیری مقربا، أو کون الغرض منه التوصل دون التعبد، أو لزوم الدور تارةً من أخذه فی المأمور به، و الخلف أخری من عدم أخذه فیه. و من الواضح: أنّ کون الغرض من الأمر المقدمی هو التوصل لاینافی کون المقدمة مستحبة نفسیا؛ بحیث لایتحقق المقدمة إلّا علی الوجه العبادی، فإنّ الغرض من الأمر الندبی هو التعبد، و لاینافی أن یکون الغرض من الأمر المقدمی هو التوصل، غایة الأمر أنّ ما یتوصّل به عبادی، لا أنّ الغرض من الأمر بالمقدمة هو التعبد؛ حتی یرد المحذور، و عدم انقسام الوجوب الغیری الی التوصلی و التعبدی غیرُ ضائرٍ، نعم هو إشکال علی من یری الواجب الغیری- کالواجب النفسی- منقسما إلی التوصلی و التعبدی. و کذا الجواب الأول الذی حکی عن الشیخ الأعظم (قدس سره) و هو کون العبادیة بقصد العنوان الراجح الواقعی- بالتقریب الذی ذکرناه فی الحاشیة- فإنّ قصد الأمر لیس للتقرب به؛ حتی ینافی کونه غیر قابل للإشارة إلی العنوان الراجح. نعم، الجواب الآخر بکلا وجهَیه لایدفع إلّا الدور، و لایدفع المحذورین الآخرین، فإنّ الأمر الغیری لایوجب العبادیة و لو بألف أمر آخر، کما لاینقلب عن التوصلیة إلی التعبدیة بألف أمر آخر کما هو واضح».
أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره)

((1)):

إنّ قوله (علیه السلام): «التراب أحد الطهورین» بضمیمة الإطلاقات الواردة فی استحباب الطهور یدلّ علی استحباب الطهور الذی منه التیمّم.

الإیراد الثانی:
اشارة

((2))

إنّ الأمر النفسی الاستحبابی ینعدم بعروض الوجوب الغیری، لأنّهما یتضادّان فلابدّ من اندکاک الأمر النفسی الاستحبابی فی الوجوب الغیری.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

((3))

أوّلاً: إنّ فی تلک الموارد یندک الأمر الاستحبابی فی ضمن الأمر الوجوبی علی رأی القائل فیتحصّل من ذلک أمر واحد وجوبی مؤکّد و یکون ذلک الأمر الواحد عبادیاً و بعد الاندکاک لایبقی کل منهما (الأمر الاستحبابی النفسی و الأمر الغیری الوجوبی) بحده الخاصّ.

ص: 368


1- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص233و (ط.ق): ج2، ص398.
2- أجود التقریرات، ج1، ص254.
3- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص233و (ط.ق): ج2، ص398.

ثانیاً: إنّا لانسلّم الاندکاک لأنّه إن تعلّق الأمر الغیری بالطهارات الثلاث بداعی أمرها الاستحبابی فمتعلّق الأمر الغیری غیر متعلّق الأمر الاستحبابی، لأنّ متعلّق الأمر الاستحبابی هو ذات العمل و متعلّق الأمر الغیری هو العمل بداعی أمرها الاستحبابی.

و إن تعلّق الأمر الغیری بذواتها فحینئذ متعلّقهما واحد إلّا أنّه لایوجب زوال الاستحباب و توضیح ذلک هو أنّه لا فرق بین الوجوب و الاستحباب إلّا فی جواز الترک و عدم جوازه فعند عروض الوجوب یتبدّل الجواز بعدمه فالتبدّل لیس فی نفس الاستحباب بل فی هذا الجواز.

یلاحظ علی الشقّ الثانی:

إنّ الجواز المذکور داخل فی حقیقة الاستحباب أمّا علی القول بترکّب الاستحباب فهذا واضح و أمّا علی القول ببساطته فلأنّ الاستحباب مرتبة ضعیفة من البعث لایبلغ إلی حدّ اللزوم فمع فرض تبدّل الجواز لاتبقی تلک المرتبة علی حالها فالحقّ فی الجواب هو أنّ الحیثیة التقییدیة فی المقام توجب عدم الاندکاک فإنّ الوضوء بنفسه مستحب و بغیره واجب.

ثالثاً: إنّ الأمر الاستحبابی النفسی یلازم محبوبیة الفعل نفسیاً و حینئذ یکفی فی عبادیتها هذه المحبوبیة فی أنفسها و إن لم یبق أمرها الاستحبابی بإطاره الخاصّ.

الإیراد الثالث:
اشارة

((1))

إنّه یصحّ الإتیان بجمیع الطهارات الثلاث بقصد الأمر النفسی المتعلّق بذیها

ص: 369


1- أجود التقریرات، ج1، ص254.

من دون التفات إلی الأمر النفسی الاستحبابی المتعلّق بها، بل من دون التفات إلی محبوبیتها و مطلوبیتها فی حدّ ذواتها.

جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا الإشکال:

((1))

إنّ الاکتفاء بقصد أمرها الغیری إنّما هو لأجل أنّ الأمر الغیری یدعو إلی ما هو المقدّمة و الطهارات الثلاث بما هی مأمور بها بالأمر النفسی الاستحبابی تکون مقدّمة للواجب.

مناقشة المحقق النائینی (قدس سره) فی جواب صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

أوّلاً: إنّ قصد الأمر النفسی علی الفرض مقوّم للمقدّمیة، فکیف یصحّ قصد الأمر الغیری بدونه

و أوضحه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((3)) بأنّ قصد الأمر النفسی لو کان مقوّماً للمقدّمیة لم یعقل تحقّقها مع الغفلة عنه رأساً مع أنّه لا شبهة فی تحقّق الطهارات الثلاث مع القطع بعدم الأمر النفسی لها.

ثانیاً:((4)) لازم ذلک هو صحّة صلاة الظهر بقصد أمر صلاة العصر (أو قل: بقصد أمرها الغیری) مع الغفلة عن وجوبها النفسی و هذا ضروری الفساد.((5))

ص: 370


1- کفایةالأصول (ط.آل البیت)، ص111.
2- أجود التقریرات، ج1، ص255.
3- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص234و (ط.ق): ج2، ص399.
4- أجود التقریرات، ج1، ص255؛ المحاضرات، (ط.ج): ج2، ص234و (ط.ق): ج2، ص399.
5- ذکر فی أبحاث أصولیة، مباحث الألفاظ، الجزء الثالث، ص13 جواباً عن مناقشة المحقق النائینی فقال: «قد أورد المحقق النائینی قده علی هذا الجواب بأنّ لازمه جواز الإتیان بصلاة الظهر بقصد امتثال أمرها الغیری الناشئ من اشتراط صلاة العصر - فی سعة الوقت- بإتیان صلاة الظهر قبلها، أو جواز الإتیان بالصوم فی حال الإعتکاف بقصد إمتثال الإمر الغیری به لأجل اشتراط الإعتکاف بالصوم، مع أنّه واضح البطلان. وفیه: أنّه لاوجه لدعوی وضوح بطلان ذلک، فلو لم یکن للمکلف داعٍ إلی الإتیان بصلاة الظهر فی حدّ ذاتها و إنّما أتی بها بداعی التوصل إلی الإتیان بصلاة عصر صحیحة بداعی القربة لم یکن وجهٌ للمنع عن صحة صلاة ظهره أیضاً، و هکذا بالنسبة إلی صوم الإعتکاف. وقد إدّعی بعض الأعلام قده (فی منتقی الأصول، ج2، ص248) وجود فرقٍ بین مثال صلاة الظهر و بین مثال الطهارات الثلاث و هو أنّه حیث یکون الأمر النفسی بصلاة الظهر أمرا وجوبیا فلامحالة یکون هو الغالب علی أمرها الغیری، لأنّ الحکم الضعیف یندکّ فی الحکم القوی کاندکاک النور الضعیف فی النور القوی فلامعنی لقصد الأمر الغیری بها، بینما أنّ الأمر النفسی فی الطهارات الثلاث أمرٌ إستحبابی فلامحالة یندکّ فی الأمر الوجوبی الغیری بها، و نظیر الطهارات الثلاث مثال صوم الإعتکاف إذا کان الصوم مستحبا فی حدّ ذاته و الإعتکاف واجبا. و لکن قد مرّ منّا عدم معقولیة اندکاک الحکمین مطلقا».

فعلی هذا إنّ الإیراد الثالث علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) لا دافع له.((1))

القول الثالث: منشؤها الأمر النفسی الضمنی
اشارة

((2))

إنّ الأمر النفسی المتعلّق بالصلاة کما یتعلّق بأجزائها یتعلّق بشرائطها و حینئذ کما یتعلّق بکل جزء من أجزاء الواجب أمر نفسی ضمنی یتعلّق بکلّ شرط من شرائطه أمر نفسی جزئی و هذا الأمر النفسی الضمنی هو المنشأ لعبادیة الشرط (و هنا الطهارات الثلاث) فلایسقط الواجب إلّا مع الإتیان بالشرائط بقصد التقرّب.

ص: 371


1- إیراد آخر علی القول الثانی من المحقق العراقی: قال فی نهایة الأفکار، ج 2، ص329: «... و علیه أیضا لایحتاج فی الجواب عنه إلی کشف رجحان نفسی فی نفس هذه الطهارات کما صنعه فی الکفایة کما لایخفی، خصوصا مع ما یرد علیه علی مسلکه من عدم إجراء تعدد الرتبة لمحذور اجتماع الحکمین المتماثلین أحدهما الرجحان النفسی القائم بذات المقدمة فی رتبة سابقة علی الأمر الغیری و ثانیهما رجحانه الثابت فی رتبة متأخرة عن الأمر الغیری فتأمل».
2- أجود التقریرات، ج1، ص255.

إن قلت: فما الفرق بین الطهارات الثلاث و بقیة الشروط حیث إنّ الأمر النفسی أوجب عبادیة الطهارات الثلاث دون سائر الشروط مع أن تعلّق الأمر النفسی الضمنی بجمیعها علی نحو واحد.

قلت: الفارق هو أنّ الغرض فی خصوص الطهارات الثلاث أعنی به رفع الحدث لایکاد یحصل إلّا إذا أُتی بها عبادة دون سائر الشرائط ولا مانع من اختلاف الشرائط فی هذه الجهة.

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی القول الثالث:

((1))

إنّ الأمر النفسی المتعلّق بالصلاة مثلاً إنّما تعلّق بأجزائها و تقیدها بشرائطها، أمّا نفس الشرائط و القیود فهی خارجة عن متعلّق الأمر و إلّا لم یبق فرق بین الجزء و الشرط أصلاً و لذا قد یکون الشرط غیر اختیاری، مضافاً إلی أنّه لو کانت الشرائط داخلة فی متعلّقه فکیف تتصف بالوجوب الغیری و قد تقدّم أنّه لا مقتضی لاتصاف المقدّمات الداخلیة بالوجوب الغیری.

القول الرابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)

((2))

إنّ منشأ عبادیة الطهارات الثلاث أحد أمرین علی سبیل منع الخلو:

الأوّل: قصد امتثال الأمر النفسی الاستحبابی مع غفلة المکلّف عن مقدّمیته للواجب أو مع بنائه علی عدم إتیان الواجب.

الثانی: قصد التوصّل بها إلی الواجب و إن لم یکن مأموراً به و لم یکن واجباً

ص: 372


1- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص236 و (ط.ق): ج2، ص400.
2- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص236 و (ط.ق): ج2، ص401.

شرعاً، فإنّ قصد التوصّل کاف فی تحقّق قصد القربة و الوجه فیه ما مضی فی بحث التعبدی و التوصّلی من أنّه یکفی فی تحقّق قصد القربة إتیان الفعل مضافاً إلی المولی (هذه نظریة الشیخ (قدس سره).

القول الخامس: نظریة بعض الأساطین

((1))

إنّ منشأ العبادیة فی الطهارات الثلاث أحد أُمور ثلاثة: (کل ما یکون العمل به مضافاً إلیه تعالی).

الأمر الأوّل: قصد امتثال الأمر الاستحبابی النفسی(هو ما ذکره المحقّق الخراسانی (قدس سره).

الأمر الثانی: قصد التوصّل بها إلی الواجب النفسی (هو ما ذکره الشیخ (قدس سره) لتصحیح العبادیة).

الأمر الثالث: قصد الأمر الغیری بناء علی ارتفاع إشکال الدور، لأنّ الدور إنّما یلزم لو أُخذ خصوص الأمر الغیری فیها، أمّا مع أخذ العبادیة مطلقاً (بمعنی رفض القیود) فیرتفع إشکال الدور.

القول السادس:

و هو بعینه ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) و ما زاد علیه بعض الأساطین مع زیادة أمر رابع یکون أیضاً منشأ للعبادیة فی الطهارات الثلاث و هو قصد المحبوبیة الذاتیة و المراد هنا لیس محبوبیة الفعل عندنا بل المحبوبیة الذاتیة للفعل عند الله تعالی حتی یکون العمل مضافاً إلیه فلو فرضنا عدم الالتفات إلی کون الطهارات

ص: 373


1- تحقیق الأصول، ج3، ص65.

الثلاث مأموراً بها أیضاً تتحقّق العبادیة بقصد المحبویة الذاتیة للعمل عند الله تعالی.

فالحقّ أنّ منشأ العبادیة فی الطهارات الثلاث أحد أُمور أربعة.

ص: 374

التقسیم الثالث: الواجب الأصلی و التبعی
اشارة

و لهما تفسیران:

إنّ الأصالة و التبعیة قد تلاحظان بحسب مقام الثبوت و هذا هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) فی تفسیرهما و قد تلاحظان بحسب مقام الإثبات و هذا مختار المحقّق القمی و صاحب الفصول (قدس سرهما) فی تفسیرهما.((2))

تفسیر الأصالة و التبعیة بحسب مقام الثبوت:
اشارة

إنّ الواجب الأصلی هو ما کان متعلّقاً للإرادة و الطلب مستقلاً لالتفات المولی

ص: 375


1- فی کفایة الأصول ( ط.آل البیت )، ص122:« و الظاهر أن یکون هذا التقسیم بلحاظ الأصالة و التبعیة فی الواقع و مقام الثبوت...»
2- فی القوانین ( ط.ج): ج 1، ص205 و(ط.ق ): ص99-100:« أنّ الواجب کما أنّه ینقسم باعتبار المکلّف الی العینی و الکفائی... و باعتبار تعلّق الخطاب به بالأصالة و عدمه إلی الأصلی و التّبعی...»؛ الفصول، ص82:« و ینقسم الواجب باعتبار آخر إلی أصلی و تبعی فالأصلی ما فهم وجوبه بخطاب مستقل أی غیر لازم لخطاب آخر و إن کان وجوبه تابعا لوجوب غیره و التبعی بخلافه و هو ما فهم وجوبه تبعا لخطاب آخر و إن کان وجوبه مستقلّا کما فی المفاهیم و المراد بالخطاب هنا ما دّل علی الحکم الشرعی فیعم اللفظی و غیره».

إلیه و الواجب التبعی هو ما کان متعلّقاً لهما تبعاً (و ارتکازاً) لإرادة غیره لأجل کون إرادته لازمةً لإرادة غیره من دون التفات إلیه (استقلالاً) مما یوجب إرادته.

تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

لا مقابلة بین الأصلی و التبعی بهذا المعنی إلّا إذا قلنا بأنّ الواجب الأصلی هو ما کان متعلّقاً للإرادة التفصیلیة و الواجب التبعی هو ما کان متعلّقاً للإرادة الإجمالیة الارتکازیة فحینئذ یرد علیه:

أوّلاً: أنّ الإرادة النفسیة ربّما تکون ارتکازیة بمعنی أنّه لو التفت إلی موجبها لأراده، کما فی إرادة إنقاذ الولد الغریق عند الغفلة من غرقه و الحال أنّه لا شبهة فی کونها إرادة أصلیة لا تبعیة.

ثانیاً: أنّه لو کان مناط الأصلیة و التبعیة هو الإرادة التفصیلیة و الإرادة الارتکازیة لما کان وجه لعنوان التبعیة، حیث إنّ تبعیة الإرادة لإرادة أُخری لیست مناط الوجوب التبعی علی هذا التفسیر (تفسیر التبعی بما تتعلّق به الإرادة الارتکازیة) بل مناطه هو ارتکازیة الإرادة لعدم الالتفات إلی موجبها.

بیان مناط الغیریة و مناط التبعیة:

إنّ للواجب (بالنسبة إلی مقدّمته من حیث الوجود و الوجوب) جهتین من العلّیة:

أحدهما: العلیة الغائیة حیث إنّ المقدّمة إنّما تراد لمراد آخر لا لنفسها بخلاف ذی المقدّمة فإنّه مراد لا لمراد آخر کما مرّ مفصلاً، و هذه الجهة مناط الغیریة.

ص: 376


1- نهایة الدرایة، ج2، ص156.

ثانیهما: العلّیة الفاعلیة و هی أنّ إرادة ذی المقدّمة علّة لإرادة مقدّمته و منها تنشأ و تترشح علیها الإرادة و هذه الجهة مناط التبعیة.

فتبین أنّ مناط التبعیة هو معلولیة إرادة المقدّمة لإرادة ذیها سواء أُریدت المقدّمة بالإرادة التفصیلیة (للالتفات إلیها) أو بالإرادة الارتکازیة (للغفلة عنها).

فعلی هذا تعلّق الإرادة التفصیلیة لایقتضی الأصلیة و تعلّق الإرادة الارتکازیة لاتنافی الأصلیة.

فالواجب الأصلی هو ما کانت إرادتها غیر معلولة لإرادة أُخری سواء تعلّقت به الإرادة التفصیلیة أم الارتکازیة.

و الفرق بین التبعی و الغیری هو:((1)) أنّ مناط الغیریة کون الغرض من المقدّمة مجرّد الوصول إلی الغیر فالغرض الأصیل موجود فی الغیر.

و مناط التبعیة هو أنّ الغرض من الإیجاب المقدّمی التمکّن من إیجاب ذی المقدّمة فإیجاب ذی المقدّمة غرض من الإیجاب المقدّمی.

فمناط الغیریة الغرض من الواجب و مناط التبعیة الغرض من الإیجاب.

تفسیر الأصالة و التبعیة بحسب مقام الإثبات:
اشارة

إنّ المراد بالواجب الأصلی هو ما کان مقصوداً بالإفادة و الإفهام و الدلالة علیه مطابقی و الواجب التبعی هو ما کان غیر مقصود بالإفادة و الإفهام علی حدة بل هو لازم الخطاب کما فی دلالة الإشارة و الدلالة علیه بالتبعیة و الالتزام.

ص: 377


1- أفاده فی هامش التعلیقة، ج2، ص157.
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

لاینحصر -علی هذا- الواجب فی هذین القسمین بل هنا قسم ثالث و هو ما لم یکن الواجب مقصوداً بالإفهام من الخطاب أصلاً لا أصالةً و لاتبعاً، کما إذا کان الواجب مدلولاً لدلیل لبّی من إجماع أو نحوه.

و إلی هنا تمّ مبحث تقسیمات الواجب.

ص: 378


1- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص276و (ط.ق): ج2، ص433.

الفصل الثانی: فی تحقیق المسألة

اشارة

(فیه أُمور ثلاثة و تذنیب):

الأمر الأوّل: فی ذکر الأقوال و مناقشتها

الأمر الثانی: مقتضی الأدلة اللفظیة و العقلیة فی مسألة وجوب المقدمة

الأمر الثالث: مقتضی الأصل العملی

تذنیب: فی ثمرة البحث عن مقدّمة الواجب

ص: 379

ص: 380

الأمر الأوّل: فی ذکر الأقوال و مناقشتها

اشارة

هل یکون الوجوب الغیری أو الواجب الغیری مطلقاً أو مشروطاً و مقیداً؟ هنا أقوال لابدّ من طرحها و مناقشتها.

أما الأقوال فهی خمسة:
القول الأوّل: ما عن صاحب المعالم (قدس سره)

((1))

إنّ وجوب المقدّمة مشروط بإرادة ذی المقدّمة و العزم علی إتیانه بنحو القضیة الشرطیة أو إنّ وجوبه مقید بحال إرادته و العزم علیه بنحو القضیة الحینیة (علی اختلاف عبارته) فالقصد و العزم هنا قید للوجوب.

القول الثانی: ما عن الشیخ الأنصاری (قدس سره)

القول الثانی: ما عن الشیخ الأنصاری (قدس سره) ((2))

إنّ الواجب هو المقدّمة التی قصد بها التوصل إلی الواجب دون ما لم یقصد به، فالقصد هنا قید الواجب.

ص: 381


1- معالم الدین، ص71.
2- مطارح الأنظار (ط.ج): ج1، ص355 و (ط.ق): ص72.
القول الثالث: ما عن صاحب الفصول (قدس سره)

((1))

إنّ الواجب هو خصوص المقدّمة الموصلة إلی إتیان ذی المقدّمة.((2))

القول الرابع: ما عن المشهور

إنّ الوجوب الغیری و الواجب الغیری مطلقان بالنسبة إلی هذه الشروط و التقییدات.((3))

ص: 382


1- الفصول الغرویة، ص86.
2- فی المحاضرات ( مباحث اصول الفقه ) ج 1، ص254: «و أنت بعد إمعان النظر فیما ذکرناه تعرف أنّه لا مفرّ من القول باعتبار الإیصال بهذا المعنی لا علی وجه التقیید، و علیه لایرد شی ء من الإشکالات التی أوردوها علی القول بالمقدمة الموصلة». و فی بحوث فی علم الأصول، ج 2، ص254: «ثم إنّ صاحب الفصول الذی ینسب إلیه تاریخیا القول بالمقدمة الموصلة قد استدل علی مدّعاه بوجوه عدیدة نذکر فیما یلی بعضها ... الدلیل الرابع: ما أفاده صاحب الفصول أیضا من دعوی: إنّ الغرض من الطلب الغیری للمقدمة لیس غیر حصول ذی المقدمة، و هذا لایکون إلّا فی الموصلة منها و الوجوب لایکون أوسع مما فیه الغرض. و هذا الوجه روح ما تقدم منا فی البرهنة علی المقدمة الموصلة، و هکذا إتّضح أنّ الصحیح هو اختصاص الوجوب الغیری علی القول به بالمقدمة الموصلة فقط». و فی زبدة الأصول، ج 2، ص204: «تحصّل مما ذکرناه اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة».
3- فی کفایة الأصول، ص114: «و هل یعتبر فی وقوعها علی صفة الوجوب أن یکون الإتیان بها بداعی التوصل بها إلی ذی المقدمة کما یظهر مما نسبه إلی شیخنا العلامة أعلی الله مقامه بعض أفاضل مقرّری بحثه أو ترتب ذی المقدمة علیها بحیث لو لم یترتب علیها لکشف عن عدم وقوعها علی صفة الوجوب کما زعمه صاحب الفصول قدس سره أو لایعتبر فی وقوعها کذلک شی ء منهما؟ الظاهر عدم الإعتبار». و فی نهایة الأفکار، ج 2، ص332: «یبقی الکلام فی أنّ المقدمة بناء علی وجوبها هل هی واجبة علی الإطلاق بلا دخل لحیث قصد الإیصال إلی ذیها و لا إلی البحث إیصالها إلیه خارجا، أو أنّها واجبة بشرط قصد التوصل بها إلی ذیها إمّا بکون القصد المزبور قیداً للوجوب أو قیداً للواجب- کما هو ظاهر التقریرات- إمّا مطلقا أو فی فرض انحصار المقدمة بالفرد المحرم کما فی إنقاذ الغریق المتوقف علی التصرف فی مال الغیر و أرضه فیعتبر فیه قصد التوصل إلی الواجب فی وجوبها وقوعها علی صفة الوجوب دون غیره، أو أنّها واجبة بشرط الإیصال خارجا إلی ذیها- کما علیه الفصول- و ذلک أیضا إمّا بکونه إلی الإیصال قیدا للوجوب أو للواجب؟ فیه وجوهٌ و أقوالٌ: أقواها فی النظر الوجه الأول و سیظهر وجهه من إبطال التفاصیل المزبورة إن شاء الله تعالی».
القول الخامس: مختار المحقق صاحب الحاشیة و المحقق النائینی (قدس سرهما)

إنّ الوجوب الغیری و الواجب الغیری مهملان بالنسبة إلی الإیصال.((1))

ص: 383


1- الحاشیة،(ط.ج): ج2، ص177و (ط.ق): ص219 و أجود التقریرات، ج1، ص351. و فی المسألة قول سادس و هو عدم وجوب المقدمة: ففی أصول الفقه (ط. انتشارات اسلامی) ج 2، ص351: «لقد تکثّرت الأقوال جدّاً فی هذه المسألة علی مرور الزمن نذکر أهمّها، و نذکر ما هو الحقّ منها. و هی: ... 2- القول بعدم وجوبها مطلقا و هو الحق و سیأتی دلیله» إلخ و فی التعلیقة: «إختاره صاحب القوانین و نسبه إلی الشهید الثانی فی تمهید القواعد ( لکن لم نظفر به فی التمهید) و نسبه المحقق الرشتی إلی ظاهر المعالم و صریح الإشارات بدائع الأفکار: ص 348». و فی ص352: «و قد قلنا: إنّ الحقّ فی المسألة- کما علیه جماعة من المحققین المتأخرین- القول الثانی و هو عدم وجوبها مطلقا» و فی التعلیقة: «أوّل من تنبّه إلی ذلک و أقام علیه البرهان بالأسلوب الذی ذکرناه- فیما أعلم- أستاذنا المحقق الأصفهانی- قدس الله نفسه الزکیة- و قد عضد هذا القول السید الجلیل المحقق الخوئی- دام ظله- و کذلک ذهب إلی هذا القول، و أوضحه سیدنا المحقق الحکیم- دام ظله- فی حاشیته علی الکفایة». و فی منتقی الأصول، ج 2، ص333: «و لکنّ الحقّ عدم وجوب المقدمة، إذ الوجدان لایشهد بذلک، کما أنّ ما استشهد به من الأوامر العرفیة المتعلقة بالمقدمة لایصلح للشهادة علی ما یحکم به الوجدان، إذ لیست هذه الأوامر أوامر مولویة، بل هی إرشادیة، و ذلک لأنّ الأمر المولوی إنّما یجعل لجعل الداعی فی نفس المکلف إلی العمل و تحریکه نحوه، و الأمر الغیری لا صلاحیة له لذلک کما تقدم بیان ذلک. فإنّ العبد إن کان بصدد امتثال أمر ذی المقدمة جاء بالمقدمة کان هناک أمر بها أو لم یکن، و إن لم یکن بصدد امتثاله لم یکن الأمر الغیری داعیا للإتیان بها بما هو أمر غیری، فلا صلاحیة للأمر الغیری للدعوة و التحریک، فلابدّ أن تکون هذه الأوامر المفروض تعلقها بالمقدمة أوامر إرشادیة تتکفل الإرشاد إلی مقدمیة الشی ء و توقّف الواجب علیه. و خلاصة الکلام: إنّه لم یثبت لدینا وجوب المقدمة لعدم الدلیل علیه. و لو ثبت فهو یشمل مطلق المقدمات الموصلة و غیرها و السبب التولیدی و غیره». و فی تحقیق الأصول، ج 3، ص111: «فالحق: عدم وجوب مقدمة الواجب شرعا».
و أما مناقشة الأقوال:
إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علی القول الأوّل:
اشارة

((1))

أوّلاً: إنّه بناء علی ثبوت الملازمة بین وجوب الشیء و وجوب مقدّمته یلزم من اشتراط الوجوب التفکیک بینهما و هذا خلف فی ثبوت الملازمة.

ثانیاً: یلزم من ذلک کون وجوب ذی المقدّمة تابعاً لإرادة المکلّف و دائراً مدار اختیاره و عزمه و هو محال لأنّ لازم ذلک عدم الوجوب عند عدم إرادته.

ملاحظة علی الإیراد الثانی:

إنّ لازم ذلک هو کون وجوب المقدّمة تابعاً لإرادة المکلف لا وجوب ذی المقدّمة و لازم ذلک عدم وجوب المقدّمة عند عدم إرادته، و لعلّه اشتباه فی الکتابة و الاستنساخ.

إشکال صاحب الکفایة و المحقق النائینی (قدس سرهما) علی القول الثانی
اشارة

إشکال صاحب الکفایة((2))و المحقق النائینی (قدس سرهما) علی القول الثانی((3)):

إنّ ملاک حکم العقل بوجوب المقدّمة هو توقف الواجب النفسی علی المقدّمة و هذا الملاک موجود سواء قصد بالمقدّمة التوصّل إلی ذی المقدّمة أم لم یقصد فلا یختص وجوب المقدّمة بالحصّة المذکورة.

ص: 384


1- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص241 و (ط.ق): ج2، ص404.
2- کفایة الأصول (ط.آل البیت )، ص114،[دخل قصد التوصل فی تحقق الامتثال].
3- مختار الشیخ الأنصاری (قدس سره) مطارح الأنظار، ص72.
توضیح کلام الشیخ (قدس سره) و إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علیه:

انّ الشیخ (قدس سره) یقول: إنّ الواجب الغیری هو الفعل المعنون بعنوان المقدّمیة لاذات الفعل، و عنوان المقدّمیة هو بعینه عنوان قصد التوصّل.

و الإتیان بذات الفعل من دون قصد التوصّل و من دون تعنونه بعنوان المقدّمیة لیس امتثالاً للواجب إلّا أنّه مسقط للغرض.

و أمّا صاحب الکفایة (قدس سره) فهو یری أنّ ما هو الواجب ذات الفعل و حیثیة المقدّمیة حیثیة تعلیلیة لوجوب ذات الفعل کما أنّ المصالح و المفاسد الموجودة فی متعلّقات الأحکام حیثیات تعلیلیة.

دفاع المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن نظریه الشیخ (قدس سره):
اشارة

((1))

إنّ الوجه فی اعتبار قصد التوصّل فی مصداقیة المقدّمة للواجب مرکب من أمرین:

الأمر الأوّل:
اشارة

ترجع الحیثیات التعلیلیة إلی الحیثیات التقییدیة فی الأحکام العقلیة، فالتوصّل هو الواجب بحکم العقل لا الشیء لغایة التوصّل لأنّ المطلوب الجدّی و الموضوع الحقیقی للحکم العقلی نفس التوصّل.

توضیح ذلک هو أنّ الحیثیة التعلیلیة فی الأحکام الشرعیة غیر الحیثیة التقییدیة فإنّ المصالح و المفاسد الموجودة فی المتعلّق حیثیة تعلیلیة و عنوان الصلاة و الصوم و الحج و الخمس و الزکاة حیثیات تقییدیة.

ص: 385


1- نهایة الداریة، ج2، ص133.

أمّا الأحکام العقلیة فلیست فیها إلّا الحیثیات التعلیلیة التی تکون هی الموضوع للحکم العقلی أی تکون هی الحیثیة التقییدیة.

اعتراض المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی الأمر الأوّل:

((1))

یمکن الاعتراض علیه بالفرق بین الأحکام العقلیة العملیة و الأحکام العقلیة النظریة، فإنّ مبادی الأُولی (أی الأحکام العقلیة العملیة) هو بناء العقلاء علی الحسن و القبح و مدح فاعل بعض الأفعال و ذمّ فاعل بعضها الآخر و موضوع الحسن مثلاً هو التأدیب لا الضرب لغایة التأدیب، إذ لیس هناک بعث من العقلاء لغایة، بل مجّرد بناء علی المدح و الممدوح هو التأدیب.

بخلاف الأحکام العقلیة النظریة فإنّها لاتتکفل إلّا الإذعان بالواقع و من الواضح أنّ الإرادة التشریعیة علی طبق الإرادة التکوینیة، فکما أنّ الإنسان إذا أراد شراء اللحم یرید المشی إلی السوق -و الأوّل لغرض مترتّب علی الشراء و الثانی لغرض مترتّب علی المشی إلی السوق- إذا وقع أمران طرفاً للإرادة التشریعیة لایرید المولی إلّا ذلک الفعل الإرادی الصادر من العبد و بعثه النفسی و المقدّمی إیجاد تسبیبی للفعل و مقدّمته.

و لیس حکم العقل إلّا الإذعان بالملازمة بین الإرادتین، لا إنّه حکم ابتدائی بوجوب الفعل عقلاً حتّی لایکون له معنی إلّا الإذعان بحسنه الملزم، حیث لا بعث و لا زجر من العاقلة لینتج أنّ الحسن فی نظر العقل هو التوصّل لا الفعل لغایة التوصّل

یمکن أن یقال: إنّ المسألة هنا صغری لحکم العقل العملی بمعنی أنّه یری

ص: 386


1- هامش نهایة الداریة، ج2، ص134.

حسن التوصّل إلی ما هو لازم الإتیان و أیضاً لحکم العقل النظری حیث إنّ طرفی الملازمة وجوب ذی المقدّمة و وجوب التوصّل به، فحیثیة التوصّل حیثیة تقییدیة علی أی حال.

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الأمر الأوّل:

((1))

إنّ وجوب المقدّمة بمعنی اللابدّیة خارج عن محل النزاع و غیر قابل للإنکار.

بل النزاع فی وجوب المقدّمة شرعاً الکاشف عنه العقل، و کم فرق بین الحکم الشرعی الذی کشف عنه العقل و الحکم العقلی و قد عرفت أنّ الحیثیة التعلیلیة فی الأحکام الشرعیة لاترجع إلی الحیثیة التقییدیة

قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره):((2)) إنّ الجهات التعلیلیة فی الأحکام العقلیة بل فی الأحکام الشرعیة المستندة إلی الأحکام العقلیة ترجع إلی الحیثیات التقییدیة.

الأمر الثانی:
اشارة

إنّ التوصّل إذا کان بعنوانه واجباً فما لم یصدر هذا العنوان عن قصد و اختیار لایقع مصداقاً للواجب و إن حصل منه الغرض مع عدم القصد و العمد إلیه.

توضیحه هو أنّ الشیء لایقع علی صفة الوجوب و مصداقاً للواجب بما هو واجب إلّا إذا أتی به عن قصد و عمد أمّا لزوم إتیانه عن قصد فلأنّ الأمر مثلاً تعلّق بالفعل المعنون بهذا العنوان و العنوان داخل تحت الأمر فلابدّ من إیجاده بالقصد حیث إنّ العناوین غالباً تتحقّق بالقصد أمّا لزوم إتیانه عن اختیار فلأنّ

ص: 387


1- المحاضرات(ط.ج): ج2، ص245 و (ط.ق): ج2، ص407.
2- فی نهایة الدرایة، ج2، ص145 التعلیقة 77.

التکلیف یتعلّق بالأمر الاختیاری حتی فی التوصّلیات، لأنّ البعث تعبدیاً کان أم توصّلیاً لایتعلّق إلّا بالفعل الاختیاری، فالعمل الصادر بلا اختیار و إن کان مطابقاً لذات الواجب و محصّلاً لغرضه لکنه لایقع علی صفة الوجوب أی مصداقاً للواجب بما هو واجب بل یستحیل أن یتعلّق الوجوب بمثله فکیف یکون مصداقاً له.

اعتراض المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی الأمر الثانی:

((1))

یمکن الاعتراض علی الأمر الثانی بأنّ الممدوح علیه هو التأدیب بالحمل الشائع، کما أنّ الواجب هنا هو التوصّل بالحمل الشائع إلّا أنّ التأدیب بالحمل الشائع اختیاری بقصد عنوان التأدیب، لا باختیاریة الضرب، فإذا صدر الضرب بالاختیار لم یصدر منه تأدیب اختیاری إلّا إذا قصد بالضرب التأدیب.

و هذا بخلاف التوصّل بالحمل الشائع فإنّ عنوانه لاینفک عن المشی إلی السوق فإذا صدر المشی بالاختیار کان توصّلاً اختیاریاً من دون لزوم قصد عنوان التوصّل.

إن قلت: إنّه إذا مشی نحو السوق اختیاراً لا بداعی التوصّل إلی الواجب بل بداع التوصّل إلی غرض آخر فإنّه یصدق علیه أنّه أتی بذات المقدّمة اختیاراً و لایصدق علیه أنّ فعله کان توصّلا إلی الواجب اختیاراً.

قلت: إنّ التوصّل یصدق و لو لم یقصده لأنّه یقال فی اللغة: وصل الشیء إلی غیره فاتّصل و هنا اتّصل إلی الواجب اختیاراً و إن لم یقصد ذلک فإذا وصل شخص حبلاً بمکان یکون الحبل متصلاً به سواء قصد الاتصال أم لا.

ص: 388


1- نهایة الدرایة، ج2، ص134.
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الأمر الثانی:

((1))

إنّ القدرة إذا کانت مأخوذة شرعاً فی المأمور به و واردة فی لسان الخطاب فالواجب خصوص الحصّة المقدورة، لأنّه لایمکن کشف الملاک فی أمثال هذه الموارد إلّا فی خصوص الحصّة المقدورة، أمّا الحصّة الخارجة عن القدرة فلا طریق لنا إلی إحراز الملاک فیها.

و إذا کانت القدرة مأخوذه فی المأمور به عقلاً فلایختصّ وجوب المقدّمة بالحصّة المقدورة و الإتیان بالمقدّمة بلا قصد التوصّل یکون مصداقاً للواجب و الوجه فی ذلک هو أنّ المکلّف قدیکون عاجزاً عن إتیان تمام أفراد الواجب فی ظرف الامتثال فبطبیعة الحال یسقط عنه التکلیف و لایعقل بقاؤه، و قدیکون عاجزاً عن امتثال بعض أفراده دون بعضها الآخر (کالصلاة حیث إنّ المکلّف یتمکّن من امتثالها فی ضمن بعض أفرادها العرضیة و الطولیة و لایتمکن بالنسبة إلی بعض أفرادها) ففی مثل ذلک لا موجب لتخصیص التکلیف بخصوص الحصّة المقدورة بل لا مانع من تعلّقه بالجامع بینها و بین الحصّة غیر المقدورة و الجامع بین المقدور و غیر المقدور مقدورٌ ضرورة أنّه یکفی فی القدرة علیه القدرة علی امتثال فرد منه.

فعلی هذا ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی الأمر الثانی إنّما یتمّ بناءً علی أخذ القدرة شرعاً فی المأمور به و فی الخطاب و أمّا بناءً علی أخذها عقلاً فی المأمور به فلایتمّ.

ص: 389


1- المحاضرات(ط.ج)، ج2، ص245و(ط.ق)، ج2، ص407.
تنبیه حول تفسیر نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره):

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قد احتمل فی کلام الشیخ (قدس سره) ثلاثة وجوه:

الاحتمال الأوّل: أن یکون قصد التوصّل معتبراً فی تحقّق امتثال الوجوب المقدّمی.

الاحتمال الثانی: أن یکون قصد التوصّل قیداً فی متعلّق الوجوب المقدّمی (کما هو المشتهر عنه).

الاحتمال الثالث: أن یکون قصد التوصّل قیداً فی خصوص حال المزاحمة کما إذا کانت المقدّمة محرّمة.

ثم شرع فی تفسیر الاحتمالات الثلاث و تحلیلها:((1))

أمّا علی الاحتمال الأوّل فقال: إن کان نظر شیخنا العلامة الأنصاری (قدس سره) إلی اعتبار قصد التوصّل بالمقدّمة فی حصول الامتثال و التقرّب بها کما یظهر ذلک من جملة من عبارات التقریر فهو حقّ (و صحّحه المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً).((2))

أمّا علی الاحتمال الثانی فقال: إن کان نظره (قدس سره) إلی اعتبار التوصّل فی معروض الوجوب، فیرده أنّ قصد التوصّل لا دخل له فی مقدّمیة المقدّمة أصلاً و بدونه (أی بدون دخله فی مقدّمیة المقدّمة) یستحیل أن یکون قیداً للواجب بداهة أنّ ما لیس له دخل فیما هو ملاک الواجب یستحیل أن یکون قیداً مأخوذاً فی الواجب.

(و قد تقدم الکلام حول الاحتمال الثانی حیث وجهه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ثم اعترض علیه).

ص: 390


1- أجود التقریرات، ج1، ص341 و 342.
2- المحاضرات ( ط.ج): ج2، ص247و (ط.ق): ج2، ص409.

أمّا علی الاحتمال الثالث فقال المحقق النائینی (قدس سره):((1)) إن کان نظره (قدس سره) إلی اعتبار قصد التوصّل فی مقام المزاحمة کما تساعد علیه جملة من عبارات التقریر((2)) و یؤیده ما نقله الأُستاذ عن أُستاذه المحقّق السید العلامة الإصفهانی (قدس سره) (السید محمّد الإصفهانی) من أنّه (قدس سره) کان ینسب ذلک إلی الشیخ (قدس سره) -و إن کان (حفظه الله) تردد فی أنّ النسبة المزبورة کانت مستندة إلی استظهار نفسه أو إلی سماعه ذلک من المحقّق سید أساتیذنا العلامة الشیرازی (قدس سره) عن أُستاذه المحقّق العلامة الأنصاری (قدس سره) - و هو أنّ المقدّمة إذا کانت محرّمة وتوقف علیها واجب فعلی (مثل إنقاذ النفس المحترمة) فیقع التزاحم بین حرمتها و وجوبه و الواجب هنا (مثل إنقاذ النفس المحترمة) أهمّ من الحرمة (مثل الدخول فی ملک الغیر بدون إذنه) فحینئذ إذا أتی بها بقصد التوصّل یرتفع الحرمة و إذا أتی بها بدون قصد التوصّل لاترتفع حرمة المقدّمة، فیرد علیه أنّ المزاحمة إنّما هی بین حرمة المقدّمة و وجوب ما یتوقف علیها (أی ذی المقدّمة) و لو لم نقل بوجوب المقدّمة أصلاً، فلا مناص عن الالتزام بارتفاع الحرمة لفرض کون الواجب أهمّ، سواء فی ذلک القول بوجوب المقدّمة و القول بعدمه، فاعتبار قصد التوصّل فی متعلّق الوجوب المقدّمی أجنبی عمّا به یرتفع التزاحم المذکور بالکلّیة.

فالإتیان بالمقدّمة لایخلو عن ثلاثة وجوه:

الوجه الأوّل: الإتیان بها بقصد التوصّل فحینئذ ترتفع الحرمة و لایکون متجرّیاً بالنسبة إلی فعل المقدّمة.

ص: 391


1- أجود التقریرات، ج1، ص235.
2- مطارح الأنظار، ص73.

الوجه الثانی: الإتیان بها بدون قصد التوصّل فحینئذ ترتفع الحرمة أیضاً و هنا صرّح المحقّق الخوئی (قدس سره) بأنّه کان متجرّیاً کما أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً صرّح بأنّه مع الالتفات إلی المقدّمیة یتجرأ بالنسبة إلی ذی المقدّمة فیما لم یقصد التوصّل إلیه أصلاً و لکن فی تحقّق التجری فی هذه الصورة تأمّل حیث إنّ التجری إمّا یکون بالنسبة إلی المقدّمة أو بالنسبة إلی ذی المقدّمة، أمّا المقدّمة فارتفعت حرمته و أمّا ذو المقدّمة لم یصل ظرف تحقّقه و لم یترک مقدّمته.

الوجه الثالث: الإتیان بها مع عدم وقوع السلوک فیها فی طریق الإنقاذ فتبقی حرمته.

ثم إنّه قال المحقّق الخوئی (قدس سره):((1)) إن قلنا بعدم وجوب المقدّمة فالمسألة صغری التزاحم کما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) و إن قلنا بوجوب المقدّمة فالمسألة صغری التعارض فتقع المعارضة بین وجوب المقدّمة و حرمتها فیرد الوجوب و الحرمة علی موضوع واحد و حینئذ إن قلنا بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة سقطت الحرمة عنها.

و إن قلنا بوجوب المقدّمة التی قصد بها التوصّل إلی الواجب فالساقط إنّما هو الحرمة عنها سواء أکانت موصلة أم لم تکن.

و إن قلنا بوجوب المقدّمة مطلقاً فالساقط إنّما هو الحرمة عنها کذلک.

أمّا علی القول بعدم وجوب المقدّمة (کما هو مختار السید الخوئی (قدس سره) فالساقط إنّما هو حرمة خصوص المقدّمة الموصلة سواء قصد بها التوصّل أم لا، فتبقی

ص: 392


1- المحاضرات، ج2، ص410.

حرمة المقدّمة غیر الموصلة (نعم لو قصد المکلّف به التوصّل إلی الواجب و لکنه لمانع لم یترتّب علیه فی الخارج کان عندئذٍ معذوراً فلایستحقّ العقاب علیه).

مناقشات أربع فی القول الثالث:
اشارة

((1))

المناقشة الأُولی:
اشارة

((2))

إنّ الغرض من المقدّمة إنّما هو حصول ما یتمکّن معه من إتیان ذی المقدّمة بحیث لولاه لما أمکن فعل ذی المقدّمة و هذا الغرض یترتّب علی مطلق المقدّمة دون خصوص الموصلة منها، حیث إنّه لا تفاوت فی حصول الغرض بین ما یترتّب علیه الواجب و ما لایترتّب علیه بل أثر المقدّمة (و هو التمکّن من إتیان ذی المقدّمة) لامحالة یترتّب علیهما (أی علی المقدّمة الموصلة و غیر الموصلة).

أجاب عنها المحقق الخوئی (قدس سره):

((3))

أوّلاً: إنّ هذا لیس غرضاً من إیجاب المقدّمة، لأنّ التمکّن من الإتیان بذی المقدّمة من آثار التمکّن من الإتیان بالمقدّمات، لأنّ المقدور بواسطة مقدور.

ثانیاً: إنّ القدرة علی الواجب لو توقّفت علی الإتیان بالمقدّمة لجاز للمکلّف تفویت الواجب بترک مقدّمته لأنّ القدرة علی الواجب (أی ذی المقدّمة) لیست بواجب التحصیل.

ص: 393


1- القول الثالث - و هو مختار صاحب الفصول (قدس سره) - هو أنّ الواجب الحصّة الموصلة فیعتبر ترتّب ذی المقدّمة علی المقدّمة حتّی تکون هی (أی المقدّمة) واجبة.
2- صاحب الکفایة (قدس سره)، ص115-116.
3- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص255 و (ط.ق): ج2، ص416 (الإشکال الأوّل مذکور فی نهایة الدرایة، ج2، ص138 و هامش التعلیقة، ج2، ص137).

فالغرض من إیجاب المقدّمة لیس إلّا إیصالها إلی الواجب حیث إنّ الاشتیاق إلی الشیء لاینفک عن الاشتیاق إلی ما یقع فی سلسلة علل وجوده دون ما لایقع فی سلسلتها.

المناقشة الثانیة:
اشارة

((1))

إنّ القول بالمقدّمة الموصلة یستلزم إنکار وجوب المقدّمة فی أکثر الواجبات فیلزم انحصار وجوب المقدّمة فی خصوص العلّة التامّة من الأفعال التولیدیة و التسبیبیة.

توضیح ذلک هو أنّ ترتّب الواجب فی الأغلب لیس أثر إتیان جمیع المقدّمات فضلاً عن إحداها لأنّ الواجب (فی أکثر الواجبات) فعل اختیاری یختار المکّلف تارة إتیانه بعد وجود تمام مقدّماته و أُخری عدم إتیانه، فلایمکن أن یکون اختیار إتیان ذی المقدّمة غرضاً من إیجاب کل واحدة من مقدّماته.

أجاب عنها المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّ ملاک الوجوب الغیری هو وقوع المقدّمة فی سلسلة مبادی وجود ذی المقدّمة بالفعل فلا ملاک فی مطلق المقدّمة و إن لم تقع فی سلسلتها، کما أنّ الملاک لاینحصر بخصوص الأسباب التولیدیة.

فالطهارة من الحدث أو الخبث مثلاً إن وقعت فی سلسلة مبادی وجود الصلاة فی الخارج فهی واجبة و إلّا فلا مع أنّها لیست من الأسباب التولیدیة بالإضافة إلی الصلاة.

ص: 394


1- الکفایة (قدس سره)، ص116.
2- المحاضرات(ط.ج): ج2، ص255و(ط.ق): ج2، ص416.
المناقشة الثالثة:
اشارة

((1))

إذا أتی المکلّف بالمقدّمة غیر الموصلة یسقط الأمر الغیری بمجرد الإتیان بها (من دون انتظار لترتّب الواجب علیها) مع أنّ الأمر الغیری لایسقط إلّا بموافقة أمره أو بالعصیان أو بارتفاع موضوع التکلیف، و یتعین الأوّل منها لأنّ العصیان لم یتحقّق لفرض الإتیان بالمقدّمة و الثانی أیضاً لم یتحقّق لعدم ارتفاع موضوع التکلیف.

أجاب عنها المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

أوّلاً بالنقض: بأجزاء الواجب المرکّب کالصلاة حیث إنّ المکلّف إذا جاء بالجزء الأوّل منها و لم یأت ببقیة الأجزاء لایمکن القول بعدم سقوط الأمر الضمنی المتعلّق بالجزء المأتی به لأنّه مستلزم للتکرار فلابدّ من الالتزام بالسقوط مع أنّه لایمکن الالتزام بالسقوط من باب العصیان أو ارتفاع موضوع التکلیف فلابدّ من الالتزام بالامتثال مع أنّه لایمکن المصیر إلی هذا البیان و لابدّ من الجواب عنه و الجواب عن هذه المشکلة هو بعینه الجواب عن صاحب الکفایة (قدس سره) .

ثانیاً بالحلّ: وهو أنّ الواجب علی هذا القول هو حصّة خاصّة من المقدّمة وهی المقدّمة الموصلة التی تقع فی سلسلة العلّة التامّة لذی المقدّمة و لذا إذا وقعت المقدّمة مجردةً عن بقیة أجزاء العلّة التامّة فبما أنّ الغرض من إیجاب المقدّمة لم یترتّب علیها لاتقع المقدّمة علی صفة الوجوب لامحالة و حینئذ یستند

ص: 395


1- کفایة الأصول، (ط.آل البیت)، ص117.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص256 و (ط.ق): ج2، ص417.

سقوط الأمر الغیری إلی العصیان أو نحوه (مثل ارتفاع موضوع التکلیف) لا إلی إتیان المقدّمة و امتثاله لأنّه لم یأت بما هو الواجب منها.

فبالنیتجة إنّ وجود الواجب النفسی فی الخارج کاشف عن تحقّق المقدّمة فیه و عدم وجوده کاشف عن عدم تحقّقها کالشرط المتأخّر.

و من ذلک یظهر الجواب عن مورد النقض بأجزاء الواجب النفسی، فإنّ کل واحد منها إنّما یقع علی صفة الوجوب إذا وقع فی الخارج منضماً إلی بقیة أجزائه و أمّا إذا وقع منفکّاً عنها فلایقع علی هذه الصفة لفرض أنّه لیس بجزء من الواجب.

المناقشة الرابعة:
اشارة

((1))

إنّ اعتبار هذا القید (أی قید الإیصال) فی متعلّق الوجوب المقدّمی (أی المقدّمة) یرجع إلی اعتبار کون الواجب النفسی قیداً للواجب الغیری فیلزم أن یکون الواجب النفسی مقدّمة للمقدّمة و واجباً بوجوب ناشئ من وجوبها و هو یستلزم الدور فإنّ وجوب المقدّمة إنّما نشأ من وجوب ذی المقدّمة، فلو ترشح وجوب ذی المقدّمة من وجوبها لزم الدور (هذا تقریر الدور فی الوجوب و لکنه قرّره فی فوائد الأُصول بنحو الدور فی الوجود بمعنی توقّف وجودها علیه و بالعکس بمعنی أنّ اتّصاف المقدّمة بالموصلیة متوقّف علی وجود ذی المقدّمة و من جهة أُخری وجود ذی المقدّمة متوقّف علی وجود مقدّمته).((2))

ص: 396


1- أجود التقریرات، ج1، ص345و346.
2- فی فوائد الأصول، ج 1،ص290:«... نعم یرد علیه: أنّه یلزم حینئذ أن یکون وجود ذی المقدّمة من شرائط وجود المقدّمة، و إن لم یکن من شرائط وجوبها، إلّا أنّه لا فرق فی الإستحالة، ضرورة أنّه لایعقل أن یکون وجود ذی المقدّمة من شرائط وجود المقدّمة لاستلزامه الدّور، فإنّه یلزم أن یکون وجود کلّ من المقدّمة و ذی المقدّمة متوقّفا علی الأخر».

أمّا لزوم التسلسل فبیانه هو أنّ الواجب لو کان هو خصوص المقدّمة الموصلة، فبما أنّ ذات المقدّمة مقدّمة لها (أی للمقدّمة الموصلة) تکون مقدّمة لتحقّقها فی الخارج فإن اختار (قدس سره) وجوب ذات المقدّمة مع عدم اعتبار قید الإیصال إلی جزئها الآخر (أی قید الموصلة) فقد اعترف بما أنکره و کر علی ما فرّ منه و إن اعتبر قید الإیصال فی اتّصاف ذات المقدّمة بالوجوب فقد لزمه التسلسل.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ الوجوب النفسی المتعلّق بذی المقدّمة غیرناش من وجوب مقدّمته حتّی یتوقّف اتّصاف ذی المقدّمة بالوجوب علی وجوب مقدّمته.

بل هنا یلزم اجتماع الوجوب النفسی و الغیری من جهتین فی ذی المقدّمة و هذا مما لا إشکال فیه و توضیح ذلک هو أنّ هنا ثلاثة وجوبات:

الوجوب الأوّل: هو الوجوب النفسی لذی المقدّمة.

الوجوب الثانی: هو الوجوب الغیری لمقدّمته.

الوجوب الثالث: هو الوجوب الغیری لذی المقدّمة (حیث إنّ وجوده شرط لاتّصاف المقدّمة بالوجوب الغیری).

ویمکن جواب الدور فی مرحلة الوجود أیضاً بأنّ اتّصاف المقدّمة بالموصلة و بعبارة أُخری وجود المقدّمة الموصلة بما أنّها مقدّمة موصلة لیس متوقّفاً علی وجود ذی المقدّمة بل هما متلازمان و الدور هو التوقّف فی الوجود الخارجی فعلی هذا إنّ ذی المقدّمة یتوقّف وجوده علی وجود المقدّمة و أمّا وجود المقدّمة

ص: 397


1- المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص253-254و(ط.ق)، ج2، ص414-415.

لایتوقّف علی وجود ذی المقدّمة بل وجوب المقدّمة الموصلة یتوقّف علی وجود ذی المقدّمة و هذا لا محذور فیه.

أمّا الجواب عن التسلسل فهو أنّ ذات المقدّمة و إن کانت مقوّمة للمقدّمة الموصلة إلّا أنّ نسبتها إلیها لیست نسبة المقدّمة إلی ذیها لننقل الکلام إلیه بل نسبتها إلیها نسبة الجزء إلی الکلّ، إذ علی هذا القول تکون المقدّمة مرکّبة من جزأین:

الجزء الأوّل: ذات المقید (أی ذات المقدّمة).

الجزء الثانی: تقیدها بقید و هو وجود الواجب فی الخارج.

هذا کلّه علی تقدیر تسلیم کون الواجب النفسی قیداً للواجب الغیری.

فالتحقیق فی الجواب عن الدور و التسلسل هو أنّ الالتزام بوجوب المقدّمة الموصلة لایستدعی اعتبار الواجب النفسی قیداً للواجب الغیری لأنّ المقدّمات الواقعة فی الخارج علی نحوین: أحدهما ما کان وجوده فی الخارج ملازماً لوجود الواجب فیه و هو ما یقع فی سلسلة علّة وجوده و ثانیهما ما کان وجوده مفارقاً لوجوده فیه و هو ما لایقع فی سلسلتها و القائل بوجوب المقدّمة الموصلة إنّما یدعی وجوب خصوص القسم الأوّل لا القسم الثانی.

یلاحظ علی هذا البیان الأخیر:

إنّ التلازم بین وجود المقدّمة الموصلة بما أنّها موصلة و وجود الواجب النفسی تلازم رتبی فحینئذ إنّ ما أفاده فی القسم الأوّل التزام بالمتناقضین لأنّ ما کان وجوده خارجاً ملازماً لوجود ذی المقدّمة رتبةً لایکون فی سلسلة علّة وجوده لأنّ التلازم یقتضی عدم التقدّم و الوقوع فی سلسلة علّة الوجود یقتضی التقدم و هما نقیضان.

ص: 398

فالصحیح أن یقال: إنّ المقدّمة الموصلة بما أنّها فعل خارجی واقعة فی سلسلة علل وجود ذی المقدّمة و هذه المقدّمة الموصلة بما أنّها موصلة أی متّصفة بالإیصال (لا بما أنّها مقدّمة) ملازمة لذی المقدّمة وجوداً.

ص: 399

أدلّة سبعة علی القول بوجوب المقدّمة الموصلة:
اشارة

هناک عدة تصاویر للمقدّمة الموصلة: تصویر صاحب الفصول (قدس سره) و تصویر المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و تصویر المحقّق العراقی (قدس سره) .

الدلیل الأوّل: لصاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ المتیقّن من حکم العقل بوجوب المقدّمة هو خصوص الموصلة.

توضیحه: هو أنّ العقل هو الحاکم بالملازمة العقلیة بین وجوب الشیء و وجوب مقدّماته و هو لایدرک أزید من الملازمة بین وجوب الشیء و وجوب المقدّمة الموصلة.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

إنّ العقل الحاکم بالملازمة دلّ علی وجوب مطلق المقدّمة لا خصوص ما إذا ترتّب علیها الواجب فیما لم یکن هناک مانع عن وجوبه، لأنّ ملاک حکم العقل بالملازمة حصول التمکّن من الإتیان بذی المقدّمة و هذا الملاک مشترک فی جمیع أقسام المقدّمة.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

إنّ التمکّن المذکور لایصلح أن یکون ملاکاً للوجوب الغیری و داعیاً له

ص: 400


1- الفصول، ص86.
2- کفایة الأصول، (ط.آل البیت)، ص118،[المناقشة فی أدلة صاحب الفصول].

لفرض أنّه حاصل قبل الإتیان بالمقدّمة (و قد مضی أنّ ملاک الوجوب الغیری عنده هو وقوع المقدّمة فی سلسلة علّة وجود ذی المقدّمة و هذا الملاک لایوجد فی المقدّمة غیر الموصلة). ((1))

الدلیل الثانی: لصاحب الفصول (قدس سره) أیضا
اشارة

الدلیل الثانی: لصاحب الفصول (قدس سره) ((2)) أیضا

إنّ العقل لایأبی عن تصریح الآمر الحکیم بعدم إرادة المقدّمة غیرالموصلة فیجوز أن یقول: أُرید الحج و أُرید المسیر الذی یتوصل به إلی فعل الواجب دون ما لم یتوصل به إلیه، فإنّ الضرورة قاضیة بجواز تصریح الآمر بمثل ذلک کما أنّ الضرورة قاضیة بقبح التصریح بعدم مطلوبیة المقدّمات مطلقاً أو بقبح التصریح بعدم مطلوبیة المقدّمة الموصلة و ذلک آیة عدم الملازمة بین وجوب الشیء و وجوب المقدّمات له غیرِ الموصلة.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره):

((3))

إنّه لیس للآمر الحکیم الذی لایجازف التصریحُ بذلک، و إنّ دعوی صاحب الفصول (قدس سره) من أنّ الضرورة قاضیة بجواز التصریح بذلک ممنوع لأنّ الغرض و هو التمکّن من فعل ذی المقدّمة مشترک بین جمیع المقدّمات الموصلة و غیرالموصلة.

ص: 401


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص258و (ط.ق): ج2، ص418.
2- الفصول، ص86.
3- الکفایة (ط.آل البیت )، ص118،[المناقشة فی أدلة صاحب الفصول].
أجاب عنه المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

قد تقدّم أنّ ما ذکره من الغرض لایصلح أن یکون الغرض فلا بأس بهذا التصریح، بل الوجدان أصدق شاهد علی جواز ذلک.

الدلیل الثالث: لصاحب الفصول (قدس سره) أیضا
اشارة

الدلیل الثالث: لصاحب الفصول (قدس سره) ((2)) أیضا

إنّ المطلوب بالمقدّمة مجرد التوصّل بها إلی الواجب و حصوله فیکون التوصّل بالمقدّمة إلی ذی المقدّمة و حصوله معتبراً فی مطلبوبیة المقدّمة، فلاتکون المقدّمة مطلوبة إذا انفکّت عن التوصّل.

و صریح الوجدان قاضٍ بأنّ من یرید شیئاً بمجرد حصول شیء آخر، لایریده إذا وقع مجرداً عنه و یلزم منه أن یکون وقوعه علی وجه المطلوب منوطاً بحصول هذا الشیء الآخر.

إیرادان من صاحب الکفایه (قدس سره):
اشارة

((3))

الإیراد الأوّل:
اشارة

أورد علیه أوّلاً بمنع الصغری و هو أنّ الغرض إنّما هو التمکّن من الإتیان بذی المقدّمة لا ترتّبه علیه خارجاً، و هذا الغرض مشترک بین المقدّمة الموصلة و غیرالموصلة.

ص: 402


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص258و (ط.ق): ج2، ص419.
2- الفصول، ص86.
3- کفایة الأصول، ص118.
أجاب عنه المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما):

((1))

إنّ ذلک لیس هو الغرض لأنّ التمکّن من ذی المقدّمة یحصل بمجرد التمکّن من المقدّمة.

الإیراد الثانی:
اشارة

أورد (قدس سره) ثانیاً بمنع الکبری و هو أنّ صریح الوجدان قاضٍ بأنّ المقدّمة التی أُرید لأجل غایة و لم تبلغها واجبة، فلایکون ترتّب ذی المقدّمة علی المقدّمة قیداً للواجب الغیری و إن سلّمنا أنّه الغایة لوجوب المقدّمة.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّ الشیء إذا وجب لغایة فلابدّ من تحقّق الغایة حتی یتّصف بالوجوب و مع عدم تحقّق الغایة لایعقل اتّصافه بالوجوب.

و من هنا قلنا: إنّ وجود ذی المقدّمة (الغایة) کاشف عن تحقّق مقدّمته المتّصفة بالوجوب و عدم وجود ذی المقدّمة کاشف عن عدم تحقّق المقدّمة المتّصفة بالوجوب.

الدلیل الرابع علی وجوب خصوص المقدّمة الموصلة:
اشارة

((3))

إنّه یجوز للمولی أن ینهی عن المقدّمات التی لاتوصل إلی الواجب و

ص: 403


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص258و (ط.ق): ج2، ص418؛نهایة الدرایة، ج2، ص136.
2- المحاضرات(ط.ج): ج2، ص259و (ط.ق): ج2، ص420.
3- عن صاحب العروة (قدس سره) نقله المحاضرات (ط.ج): ج2، ص260 و (ط.ق): ج2، ص420 و البحوث السید الصدر (قدس سره)، ج2، ص54.

لایستنکر ذلک العقل مع أنّه یستحیل أن ینهی عن مطلق المقدّمة أو عن خصوص الموصلة منها، و هذا دلیل عدم وجوب مطلق المقدّمة و وجوب خصوص الموصلة.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

أوّلا: إنّ هذا الدلیل فی مورد المقدّمات المباحة، أمّا إذا کان المقدّمات محرّمة مثل أن یمنع عنه المولی فحینئذ لاتتصف بالوجوب الغیری و لکنّ عدم اتّصافها به لأجل المانع (و هو نهی المولی) لا لأجل عدم المقتضی.

ثانیا: إنّ فی صحّة منع المولی عن المقدّمة غیر الموصلة نظراً لأنّه یوجب تفویت الواجب اختیاراً أو طلب الحاصل.

أمّا لزوم تفویت الواجب فلأنّه إن قلنا بحرمة المقدّمة فلایتمکّن من المقدّمة شرعاً إلّا فی صورة إتیان ذی المقدّمة و مع عدم إتیان ذی المقدّمة لایجوز إتیان المقدّمة لحرمتها علی الفرض فلیس متمکّناً من المقدّمة شرعاً و لازم عدم التمکّن من المقدّمة هو عدم التمکّن أیضاً من ذی المقدّمة، لأنّ وجوب ذی المقدّمة مشروط بالقدرة و مع عدم التمکّن من المقدّمة لیس قادراً علی ذی المقدّمة فیجوز ترک ذی المقدّمة لأنّ تحصیل القدرة علی الواجب النفسی لیس بواجب.

أمّا لزوم تحصیل الحاصل فلأنّ إیجاب ذی المقدّمة فعلاً متوقّف علی جواز المقدّمة شرعاً و جواز المقدّمة شرعاً یتوقّف علی إیصالها إلی ذی المقدّمة و إیصالها إلی ذی المقدّمة یتوقّف علی إتیان ذی المقدّمة.

ص: 404


1- کفایة الأصول، ص120.

و نتیجة ذلک هو أنّ إیجاب ذی المقدّمة (أی طلب حصوله) متوقّف علی إتیانه و حصوله و هذا طلب الحاصل و هو محال.((1))

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّ ما أفاده مبنی علی الخلط بین کون الإیصال قیداً لجواز المقدّمة و وجوب ذی المقدّمة و بین کونه قیداً للواجب.

فلو کان الإیصال قیداً لجواز المقدّمة لتم ما أفاده و لکنّه لیس الأمر کذلک بل الإیصال قید للواجب، فلیس جواز المقدّمة مشروطاً بالإیصال الخارجی و وجود الواجب النفسی، بل الجواز تعلّق بالمقدّمة الموصلة و المفروض تمکّن المکلّف منها، و حینئذ لو ترک الواجب ارتکب المعصیة و استحقّ العقاب لفرض قدرته علیه من جهة قدرته علی مقدّمته الموصلة.

الدلیل الخامس:
اشارة

((3))

و هذا البیان أیضاً یوافق التصویر الذی أفاده صاحب الفصول (قدس سره) .

توضیح هذا التقریب هو أنّ قید الموصلیة و ذی المقدّمة متلازمان فإنّهما معلولان عرضیان للمقدّمة (هذا ما صرّح به السید الصدر (قدس سره) فی تفسیر هذا التقریب)((4)) فإنّ الغرض الأصیل مترتّب علی وجود المعلول (أی ذی المقدّمة) و

ص: 405


1- أفاده أیضاً فی هامش الکفایة، ص120.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص261-262و (ط.ق): ج2، ص421-422.
3- التقریب الأوّل الذی أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) نهایه الدرایة، ج2، ص138.
4- بحوث فی علم الأصول ج2، ص250.

الغرض التبعی من أجزاء علّته هو أن یترتّب المعلول (و هو ذو المقدّمة) علی أجزاء العلّة (و هی المقدّمات) إذا وقعت علیتها فعلیة.

فوقوع کل مقدّمة علی صفة المقدّمة الفعلیة ملازم لوقوع الأُخری علی تلک الصفة و وقوع ذی المقدّمة فی الخارج، و أمّا ذات المقدّمة من دون فعلیة التأثیر مقدّمة بالقوّة لا بالفعل، و المقدّمة غیر الفعلیة (أی ما هو مقدّمة بالقوّة) غیر مرتبط بالغرض الأصیل المترتّب علی وجود ذی المقدّمة فلاتکون مطلوبة بالتبع.

فالمقدّمة غیر الموصلة مقدّمة بالقوة و لیست مطلوبة بالتبع و لا ملازمة بینها و بین ذی المقدّمة و أمّا المقدّمة الموصلة مقدّمة بالفعل و مطلوبة بالتبع و الملازمة بینها و بین ذی المقدّمة ثابتة.

إیراد السید الصدر (قدس سره) علی هذا التصویر من المقدّمة الموصلة:

إنّ أخذ حیثیة ترتّب الواجب النفسی فی متعلّق الواجب الغیری معناه انبساط الوجوب الغیری علی حیثیة لا ربط لها به، فان ملاک تعلق الشوق و الوجوب الغیری بشی ء لیس إلّا وقوع ذلک الشی ء فی طریق تحقیق الواجب النفسی، و من الواضح عدم دخل الحیثیة المذکورة فی ذلک أصلا [و بعبارة أخری: ملاک تعلّق الشوق و الوجوب الغیری بالمقدّمة هو وقوعه فی طریق تحقّق الواجب النفسی مع أنّ حیثیة الموصلیة (بمعنی ترتّب الواجب النفسی) لا مدخلیة لها فی تحقّق الواجب النفسی] بل هی متأخّرة فی الانتزاع و التحقّق عن وجود ذی المقدّمة (حیث إنّ الموصلیة تنتزع عن تحقّق ذی المقدّمة خارجاً) و معه کیف یعقل انبساط الوجوب الغیری علیها؟((1))

ص: 406


1- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص249 و 250.
یلاحظ علیه:

أولا: إنّهما متلازمان، لا أنّ الموصلیة منتزعة عن تحقّق الواجب النفسی.

ثانیاً: إنّ إتیان ذات المقدّمة واجب عقلاً، لأنّ المقدّمة الموصلة واجبة غیریاً و المکلّف متمکّن منه فلابدّ له من إتیان ذات الفعل حتی یترتّب علیه تحقّق ذی المقدّمة فذات الفعل تحقّق فی طریق إتیان الواجب النفسی.

الدلیل السادس:
اشارة

((1))

إنّ الغرض الأصیل یتعلّق بالمعلول و هو ذو المقدّمة و الغرض التبعی أیضاً یتعلّق بعلّته التامّة حیث إنّها محصّلة للغرض الأصیل و لایتعلّق الغرض التبعی بکل ما له دخل و إن لم یکن محصّلاً للغرض الأصیل، لأنّ وجوده و عدمه مع عدم الغرض الأصیل علی حدّ سواء، و العلّة التامّة هی مجموعة من المقدّمات و تلک المقدّمات واجبة بالوجوب الغیری الواحد و عنوان الموصلیة و إن کان من عوارض المقدّمة لکنّها مقوّمة للمقدّمة بمعنی العلّة التامّة و الموصلیة تنتزع عن المقدّمات بملاحظة بلوغها حیث یترتّب علیها الواجب فهو ملازم لترتّب الواجب لا إنّه منتزع منه.

و الإرادة المتعلّقة بالعلّة التامّة واحدة و إن کانت العلّة مرکّبة کما أنّ الإرادة المتعلّقة بالمعلول واحدة و إن کان المعلول مرکباً

و المنشأ فی العلّة التامّة وحدة الغرض -کما أنّ منشأ وحدة الإرادة فی المعلول وحدة الغرض- و الغرض فی العلّة التامّة هو الوصول إلی المعلول.

ص: 407


1- التقریب الثانی الذی أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج2، ص139و إختاره السید الصدر فی بحوثه، ج2، ص251و هذا هو التصویر الثانی للمقدّمة الموصلة.

و الإرادة الکلّیة المتعلّقة بالعلّة المرکّبة لاتسقط إلّا بعد حصولها الملازم لحصول معلولها و إن کان یسقط اقتضاؤها شیئاً فشیئاً کما أنّ إتیان بعض أجزاء المعلول لایسقط الإرادة النفسیة المتعلّقة بالمرکّب بل هی باقیة إلی آخر الأجزاء و إن کان یسقط اقتضاؤها شیئاً فشیئاً.

و کما أنّ أجزاء المعلول لاتقع علی صفة المطلوبیة إلّا بعد التمامیة، لاتقع أجزاء العلّة التامّة علی صفة المطلوبیة المقدّمیة إلّا بعد التمامیة لوحدة الطلب فی کلیهما و منشؤها وحدة الغرض.

ثم إنّ إرادة ذی المقدّمة من أجزاء العلّة التامّة و لا مانع من تعلّق الإرادة التشریعیة بها بل لابدّ منها، لأنّ الإنسان إذا اشتاق إلی فعل الغیر عن اختیار فلامحالة یرید إرادة الغیر له کسائر المقدّمات بلا فرق، لکنّه لایمکن البعث نحو الإرادة إذ معنی البعث جعل الداعی و الباعث نحو الشیء و لایکون البعث باعثاً و داعیاً إلّا بواسطة الإرادة فالإرادة بنفسها مقوّمة للانبعاث نحو الفعل فلایعقل أن تکون الإرادة مبعوثاً إلیها.

(لکن السید الصدر (قدس سره) یقول باستحالة تعلّق الإرادة بالإرادة).((1))

إیرادات بعض الأساطین (حفظه الله) علی هذه النظریه:
اشارة

((2))

الإیراد الأوّل:
اشارة

إنّ المراد عین الإرادة و المبعوث علیه موجود بعین وجود البعث و هذا هو ما اعتقد به المحقّق الإصفهانی (قدس سره)، فحینئذ إذا ترکّب العلّة التامّة من المقتضی و

ص: 408


1- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص252.
2- علی ما قرّرته فی مجلس درسه.

الشرط و المعدّ فیکون المراد متعدداً لأنّه لایمکن اتحاد المقتضی و الشرط مثلاً لا فی الخارج و لا فی الذهن فمع تعدّد المراد لابدّ أن یتعدّد الإرادة أیضاً لأنّ المراد عین الإرادة.

یلاحظ علیه:

إنّ الإرادة التشریعیة تتعلّق بالعلّة التامّة و العلّة التامّة واحدة لا متعدّدة بل إنّها مرکّبة من الأجزاء فلها وحدة من جهة و ترکّب من جهة أُخری، و الإرادة التشریعیة متعلّقة بجهة وحدتها کما أنّ الإرادة النفسیة المتعلّقة بالواجب النفسی واحدة و إن کان الواجب النفسی مثل الصلاة مرکّبا.

الإیراد الثانی:
اشارة

إنّ مبنی المحقّق الإصفهانی (قدس سره) تعلّق الإرادة التی هی واحد حقیقی بالمرکّب فیقال: کیف یعقل أن یکون المقتضی واحداً و الاقتضاء متعدّداً مع أن نسبة الاقتضاء إلی المقتضی هی نسبة الأثر إلی المؤثر و کیف یعقل أن یکون الأثر متعدّداً و المؤثر (أی محقّق الأثر) واحداً

یلاحظ علیه:

أوّلاً: إنّ نسبة الاقتضاء و المقتضی لیست نسبة المؤثر و أثره بل الاقتضاء عین المقتضی و النسبة بین المقتضی و المقتضی نسبة المؤثر و الأثر، فإنّ الاقتضاء مصدر متحد مع اسم الفاعل بحسب الحقیقة لا مع اسم المفعول.

ثانیاً: ما أفاده من وحدة الإرادة و تعدّد الاقتضاءات هو یرجع إلی ما قلنا من أنّ العلّة التامّة المرکّبة واحدة لا متعدّدة و إن کانت ذا أجزاء فلها وحدة من جهة عدم تعدّدها و لها أجزاء من حیث ترکّبها، و رابطة الأجزاء و المرکب رابطة

ص: 409

الجزء و الکل لا الجزئی و الکلّی فالإرادة لاتنحل بحسب ترکّب المراد بل الانحلال یتصور فیما إذا کان المراد کلیاً لا فیما إذا کان کلاً.

الإیراد الثالث:
اشارة

إنّ النسبة بین المقتضی و المقتضی نسبة التضایف، فکیف یعقل سقوط الاقتضاء و بقاء المقتضی؟ فما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ الإرادة الکلّیة المتعلّقة بالعلّة المرکّبة یسقط اقتضاؤها شیئاً فشیئاً ممنوع.

إذ مع سقوط الاقتضاء إمّا یبقی المقتضی أو لا، فلو بقی المقتضی یلزم عدم تکافؤ المتضایفین و إن لم یبق المقتضی یلزم التعدّد فی ناحیة المقتضی و معنی ذلک هو انحلال الإرادة بالإرادات، فلیست هنا إرادة واحدة بل إرادات متعددة و بتبعها وجوبات غیریة فلکل مقدّمة وجوب غیری.

یلاحظ علیه:

أوّلاً: إنّ الإقتضاء عین المقتضی کما قلنا سابقاً.

ثانیاً: معنی سقوط الاقتضاء فی بعض الأحیان بالنسبة إلی بعض المقدّمات المأتی بها هو سقوط المقتضی و المقتضی فیها بخروجها عن تحت الاقتضاء لحصولها فی الخارج فإنّ المقدّمة التی تحقّقت فی الخارج خرجت عن تحت الاقتضاء.

و لاینافی وحدة الاقتضاء بالنسبة إلی المرکّب مع کونه ذا مراتب.

الإیراد الرابع:

إنّ وحدة الإرادة بالنسبة إلی المقدّمات المتعدّدة مخالفة للمبنی المسلّم عند القوم و إجماعهم.

ص: 410

لکن بعض الأساطین (حفظه الله) - علی ما قررتُ فی مجلس درسه- أعرض عن حتمیة ورود الإشکال و قال: لانُصِرّ علی هذا الإیراد و الوجه فیه واضح لأنّ اجماع الأُصولیین علی مسألة لا اعتبار به فضلاً عن اتفاق بعضهم.

الإیراد الخامس:
اشارة

إنّ تقسیم المقتضی و الشرط بما هو بالفعل و ما هو بالقوّة صحیح أمّا تقسیم المعدّ بما بالقوّة و ما بالفعل فغیر صحیح، فإنّ المعدّ دائماً یکون بالفعل مثلاً کل قدم من أقدام من خرج من بیته إلی المسجد فهو معدّ للکون فی المسجد.

یلاحظ علیه:

إذا ترتّب علی المعدّ وجود المعدّ له فالإعداد فعلی و أمّا إذا لم یترتّب علیه المعدّ له فلا وجه لفعلیة الإعداد.

فالحقّ هو تقسیم المعدّ أیضاً إلی ما بالقوة و ما بالفعل.

الدلیل السابع: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) من الحصّة التوأمة

((1))

قال فی المقالات:((2)) إنّ الواجب فی باب المقدّمة ما هو الموصل منها بحیث یکون هذا العنوان کعنوان نفس المقدّمیة من العناوین المشیرة إلی ما هو واجب، لا إنّه بنفس هذا العنوان کان واجباً.

و قال فی نهایة الأفکار((3)): إذا کان التکلیف المتعلّق بکل مقدّمة تبعاً للتکلیف

ص: 411


1- نهایة الأفکار، ج1، ص340؛ مقالات، ج1، ص332؛ و هذا هو التصویر الثالث للمقدّمة الموصلة
2- المقالات، ج2،ص332.
3- نهایة الأفکار، ج1، ص341-342.

النفسی الضمنی المترشح منه ناقصاً غیر تامّ فی حد نفسه بنحو یقصر عن الشمول لحال عدم تحقّق بقیة المقدّمات فلاجرم یوجب نقصه و قصوره ذلک تخصیص المطلوب أیضاً بما لایکاد انفکاکه عن بقیة المقدّمات التی منها الإرادة الملازم ذلک للإیصال إلی وجود ذیها فی الخارج، و معه یکون الواجب قهراً عبارة عن خصوص ما هو ملازم للإیصال بنحو لایکاد انفکاکه فی الخارج عن وجود الواجب لا مطلق وجود المقدّمة و لو فی حال الانفکاک عن الإیصال، و لکنّه لقصور فی حکمه عن الشمول لحال الانفکاک عن بقیة المقدّمات لایکون مطلقاً أیضاً بنحو یشمل حال عدم الإیصال إلی وجود ذیه فهو أی الواجب حینئذ عبارة عن ذات المقدّمة بما أنّها توأمة و ملازمة للإیصال و ترتّب ذیها علیها، لا بشرط الإیصال کما هو مقتضی کلام الفصول و لا لابشرط الإیصال کما هو مقتضی القول بوجوب المقدّمة مطلقاً.

(إنّ السید الصدر (قدس سره) قد استشکل هذا التصویر بوجهین).((1))

مناقشة القول الرابع:

((2))

یکفی فی الإیراد علیه الأدلة الواردة لإثبات خصوص المقدّمة الموصلة و قد استقصینا بیانها و الدلیل السادس هو أحسن ما فی المقام و هو التقریب الثانی الذی أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) للمقدّمة الموصلة.

ص: 412


1- راجع بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص250.
2- القول الرابع هو ما أفاده المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره) و هو إطلاق الوجوب الغیری و الواجب الغیری من هذه الشروط.
تقریر المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الخامس:
اشارة

((1))

إنّ الواجب و إن کان هو خصوص المقدّمة فی حال الإیصال لمساعدة الوجدان علی ذلک بناءً علی ثبوت الملازمة إلّا أنّه مع ذلک لم یؤخذ الإیصال قیداً لاتصاف المقدّمة بالوجوب لا بنحو یکون قیداً للواجب و لا بنحو یکون قیداً للوجوب فلو کان قیداً للواجب یلزم الدور و التسلسل و لو کان قیداً للوجوب یلزم التفکیک بین وجوب المقدّمة و وجوب ذیها فی الإطلاق و الاشتراط و هو مستحیل علی ضوء القول بالملازمة بینهما.

و إذا استحال التقیید فتستلزم ذلک استحالة الإطلاق أیضاً لأنّ تقابلهما تقابل الملکة و العدم ثبوتاً و إثباتاً فلابدّ من الالتزام بشقّ ثالث و هو وجوب المقدّمة فی حال الإیصال أو قل کما قال المحقّق صاحب الهدایة (قدس سره):((2)) إنّ المقدّمة إنّما وجبت من حیث الإیصال لا مقیدة بکونها موصلة

ثم قال المحقق النائینی (قدس سره):((3)) و علی ما ذکر فلا مناص من الإهمال و أن یکون الواجب الغیری کوجوبه غیر مقید بالإیصال و لا مطلقاً من هذه الجهة.

یلاحظ علیه:

یکفی فی بیان إبطاله ما مضی من عدم استحالة تقیید الواجب حیث رفعنا

ص: 413


1- القول الخامس هو مختار المحقّق صاحب هدایة المسترشدین و المحقّق النائینی (قدس سرهما) و المحقّق النائینی (قدس سره) أخذه من المحقّق صاحب الهدایة (قدس سره) و لکن خالفه فی بعض النّقاط. هدایة المسترشدین(ط.ق)، ص219؛ أجود التقریرات، ج1، ص351.
2- هدایة المسترشدین (ط.ق)، ص219.
3- أجود التقریرات، ج1، ص351.

إشکال الدور و التسلسل فلانحتاج إلی ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الإیراد علیه و إن شئت فراجع.((1))

ص: 414


1- المحاضرات (ط.ج): ج2،ص 264-265و (ط.ق): ج2، ص423 - 424.

الأمر الثانی: مقتضی الأدلة اللفظیة و العقلیة فی مسألة وجوب المقدمة

اشارة

اعلم أنّ أهمّ الأقوال هنا أربعة، نذکرها مع أدلّتها:

القول الأوّل: وجوب المقدّمة شرعاً مطلقاً((1)) (مختار الشیخ و صاحب الکفایة و المحقّق النائینی (قدس سره).

ص: 415


1- ذهب إلی هذا القول أکثر الأصولیین: ففی معالم الدین، ص60: «أصلٌ: الأکثرون علی أنّ الأمر بالشی ء مطلقا یقتضی إیجاب ما لایتم إلّا به شرطا کان أو سببا أو غیرهما مع کونه مقدورا». و فی القوانین المحکمة ط.ج. ج 1، ص216: «القول بالوجوب مطلقا لأکثر الأصولیین». و فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2، ص103: «إنّ لهم فی المسألة أقوالاً عدیدةً: أحدها: القول بوجوب المقدمة مطلقا ... و إلیه ذهب المعظم من العامة و الخاصة بل لانعلم قائلا بخلافه من الأصحاب ممن تقدم علی المصنف، و حکایة الإجماع علیه مستفیضة علی ما ذکره جماعة؛ و یستفاد من تتبع مطاوی المباحث الفقهیة أنّ ذلک من المسلّمات عندهم، و عن المحقق الدوانی دعوی الضرورة علیه؛ و ربما یستفاد ذلک من کلام المحقق الطوسی أیضا و قد حکی الشهرة علیه جماعة». و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص402: «أمّا الأقوال فی المسألة، فعلی ما استقصیناه أربعة: أحدها:- کما هو المنسوب إلی الأکثر- هو الوجوب مطلقا، و قد نقل الآمدی الإجماع علیه [الإحکام فی أصول الأحکام 1: 153] کما حکی عنه و ناقش فیه المحقق الخونساری بأنّ الموجود من عبارة إحکامه دعوی إتّفاق أصحابه و المعتزلة علیه، و نسب الخلاف إلی بعض الأصولیة [حاشیة شرح مختصر الأصول (مخطوط) الورقة 134 و إلیک نصّه: و قد نسب إلی الآمدی إدّعاء الإجماع علیه، و هو فریة، بل إدّعی فی الإحکام: إتّفاق أصحابه المعتزلة علیه، و نسب الخلاف إلی بعض الأصولیة]». و فی تقریرات آیة الله المجدد الشیرازی، ج 2، ص392: «الأقوال فی المسألة علی ما استقصاه بعض المحققین أربعة: القول بوجوب المقدمة مطلقا: و هو منسوب إلی الأکثر، بل قد نقل عن الآمدی أنّه نقل الإجماع علیه». و فی بدائع الأفکار، ص348: «إختلفوا فی وجوب المقدمة علی أقوالٍ الأوّل و هو المشهور المدّعی علیه الإجماع وجوبها مطلقا». و اختاره الشیخ البهائی و صاحب الحاشیة و الفصول و المحقق البجنوردی: ففی زبدة الأصول، ص78: «فصلٌ: ما یتوقف الواجب علیه مقدورا واجب». و فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2، ص103: «إنّ لهم فی المسألة أقوالا عدیدة أحدها: القول بوجوب المقدمة مطلقا، و هو المختار». و فی الفصول الغرویة، ص82: «فصلٌ: الحقّ أنّ الأمر بالشی ء مطلقا یقتضی إیجاب ما لایتم بدونه من المقدمات الجائزة وفاقا لأکثر المحققین». و فی منتهی الأصول ط.ج. ج 1، ص422: «إنّ الحقّ هو وجود الملازمة بین وجوب شی ء نفسیا و بین وجوب مقدماته غیریا؛ بمعنی أنّ إرادة الشی ء ملازمٌ لإرادة ما یتوقف علیه وجوده إذا التفت إلی أنّه مما یتوقف علیه ذلک الشی ء».

القول الثانی: عدم وجوب المقدّمة شرعاً مطلقاً((1)) (مختار المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و منتقی الأصول).

ص: 416


1- فی القوانین المحکمة ط.ج. ج 1، ص216: «و [القول] بعدمه مطلقا نقله البیضاوی فی المنهاج عن بعض الأصولیین، و الشهید الثانی رحمه الله فی تمهید القواعد». و فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2، ص103: «ثانیها: القول بعدم وجوبها کذلک، حکاه الفاضل الجواد و العضدی قولاً و حکی عن المنهاج أیضا حکایة ذلک و لم ینسبه أحد إلی قائل معروف، بل نصّ جماعة من الأجلّة منهم المصنف علی جهالة القائل». و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص402: «و ثانیها: النفی مطلقا، و قد نسبه الآمدی کما تقدم إلی البعض، إلّا أنّ المحقق المذکور نفاه [حاشیة شرح مختصر الأصول( مخطوط) الورقة: 134، و إلیک نصه: و ثانیها عدم الوجوب مطلقا، و لم یظهر قائلٌ به علی التعیین] و الظاهر من عبارة المنهاج وجودُ القائل به و یحتمله عبارة المختصر». و فی تقریرات آیة الله المجدد الشیرازی، ج 2، ص392: «و القول بعدمه [أی عدم وجوب المقدمة] مطلقا: و هو الذی نسبه الآمدی- علی ما حکی عنه المحقق الخوانساری- إلی بعض الأصولیین، و حکی عن ظاهر المنهاج وجود القائل به و عن عبارة المختصر علی إجمالٍ فیها». و فی بدائع الأفکار، ص348: «الثانی عدمه [أی عدم وجوب المقدمة مطلقا] علی ما ذکره صاحب المناهج و هو ظاهر المعالم و صریح الإشارات و غیره». و اختار هذا القول المحقق القمی و المحقق المظفر: ففی القوانین المحکمة ط.ج. ج 1، ص217: «و الأقرب عندی عدم الوجوب مطلقا». و فی أصول الفقه ط. اسماعیلیان ج 1، ص292: «إنّ الحقّ فی المسألة کما علیه جماعة من المحققین المتأخرین القول الثانی و هو عدم وجوبها مطلقا».

القول الثالث: التفصیل بین المقدّمة السببیة فهی واجبة شرعاً و بین غیرها فهی لیست بواجبة (علم الهدی و صاحب المعالم (قدس سرهما)((1)).

ص: 417


1- فی معالم الدین، ص60: «و فصّل بعضهم فوافق فی السبب و خالف فی غیره فقال بعدم وجوبه و اشتهرت حکایة هذا القول عن المرتضی رضی الله عنه و کلامه فی الذریعة و الشافی غیر مطابق للحکایة و لکنّه یوهم ذلک فی بادی الرأی حیث حکی فیهما عن بعض العامة إطلاق القول بأنّ الأمر بالشی ء أمر بما لایتمّ إلّا به و قال: إنّ الصحیح فی ذلک التفصیل بأنّه إن کان الذی لایتم الشی ء إلّا به سببا فالأمر بالمسبب یجب أن یکون أمراً به و إن کان غیر سبب و إنّما هو مقدمة للفعل و شرط فیه لم یجب أن یعقل من مجرد الأمر أّنه أمر به ثم أخذ فی الإحتجاج لما صار إلیه و قال فی جملته إنّ الأمر ورد فی الشریعة علی ضربین: أحدهما یقتضی إیجاب الفعل دون مقدماته کالزکاة و الحج فإنّه لایجب علینا أن نکتسب المال و نحصل النصاب و نتمکّن من الزاد و الراحلة و الضرب الآخر یجب فیه مقدمات الفعل کما یجب هو فی نفسه و هو الصلاة و ما جری مجراها بالنسبة إلی الوضوء فإذا انقسم الأمر فی الشرع إلی قسمین فکیف نجعلهما قسماً واحداً؟ و فرّق فی ذلک بین السبب و غیره بأنّه محال أن یوجب علینا المسبب بشرط إتّفاق وجود السبب إذ مع وجود السبب لابدّ من وجود المسبب إلّا أن یمنع مانع و محال أن یکلفنا الفعل بشرط وجود الفعل بخلاف مقدمات الأفعال فإنّه یجوز أن یکلفنا الصلاة بشرط أن یکون قد تکلفنا الطهارة کما فی الزکاة و الحج و بنی علی هذا فی الشافی نقض استدلال المعتزلة لوجوب نصب الإمام علی الرعیة بأنّ إقامة الحدود واجبة و لایتم إلّا به و هذا کما تراه ینادی بالمغایرة للمعنی المعروف فی کتب الأصول المشهورة لهذا الأصل و ما اختاره السید فیه محل تأمل و لیس التعرض لتحقیق حاله هنا بمهم». و فی القوانین المحکمة ط.ج. ج 1، ص216 و 217: «و [القول] بوجوب السبب دون غیره للواقفیة و نسبه جماعة الی السید رحمه الله [کالعلامة فی التهذیب، ص 110] و هو وهمٌ لأنّه جعل الواجب بالنسبة الی السبب مطلقا، و بالنسبة الی غیره محتملا للإطلاق و التقیید، فیحکم بوجوب السبب مطلقا لعدم احتمال التقیید، و یتوقف فی غیره لاحتمال کون الوجوب مقیدا بالنسبة إلیه و هذا بعینه قول المشهور فی مقدمات الواجب المطلق». و فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2، ص103: «ثالثها: التفصیل بین السبب و غیره، حکاه فی النهایة عن الواقفیة و عزی القول به إلی السید رحمه الله، و لیس کذلک کما بینه المصنف بل کلامه صریح فی وجوب مقدمة الواجب المطلق مطلقا، بل ظاهر کلامه أنّه من الأمور الواضحة حیث لم یجعله موردا للتأمل و الإشکال». و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص402 و 403: «و ثالثها: التفصیل بین السبب و غیره، فقالوا بالوجوب فی الأول و بعدمه فی الثانی. و قد نسبه البعض إلی الواقفیة، و اختاره صاحب المعالم و قد نسبه العلّامة [نهایة الوصول، 94] إلی السید و عبارته علی ما نقلناها عن الذریعة [ج1، ص83] مما لاتأباه بحسب الأنظار البادئة، إلّا أنّ مساق کلامه فیما بعده- علی ما یظهر للمتأمل- یأباه، کما تفطن له صاحب المعالم و قد اعترضه الکاظمی فی شرح الوافیة [الوافی فی شرح الوافیة ( مخطوط)، ص255- 256] و المحصول». و فی تقریرات آیة الله المجدد الشیرازی، ج 2، ص393: «و التفصیل بین السبب و غیره بالقول بوجوب الأول دون الثانی، و نسب هذا إلی الواقفیة [نهایة الوصول- مخطوط ص64] و اختاره صاحب المعالم و نسبه العلّامة قدس سره إلی السید قدس سره [نهایة الوصول- مخطوط- ص64 عند قوله: (و هو مذهب السید المرتضی) و ص65 عند قوله: ( فروع: الأوّل: فرّق السید المرتضی بین السبب و غیره)] و إن کان فیه ما لایخفی کما تفطّن له صاحب المعالم قدس سره». و فی بدائع الأفکار، ص348: «الثالث التفصیل بین السبب و الشرط بوجوب الأول دون الثانی نسب إلی علم الهدی و إن کانت النسبة فی غیر محلها علی ما صرّح به صاحب المعالم و یستفاد من کلامه المحکی من الذریعة و الشافی».

القول الرابع: التفصیل بین المقدّمة الشرعیة فهی واجبة شرعاً و بین غیرها

ص: 418

فهی لیست بواجبة (العضدی و الحاجبی)((1)).

ص: 419


1- فی زبدة الأصول، ص78: «و قیل: إن کان شرطا شرعیا و إلّا فلا». و فی القوانین المحکمة ط.ج. ج 1، ص216: «و [القول] بوجوب الشرط الشرعی لابن الحاجب». و فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2، ص104: «رابعها: التفصیل بین الشرط الشرعی و غیره ذهب إلیه الحاجبی و العضدی فی ظاهر کلامه، و یحتمل ضمّ السبب إلی الشرط الشرعی إن ثبت الإجماع علی وجوب الأسباب أو کان القائل ذاهباً إلیه، و الحاصل أنّه یدور الأمر فی التفصیل المذکور بین الوجهین». و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص403: «و رابعها: التفصیل بین الشرط الشرعی و غیره و هو المنقول عن الحاجبی و تبعه العضدی [المختصر و شرحه للعضدی: 90- 91] فی ذلک و الله الهادی». و فی بدائع الأفکار، ص348: «الرابع التفصیل بین الشرط الشرعی و غیره فیجب الأول دون الثانی ذهب إلیه ابن الحاجب و إمام الحرمین علی ما عزی إلیه». فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2،ص104: «خامسها: التفصیل بین الشرط و غیره من المقدمات کرفع المانع؛ و هذا القول غیر معروف فی أقوال المسألة إلّا أنّ ظاهر العلامة فی النهایة حکایته عن جماعة». و فی أصول الفقه ط. اسماعیلیان ج 1، ص291: «لقد تکثّرت الأقوال جدّاً فی هذه المسألة علی مرور الزمن نذکر أهمّها و نذکر ما هو الحقّ منها و هی 1 القول بوجوبها مطلقا. 2 القول بعدم وجوبها مطلقا و هو الحقّ و سیأتی دلیله. 3 التفصیل بین السبب فلایجب و بین غیره کالشرط و عدم المانع و المعّد فیجب. 4 التفصیل بین السبب و غیره أیضاً و لکن بالعکس أی یجب السبب دون غیره. 5 التفصیل بین الشرط الشرعی فلایجب بالوجوب الغیری باعتبار أنّه واجب بالوجوب النفسی نظیر جزء الواجب و بین غیره فیجب بالوجوب الغیری و هو القول المعروف عن شیخنا المحقق النائینی. 6 التفصیل بین الشرط الشرعی و غیره أیضا و لکن بالعکس أی یجب الشرط الشرعی بالوجوب المقدمی دون غیره. 7 التفصیل بین المقدمة الموصلة أی التی یترتب علیها الواجب النفسی فتجب و بین المقدمة غیر الموصلة فلاتجب و هو المذهب المعروف لصاحب الفصول. 8 التفصیل بین ما قصد به التوصل من المقدمات فیقع علی صفة الوجوب و بین ما لم یقصد به ذلک فلایقع واجبا و هو القول المنسوب إلی الشیخ الأنصاری. 9 التفصیل المنسوب إلی صاحب المعالم الذی أشار إلیه فی مسألة الضد و هو اشتراط وجوب المقدمة بإرادة ذیها فلاتکون المقدمة واجبة علی تقدیر عدم إرادته. 10 التفصیل بین المقدمة الداخلیة أی الجزء فلاتجب و بین المقدمة الخارجیة فتجب. و هناک تفصیلات أخری عند المتقدمین لا حاجة إلی ذکرها».
قد استدلّوا علی القول الأوّل بوجوه نذکر أربعة منها
اشارة

((1)):

الوجه الأوّل:
اشارة

((2))

إنّ الوجدان أصدق شاهد علی أنّ الإنسان إذا أراد شیئاً له مقدّمات، أراد تلک المقدّمات لو التفت إلیها بحیث ربّما یجعلها فی قالب الطلب مثل ذی المقدّمة و یقول مولویاً: ادخل السوق و اشتر اللحم. (هذا ما فی الکفایة).

و أوضحه المحقّق النائینی (قدس سره) بأنّه لا فرق بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة فی جمیع لوازمهما غیر أنّ التکوینیة تتعلّق بفعل نفس المرید و التشریعیة تتعلّق بفعل غیره، و من الضروری أنّ تعلّق الإرادة التکوینیة بشیء یستلزم تعلّقها بجمیع مقدّماته قهراً.((3))

ص: 420


1- أقاموا وجوها أخری أیضا ففی زبدة الأصول، ص79: «لنا ذمّ السید العبد المأمور بالکتابة القادر علی تحصیل القلم المعتذر بفقده علی عدم تحصیله، و إنکاره مکابرة، و استدلال العلّامة بلزوم التکلیف بالمحال لولاه محل بحث».
2- و هو مختار الشیخ الأنصاری و صاحب الکفایة و المحقّق النائینی (قدس سره)؛ مطارح الأنظار (ط.ج): ج1، ص405 و (ط.ق): ص83، الکفایة، ص126، أجود التقریرات، ج1، ص336.
3- فی تقریرات آیة الله المجدد الشیرازی، ج 2، ص393 - 394: «و الذی أُحتجّ به علی مذهب المشهور أو یمکن أن یحتجّ به علیه وجوه، و هی بین جیدة، و ردیئة، و ما بینهما فالجیدة منها وجهان: أولّهما: ما احتجّ به شیخنا الأستاذ- قدس سره- و ارتضاه سیدنا الأستاذ- دام ظله- من أنّ المسألة- کما عرفت- عقلیة، فالمرجع فیها إلی الوجدان و القاضی فیها هو، و لا شبهة أنّ من له وجدان سلیم و طبع مستقیم إذا راجع وجدانه یجد منه أنّه یقضی علی وجه الیقین بالملازمة بین طلب شی ء و بین طلب ما یتوقف حصوله علیه بالمعنی الذی أشرنا إلیه فی تحریر محل النزاع، بمعنی أنّه إذا فرض نفسه طالباً لشی ء یجد فیها حالتین مقتضیة کل واحدة منهما لطلب آمری مولوی عند الإلتفات إلیهما». و فی بدائع الأفکار، ص348: «أمّا القول الأوّل فقد أُحتجّ علیه بوجوهٍ الأول ما إدّعاه جمعٌ من الأعیان کالمحقق الدوانی و المحقق الطوسی و یظهر من کلام سید الحکماء و المتألهین المیر محمد باقر الداماد فی بعض تحقیقاته و تلقّاه بالقبول مشایخنا العظام و أساتیذنا الکرام و سائر المتأخرین الفخام و هو أقوی الأدلة التی استدل بها فی المقام و أسدّها و هو قضاء ضرورة الوجدان بذلک فإنّ من راجع إلی وجدانه حال إرادته بشی ء و أنصف من نفسه و لم یخالطه بالشکوک و الشبهات وجد نفسه مُریداً لما یتوقف علیه ذلک الشی ء و إن لم یکن ملتفتا إلیه و أنّ منشأه لیس إلّا إرادة ذلک الشی ء بحیث لو بنی علی عدم إرادته کان ذلک مجرد فرض لا حقیقة له و یساعده أیضا الإعتبار الصحیح». و فی منتهی الأصول ط.ج. ج 1، ص422: «إنّ الحقّ هو وجود الملازمة بین وجوب شی ء نفسیا و بین وجوب مقدماته غیریا؛ بمعنی أنّ إرادة الشی ء ملازمٌ لإرادة ما یتوقف علیه وجوده إذا التفت إلی أنّه مما یتوقف علیه ذلک الشی ء و یدل علی ذلک ما ذکرناه مراراً من أنّ حال الإرادة التشریعیة حال الإرادة التکوینیة، و لا فرق بینهما إلّا فی أّن متعلق الإرادة التکوینیة فعل نفس المرید و فی الإرادة التشریعیة فعل الغیر و لا شک فی أنّه فی الإرادة التکوینیة إذا تعلّقت إرادته بشی ء و التفت إلی أنّ الشی ء الفلانی مما یتوقف علیه مراده الأصلی: فإمّا أن یرفع الید عن مراده الأصلی إذا رأی فی إیجاد ذلک الشی ء مفسدة غالبة علی مصلحة مراده الأصلی، أو تتعلق إرادته بإیجاده أیضا؛ لتوقف وجود مراده الأصلی علیه، فإذا کان هذا حال الإرادة التکوینیة فلیکن کذلک حال الإرادة التشریعیة کما هو کذلک بالوجدان».

ثمّ إنّ هذا الوجوب وجوب قهری لا وجوب استقلالی، فلو کان الوجوب استقلالیاً (کما هو مختار المحقّق القمی (قدس سره)((1)) لکان إنکاره للزوم اللغویة فی محلّه و لکنّه وجوب قهری ترشحی و إن لم یترتّب علی وجوده ثمرة أصلاً.

إیرادان علی هذا الوجه:
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا الدلیل:

((2))

إنّ العقل یذعن بأنّ ذا المقدّمة (المفروض استحقاق العقاب علی ترکه لجعل الداعی نحوه) لایوجد إلّا بإیجاد مقدّمته، فلامحالة ینقدح الإرادة فی نفس المنقاد بالبعث النفسی و لا حاجة إلی جعل داع آخر إلی المقدّمة بنفسها (عدم الحاجة

ص: 421


1- القوانین، ج1، ص101.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص171.

أعم من کونه لغواً لأنّه یمکن تصویره فی صورة التأکید) و لیس جعل الداعی کالشوق بحیث ینقدح فی النفس قهراً بعد حصول مبادیه، فنلتزم بإرادة المقدّمة دون جعل الداعی نحوها.

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الدلیل:

((1))

إن أرید من الإرادة الشوق المؤکد الذی هو من الصفات النفسانیة الخارجة عن اختیار الإنسان و قدرته غالباً ففیه:

أوّلاً: أنّ اشتیاق النفس إلی شیء البالغ حدّ الإرادة إنّما یستلزم الاشتیاق إلی خصوص مقدّماته الموصلة لو التفت إلیها لا مطلقاً.

ثانیاً: أنّ الإرادة بهذا المعنی لیست من مقولة الحکم، ضرورة أنّ الحکم فعل اختیاری للشارع و صادر منه باختیاره و إرادته.

و إن أُرید منها الاختیار و إعمال القدرة نحو الفعل فهی بهذا المعنی و إن کانت من مقولة الأفعال، إلّا أنّ الإرادة التشریعیة بهذا المعنی باطلة، و ذلک لما تقدّم بشکل موسّع من استحالة تعلّق الإرادة بهذا المعنی (أی إعمال القدرة) بفعل الغیر.

و إن أُرید منها الملازمة بین اعتبار شیء علی ذمّة المکلّف و بین اعتبار مقدّماته علی ذمّته ففیه:

أوّلاً: أنّ الوجدان أصدق شاهد علی عدمها لأنّ المولی قد لایکون ملتفتاً إلی توقفه علی مقدّماته کی یعتبرها علی ذمّته.

ص: 422


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص281 و (ط.ق): ج2، ص437-438.

ثانیاً: أنّه لا مقتضی لذلک بعد استقلال العقل بلابدّیة الإتیان بها حیث إنّه مع هذا لغو صرف.

تحقیق بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

إنّ تمامیة هذا الاستدلال متوقفة علی المبانی المذکورة فی حقیقة الحکم.

فإن قلنا: إنّ حقیقة الحکم هو الإنشاء بداعی جعل الداعی أو قلنا بأنّه اعتبار لابدیة شیء أو حرمانه علی ذمة المکلّف فیکون الحکم فعلاً اختیاریاً و أجنبیاً عن الإرادة و أمّا إن قلنا بأنّ الحکم هو الإرادة المبرزة و الکراهة المبرزة کما هو مختار المحقّق العراقی (قدس سره) فیتمّ الاستدلال المذکور.

الوجه الثانی:
اشارة

((2))

وجود الأوامر الغیریة فی الشرعیات والعرفیات یدل علی هذا القول لوضوح أنّه لایتعلّق الأمر الغیری بالمقدّمة إلّا إذا کان فیها مناط الأمر الغیری و ملاکه مثل «ادخل السوق و اشتر اللحم» فی العرفیات و مثل (إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ)((3)) ثم إنّه لا خصوصیة لهذه الموارد فلابدّ أن یتعدّی منها إلی جمیع المقدّمات و نتیجة ذلک وجود ملاک الأمر الغیری فی مطلق المقدّمة فإذن ثبت وجوب مطلق المقدّمة.((4))

ص: 423


1- تحقیق الأصول، ج3، ص106.
2- الکفایة، ص126.
3- سورة المائدة: 6.
4- فی تقریرات آیة الله المجدد الشیرازی، ج 2، ص395 - 396: «و ثانیهما: ما أفاده سیدنا الأستاذ: أنّه لاشبهة فی صحة الطلب الغیر الإرشادی للمقدمة عند طلب ذیها، بل فی وقوعه بالنسبة إلی بعض المقدمات الشرعیة کالأمر بالوضوء عند دخول وقت الصلاة بمعنی أنّ من طلب شیئا یصح له طلب ما یتوقف علیه أیضا بالطلب المولوی، و لایقبح منه ذلک عند العقلاء، و إذا صحّ ذلک فی بعض الموارد یلزم منه صحّته مطلقا لوجود العلة المصححة له فی مورد خاص فی جمیع الموارد بعینها، و هی کون الشی ء مقدمة للمطلوب النفسی الذی لایحصل إلّا بذلک الشی ء، أمّا کون العلة المصحّحة له فی بعض الموارد هذه فواضح، و أمّا وجودها فی جمیع الموارد علی حدّ سواء فلمساواة کل مقدمة مع أختها فی جهة المقدمیة، و هی مدخلیتها فی وجود ذیها بحیث لولاها لمَا حصل ذلک، و إذا صحّ ذلک فی جمیع الموارد لتلک الحکمة یلزم منه وقوعه فی جمیعها ممن التفت إلی تلک الحکمة، لأنّ کل حکمة مصححة لحکم تکون علة لوقوع ذلک الحکم مع عدم المانع من الوقوع کما هو المفروض فی المقام بالضرورة، لأنّ المقتضی لشی ء مع عدم المانع منه علّة تامة لوجوده، و لایعقل تحقق العلة بدون المعلول، فیلزم من صحة ذلک وجوبه لذلک نعم لایجب بیان ذلک الطلب باللسان، بل یصح التعویل فی إفهامه علی العقل أیضا».
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا الوجه:

((1))

هذا الوجه مبنی علی ظهورها فی الإنشاء بداعی البعث الجدّی فی نفسها.

و أمّا بناءً علی ظهور الأوامر المتعلّقة بالأجزاء و الشرائط فی الإرشاد إلی شرطیتها و جزئیتها -کظهور النواهی فی الموانع و القواطع فی الإرشاد إلی مانعیتها و قاطعیتها، نظیر ظهور النواهی فی باب المعاملات فی الإرشاد إلی الفساد- فلایتمّ المطلوب.

و یؤید هذا الاحتمال نفس الأوامر المتعلّقة بالأجزاء، مع أنّه لا وجوب مقدّمی فیها.

الوجه الثالث:
اشارة

لو لم یجب المقدّمة لجاز ترکها و هذا یستلزم أحد المحذورین لأنّه إن بقی

ص: 424


1- و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره)؛ نهایة الدرایة، ج2، ص171، المحاضرات (ط.ج): ج2، ص280و (ط.ق): ج2، ص437.

الواجب علی وجوبه فیلزم وجوب إتیان ذی المقدّمة بدون مقدّمته و هو تکلیف بما لایطاق و إن لم یبق وجوب ذی المقدّمة بحاله بل صار مشروطاً بحصول مقدّمته فینقلب الواجب المطلق إلی الواجب المشروط.((1))

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الوجه:

((2))

أوّلاً: یکفی فی القدرة علی ذی المقدّمة القدرة علی مقدّمته، فلاتتوقّف علی الإتیان بها خارجاً و لا علی وجوبها شرعاً.

ثانیاً: إنّ الشارع و إن لم یوجب المقدّمة إلّا أنّ العقل یستقل بلزوم إتیانها بحیث لو لم یأت بها و أدّی ذلک إلی ترک ذی المقدّمة لکان عاصیاً بنظر العقل.

الوجه الرابع:
اشارة

((3))

إنّ المقدّمة واجبة بحکم العقل بلا خلاف بینهم، لأنّ العقل یحکم بلزوم إتیان مقدّمة الواجب و إنّما الکلام فی وجوب المقدّمة شرعاً، و یکفی لإثبات ذلک قاعدة الملازمة بین حکم العقل و حکم الشرع حیث قالوا: «کلّ ما حکم به العقل حکم به الشرع» فوجوب المقدّمة عقلاً صغری لقاعدة الملازمة.

یلاحظ علیه:

إنّ الحکم العقلی إمّا من أحکام العقل النظری و إمّا من أحکام العقل العملی.

أمّا العقل النظری فإذا أدرک ملاک الحکم الشرعی بجمیع خصوصیاته من

ص: 425


1- کفایة الأصول، ص127 عن أبی الحسین البصری.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص279و (ط.ق): ج2، ص436.
3- مقتضی الدلیل العقلی.

المقتضی و الشرط و عدم المانع یکشف عن الحکم الشرعی و لکن هذا مجرّد فرض لا وقوع له لعدم إحاطة العقل بملاکات الأحکام.

أمّا العقل العملی فإذا أدرک حسن شیء أو قبحه قال بعضهم بأنّ الشارع أیضاً یحکم بذلک لأنّه رئیس العقلاء و فی قبال ذلک قال بعضهم بأنّ جعل الحکم الشرعی لیس هو إلّا لإیجاد الداعویة و مع وجود الداعی العقلی لمکان الحکم العقلی یکون إیجاد الداعی الشرعی لغواً.

و الحقّ هو قول ثالث و هو أنّ الداعی العقلی یکفی لتحریک العبد إلی إتیان متعلّق الحکم و لا وجه للزوم إیجاد الداعی الشرعی و بهذا یبطل الملازمة المدّعاة إلّا أنّ إیجاد الداعی الشرعی لیس لغواً بل قد یکون للتأکید.

الاستدلال علی القول الثانی:

((1))

قد استدلّ علیه بأنّ جعل الوجوب فاقد للملاک فیستحیل جعله، لأنّ ملاکه إمّا تحریک العبد و إمّا إسناد عمله إلی الأمر الشرعی حتّی یکون عمله مقرباً إلیه تعالی.

أمّا الملاک الأوّل فمفقود لکفایة حکم العقل بلزوم العمل فلایبقی ملاک ملزم لجعل الوجوب شرعاً.

أمّا الملاک الثانی فمفقود أیضاً لأنّ المقرّبیة یمکن تحصیلها بقصد التوصّل إلی ذی المقدّمة.((2))

ص: 426


1- و هو عدم وجوب المقدّمة مطلقاً.
2- فی القوانین المحکمة (ط.ج): ج 1، ص217: «و الأقرب عندی عدم الوجوب مطلقا لنا الأصل و عدم دلالة الأمر علیه بإحدی من الدلالات، أمّا المطابقة و التضمن فظاهر، و أمّا الإلتزام فلانتفاء اللزوم البین، و أمّا الغیر البین فهو أیضا منتفٍ بالنسبة الی دلالة اللفظ، إذ لایقال- بعد ملاحظة الخطاب و المقدمة و النسبة بینهما- أنّ هاهنا خطابین و تکلیفین کما هو واضح، و لذلک یحکم أهل العرف بأنّ من أتی بالمأمور به، إمتثل إمتثالاً واحداً، و إن أتی بمقدمات لاتحصی و کذا لو ترک المأمور به لایحکم إلّا بعصیاٍن واحدٍ، و لایحکم العقل و العرف بترتب المذمة و العقاب علی ترک المقدمة فی نفسها، إذ المذمة و العقاب إمّا لقبحه، أو لحصول العصیان بترکها، و لایستحیل العقل کون ترک شی ء قبیحا بالذات، و لایکون ترک مقدمته قبیحا بالذات، و حصول العصیان یدفعه فهم العرف کما بینّا نعم، یمکن القول باستلزام الخطاب لإرادتها حتماً بالتبع، بمعنی أنّه لایرضی بترک مقدمة، و لایجوز تصریح الأمر بعدم مطلوبیتها للزوم التناقض من باب دلالة الإشارة، و لایستلزم استفادة شی ء من الخطاب کونه مقصودا للأمر مشعوراً به له حتی یقال إنّه ربما نأمر بشی ء و لایخطر ببالنا المقدمة، فکیف یکون واجبا؟ ألا تری أنّا نحکم باستفادة کون أقل الحمل ستة أشهر من الآیتین، مع عدم کونه مقصودا فی الآیتین. و الحاصل، أنّه لا مانع من استفادة وجوب المقدمة تبعا بالمعنی المتقدم، و لایکون علی ترکها ذمٌّ و لا عقاب، بل یکون الذم و العقاب علی ترک ذی المقدمة، و قد سبقنا إلی هذا التحقیق جماعة من المحققین و أمّا المدح و الثواب علی فعلها، فالتزمه بعض المحققین، و نقله عن الغزالی و لا غائلة فیه ظاهرا، إلّا أنّه قول بالإستحباب، و فیه إشکال، إلّا أن یقال: باندراجه تحت الخبر العامّ فیمن بلغه ثواب علی عمل فعمله إلتماس ذلک الثواب أوتیه و إن لم یکن کما بلغه فإنّه یعمّ جمیع أقسام البلوغ حتی فتوی الفقیه».
الاستدلال علی القول الثالث:
اشارة

قد استدلّ علی وجوب السبب بأنّ التکلیف لایتعلّق إلّا بالمقدور و السبب هنا مقدور دون المسبب، و إنّما المسبّب من الآثار المترتّبة علی السبب قهراً فلایکون المسبب من أفعال المکلّف، فلابدّ أن یتعلّق الأمر بالسبب.((1))

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علیه:

((2))

أوّلاً: لازم ذلک هو أن یتعلّق الأمر النفسی بالسبب دون المسبب

ص: 427


1- بدائع الأفکار، ص353.
2- کفایة الأصول، ص128.

ثانیاً: إنّ المسبب مقدور للمکلّف بواسطة سببه، و لایعتبر فی التکلیف أزید من القدرة، کانت بلا واسطة أم معها.

الاستدلال علی القول الرابع:
اشارة

قد استدلّ علی وجوب الشرط الشرعی بأنّه لولا وجوبه شرعاً لما کان شرطاً، حیث إنّه لیس مما لابدّ منه عقلاً أو عادة.((1))

إیرادات ثلاثة من صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((2))

الإیراد الأوّل:
اشارة

إنّ الشرط الشرعی یرجع إلی الشرط العقلی أیضاً، لانتفاء المشروط بانتفاء الشرط سواء کان شرطاً عقلیاً أم شرعیاً؛ فالضابط فی الشرط العقلی موجود فی الشرط الشرعی أیضاً.

ناقش بعض الأساطین (حفظه الله) فی الإیراد الأوّل:

((3))

إنّ الشرط الشرعی هو ما لم یکن واضحاً عند العقل فلایدرک شرطیتها إلّا بعد الوجوب الشرعی المجعول له.

الإیراد الثانی:
اشارة

إنّه لایتعلّق الأمر الغیری إلّا بما هو مقدّمة الواجب فلو کان مقدّمیته و

ص: 428


1- فی بدائع الافکار، ص355:«الثانی ما عن ابن الحاجب و العضدی من أنّه لو لم یکن الشرط الشرعی واجبا خرج عن کونه شرطا ...».
2- کفایة الأصول، ص128.
3- تحقیق الأصول، ج3، ص113.

شرطیته متوقفة علی تعلّق الأمر الغیری لزم الدور.

ناقش فیه بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

إنّ الموقوف غیر الموقوف علیه، لأنّ شرطیة الشرط الشرعی للواجب موقوف علی وجوبه الغیری و لکن وجوبه الغیری متوقف علی شرطیة الشرط الشرعی للغرض (أی دخله فی تحقّق الغرض).

الإیراد الثالث:

إنّ الشرطیة فی الشرط الشرعی غیر متوقّفة علی وجوبه الغیری بل شرطیته ینتزع عن التکلیف النفسی المتعلّق بالواجب النفسی المقید بالشرط (مثل صلّ مع الطهارة کما ورد «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُور»((2))).

هذا تمام الکلام فی مقتضی الأدلة اللفظیة و العقلیة.

ص: 429


1- تحقیق الأصول، ج3، ص114.
2- محمد بن الحسن بإسناده عن الحسین بن سعید عن حماد عن حریز عن زرارة عن أبی جعفر (علیه السلام) قال:...» وسائل الشیعة، ج1، ص315، کتاب الطهارة، أبواب أحکام الخلوة، باب9: باب وجوب الإستنجاء و إزالة النجاسات للصلاة، ح1 و...

ص: 430

الأمر الثالث: مقتضی الأصل العملی

أمّا الأصل فی المسألة الأُصولیة:
اشارة

ففیه نظریتان:

الأُولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((1))

إنّه لا مجال لجریان الأصل فی المسألة الأُصولیة، لأنّ الملازمة بین وجوب المقدّمة و وجوب ذی المقدّمة أو عدم الملازمة المذکورة لیست لها حالة سابقة، بل تکون الملازمة أو عدمها أزلیةً.

و أوضحه بعض الأساطین بأنّ تلک الملازمة من قبیل لوازم الماهیة مثل الزوجیة بالنسبة إلی الأربعة فإنّ الأربعة لاتنفک عن الزوجیة، فإنّها ملازمة موجودة عند العقل و لا حالة سابقة لها.((2))

ص: 431


1- و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره)؛ الکفایة، ص125و المحاضرات (ط.ج): ج2، ص277و (ط.ق): ج2، ص435.
2- تحقیق الاصول، ج3، ص98.
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذه النظریة:

((1))

أوّلاً: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) مبنی علی أن تکون الملازمة المذکورة من لوازم الماهیة و لکن إن قلنا بأنّ الملازمة بین وجوب ذی المقدّمة و وجوب مقدّمته من قبیل لوازم الوجود فلایتمّ ما أفاده لأنّ وجود وجوب ذی المقدّمة و کذا وجود وجوب مقدّمته مسبوقان بالعدم فلهما حالة سابقة، فالملازمة بینهما أیضاً تکون مسبوقة بالعدم و لها حالة سابقة، فالملازمة بین وجود الماهیتین لا بین نفس الماهیتین.

ثانیاً: لایعقل أن تکون للماهیة لوازم لأنّ الماهیات متباینات بالذات مع أنّه لیس للماهیة بقطع النظر عن الوجود استلزام، لأنّ الملازمة من الأُمور الوجودیة فلازم الماهیة یرجع إلی لازم أحد الوجودین الذهنی و الخارجی.

الثانیة: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله)

((2))

إنّه لا مجال لجریان الاستصحاب لا لما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من عدم وجود الحالة السابقة له، بل من جهة أنّ المستصحب لابدّ أن یکون إمّا حکماً شرعیاً أو موضوعاً للحکم الشرعی، و الملازمة هنا لیست بحکم شرعی بل هی لیست موضوعاً للحکم الشرعی لأنّه لایترتّب علیها حکم شرعی.

نعم اللازم العقلی للمستصحب هو وجود وجوب المقدّمة فالاستصحاب یجری عند من یقول بحجیة الأصل المثبت.

ص: 432


1- و تبعه بعض الأساطین (حفظه الله)؛ نهایة الدرایة، ج2، ص166 و تحقیق الأُصول، ج3، ص99.
2- تحقیق الأُصول، ج3، ص99.
أمّا الأصل فی المسألة الفرعیة:
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): استصحاب عدم الوجوب أو أصالة البراءة

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):((1)) استصحاب عدم الوجوب أو أصالة البراءة

إنّ نفس وجوب المقدّمة یکون مسبوقاً بالعدم، لأنّه یکون حادثاً بحدوث وجوب ذی المقدّمة، فالأصل عدم وجوبها.

و معنی هذا الأصل استصحاب عدم الوجوب أو أصالة البرأءة عن الوجوب.

و قد أُورد علی کل منهما:
اشارة

أما الاستصحاب ففیه إیرادان:

الإیراد الأوّل: قد یتوهم عدم وجود المقتضی للاستصحاب
اشارة

بیان هذا التوهّم هو أنّ وجوب المقدّمة علی القول بثبوت الملازمة من قبیل لوازم الماهیة فلذا لایقبل الجعل البسیط و لا التألیفی و لا أثر آخر مجعول یترتّب علی وجوب المقدّمة و لو کان أثر آخر فلم یکن أثراً مهمّاً، فلذا لایجری الاستصحاب.

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

إنّ وجوب المقدّمة لیس قابلاً للجعل البسیط و لا التألیفی کما أفاده المتوهم و لکنه قابل للجعل بالعرض و هذا کاف فی جریان الاستصحاب.

ص: 433


1- کفایة الأصول، ص125، فی تأسیس الأصل فی المسألة.
2- فی الکفایة، ص125: «و توهّم عدم جریانه لکون وجوبها علی الملازمة من قبیل لوازم الماهیة غیر مجعولة و لا أثر آخر مجعول مترتب علیه و لو کان لم یکن بمهمٍّ هاهنا مدفوعٌ...».
ناقش فیه المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ هناک إرادة متعلّقة بذی المقدّمة و بتعبها إرادة أُخری متعلّقة بالمقدّمة و یتعلّق بکل منهما جعل بسیط فلیست المقدّمة مجعولة بجعل عرضی بل هو مجعول بجعل تبعی بسیط (و لایخفی أنّ الجعل التبعی غیر الجعل العرضی).

الإیراد الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره) علی جریان الاستصحاب
اشارة

((2))

إنّ الاستصحاب لایجری فی المقام و إن کان أرکانه تامّة إلّا أنّه لا أثر لهذا الاستصحاب بعد استقلال العقل بلزوم الإتیان بالمقدّمة و لایجری مع عدم ترتّب الأثر علیه.

ملاحظتنا علیه:

الحقّ عدم ورود هذا الإیراد کما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((3)) قال فی الهامش: إنّ الوجوب التعبّدی و عدمه کالوجوب الواقعی و عدمه، فإذا کان إیجاب المقدّمة واقعاً معقولاً، کان التعبّد به أو بعدمه أیضاً معقولاً، فلا وجه لمطالبة الأثر الشرعی المترتّب علی مجری الأصل بعد کونه بنفسه أثراً مجعولاً شرعاً.

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی جریان البراءة:

إنّ البراءة لاتجری بقسمیه:

ص: 434


1- و تبعه بعض الأساطین؛ نهایه الدرایة، ج2، ص167و تحقیق الأصول، ج3، ص101.
2- المحاضرات، ج2، ص435.
3- هامش تعلیقة نهایة الدرایة، ج2، ص167.

أمّا العقلیة فلأنّها واردة لنفی العقاب مع أنّ المفروض عدم العقاب علی ترک المقدّمة و إن قلنا بوجوبها بل العقاب علی ترک ذی المقدّمة.

أمّا الشرعیة فلأنّها وردت مورد الامتنان فیختصّ موردها بما إذا کانت فیه کلفة علی المکلّف حتی یکون رفع الکلفة امتناناً و لکن لا کلفة فی وجوب المقدّمة لأنّه لا عقاب علی ترکها مع أنّ العقل یستقل بإتیانها سواء کانت واجبة أم لا، فلا منّة فی ارتفاعها.

إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) یقول بجریان البراءة فیما کانت المقدّمة محرّمة و قد توقف علیها واجب أهمّ((1)) کما أنّ بعض الأساطین (حفظه الله) أیضاً قال:

قد یترتّب الثمرة علی وجوب المقدّمة مثل ما إذا قلنا بعدم جواز أخذ الأُجرة علی الواجب الشرعی فإن جرت أصالة البراءة الشرعیة عن وجوب المقدّمة سقطت المقدّمة عن وجوبه و حینئذ أثر جریان البراءة هو جواز أخذ الأُجرة علی إتیان المقدّمة.((2))

فتحصّل من ذلک تمامیة مقتضی جریان استصحاب عدم الوجوب و هکذا تمامیة جریان أصالة البراءة الشرعیة.

ص: 435


1- راجع المحاضرات (ط.ج): ج2، ص278 و (ط.ق): ج2، ص435.
2- فی تحقیق الأصول، ج3، ص103:«أفاد الأُستاذ: بأنّ هذا الإشکال یبتنی علی عدم ترتّب ثمرةٍ من الثمرات المذکورة سابقاً علی الإتیان بالمقدّمة، لکنّ تصویر الثمرة ممکن إلخ».

ص: 436

تذنیب: فی ثمرة البحث عن مقدّمة الواجب

اشارة

قد ذکر ستّ ثمرات:

الثمرة الأُولی:
اشارة

((1))

قال صاحب الکفایة (قدس سره): إنّ ثمرة البحث فی المسألة الأُصولیة لیست إلّا أن تکون نتیجتها صالحة للوقوع فی طریق الاجتهاد و استنباط حکم فرعی فإن قلنا بثبوت الملازمة فبضمیمة صغری مقدّمیة شیء للواجب النفسی ینتج وجوب هذه المقدّمة.

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذه الثمره:

((2))

إنّ هذه النتیجة لاتصلح أن تکون ثمرة فقهیة للمسألة الأُصولیة و ذلک لعدم ترتّب أثر عملی علیها بعد حکم العقل بلابدّیة إتیان المقدّمة و من هنا نقول: حکم الشارع بوجوب المقدّمة لغو محض.

ص: 437


1- کفایة الأصول، ص123.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص269 و (ط.ق): ج2، ص427.
أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

إنّ جواز الفتوی بالوجوب الشرعی هو الثمرة العملیة الفقهیة و هذا یکفی فی ترتّب الثمرة علی هذه المسألة.

(مضافاً إلی أنّ ذلک لیس لغواً بل قد یکون مؤکّداً لبعض المکلّفین علی إتیان المقدّمة).

الثمرة الثانیة:
اشارة

إذا کانت المقدّمة عبادة فعلی القول بوجوبها أمکن الإتیان بها بقصد التقرّب و أمّا علی القول بعدم وجوبها فلایمکن.((2))

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذه الثمرة:

((3))

إنّ عبادیة المقدّمة لاتتوقّف علی وجوبها بل منشأ العبادیة أحد الأمرین:

الأمر الأوّل: الإتیان بها بقصد التوصل إلی الواجب النفسی و امتثال أمره.

الأمر الثانی: الإتیان بها بداعی الأمر النفسی الاستحبابی المتعلّق بها کما فی الطهارات الثلاث فالوجوب الغیری لایکون منشأ لعبادیتها.

ص: 438


1- تحقیق الأصول، ج3، ص115.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص269 و (ط.ق): ج2، ص427. قال فی الفصول الغرویة، ص87: «الرابع تظهر ثمرة النزاع فی مواضع منها: فی صحة قصد الإمتثال و القربة بفعلها من حیث کونها مقدمة فعلی القول بالوجوب یصحّ قصد ذلک لأنّ تعلق الطلب بفعل و لو للغیر یوجب صحة قصد الآتی به لتعلق الطلب به إنّه یأتی به لذلک فیصح وقوعها علی وجه العبادة إذا کان مشروعیتها کذلک کما فی الصلاة إلی الجهات و فی الأثواب المشتبهة و لایصح علی القول الآخر لانتفاء الطلب».
3- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص269 و (ط.ق): ج2، ص427.
أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله):

قد تقدّم فی منشأ عبادیة الطهارات الثلاث تصحیح عبادیتها بقصد الأمر الغیری فراجع و هذا یکفی فی ترتّب الثمرة.((1))

الثمرة الثالثة:
اشارة

إذا تعلّق النذر بإتیان فعل واجب فمع إتیان المقدّمة یحصل امتثال النذر فیما إذا قلنا بوجوب المقدّمة شرعاً.((2))

ص: 439


1- فی تحقیق الاصول، ج3، ص116:«فأجاب الأُستاذ: بأنّه إشکالٌ مبنائی، و لایعتبر فی الثمرة أن تکون مترتّبةً علی جمیع المبانی، فعلی القول بأنّ العمل بداعی الأمر الغیری غیر مقرّب بل العبادیة إنّما تحصل بأحد الأمرین المذکورین، فلا ثمرة. أمّا علی القول بأنّ الإتیان به مضافاً إلی المولی کافٍ للعبادیة و المقربیة، فإنّ الإتیان به بداعی الأمر الغیری یکون مقرّباً و تترتّب الثمرة».
2- کفایة الأصول، ص123. فی القوانین المحکمة فی الأصول ط.ج. ج 1، ص210: «و یظهر الثمرة فیما لو وجب علیه واجب بالنذر و الیمین و نحوهما». و فی هدایة المسترشدین (ط.ج): ج 2، ص179: «و منها: برء النذر بفعلها فی الصورة المذکورة لو تعلق نذره بفعل الواجب أو واجبات عدیدة بناءا علی الثانی إذا قلنا بشمول الواجب عند الإطلاق للواجبات الغیریة أو صرح الناذر بالتعمیم بخلاف ما لو بنی علی الأول». و فی مطارح الأنظار ( ط.ج): ج 1، ص391: «هدایةٌ: قد ذکروا للنزاع فی وجوب المقدمة و عدمه وجوها من الثمرة أحدها: حصول البرء من النذر فیما لو أتی الناذر لإتیان الواجب بمقدمة من مقدماته علی القول بالوجوب، و عدمه علی القول بعدمه». و فی بدائع الأفکار، ص344: «الأمر الخامس فی ثمرات المسألة و هی أمور: منها أنّه لو نذر أن یأتی بواجب حصل البرء بإتیان المقدمة علی القول بوجوبها و لایحصل علی القول بالعدم».
إیرادات ثلاثة علی هذه الثمرة:
الإیراد الأوّل لصاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((1))

إنّ البرء و عدمه إنّما یتبعان قصد الناذر، فلا برء بإتیان المقدّمة لو قصد الوجوب النفسی، کما أنّه عند إطلاق الواجب ینصرف إلی الواجب النفسی.

و ربّما یحصل البرء بإتیان المقدّمة لو قصد ما یعمّ المقدّمة و لو قلنا بعدم الملازمة (و فسّره المحقّق الخوئی (قدس سره) بأنّ النذر تعلّق بمطلق ما یلزم الإتیان به و لو عقلاً).((2))

تقریر المحقّق الخوئی (قدس سره) لهذه الثمرة فی مورد خاص:

((3))

إن کان قصده الإتیان بالواجب الشرعی من دون نظر إلی کونه نفسیاً أو غیریاً، و لو من ناحیة عدم الالتفات إلی ذلک و لم یکن فی البین ما یوجب الانصراف إلی الأوّل کفی الإتیان بالمقدّمة علی القول بوجوبها دون القول بعدم وجوبها.

الإیراد الثانی:

الإیراد الثانی:((4))

إنّ مثل هذه الثمرة لاتوجب کون البحث عن وجوب المقدّمة بحثاً أُصولیاً، لأنّ المسألة الأُصولیة هی ما تقع فی طریق استنباط الحکم الکلی الإلهی بعد ضمّ

ص: 440


1- الکفایة، ص123.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص270و (ط.ق): ج2، ص428.
3- نفس المصدر.
4- نفس المصدر.

صغراها إلیها و انطباق حکم النذر علی متعلّقه بناء علی شموله لإتیان المقدّمة لیس استنباطاً.

الإیراد الثالث:

((1))

إنّ هذه الثمرة لو تمّت فإنّما تتمّ علی القول بوجوب مطلق المقدّمة، أمّا بناء علی وجوب خصوص المقدّمة الموصلة فلاتظهر إلّا إذا أتی بذی المقدّمة أیضاً و إلّا لم یأت بالواجب الغیری و عند إتیان ذی المقدّمة لاتظهر الثمرة.

الثمرة الرابعة:
اشارة

علی القول بوجوب المقدّمة لایجوز أخذ الأُجرة علیها، لأنّه من أخذ الأُجرة علی الواجبات.((2))

إیرادان علی هذه الثمرة:
الإیراد الأوّل: من المحقق الخوئی (قدس سره) تبعاً لصاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

إنّا قد حققنا فی محلّه أنّ الوجوب بما هو وجوب لایکون مانعاً من أخذ

ص: 441


1- نفس المصدر.
2- کفایة الأصول، ص123؛ المحاضرات (ط.ج): ج2، ص270و (ط.ق): ج2، ص428. فی هدایة المسترشدین (ط.ج): ج 2، ص179: «و منها: جواز أخذ الأجرة علی فعل المقدمة فی الصورة المفروضة و عدم جوازه علی الوجهین، نظراً إلی ما تقرّر من عدم جواز أخذ الأجرة علی الواجبات بناءً علی عدم الفرق فی ذلک بین الواجبات النفسیة و الغیریة، کما مرّت الإشارة إلیه». و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص394: «الثالث: ما ذکره بعضهم من جواز أخذ الأجرة علی المقدمات علی القول بالعدم، و عدمه علی القول بالوجوب». و فی بدائع الأفکار، ص345: «و منها حرمة أخذ الأجرة علیها علی القول بوجوبها أمّا علی القول بالعدم فلا مانع من أخذ الأجرة علیها».

الأجرة علی الواجب، سواء کان الوجوب عینیاً أم کان کفائیاً، توصلیا کان أم عبادیاً إلّا إذا قام دلیل علی لزوم الإتیان به مجّاناً کتغسیل المیت و دفنه، و لا دلیل علی لزوم إتیان المقدّمة مجّاناً فلا مانع من أخذ الأُجرة علیها و إن قلنا بوجوبها.((1))

جواب بعض الأساطین (حفظه الله):

((2))

یکفی ترتّب الثمرة علی بعض الأقوال، و الثمرة مترتّبة علی القول بأنّ کل واجب هو لله و ما کان لله فلاتؤخذ الأُجرة علیه.

(لایخفی انصراف هذا الدلیل إلی الواجبات النفسیة).

الإیراد الثانی:
اشارة

((3))

لو تنزّلنا عن ذلک فلابدّ من التفصیل بین المقدّمات العبادیة، کالطهارات الثلاث و بین غیرها من المقدّمات، فإنّ المانع عن أخذ الأُجرة علیها إنّما هو عبادیتها سواء کانت واجبة أم لم تکن، فلا دخل لوجوبها بما هو وجوب فی ذلک.

بل ربما یکون الشیء غیر واجب و مع ذلک لایجوز أخذ الأُجرة علیه کالأذان فلا ملازمة بین وجوب الشیء و عدم جواز أخذ الأُجرة علیه.((4))

ص: 442


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص271و (ط.ق): ج2، ص429. کفایة الأصول، ص124،[حکم أخذ الأجرة علی الواجبات].
2- تحقیق الأُصول، ج3، ص116.
3- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص270-271 و (ط.ق): ج2، ص429.
4- نظریة الشیخ الأنصاری فی مسألة أخذ الأجرة علی الواجبات: قال فی کتاب المکاسب، ج 2، ص 135 و 136 فی النوع الخامس مما یحرم التکسب به (و هو ما یجب علی الإنسان فعله عینا أو کفایة تعبدا أو توصلا): «و أمّا مانعیة مجرد الوجوب عن صحة المعاوضة علی الفعل، فلم تثبت علی الإطلاق، بل اللازم التفصیل: فإن کان العمل واجبا عینیا تعیینیا لم یجز أخذ الأجرة، لأنّ أخذ الأجرة علیه مع کونه واجباً مقهوراً من قبَل الشارع علی فعله، أکل للمال بالباطل، لأنّ عمله هذا لایکون محترما، لأنّ إستیفاءه منه لایتوقف علی طیب نفسه، لأنّه یقهر علیه مع عدم طیب النفس والإمتناع ... ثم لا فرق فیما ذکرناه بین التعبدی من الواجب و التوصلی، ... و منه یظهر عدم جواز أخذ الأجرة علی المندوب إذا کان عبادة یعتبر فیها التقرّب . و أمّا الواجب التخییری، فإن کان توصلیا فلا أجد مانعا عن جواز أخذ الأجرة علی أحد فردیه بالخصوص بعد فرض کونه مشتملاً علی نفع محلّل للمستأجر، و المفروض أنّه محترم لایقهر المکلف علیه، فجاز أخذ الأجرة بإزائه ... و إن کان تعبدیا، فإن قلنا بکفایة الإخلاص بالقدر المشترک و إن کان إیجاد خصوص بعض الأفراد لداع غیر الإخلاص، فهو کالتوصلی. و إن قلنا بأنّ إتّحاد وجود القدر المشترک مع الخصوصیة مانع عن التفکیک بینهما فی القصد، کان حکمه کالتعیینی. و أمّا الکفائی، فإن کان توصلیا أمکن أخذ الأجرة علی إتیانه لأجل باذل الأجرة، فهو العامل فی الحقیقة، و إن کان تعبدیا لم یجز الإمتثال به و أخذ الأجرة علیه». و فی ص 141 – 143: «فالتحقیق علی ما ذکرنا سابقا: أنّ الواجب إذا کان عینیا تعینیا لم یجز أخذ الأجرة علیه و لو کان من الصناعات ... و إن کان کفائیا جاز الإستئجار علیه، فیسقط الواجب بفعل المستأجر علیه، عنه و عن غیره و إن لم یحصل الإمتثال ... ». و فی مطارح الأنظار (ط.ج): ج 1، ص395: «و بالجملة، فالّذی قوّیناه فی محله إختصاص المنع من الإجرة بما إذا إستفدنا من دلیل وجوب العمل لزوم وقوعه علی وجه المجّانیة، کالدفن أو الکفن و نحوهما، فإنّ الساعی فی مقدماتهما مثل الساعی فی أداء ما علیه أداؤه من العمل إذا ملکه الغیر منه، أو فیما إذا کان الواجب تعبدیا. و أما فی غیر هذه الموارد فلا دلیل علی حرمة الأجرة؛ و لذلک قلنا: قضیة القواعد جواز أخذ الأجرة علی القضاء بین المسلمین، و کذا علی السعی إلی المیقات ممن وجب علیه الحج ...».
ملاحظة علیه:

ما أجاب به بعض الأساطین (حفظه الله) یتوجّه أیضاً علی الإیراد الثانی.

الثمرة الخامسة:
اشارة

إنّه علی القول بوجوب المقدّمة یلزم حصول الفسق لتارک الواجب النفسی

ص: 443

مع مقدّماته الکثیرة.((1))

أورد علیه المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

أوّلاً: لابدّ من فرض الکلام فیما إذا کان ترک الواجب النفسی من الصغائر و إلّا فإن کان من الکبائر لکان ترکه بنفسه موجباً لحصول الفسق.

ثانیاً: إنّ هذه الثمرة مبتنیة علی التفصیل بین المعاصی الکبیرة بحصول الفسق فیها و المعاصی الصغیرة بعدم حصول الفسق فیها إلّا فی فرض الإصرار و لکن هذا مما لا أساس له، لأنّ الفسق عبارة عن خروج الشخص عن جادّة الشرع یمیناً و شمالاً و یقابله العدل، فإنّه عبارة عن الاستقامة فی الجادّة و عدم الخروج

ص: 444


1- نقله فی کفایة الأُصول، ص123. فی ضوابط الأصول، ص94: «المقدمة الثامنة فی ثمرة النزاع فعلی ما اخترناه من کون النزاع فی الوجوب بالمعنی الذی ذکره السبزواری تظهر فی الفسق و العدالة فإن کان عادلا و ترک المقدمة کالخروج من البلد النائی إلی الحج أو أفضی ترکها إلی ترک ذی المقدمة فإن قلنا باستحقاقه حین ترک المقدمة ما یترتب علی ترک ذی المقدمة کان هو حین ترک المقدمة عاصیا بترک ذی المقدمة و إن لم یدخل وقت العمل بذی المقدمة فإن کانت تلک المعصیة کبیرة صار فاسقا بمرة واحدة من ترک المقدمة و إن کانت صغیرة کان فاسقاً بالإصرار بترک المقدمة و لو حکما فلایقبل شهادته و لایصلی خلفه الی غیر ذلک من لوازم الفسق و إن قلنا بأنّه لایستحق العقاب علی ترک ذی المقدمة إلّا حین وصول وقته لم یخرج ذلک الشخص من العدالة حین ترک الخروج إلی القافلة مثلا بل یبقی علی العدالة إلی أن یدخل موسم الحج لو لم یکن مانع آخر و یفقد منه الحج فنحکم بفسقه حینئذ». و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص391: «الثانی: ترتّب الفسق علی ترکها علی القول بوجوبها، و عدمه علی عدمه کذا ذکره بعضهم». و فی بدائع الأفکار، ص345: «و منها لزوم ترتب الفسق علی ترک المقدمة إذا بلغ حدّ الإصرار علی القول بوجوبها».
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص271-272و (ط.ق): ج2، ص429-430.

عنها و من البدیهی أنّ المعصیة الصغیرة کالکبیرة توجب الفسق و الخروج عن الجادّة.

ثالثاً: إنّ هذه الثمرة مبتنیة علی أن یکون الإصرار عبارة عن ارتکاب معاص عدیدة و لو فی زمن واحد و دفعةً واحدة.

ولکن للمناقشة فی هذا الأمر مجال واسع، لأنّ الإصرار علی المعصیة عبارة عرفاً عن ارتکابها مرّة بعد أُخری، أمّا ارتکاب معاصی عدیدة مرّة واحدة فلایصدق علیه الإصرار.

رابعاً: لامجال لهذا الإشکال لما قد عرفت من أنّه لا معصیة فی ترک المقدّمة بما هی مقدّمة و إن قلنا بوجوبها، حتی یحصل الإصرار علی المعصیة، ضرورة أنّ المدار فی حصول المعصیة و هتک المولی إنّما هو بمخالفة الأمر النفسی فلا أثر لمخالفة الأمر الغیری بما هو أمر غیری.

خامساً: إنّه -علی ما ذکرنا فی الإیراد علی الثمرة الثالثة- لاتصلح هذه الثمرة علی تقدیر تسلیمها أن تکون ثمرة للمسألة الأُصولیة.

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

أوّلاً: إنّ عنوان المعصیة یتحقّق بترک الواجب سواء کان نفسیاً أم غیریاً.

ثانیاً: یکفی ترتّب الثمرة علی بعض الأقوال (کما قلنا بذلک فی الثمرة الرابعة).

الثمرة السادسة:
اشارة

إذا قلنا بثبوت الملازمة و کانت المقدّمة محرّمة فیجتمع الوجوب و الحرمة،

ص: 445


1- تحقیق الأُصول، ج3، ص118.

فیبتنی علی مسألة جواز اجتماع الأمر و النهی و عدمه، بخلاف ما إذا قلنا بعدم الملازمة.((1))

إیرادان من صاحب الکفایة (قدس سره):
الإیراد الأوّل:
اشارة

((2))

إنّه لایکون من باب الاجتماع، کی یکون مبتنیا علیه، لما أشرنا إلیه غیر مرّة من أنّ الواجب ما هو بالحمل الشائع مقدّمة، لا بعنوان المقدّمة فلیس هنا عنوانان حتی یکون من باب الاجتماع بل هنا عنوان واحد تعلّق به کل من الأمر و النهی فتکون مسألتنا بناء علی الملازمة من باب النهی فی العبادة و المعاملة.

ص: 446


1- فی القوانین المحکمة فی الأصول ط.ج. ج 1، ص210: «بل الثمرة تظهر فی جواز الإجتماع مع الحرمة، فلو کانت المقدمة واجبة شرعا، فلایجوز أن یجتمع مع الحرام». و فی الفصول الغرویة، ص88: «و منها ما ذکره بعضهم من الإجتماع مع الحرام و عدمه فعلی القول بالوجوب لایجتمع مع الحرام و علی القول الآخر یصح أن یجتمع». و فی ضوابط الأصول، ص94: «و قیل: یظهر الثمرة فی عدم جواز اجتماع الأمر و النهی علی القول بوجوب المقدمة و جواز اجتماع الأمر و النهی من تلک الجهة لو لم یکن مانعٌ آخر علی القول بعدم الوجوب». و فی مطارح الأنظار (ط.ج): ج 1، ص396 و (ط.ق): ص81: «الرابع: ما قد نسبه البعض إلی الوحید البهبهانی، من أنّه علی القول بوجوب المقدمة یلزم اجتماع الأمر و النهی فی الموارد التی تکون المقدمة محرمة، دون القول بالعدم». و فی بدائع الأفکار، ص346: «و منها عدم اجتماع المقدمة مع الحرام علی القول بالوجوب و الإجتماع علی القول بالعدم عزی هذا إلی المولی الوحید البهبهانی و هو بظاهره بین الفساد ل ینبغی صدوره من أدنی تلامذته».
2- کفایة الأصول، ص124.
مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) فی الإیراد الأوّل:

((1))

إنّ عنوان المقدّمة و إن کان عنواناً تعلیلیاً و خارجاً عن متعلّق الأمر، إلّا أنّ المأمور به هو الطبیعی الجامع بین هذا الفرد المحرم و غیره و علیه یکون متعلّق الأمر غیر متعلّق النهی، فإنّ متعلّق الأمر مثلاً طبیعی الوضوء أو الغسل و متعلّق النهی حصّة خاصّة من هذا الطبیعی بعنوان الغصب و بما أنّ متعلّق الأمر و النهی ینطبقان علی هذه الحصّة فهی مجمع لهما و تکون من موارد الاجتماع.

الإیراد الثانی:
اشارة

((2))

لایتفاوت الحال فی جواز التوصّل بالمقدّمة و عدم جواز التوصّل بین أن یقال بالوجوب و أن یقال بعدمه.

بیان ذلک هو أنّ الغرض من المقدّمة هو التوصّل بها إلی الواجب النفسی.

و المقدّمة إمّا واجب توصّلی و إمّا واجب تعبّدی.

فإن کانت المقدّمة توصّلیة فإنّه یمکن التوصّل بها إلی الواجب النفسی و إن کانت محرّمة، سواء قلنا بوجوب المقدّمة أم لم نقل.

و إن کانت المقدّمة تعبّدیة، فعلی القول بجواز الاجتماع صحّت العبادة فی مورد الاجتماع سواء قلنا بوجوب المقدّمة أم لم نقل.

و علی القول بامتناع الاجتماع و تقدیم جانب النهی لاتصّح العبادة سواء قلنا بوجوب المقدّمة أم لم نقل.

ص: 447


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص273و (ط.ق): ج2، ص431.
2- کفایة الأصول، ص125.

فإذن لا ثمرة للقول بالوجوب من هذه الناحیة.

مناقشة بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

إن کانت المقدّمة تعبّدیة و قلنا بجواز الاجتماع فإنّه یعتبر فی المقدّمة قصد القربة، و حینئذ إذا فرضنا کون المقدّمة محرّمة فیمتنع قصد التقرّب بها إلّا علی القول بوجوب المقدّمة، فالثمرة تترتّب فی هذه الصورة.

هنا ثمرات أخر مذکورة، لا نطیل الکلام بذکرها.((2))

ص: 448


1- تحقیق الأصول، ج3، ص120.
2- 1) فی القوانین المحکمة فی الأصول ط.ج. ج 1، ص210: «و یظهر الثمرة ... فی ثبوت العقاب و الثواب علی ترک کل من المقدمات و فعلها و ربما یقال: إنّ القائل بوجوب المقدمة أیضا لایقول بترتب الثواب و العقاب علی فعل المقدمات و ترکها». و فی بدائع الأفکار، ص344: «و منها إستحقاق الثواب و العقاب علیها فعلاً و ترکاً بناء علی وجوبها و عدم الإستحقاق بناء علی العدم». 2) فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2، ص178: «و یتفرّع علی الوجهین المذکورین أمور: منها: أنّه إذا کان للمکلف صارف عن أداء الواجب لم یکن ما یقدم علیه من ترک مقدماته ممنوعا منه علی الأوّل». 3) فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2، ص178: «و منها: أنّه یصح أداء الوضوء و نحوه بقصد الوجوب عند اشتغال الذمة بالغایة الواجبة و إن لم یأت به لأداء تلک الغایة بل لغایة مندوبة بناءا علی الثانی بخلاف الأول». 4) فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص399: «الخامس: ما قیل: من أنّ القول بوجوب المقدمة یؤثر فی صحتها إذا کانت عبادة، کما أنّ القول بعدم الوجوب یقضی بفسادها حینئذ». و فی بدائع الأفکار، ص345: «و منها صحة المقدمة إذا کانت عبادة علی القول بالوجوب و عدم الصحة علی القول بالعدم لفقدان الأمر الذی یتوقف علیه قصد القربة المعتبرة فی العبادة». 5) فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص400: «السادس: ما یقال: من أنّ القول بوجوب المقدمة یؤثر فی فساد العبادة التی یتوقف علی ترکها فعل الضد، بخلاف القول بعدمه، فإنّ الترک لیس مقدمة فلایکون واجبا فلایکون فعله حراما فلایکون فاسدا». و فی بدائع الأفکار، ص346: «و منها فساد الضد الواجب المضیق کالصلاة فی زمان وجوب إزالة النجاسة عن المسجد علی القول بوجوب المقدمة لأنّ ترک الضد واجب من باب المقدمة فیکون فعله منهیا عنه و النهی یقتضی الفساد بخلاف ما لو لم نقل بوجوبها فلا مانع من الصحة إذ لیس فعله حینئذ منهیا عنه حتی یوجب الفساد». 6) فی بدائع الأفکار، ص346: «و منها ما ذکره المحقق القمی رحمه الله من أنّ القول بوجوب المقدمة و عدمه یثمران فیما إذا أتی بواجب علی الوجه المنهی عنه بناء علی کون متعلق الأوامر هی الطبیعة و کون الفرد مقدمة للکلی کما إذا إغتسل إرتماسا فی نهار رمضان فإنّه علی القول بوجوب المقدمة یجب الفرد أیضا بالوجوب المقدمی الغیری المذکور فلزم اجتماع الأمر و النهی فیکون صحته و فساده مبنیین علی جواز اجتماع الأمر و النهی و عدمه و أمّا علی القول بعدم الوجوب فلایلزم اجتماع الأمر و النهی لأنّ متعلّق الأمر هی الطبیعة و متعلق النهی هو الفرد». 7) فی بدائع الأفکار، ص346: «و منها ما ذکره العلّامة قدس سره فی التهذیب حیث عدّ من فروع المسألة الصلاة فی الدار المغصوبة بقوله: و بطلان الصلاة فی الدار المغصوبة لأنّ الأمر بالصلاة المعینة أمرٌ بأجزائها التی من جملتها الکون المخصوص». 8) فی بدائع الأفکار، ص347: «و منها ما ذکره بعض فی السفر الموجب لتفویت الواجب من أنّه علی القول بوجوب المقدمة یکون السفر محرما لأنّ ترک السفر مقدمة للواجب فیکون فعله حراما فیترتب علیه أحکام سفر المعصیة من لزوم الإتمام فی الصلاة و عدم سقوط الصوم و لا کذا علی القول بعدم وجوبها».

ص: 449

ص: 450

خاتمة فی مقدمة المستحب و الحرام و المکروه

أمّا مقدّمة المستحب:

إن قلنا بثبوت الملازمة فلابدّ أن تکون مقدّمة المستحب مستحبّة لعدم الفرق بین الطلب الإلزامی و غیر الإلزامی عند العقل الحاکم بالملازمة.

أمّا مقدّمة الحرام أو المکروه:

اشارة

ففیهما نظریتان:

النظریة الأُولی: ما اختاره صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ مقدّمة الحرام أو المکروه علی قسمین:

القسم الاوّل: مایتمکّن معه من ترک الحرام أو المکروه اختیاراً و هذه المقدّمة لیست علّة تامّة لذی المقدّمة الحرام و لا جزء أخیراً للعلّة التامّة، و فی هذا القسم

ص: 451


1- و هو القول بالتفصیل. کفایة الأصول (ط.آل البیت)، ص128، تتمة [مقدمة المستحب و الحرام و المکروه].

لیست المقدّمة حراماً أو مکروهاً، لأنّه لا یترتّب ذو المقدّمة المحرّم أو المکروه علی هذه المقدّمة بل یترتّب علی سوء اختیاره.

القسم الثانی: ما لایتمکّن معه من ترک الحرام أو المکروه بل کانت مقدّمة سببیة فهی العلّة التامّة أو الجزء الأخیر منها لإتیان ذی المقدّمة و حینئذ کانت المقدّمة حراماً أو مکروهاً لترتّب ذی المقدّمة المحرّم أو المکروه علی هذه المقدّمة.

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

تنقسم مقدّمة الحرام إلی ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: ما لایتوسط بین المقدّمة و ذی المقدّمة اختیار الفاعل فهذه المقدّمة سببیة و علّة تامّة أو الجزء الأخیر منها فهی محرّمة نفسیة و الوجه فی ذلک هو أنّ النهی الوارد علی ذی المقدّمة وارد علی سببه حقیقةً.

القسم الثانی: ما یتوسط بین المقدّمة و ذی المقدّمة اختیار الفاعل و لکن المکلّف یقصد بإتیان المقدّمة التوصل إلی الحرام.

و هنا حکم بالحرمة و لکنه تردّد فی حرمته بین النفسیة و الغیریة من جهة التردد فی أنّ منشأ الحرمة حرمة التجری أو أنّ حرمتها تترشح من ذی المقدّمة.

القسم الثالث: ما یتوسط بین المقدّمة و ذی المقدّمة اختیار الفاعل و لکن المکلّف لم یأت بها بداعی التوصل إلی الحرام بل لدیه صارف عن الحرام و هنا حکم بعدم الحرمة إذ الموجب لحرمة المقدّمة أحد الأمرین کلاهما مفقودان فی المقام: الأمر الأوّل هو أن تکون علّة تامّة للحرام أو جزء أخیراً منها و الأمر

ص: 452


1- أجود التقریرات، ج1، ص361-362.

الثانی أن یکون الإتیان بها بقصد التوصل إلی الحرام.

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) فی نظریة المحقق النائینی (قدس سره):
اشارة

((1))

أمّا ما أفاده فی القسم الأوّل:

إنّ ذی المقدّمة مقدور للمکلّف لأنّ المقدور بالواسطة مقدور فلا وجه لما أفاده من أنّ النهی المتعلّق بذی المقدّمة هو وارد علی المقدّمة حقیقةً.

فلا مقتضی لحرمة المقدّمة حینئذ مضافاً إلی أنّا لانقول بوجوب مقدّمة الواجب و هکذا هنا.

أمّا ما أفاده فی القسم الثانی:

أمّا الحرمة النفسیة للتجری فقد حققنا فی محلّه أنّ التجری لایکون حراماً و إن استحق المتجری العقاب.

نعم یظهر من بعض الروایات أنّ هذه الحرمة من ناحیة نیة الحرام و قد تعرضنا لهذه الروایات و لما دلّ علی خلافها بشکل موسع فی مبحث التجری و لکن هنا لم یصدق التجری لأنّ التجری هو الإقدام علی شیء بتخیل حرمته و لکنّه ینکشف بعداً عدم حرمته فهذا هو التجری الذی بحثوا عن حرمته.

أمّا التجری بمعنی قصد إتیان الحرام من دون إقدام علیه فهذا لیس من التجری الذی بحثوا عن حرمته.

أمّا الحرمة الغیریة فمنتفیة أیضاً و لو قلنا بوجوب مقدّمة الواجب، لأنّ

ص: 453


1- تعلیقة أجود التقریرات، ج1، ص361-362؛ المحاضرات (ط.ج): ج2، ص284-285و (ط.ق): ج2، ص439-440.

المکلّف بعد إتیان المقدّمة قادر علی ترک ذی المقدّمة المحرّم بخلاف مقدّمة الواجب فإنّ المکلّف لایقدر علی الواجب عند ترک مقدّمته.

أمّا ما أفاده فی القسم الثالث:

الأمر کما أفاده لأنّه لا موجب لاتّصاف المقدّمة بالحرمة لعدم الملاک له، فإنّ ملاکه إنّما هو أن تکون المقدّمة علّة تامّة أو الجزء الأخیر منها و المفروض فی هذه الصورة أنّ ترک الحرام لایتوقف علی ترک هذه المقدّمة.

فمقدّمة الحرام لیست بمحرمة إلّا فی صورة واحدة (القسم الأوّل) بناء علی وجوب مقدّمة الواجب، و بما أنّه لم تثبت الملازمة بحکم العقل لا حرمة أصلاً و من هنا یظهر حال مقدّمة المکروه.

هذا تمام البحث فی مقدّمة الواجب و الحمد لله رب العالمین.

ص: 454

الفهارس

اشارة

فهرس العناوین تفصیلا

فهرس الآیات

فهرس الروایات

فهرس الأعلام

ص: 455

ص: 456

فهرس العناوین تفصیلا

المباحث العقلیة

البحث الأوّل: الإجزاء

(فیه مقدّمات أربع و ثلاثة فصول)

مقدمات

المقدّمة الأُولی: موضوع البحث(و فیها قولان:) .......................................................... 19

القول الأوّل: الأمر (و هو مختار القدماء) ..................................................................... 19

القول الثانی: الإتیان بالمأمور به (و هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره)....................................

20

توجیه المحقق الإصفهانی (قدس سره) لهذا القول.......................................................................

20

المقدّمة الثانیة: (و فیها مطالب ثلاثة): ....................................................................... 22

المطلب الأوّل: ما المراد من «الوجه» فی عنوان البحث؟(هنا أقوال ثلاثة): .................... 22

القول الأوّل: مختار صاحب الکفایة و المحقق العراقی (قدس سره) و بعض الأساطین................ 22

القول الثانی: مختار السید المجاهد و المحقق الخوئی (قدس سره) .............................................. 23

إیرادان من صاحب الکفایة (قدس سره): ............................................................................ 23

الإیراد الأوّل ...................................................................................................... 23

الإیراد الثانی ...................................................................................................... 23

جوابان عن الإیراد الثانی: ............................................................................ 24

الجواب الأوّل أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................... 24

الجواب الثانی أفاده المحقق البروجردی (قدس سره) ..................................................... 24

ص: 457

مناقشة بعض الأساطین فی جواب المحققینِ ............................................... 25

القول الثالث: المراد هو الوجه المعتبر فی العبادات ................................................... 25

إیرادات ثلاثة من صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................... 26

المطلب الثانی: ما المراد من «الاقتضاء» فی عنوان البحث؟ فیه قولان: ........................... 27

القول الأوّل: الکشف و الدلالة بناءً علی مسلک القدماء فی موضوع البحث ............. 27

القول الثانی: العلیة و التأثیر بناءً علی کون موضوع البحث الإتیان أفاده صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سره) 28

الإشکال الذی نقله فی الکفایة و بنی علیه بعض الأساطین نظریته..................... 29

جواب صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سره) عن الإشکال ....... 30

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................................................... 30

المطلب الثالث: ما المراد من «الإجزاء» فی عنوان البحث؟ (المراد معناه اللغوی) .......... 32

المقدمة الثالثة: هل الإجزاء من المسائل العقلیة أو اللفظیة؟ (فیها نظریتان) ......... 34

النظریة الأُولی: إنّها عقلیة (ذهب إلیها المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سره) ............. 34

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................................................... 34

النظریة الثانیة: القول بالتفصیل (أفاده بعض الأساطین) .............................................. 35

المقدمة الرابعة: (و فیها مطلبان) ................................................................................ 36

أما الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرّة و التکرار ..................................................... 36

توهم اتّحاد المسألتین ............................................................................................. 36

جواب عن هذا التوهم ........................................................................................... 36

أما الفرق بین هذه المسألة و مسألة تبعیة القضاء للأداء ............................................. 36

توهم اتّحاد المسألتین ............................................................................................. 36

جوابان عن هذا التوهم ......................................................................................... 37

الفصل الأوّل: إنّ الإتیان بالمأمور به هل یقتضی الإجزاء عن أمره؟

(و فیه تنبیه)

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره): الإجزاء لاستقلال العقل ....................................................... 41

تقریبان لهذا البیان .................................................................................................... 41

التقریب الأوّل: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................ 41

التقریب الثانی: ما أفاده المحقق الحائری (قدس سره) .......................................................... 42

إشکال المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی التقریب الثانی .............................................. 42

تنبیه فی جواز الامتثال بعد الامتثال (هنا نظریتان) ................................................... 44

ص: 458

النظریة الأُولی: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) (و هو أنّ هنا صوراً ثلاثاً لایجوز فی الأُولی و یجوز فی الأخیرتین) 44

استدلال صاحب الکفایة علیها بأخبار باب الصلاة المُعادة.................................. 46

بیان المحقق الإصفهانی: هذه الأخبار طائفتان ..................................................... 46

الطائفة الأُولی: ما ورد فی باب إعادة الصلاة مع المخالفین ........................... 46

جواب المحقق الإصفهانی عن الطائفة الأُولی .......................................... 48

جواب المحقق الخوئی .............................................................................. 48

الطائفة الثانیة: ما لایختص بالإعادة مع المخالف ......................................... 49

جواب المحقق الإصفهانی .......................................................................... 52

ما أفاده بعض الأساطین فی روایة أبی بصیر خاصة من حیث اشتماله علی سهل بن زیاد 53

ملاحظتنا علی ما أفاده بعض الأساطین....................................................

62

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی و بعض الأساطین ... 63

بیان بعض الأساطین فی إبطال الامتثال بعد الامتثال و تبدیل الامتثال .............. 63

الفصل الثانی: هل الإتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری یجزی عن الأمر الواقعی؟

(فیه مقامان):

المقام الأوّل: مقام الثبوت ............................................................................................ 69

نظریة صاحب الکفایة: هنا أربع صور لایجزی فی الثالثة و یجزی فی باقی الصور . 69

مناقشات أربع فی هذه النظریة: .......................................................................... 74

1. إیراد المحقق الإصفهانی علی الصورة الثانیة .................................................... 74

ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 74

2. مناقشة المحقق الخوئی فی الصورة الثالثة ........................................................ 75

جوابان من بعض الأساطین عن هذه المناقشة ............................................. 75

3. ملاحظة علیها فی الصورة الثانیة و الثالثة ....................................................... 77

4. تحقیق المحقق الإصفهانی فی الصورة الثالثة و الرابعة .................................... 79

المقام الثانی: مقام الإثبات (و فیه موضعان): .............................................................. 81

الموضع الأوّل: مقتضی أدلّة الأوامر الاضطراریة (و فیه تنبیهات ثلاثة): ................ 81

هنا نظریات: ......................................................................................................... 81

1.نظریة المحقق الخراسانی: الإجزاء لإطلاق الأدلّة .............................................. 81

ص: 459

2.نظریة بعض الأعلام: لانحتاج إلی إطلاق الأدلّة ................................................ 84

إیراد المحقق الإصفهانی علی هذه النظریة .................................................... 84

3.نظریة المحقق الإصفهانی: التفصیل بین الأدلّة ................................................. 85

4.نظریة المحقق الخوئی ....................................................................................... 86

5.نظریة المحقق النائینی و المحقق العراقی: الإجزاء و جواز البدار .................. 87

التنبیه الأول: صور المسألة فی مقام الإثبات و هی أربع أفادها المحقق الخوئی 91

التنبیه الثانی: إذا کان الاضطرار باختیار المکلف (ففیه مطلبان): ...................... 93

المطلب الأوّل: انصراف الأدلّة عن هذه الصورة أفاده المحقق الخوئی ............... 93

ملاحظتنا علیه ............................................................................................ 93

المطلب الثانی: استحقاق العقوبة فی هذه الصورة ............................................. 94

ملاحظتنا علیه ............................................................................................ 94

الموضع الثانی: مقتضی الأصل العملی (فیه ثلاثة أقوال) .......................................... 96

القول الأوّل: البراءة أفاده المحقق الخراسانی و النائینی و الإصفهانی و الخوئی و بعض الأساطین 96

القول الثانی: الاشتغال أفاده المحقق العراقی ...................................................... 96

القول الثالث: الاستصحاب أفاده المحقق الإیروانی .............................................. 97

أمّا القول الأوّل فقد استدلّ علیه بوجهین: ......................................................... 97

الوجه الأوّل: ما أفاده صاحب الکفایة ............................................................... 97

الوجه الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی ................................................................ 97

و أمّا القول الثانی فقد قرّر بوجهین: أفادهما المحقق العراقی ........................... 97

الوجه الأوّل ...................................................................................................... 97

یلاحظ علیه ............................................................................................... 98

الوجه الثانی ...................................................................................................... 99

إشکالان علی الوجه الثانی: ........................................................................ 100

1.الإشکال الکبروی من المحقق الخوئی و بعض الأساطین ........................ 100

2.الإشکال الصغروی من بعض الأساطین ................................................. 101

و أمّا القول الثالث فقد استدلّ علیه المحقق الإیروانی ..................................... 101

إیراد بعض الأساطین علی هذا الاستدلال ...................................................... 102

الفصل الثالث: هل یجزی الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری عن الأمر الواقعی؟

(و فیه مقدمة)

المقدمة فی ذکر الأقوال (و هی ستة): ..................................................... 107

ص: 460

1.الإجزاء مطلقاً ....................................................................................................... 108

2. عدم الإجزاء مطلقاً ............................................................................................. 108

3.التفصیل بین الأُصول و الأمارات أفاده المحقق الخراسانی ................................ 109

4.التفصیل بین القول بالسببیة و الطریقیة أفاده المحقق الخوئی ....................... 109

5.التفصیل بین أقسام السببیة ما عدا المصلحة السلوکیة و بین المصلحة السلوکیة و الطریقیة 109

6.التفصیل بین انکشاف الخلاف بالعلم التعبدی و العلم الوجدانی .................... 109

الأمر الظاهری قد یجری لإثبات أصل التکلیف و قد یجری لتنقیح موضوع التکلیف 110

أمّا الأوّل ففیه نظریتان: ..................................................................................... 110

النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الخراسانی ...................................................... 110

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی من التفصیل و هو المختار ............ 111

و أمّا الثانی فالبحث عنه یقع فی مقامین: .......................................................... 112

المقام الأوّل: الأُصول العملیة ................................................................ 113

نظریة المحقق الخراسانی: الإجزاء مطلقاً لحکومة دلیل الأصل العملی علی دلیل الاشتراط 113

مناقشات خمس من المحقق النائینی فیها: ...................................................... 115

(1) المناقشة الأُولی ........................................................................................ 115

أجاب عنها بعض الأساطین ........................................................................... 116

(2) المناقشة الثانیة ........................................................................................ 120

أجاب عنها المحقق الخوئی تبعاً للمحقق الإصفهانی ......................................... 121

(3) المناقشة الثالثة قرّرها المحقق الإصفهانی و قال: هذا أقوی إشکال یورد هنا 122

أجاب عنها المحقق الإصفهانی ......................................................................... 124

إیرادان علی هذه الإجابة: ........................................................................ 125

1.ما أفاده بعض الأساطین ....................................................................... 125

یلاحظ علیه ............................................................................................. 125

2.ملاحظتنا علی إجابة المحقق الإصفهانی .................................................. 126

(4) المناقشة الرابعة ....................................................................................... 126

أجاب عنها المحقق الإصفهانی و تبعه المحقق الخوئی و بعض الأساطین ........... 127

(5) المناقشة الخامسة .................................................................................... 127

أجاب عنها المحقق الإصفهانی ......................................................................... 128

دفاع المحقق الخوئی عن المناقشة الخامسة بالنقض و الحلّ ..................... 128

ص: 461

أمّا النقض فبأُمور ثلثة: ............................................................................ 129

و أمّا الحلّ ............................................................................................... 129

ملاحظتنا علیه ................................................................................... 130

المتحصل فی هذا المقام هو الإجزاء لوجهین ........................................................... 131

المقام الثانی: الأمارات (و نبحث فیه بناءً علی المبانی المختلفة فیها و هی خمسة): 133

[1] المبنی الأول: الطریقیة (و بناءً علیها یوجد قولان): ........................................ 133

القول الأوّل: الإجزاء و هو المشهور بین القدماء و مختار المحقق البروجردی .. 133

أمّا الأدلّة علی هذا القول: ............................................................................... 133

الدلیل الأوّل ................................................................................................... 133

أورد علیه بعض الأساطین ........................................................................ 134

الدلیل الثانی ................................................................................................... 135

أورد علیه بعض الأساطین ........................................................................ 136

الدلیل الثالث ................................................................................................. 136

أورد علیه بعض الأساطین ........................................................................ 137

الدلیل الرابع .................................................................................................. 137

أورد علیه بعض الأساطین نقضاً و حلاً ..................................................... 137

الدلیل الخامس .............................................................................................. 138

إیرادان من بعض الأساطین علیه: ............................................................. 139

الإیراد الأوّل ............................................................................................. 139

ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 140

الإیراد الثانی ............................................................................................. 140

الدلیل السادس: الإجماع ادّعاه صاحب الجواهر و المحقق النائینی ................ 141

إیرادان من بعض الأساطین علیه: ............................................................. 145

الدلیل السابع: السیرة الفقهائیة علی الإجزاء .................................................. 146

ملاحظات ثلاث علیه ................................................................................ 147

الدلیل الثامن: سهولة الشریعة ....................................................................... 148

ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 148

الدلیل التاسع: ما أفاده المحقق البروجردی ..................................................... 149

ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 150

القول الثانی: عدم الإجزاء (و هو مختار المتأخرین منهم صاحب الکفایة) ..... 151

الدلیل علی هذا القول: ما أفاده بعض الأساطین ............................................. 151

[2] المبنی الثانی: المنجزیة و المعذریة (و الأمر علی هذا المبنی کالأمر علی الطریقیة) 153

ص: 462

بیان صاحب الکفایة لعدم الإجزاء علی هذین المبنیین .................................... 153

[3] المبنی الثالث: جعل الحکم المماثل (و الحق فیه الإجزاء) ............................. 154

الدلیل علی الإجزاء .............................................................................................. 154

إشکال بعض الأساطین ................................................................................... 154

ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 154

تفصیل المحقق الإصفهانی بین العبادات و المعاملات ...................................... 155

ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 157

[4] المبنی الرابع: جعل المؤدی منزلة الواقع (لهذا المبنی تفسیران): ................... 159

التفسیر الأوّل: لا فرق بین هذا المبنی و مبنی جعل الحکم المماثل ............... 159

التفسیر الثانی ...................................................................................................... 159

الدلیل علی الإجزاء علی هذا التفسیر ................................................................ 159

إشکال بعض الأساطین ................................................................................... 160

ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 160

[5] المبنی الخامس: السببیة ................................................................................... 161

نظریة صاحب الکفایة (و هی مشتملة علی بحثین): ...................................... 161

1.البحث الثبوتی (و هو علی وزان ما مضی فی الأمر الاضطراری) ...................... 161

2.البحث الإثباتی (و الحق فیه الإجزاء) ........................................................... 161

و التحقیق یقتضی بیان أقسام السببیة (و هی ثلاثة): ..................................... 161

القسم الأوّل: ما نسب إلی الأشاعرة (و اتّفق الأعلام علی بطلانه لأوجهٍ): ......... 161

الوجه الأوّل و الوجه الثانی و الوجه الثالث .............................................. 162

الوجه الرابع: الدور .................................................................................. 162

الجواب عن الوجه الرابع ................................................................... 163

القسم الثانی ما نسب إلی المعتزلة و هذه السببیة مخدوشة إثباتاً لوجهین: .... 163

الوجه الأوّل ............................................................................................. 163

الوجه الثانی .............................................................................................. 164

القسم الثالث: المصلحة السلوکیة (و فیه بحثان): ........................................... 164

البحث الأول: فی تصویر المصلحة السلوکیة ............................................... 164

إشکال بعض تلامیذ الشیخ ................................................................. 165

جواب المحقق الإصفهانی .................................................................... 165

إیراد بعض الأساطین .......................................................................... 165

ملاحظتنا علیه ................................................................................... 165

البحث الثانی: فی الإجزاء و عدمه بناء علی المصلحة السلوکیة (هنا قولان) 167

القول الأوّل: الإجزاء (اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) .................................... 167

ص: 463

القول الثانی: عدم الإجزاء (اختاره المحقق النائینی و بعض الأساطین) 167

استدلال المحقق النائینی علی هذا القول ....................................... 167

إشکال المحقق الخوئی .................................................................... 167

جواب بعض الأساطین عنه ............................................................ 168

ملاحظتنا علیه ............................................................................... 168

تتمیم: إذا شککنا بین الطریقیة و السببیة (فالبحث فی مقامین) ............. 169

المقام الأوّل: من حیث الإعادة (و فیه قولان) ..................................... 169

القول الأوّل: عدم الإجزاء (اختاره صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی) ... 169

استدلال صاحب الکفایة ................................................................ 169

إیراد المحقق الإصفهانی علی هذا الدلیل ......................................... 169

القول الثانی: الإجزاء (اختاره المحقق الخوئی) .................................. 170

استدلال المحقق الخوئی ................................................................. 170

المقام الثانی: من حیث القضاء (و اختار فیه الإجزاء المحقق الخراسانی و الإصفهانی و الخوئی)

171

بیان صاحب الکفایة .......................................................................... 171

البحث الثانی: مقدمة الواجب

(فیه مقدّمة و فصلان وخاتمة)

المقدمة فی بیان أُمور ثلثة:

الأمر الأوّل: إنّ هذه المسألة هل هی من المباحث الکلامیة أو الفقهیة أو الأُصولیة أو المبادی الأحکامیة؟ (فیه أقوال أربعة): 177

القول الأوّل: إنّها من المسائل الکلامیة ................................................................... 177

الدلیل علی هذا القول ........................................................................................ 177

أجاب عنه السید الخوئی .................................................................................... 177

القول الثانی: إنّها من المسائل الفقهیة .................................................................... 178

الدلیل علیه ......................................................................................................... 178

إشکالان علی هذا الدلیل: .................................................................................. 178

الإشکال الأوّل: ما أفاده المحقق الخوئی ........................................................... 178

الإشکال الثانی: ما أفاده المحقق النائینی ......................................................... 178

جواب المحقق الخوئی عن هذا الإشکال .......................................................... 179

القول الثالث: إنّها من المبادی الأحکامیة اختاره السید البروجردی ..................... 180

ص: 464

الدلیل علی هذا القول ........................................................................................ 180

أجاب عنه فی المحاضرات .................................................................................... 181

القول الرابع: إنّها من المسائل الأُصولیة (و هو الحق) .......................................... 182

الدلیل علیه ......................................................................................................... 182

الأمر الثانی: ما المراد من وجوب المقدمة؟ (فیه وجوه ستة): ......................... 185

الوجه الأوّل: الوجوب العقلی .................................................................................. 185

الوجه الثانی: الوجوب الإرشادی .............................................................................. 185

الوجه الثالث: الوجوب المجازی .............................................................................. 185

الوجه الرابع: الوجوب الشرعی الطریقی ............................................................... 185

الوجه الخامس: الوجوب النفسی ............................................................................ 186

الوجه السادس: الوجوب الغیری التبعی(و هو الحق) .......................................... 186

الأمر الثالث: إنّ النزاع لایختص بالوجوب ................................................ 187

الفصل الأوّل فی ذکر التقسیمات (و فیه أُمور ثلثة):

— الأمر الأوّل: فی تقسیمات المقدّمة (و هی أربعة): .................................. 191

[1] التقسیم الأوّل: المقدمة إمّا داخلیة و إمّا خارجیة و الثانیة قسمان: بالمعنی الأعمّ و بالمعنی الأخصّ (و نبحث فی المقدمة الداخلیة فی ثلثة مواضع و فیه خاتمة): ................................................................................................... 193

الموضع الأوّل: هل یصح إطلاق المقدمة علی الأجزاء الداخلیة؟ (للمقدمة إطلاقان) 194

الإطلاق الأوّل: ما له دخل فی الشیء (و هی لاتصدق علی الأجزاء) ...................... 194

الإطلاق الثانی: مایتوقف علی الشیء (و هی تصدق علی الأجزاء) ........................ 194

الموضع الثانی: بناءً علی صحة إطلاق المقدمة علیها هل یوجد المقتضی لاتصافها بالوجوب الغیری؟ (فیه قولان) 195

القول الأوّل: عدم وجود الاقتضاء اختاره صاحب الکفایة و المحقق الخوئی ........ 195

إشکال بعض الأساطین ......................................................................................... 195

القول الثانی: وجود الاقتضاء (و هو الحق) ............................................................ 195

الموضع الثالث: بناء علی ثبوت المقتضی هل من مانع یمنع عن اتصافها بالوجوب الغیری؟ (فیه قولان) 196

ص: 465

الف) القول الأوّل: وجود المانع (اختاره المحقق الخراسانی و الإصفهانی و العراقی) ............ 196

ب) القول الثانی: عدم المانع (اختاره المحقق النائینی و الخوئی) .......................... 196

بیان صاحب الکفایة: المانع لزوم اجتماع المثلین .............................................. 196

إیراد المحقق النائینی و تبعه المحقق الخوئی .................................................. 196

الدفاع عن صاحب الکفایة بوجوهٍ أربعة ........................................................ 197

الدفاع الأوّل: بیان المحقق العراقی ................................................................. 197

إیراد المحقق الإصفهانی و تبعه المحقق الخوئی ......................................... 197

جواب بعض الأساطین نقضاً و حلاً ........................................................... 198

ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 199

الدفاع الثانی للمحقق الإصفهانی ...................................................................... 199

ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 200

الدفاع الثالث: للمحقق الإصفهانی أیضاً .......................................................... 200

مناقشة بعض الأساطین نقضاً و حلاً ......................................................... 201

الدفاع الرابع: للمحقق الإصفهانی أیضاً ............................................................ 201

الحاصل أنّ الحق مع صاحب الکفایة حیث یری لزوم اجتماع المثلین علی القول بوجوب المقدمة الداخلیة 202

خاتمة فی ثمرة البحث (ادّعی لهذا البحث ثمرتان): .................................................... 203

الثمرة الأُولی: فی مبحث العلم الإجمالی بین الأقل و الأکثر الارتباطیین(فی بیان هذه الثمرة قولان) 203

القول الأوّل: ما أشار إلیه الشیخ فی أحد تقریبی انحلال العلم الإجمالی ......... 203

القول الثانی: ما أفاده المحقق العراقی و هو عکس القول الأوّل ..................... 204

ملاحظات ثلاث علی القول الثانی .................................................................... 205

التحقیق عدم توقف جریان البراءة علی وجوب المقدمة أو عدم وجوبها کما أفاده المحقق الخوئی 205

بیان بعض الأساطین لذلک .................................................................................. 206

الثمرة الثانیة: جواز إفتاء الفقیه بالوجوب و جواز قصد المکلّف فعل الواجب فی مقام الامتثال 206

[2] التقسیم الثانی: (المقدمة علی أربعة أقسام) ......................................... 207

1.مقدمة الوجوب (قال صاحب الکفایة و سائر الأعلام: لا إشکال فی خروجها عن محل النزاع) .... 207

2.المقدمة العلمیة (قال الأعلام بخروجها عن النزاع) ................................................ 208

ص: 466

3.مقدمة الوجود و هی ترجع إلی المقدمة الخارجیة بالمعنی الأخص ...................... 208

4.مقدمة الصحة و هی ترجع إلی المقدمة الخارجیة بالمعنی الأعم........................... 209

[3] التقسیم الثالث: (المقدمة علی ثلاثة أقسام) ..................................................... 211

1.عقلیة (هی داخلة فی محل النزاع) ......................................................................... 211

2.شرعیة ....................................................................................................................... 211

3.عادیة و هی قسمان ................................................................................................ 212

القسم الأوّل لاینبغی دخوله فی محل النزاع .......................................................... 212

القسم الثانی یرجع إلی المقدمة العقلیة .................................................................. 212

[4] التقسیم الرابع: المقدمة إمّا سابقة أو مقارنة أو متأخرة (و الکلام فی إمکان الشرط المتأخر فی أمرین)

213

الأمر الأوّل: الإشکال فی الشرط المتأخر (و له بیانان) ................................................ 214

البیان الأوّل .............................................................................................................. 214

تعمیم الإشکال للشرط المتقدم .......................................................................... 214

أجاب عنه المحقق الخوئی .................................................................................. 215

البیان الثانی (إشکال المحقق النائینی علی الشرط المتأخر) ................................... 215

الأمر الثانی: نظریات الأعلام فی حل هذه المشکلة .................................................... 216

1.نظریة المحقق النراقی: الشرط هو الوجود فی الجملة ........................................ 216

إیراد بعض الأساطین: هذا الجواب فی الحقیقة إنکار القاعدة العقلیة ............. 216

2.نظریة الشیخ الأنصاری ........................................................................................ 216

3.نظریة المجدد الشیرازی ....................................................................................... 217

إیرادان من بعض الأساطین علیها ....................................................................... 219

ملاحظتان علی هذا الإیراد ................................................................................. 219

4.نظریة صاحب الکفایة (و الکلام فیها فی صورتین) ............................................ 220

الصورة الأُولی: شرائط الحکم (الشرط فیها تصور الشیء و وجوده الذهنی ... 220

التقریب الأول .................................................................................................... 220

الإیراد علیه .................................................................................................... 221

التقریب الثانی ..................................................................................................... 221

الإیراد علیه .................................................................................................... 221

التقریب الثالث .................................................................................................. 222

الإیراد علیه .................................................................................................... 222

ص: 467

إشکال المحقق النائینی علی نظریة صاحب الکفایة ................................. 223

یلاحظ علیه: ............................................................................................ 223

الصورة الثانیة: شرائط المأمور به ...................................................................... 225

إشکالان علی ما أفاده فی هذه الصورة ............................................................ 225

الإشکال الأوّل: ما أفاده المحقق النائینی ......................................................... 225

جوابان من المحقق الخوئی بالنقض و الحلّ .............................................. 226

الإشکال الثانی: ما أفاده بعض الأساطین .......................................................... 227

نقض علی هذا البیان ............................................................................... 227

أجاب عنه الشیخ الرئیس ......................................................................... 227

ملخّص الکلام فی الأمر الثانی .............................................................................. 228

— الأمر الثانی فی تقسیم الوجوب إلی المطلق و المشروط (و فیه مقدمة و ناحیتان) . 231

[1] المقدمة (و فیه مطالب ثلاثة) ............................................................................ 233

المطلب الأوّل: تعریف المطلق و المشروط ................................................................ 233

قال صاحب الکفایة: هذه التعاریف لفظیة .......................................................... 234

المطلب الثانی: هل هذا التقسیم من تقسیمات الوجوب أو الواجب؟ .................... 235

نظریة صاحب الکفایة: هو من تقسیمات الواجب ............................................... 235

إیراد المحقق الخوئی و بعض الأساطین: علی مبنی صاحب الکفایة هو من تقسیمات الوجوب 235

المطلب الثالث: الإطلاق و التقیید أمران إضافیان لا حقیقیان ................................. 236

[2] الناحیة الأُولی: القیود المأخوذة فی الأدلّة علی نحو الشرطیة ترجع إلی الهیأة أو المادّة؟ (و فیه موضعان): 237

الموضع الأوّل: فی ذکر الأقوال (و هی ثلثة) ............................................................... 237

القول الأوّل: القیود ترجع إلی الهیأة (و هو المعروف بینهم) .................................... 237

القول الثانی: القیود ترجع إلی المادّة (و هو المنسوب إلی الشیخ الأنصاری) ................. 237

القول الثالث: القیود ترجع إلی اتصاف المادّة بالوجوب (اختاره المحقق النائینی) ... 238

الموضع الثانی: فی ذکر الأدلّة ....................................................................................... 239

أورد علی القول الأوّل بعدم إمکان رجوع القید إلی الهیأة لوجوهٍ: ....................... 239

ص: 468

الف) الوجه الأوّل .................................................................................................... 239

أجوبة أربعة عن هذا الوجه .............................................................................. 239

الجواب الأوّل من المحقق الخراسانی ........................................................... 239

الإشکال علیه ........................................................................................... 240

الجواب الثانی من المحقق الخراسانی أیضاً ................................................... 240

الإشکال علیه ........................................................................................... 240

الجواب الثالث من المحقق العراقی ............................................................ 240

الإشکال علیه ........................................................................................... 241

إیراد المحقق النائینی علی هذه الأجوبة .................................................. 241

ملاحظتنا علی هذا الإشکال................................................................ 241

الجواب الرابع من المحقق الإصفهانی .......................................................... 241

إشکال بعض الأساطین علی هذا الجواب .................................................. 242

ملاحظتنا علی هذا الإشکال ...................................................................... 243

ب) الوجه الثانی: ما اعتمد علیه المحقق النائینی .................................................. 243

جوابان عن هذا الوجه ....................................................................................... 243

1.ما أجاب به المحقق الإصفهانی ................................................................. 243

2.ما أجاب به المحقق الخوئی (و هو اثنان) ............................................... 244

ملاحظتنا علیه بالنسبة إلی جوابه الأول: هو مبنائی و لایمکن لنا الالتزام به .. 244

ج) الوجه الثالث: ما أفاده صاحب الکفایة فی «إن قلت» .................................... 245

تقریر الوجه الثالث علی ما فی المحاضرات ........................................................ 245

أجوبة أربعة عن هذا الوجه .............................................................................. 245

الجواب الأوّل من صاحب الکفایة .............................................................. 245

إشکالان علی هذا الجواب ........................................................................ 246

1.ما أفاده السید الخوئی ........................................................................... 246

2.ما أفاده بعض الأساطین ....................................................................... 246

الجواب الثانی من المحقق الإصفهانی ........................................................... 246

الجواب الثالث من المحقق الخوئی .............................................................. 247

إشکال بعض الأساطین ............................................................................. 248

الجواب الرابع من بعض الأساطین ................................................................ 249

ملاحظات ثلاث علی هذا الجواب ............................................................. 250

استدلال الشیخ الأنصاری علی القول الثانی ............................................................. 251

جوابان عن هذا الاستدلال ................................................................................. 251

ص: 469

1.ما أفاده صاحب الکفایة .......................................................................... 251

2.ما أفاده المحقق الخوئی ............................................................................ 252

[3] الناحیة الثانیة: إذا تردد أمر القید بین الرجوع إلی الهیأة و المادّة فما مقتضی الأصل؟ (هنا مقامان): 255

المقام الأوّل: مقتضی الأصل اللفظی (و فیه قولان) .................................... 255

القول الأوّل: رجوعه إلی المادّة (و هو مختار الشیخ و المحقق النائینی) ............. 255

القول الثانی: رجوعه إلی الهیأة (و هو مختار صاحب الکفایة و المحقق الخوئی و استدل الشیخ بوجهین) 255

الاستدلال الأول للشیخ: (و هو مشتمل علی دعویین): .................................... 255

(1) الدعوی الأُولی کبروی و هو تقدیم الإطلاق الشمولی علی البدلی ............... 256

إیراد صاحب الکفایة ...................................................................................... 256

و أوضحه المحقق الخوئی ................................................................................ 257

دفاع المحقق النائینی عن الشیخ بوجوه ثلثة: ................................................. 257

الوجه الأوّل ............................................................................................. 257

إیرادان من المحقق الخوئی ................................................................. 258

ملاحظتنا علی إیرادان ....................................................................... 258

الوجه الثانی .............................................................................................. 260

إیراد المحقق الخوئی ........................................................................... 261

الوجه الثالث ........................................................................................... 261

إیراد المحقق الخوئی ........................................................................... 261

(2) الدعوی الثانیة و هی صغروی ................................................................. 262

إیراد المحقق الخوئی تبعاً للمحقق النائینی ........................................ 262

الاستدلال الثانی للشیخ ....................................................................................... 263

إیرادان علی هذا الوجه: ................................................................................. 264

1.ما أفاده صاحب الکفایة ............................................................................. 264

جواب المحقق الخوئی ..................................................................................... 265

2.ما أفاده المحقق الخوئی ............................................................................... 265

تنبیه: تحقیق حول معنی الإطلاق و التقیید فی الهیأة و المادّة (أفاده المحقق الخوئی) 266

المقام الثانی: مقتضی الأصل اللفظی و هو البراءة ....................................... 268

— الأمر الثالث فی تقسیمات الواجب (و هی ثلثة) ..................................... 269

ص: 470

[1] التقسیم الأوّل: الواجب إمّا مطلق أو مشروط و المطلق إمّا معلّق أو منجّز (أفاده صاحب الفصول و فیه ثلاثة مواضع و تنبیه)

271

الموضع الأوّل: فی ما أُورد علی صاحب الفصول و هی ثلثة ...................................... 272

الإیراد الأوّل: ما أفاده الشیخ الأنصاری من إنکار الواجب المعلّق ........................ 272

الإیراد الثانی: ما أفاده صاحب الکفایة ................................................................... 272

جواب المحقق الإصفهانی عن هذا الإیراد .......................................................... 273

الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی ............................................................. 273

جواب بعض الأساطین ......................................................................................... 274

ملاحظتنا علیه .................................................................................................... 274

الموضع الثانی: فی إمکان الواجب المعلّق ثبوتاً (فیه قولان) ...................................... 276

(1) القول الأوّل: استحالته (و استدلّ علیها بأوجه ثلثة) ...................................... 276

الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقق النهاوندی و نسب إلی المحقق الفشارکی ....... 276

إیرادان علی هذا الوجه .................................................................................. 277

الإیراد الأول: ما أفاده صاحب الکفایة ............................................................ 277

جواب المحقق الإصفهانی .......................................................................... 278

إشکالان من بعض الأساطین ..................................................................... 282

الإشکال الأوّل بالنقض .............................................................................. 282

و الجواب عنه ما أفاده المحقق الإصفهانی ................................................ 282

الإشکال الثانی بالحلّ ................................................................................ 282

ملاحظات ثلاث علیه ................................................................................ 283

الإیراد الثانی: ما أفاده بعض الأساطین ............................................................. 284

ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 285

الدلیل الثانی: ما أفاده صاحب الکفایة .............................................................. 285

إیراد علی هذا الوجه ...................................................................................... 285

الدلیل الثالث: ما أفاده المحقق النائینی ........................................................... 285

إیراد المحقق الخوئی ....................................................................................... 286

(2) القول الثانی: إمکانه .......................................................................................... 286

تحقیق المحقق الخوئی فی إمکان الواجب المعلّق .............................................. 286

الموضع الثالث: ثمرة البحث (و هی تظهر فی ثلاث مسائل) ..................................... 288

المقدمة (و فیها مطلبان): ....................................................................................... 289

ص: 471

المطلب الأوّل: الامتناع بالاختیار هل ینافی الاختیار؟ (هنا مسالک ثلثة): .......... 289

المسلک الأوّل: ینافی عقاباً و خطاباً ............................................................ 289

إیراد المحقق الخوئی ........................................................................... 289

المسلک الثانی: لاینافی عقاباً و خطاباً اختاره المحقق القمی ........................ 289

إیراد المحقق الخوئی ........................................................................... 289

المسلک الثالث: ینافی خطاباً لا عقاباً و هو الحق ....................................... 290

المطلب الثانی .................................................................................................. 290

المسألة الأُولی: المقدمات المفوتة و یقع البحث فی مقام الثبوت و الإثبات (و فیها مقدمة أفادها المحقق الخوئی)

291

المقام الأوّل: مقام الثبوت (یتصوّر فیه وجهان) .................................................. 291

الوجه الأوّل: أن یکون ملاک الواجب تامّاً و القدرة غیر دخیلة فی ملاکه (و فیه نظریات) 291

1.نظریة صاحب هدایة المسترشدین و صاحب البدائع و المحقق البروجردی 290

إیراد علیها ......................................................................................... 292

2.نظریة صاحب الفصول ......................................................................... 293

إیراد علیها ......................................................................................... 293

3.نظریة الشیخ الأنصاری ......................................................................... 293

إیراد علیها ......................................................................................... 293

4.نظریة المحقق الخراسانی و البروجردی .................................................. 293

إیراد علیها ......................................................................................... 294

5.نظریة المحقق الإصفهانی ....................................................................... 294

6.نظریة المحقق النائینی ......................................................................... 295

إیراد بعض الأساطین .......................................................................... 296

7.نظریة المحقق الخوئی ........................................................................... 296

إیراد بعض الأساطین .......................................................................... 296

8.نظریة بعض الأساطین .......................................................................... 297

الوجه الثانی: أن تکون القدرة دخیلة فی ملاک الواجب .................................... 297

بیان المحقق الخوئی .................................................................................. 298

المقام الثانی: مقام الإثبات ..................................................................................... 301

بیان المحقق الخوئی ........................................................................................ 301

المسألة الثانیة: وجوب التعلّم (فیها صورتان) ...................................................... 303

الصورة الأُولی: إذا علم المکلّف أو اطمأن بالابتلاء (هنا أقوال أربعة فی وجوبه) 303

1.وجوبه نفسی تهیؤی (أفاده المحقق الأردبیلی و العاملی) ............................. 303

ص: 472

2.وجوبه عقلی لا شرعی (أفاده المشهور والشیخ الأنصاری) ............................ 303

3.وجوبه عقلی بملاک لزوم دفع الضرر المحتمل (أفاده المحقق النائینی) ......... 304

4.التفصیل بین أربع صور أفاده المحقق الخوئی .......................................... 305

الصورة الثانیة: إذا احتمل الابتلاء (و فیها أقوال ثلاثة) ................................... 307

1.وجوب التعلّم (و هو قول المشهور) ........................................................... 307

2.وجوب التعلّم فی الموارد المبتلی بها عادة (أفاده المحقق الخوئی) ................. 308

3. الإشکال فی عدم الوجوب ........................................................................... 308

4.عدم وجوب التعلّم ..................................................................................... 308

استدلّ علی القول الثالث باستصحاب عدم الابتلاء .......................................... 308

إیرادات أربعة علی هذا الإستدلال ........................................................... 309

1.ما أفاده صاحب الجواهر ...................................................................... 309

جواب عن هذا الإیراد .............................................................................. 309

2.ما أفاده المحقق النائینی ....................................................................... 309

جواب المحقق الخوئی ................................................................................ 309

3.ما أفاده المحقق الخوئی ........................................................................ 310

جواب بعض الأساطین ............................................................................. 310

4.ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً ................................................................ 311

جواب بعض الأساطین ............................................................................. 311

المسألة الثالثة: الواجبات التدریجیة ...................................................................... 313

تنبیه (و فیه

مطالب ثلثة): ....................................................................................... 314

المطلب الأوّل: تعلم الصبی غیر البالغ (هل یجب التعلّم علیه؟ قولان) ........... 314

القول الأوّل: وجوب التعلّم (اختاره المحقق النائینی و بعض الأساطین .......... 314

القول الثانی: عدم وجوب التعلّم ( اختاره المحقق الخوئی) .............................. 314

استدلال المحقق النائینی علی القول الأوّل ...................................................... 314

إیراد المحقق الخوئی ....................................................................................... 314

جواب بعض الأساطین .................................................................................... 315

ملاحظتان علیه .............................................................................................. 315

الحق فی المقام ................................................................................................ 316

المطلب الثانی: وجوب التعلّم نفسی أو غیری أو تهیؤی أو إرشادی أو طریقی؟ (ففیه خمسة أوجه): 316

الوجه الأوّل: الوجوب النفسی (اختاره المحقق الأردبیلی) ................................ 316

الاستدلال علی الوجه الأوّل ............................................................................. 316

ص: 473

إیرادات ثلاثة علیه: ........................................................................................ 316

الإیراد الأوّل ............................................................................................. 316

جواب بعض الأساطین ............................................................................. 317

الإیراد الثانی ............................................................................................. 317

جواب بعض الأساطین ............................................................................. 317

الإیراد الثالث ........................................................................................... 317

الحق فی المقام أنّ التعلّم مطلوب بنفسه أمّا وجوبه فلیس نفسیاً ............ 318

الوجه الثانی: الوجوب الغیری ............................................................................ 318

الاستدلال علی الوجه الثانی ............................................................................. 318

إیراد المحقق الخوئی ................................................................................. 319

الوجه الثالث: الوجوب التهیؤی (و هو الظاهر) .............................................. 319

الوجه الرابع: الوجوب الإرشادی (اختاره بعض الأساطین) ................................ 319

الاستدلال علی هذا الوجه ............................................................................... 319

إیراد المحقق الخوئی ................................................................................. 320

جواب بعض الأساطین ............................................................................. 321

الوجه الخامس: الوجوب الطریقی (اختاره المحقق الخوئی) ............................ 323

استدلال المحقق الخوئی علی هذا الوجه ......................................................... 323

إیراد بعض الأساطین ................................................................................ 324

المطلب الثالث: هل تارک تعلّم مسائل الشک و السهو المبتلی بها فاسق؟ .......... 326

قال الشیخ فی صراط النجاة: هو فاسق ........................................................... 326

إیراد المحقق النائینی ............................................................................... 326

جواب المحقق الخوئی ............................................................................... 327

الإیراد علی هذا الجواب ........................................................................... 327

[2] التقسیم الثانی: الواجب إمّا نفسی و إمّا غیری (و فیه موضعان و تنبیهان): .. 329

الموضع الأوّل: تعریف الواجب النفسی و الغیری (و فیه ستة تعاریف): ............... 329

1.تعریف المشهور ................................................................................................... 329

إیراد الشیخ علیه ................................................................................................ 329

2.تعریف الشیخ ...................................................................................................... 330

إیراد صاحب الکفایة علیه ................................................................................. 331

دفاع عن الشیخ .................................................................................................. 331

أجاب عنه صاحب الکفایة ................................................................................. 331

ص: 474

3.تعریف صاحب الکفایة ....................................................................................... 332

إیرادات أربعة علیه ............................................................................................ 332

الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الإصفهانی ........................................................... 332

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الإصفهانی أیضاً .................................................. 334

الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق النائینی ........................................................... 335

الإیراد الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی ............................................................... 335

4.تعریف المحقق الإصفهانی .................................................................................... 335

إیرادان من بعض الأساطین ................................................................................ 337

ملاحظتنا علیه .............................................................................................. 337

5.نظریة المحقق النائینی ........................................................................................ 338

ناقشه المحقق الخوئی ......................................................................................... 339

6.نظریة المحقق الخوئی...........................................................................................

340

إیراد بعض الأساطین .......................................................................................... 340

الموضع الثانی: إذا شک فی واجب أنّه نفسی أو غیری فما مقتضی الأصل؟ (فیه مقامان) ... 342

المقام الأوّل: مقتضی الأصل اللفظی (هو الوجوب النفسی و فی تقریر ذلک نظریات) ...... 342

1.نظریة الشیخ ................................................................................................... 342

2.نظریة المشهور و صاحب الکفایة .................................................................. 343

إیراد الشیخ علیها ........................................................................................... 343

جوابان عن هذا الإیراد ................................................................................... 343

جواب الأول: ما أفاده صاحب الکفایة ............................................................ 343

إیراد المحقق الإصفهانی علی جواب صاحب الکفایة ................................. 344

جواب الثانی عن إیراد الشیخ للمحقق الإصفهانی ............................................ 345

3.نظریة المحقق الإصفهانی ................................................................................ 346

4.نظریة المحقق الإیروانی (و اختارها بعض الأساطین) .................................... 346

المقام الثانی: مقتضی الأصل العملی (و فیه نظریات) ........................................... 348

1.نظریة صاحب الکفایة .................................................................................... 348

إیراد المحقق الإیروانی علیها ............................................................................ 348

جواب بعض الأساطین .................................................................................... 349

2.نظریة المحقق الإصفهانی ................................................................................ 350

قال المحقق الخوئی: هنا صور أربع: ................................................................ 350

نظریة المحقق الخوئی فی الصورة الأُولی و الثانیة و الثالثة ............................... 351

ص: 475

3. نظریة المحقق النائینی فی الصورة الرابعة حول الجهات الثلاث................... 353

4. نظریة المحقق الخوئی حول الجهات الثلاث................................................. 354

إیرادان علی نظریة المحقق الخوئی ................................................................. 356

المناقشة الأولی: ما أفاده فی تحقیق الأصول .............................................. 356

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................................ 356

المناقشة الثانیة ........................................................................................ 356

التنبیه الأوّل: فی ترتب الثواب و العقاب علی الواجب النفسی و الغیری (و فیه مطالب أربعة): 359

المطلب الأوّل: فی بیان وجوه ترتب الثواب و العقاب علی الواجب النفسی ........ 359

قال المحقق الإصفهانی: هی ثلاثة ....................................................................... 359

إیراد بعض الأساطین .......................................................................................... 361

ملاحظتنا علیه .................................................................................................... 361

المطلب الثانی: ترتب الثواب علی الواجب النفسی بالاستحقاق أو بالتفضل؟ ....... 362

القول الأوّل: هو بالاستحقاق (و هو مختار معظم الفقهاء و المتکلمین) ....... 362

القول الثانی: هو بالتفضل (و هو مختار الشیخ المفید) .................................... 362

تحقیق المحقق الخوئی و هو مستفاد من کلام المحقق الاصفهانی ................... 362

المطلب الثالث: ترتب الثواب و العقاب علی الواجب الغیری .............................. 363

المطلب الرابع: هل ثواب امتثال الأمر الغیری غیر ثواب امتثال الأمر النفسی؟ فیه قولان: 363

القول الأول: الثواب واحد (و هو مختار صاحب الکفایة و المحقق النائینی) 363

الاستدلال علی وحدة الثواب .......................................................................... 363

القول الثانی: الثواب متعدد (و هو مختار المحقق الخوئی) .............................. 364

الاستدلال علی تعدد الثواب ........................................................................... 364

التنبیه الثانی: منشأ عبادیة الطهارات الثلاث (و الأقوال فیه ستة) .......................... 365

القول الأول: الأمر الغیری ....................................................................................... 366

إیرادان من المحقق النائینی ............................................................................... 366

القول الثانی: الأمر النفسی الاستحبابی (أفاده صاحب الکفایة) .............................. 367

إیرادات ثلثة من المحقق النائینی ...................................................................... 367

الإیراد الأوّل ........................................................................................................ 367

ص: 476

جواب المحقق الخوئی ..................................................................................... 368

الإیراد الثانی ........................................................................................................ 368

أجوبة ثلثة من المحقق الخوئی ....................................................................... 368

الإیراد الثالث ...................................................................................................... 369

جواب صاحب الکفایة ................................................................................... 370

مناقشتان من المحقق النائینی ........................................................................ 370

القول الثالث: الأمر النفسی الضمنی (أفاده المحقق النائینی) .............................. 371

إیراد المحقق الخوئی ........................................................................................... 372

القول الرابع: أحد الأمرین: الأمر النفسی الاستحبابی و قصد التوصل بها إلی الواجب (أفاده المحقق الخوئی) 372

القول الخامس: أحد أُمور ثلثة: الأمران المذکوران فی القول الرابع و قصد الأمر الغیری (أفاده بعض الأساطین) 373

القول السادس: أحد أُمور أربعة: الأُمور المذکورة فی القول الخامس و قصد المحبوبیة الذاتیة و هوالحق 373

[3] التقسیم الثالث: الواجب إمّا أصلی و إمّا تبعی (و لهما تفسیران) .................. 375

التفسیر الأوّل: بحسب مقام الثبوت (و هو مختار صاحب الکفایة) ...................... 375

تحقیق المحقق الإصفهانی ........................................................................................ 376

التفسیر الثانی: بحسب مقام الإثبات (و هو مختار المحقق القمی و صاحب الفصول) ......... 377

إیراد المحقق الخوئی ................................................................................................ 378

الفصل الثانی فی تحقیق المسألة

(فیه أُمور ثلثة و تذنیب)

— الأمر الأوّل فی ذکر الأقوال و مناقشتها ................................................................. 381

أمّا الأقوال فهی خمسة: ...................................................................... 381

القول الأول: وجوب المقدمة مشروطاً بإرادة ذی المقدمة (اختاره صاحب المعالم) ... 381

القول الثانی: وجوب المقدمة التی قصد بها التوصل إلی الواجب (اختاره الشیخ الأنصاری) 381

القول الثالث: وجوب المقدمة الموصلة إلی إتیان ذی المقدمة (اختاره صاحب الفصول) 382

القول الرابع: وجوب المقدمة مطلقاً (و هو قول المشهور) ................................... 382

القول الخامس: إهمال الوجوب بالنسبة إلی الإیصال (اختاره صاحب الحاشیة والمحقق النائینی) 383

ص: 477

و أمّا مناقشة الأقوال: ......................................................................... 384

[1] إیرادان من المحقق الخوئی علی القول الأوّل ................................................... 384

مناقشة علی الإیراد الثانی ................................................................................ 384

[2] إشکال صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی علی القول الثانی ........................ 384

بیان المحقق الإصفهانی لنظریة الشیخ: إن الوجه فی اعتبار قصد التوصل مرکب من أمرین: 385

الأمر الأوّل ...................................................................................................... 385

اعتراض المحقق الإصفهانی علیه ................................................................ 386

إیراد المحقق الخوئی ................................................................................. 387

الأمر الثانی ...................................................................................................... 387

اعتراض المحقق الإصفهانی ......................................................................... 388

إیراد المحقق الخوئی ................................................................................. 389

احتمالات ثلثة فی کلام الشیخ و تفسیرها (أفادها المحقق النائینی) .......... 390

[3] مناقشات أربع علی القول الثالث .................................................................... 393

الإیراد الأول: ما أفاده صاحب الکفایة .............................................................. 393

جوابان من المحقق الخوئی ............................................................................. 393

الإیراد الثانی:ما أفاده صاحب الکفایة أیضاً ....................................................... 394

جواب المحقق الخوئی ..................................................................................... 394

الإیراد الثالث: ما أفاده صاحب الکفایة أیضاً ................................................... 395

جوابان من المحقق الخوئی ............................................................................. 395

الإیراد الرابع: ما أفاده المحقق النائینی ............................................................. 396

جواب المحقق الخوئی ..................................................................................... 397

ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 398

أدلّة القول الثالث (و هی سبعة) .............................................................................. 400

1.ما أفاده صاحب الفصول ..................................................................................... 400

إیراد صاحب الکفایة .......................................................................................... 400

جواب المحقق الخوئی ......................................................................................... 400

2.ما أفاده صاحب الفصول أیضاً ............................................................................ 401

ص: 478

إیراد صاحب الکفایة .......................................................................................... 401

جواب المحقق الخوئی ......................................................................................... 402

3.ما أفاده صاحب الفصول أیضاً ............................................................................ 402

إیرادان من صاحب الکفایة ............................................................................... 402

الإیراد الأول ........................................................................................................ 402

أجاب عنه المحقق الإصفهانی و الخوئی ............................................................ 403

الإیراد الثانی ........................................................................................................ 403

أجاب عنه المحقق الخوئی ............................................................................... 403

4.ما أفاده صاحب العروة ....................................................................................... 403

إیرادان من صاحب الکفایة: .............................................................................. 404

جواب المحقق الخوئی ..................................................................................... 405

5.التقریب الأوّل الذی قاله المحقق الإصفهانی ....................................................... 405

إیراد السید الصدر علیه ..................................................................................... 406

یلاحظ علیه .................................................................................................. 407

6.التقریب الثانی الذی قاله المحقق الإصفهانی و اختاره المحقق الصدر ............... 407

إیرادات خمسة من بعض الأساطین .................................................................. 408

ملاحظتنا علیه .................................................................................................... 409

7.الحصة التوأمة التی أفادها المحقق العراقی ....................................................... 411

إشکالان من السید الصدر .................................................................................. 512

[4] یکفی فی الإیراد علی القول الرابع الأدلّة الواردة لإثبات وجوب خصوص المقدمة الموصلة 407

[5] الاستدلال علی القول الخامس ......................................................................... 413

الإیراد علیه ......................................................................................................... 413

— الأمر الثانی: مقتضی الأدلّة اللفظیة و العقلیة فی مسألة وجوب المقدمة (هنا أقوال أربعة نذکرها مع أدلّتها) 415

أمّا الأقوال: فهی أربعة ....................................................................... 415

1.وجوب المقدمة شرعاً مطلقاً (اختاره الشیخ و صاحب الکفایة و المحقق النائینی) ......... 415

ص: 479

2.عدم وجوب المقدمة شرعاً مطلقاً (اختاره المحقق الإصفهانی و الخوئی و الروحانی) ....... 416

3.التفصیل بین السبب و غیره (اختاره علم الهدی و صاحب المعالم) ............................. 417

4.التفصیل بین المقدمة الشرعیة و غیرها (اختاره العضدی و الحاجبی) ........................ 418

و أمّا الأدلّة: ..................................................................................... 420

[1] قد استدلّ علی القول الأوّل بوجوه أربعة: ...................................................... 420

الوجه الأوّل: أفاده الشیخ و صاحب الکفایة و المحقق النائینی ...................... 420

إیرادان علی هذا الوجه .................................................................................. 421

الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الإصفهانی ......................................................... 421

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی .............................................................. 422

تحقیق بعض الأساطین ................................................................................... 423

الوجه الثانی أفاده صاحب الکفایة ..................................................................... 423

إیراد المحقق الإصفهانی و تبعه المحقق الخوئی ................................................ 424

الوجه الثالث أفاده صاحب الکفایة .................................................................. 424

إیرادان من المحقق الخوئی ............................................................................. 425

الوجه الرابع ........................................................................................................ 425

ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 425

[2] الاستدلال علی القول الثانی ............................................................................... 426

[3] الاستدلال علی القول الثالث ............................................................................ 427

إیرادان من صاحب الکفایة ............................................................................ 427

[4] الاستدلال علی القول الرابع .............................................................................. 428

إیرادات ثلثة من صاحب الکفایة .................................................................... 428

الإیراد الأوّل ............................................................................................. 428

مناقشة بعض الأساطین ............................................................................ 428

الإیراد الثانی ............................................................................................. 428

مناقشة بعض الأساطین ............................................................................ 429

الإیراد الثالث ........................................................................................... 429

— الأمر الثالث: مقتضی الأصل العملی ................................................... 431

أمّا الأصل فی المسألة الأُصولیة (ففیه نظریتان) .......................................... 431

ص: 480

النظریة الأُولی: من صاحب الکفایة و تبعه المحقق الخوئی .................................. 431

إیرادان من المحقق الإصفهانی و تبعه بعض الأساطین ..................................... 432

النظریة الثانیة: عن بعض الأساطین ....................................................................... 432

و أمّا الأصل فی المسألة الفقهیة ............................................................. 433

نظریة صاحب الکفایة: استصحاب عدم الوجوب أو أصالة البراءة و قد أُورد علی کل منهما 433

أمّا الاستصحاب ففیه إیرادان ............................................................................. 433

الإیراد الأول: بیان توهم عدم وجود المقتضی للاستصحاب .............................. 433

جواب صاحب الکفایة ................................................................................... 433

مناقشة المحقق الإصفهانی و تبعه بعض الأساطین .......................................... 434

الإیراد الثانی: من المحقق الخوئی ........................................................................ 434

ملاحظتنا علیه: و الحق عدم وروده کما أفاد المحقق الإصفهانی ...................... 434

و أمّا البراءة فقد أورد علیها المحقق الخوئی ...................................................... 434

— تذنیب فی ثمرة البحث عن مقدمة الواجب (قد ذکر ستّ ثمرات:) .................... 437

الثمرة الأولی: ما أفاده صاحب الکفایة ................................................... 437

إیراد المحقق الخوئی ................................................................................................ 437

جواب بعض الأساطین ............................................................................................. 438

الثمرة الثانیة: ما أفاده فی المحاضرات ..................................................... 438

إیراد المحقق الخوئی ................................................................................................ 438

جواب بعض الأساطین ............................................................................................. 439

الثمرة الثالثة: ما جاء فی الکفایة ............................................................ 439

إیرادات ثلثة علی هذه الثمرة ................................................................................ 440

الإیراد الأوّل: لصاحب الکفایة ................................................................................ 440

تقریر المحقق الخوئی لهذه الثمرة فی مورد خاص .................................................. 440

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی ..................................................................... 440

الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً .......................................................... 441

ص: 481

الثمرة الرابعة: ما جاء فی الکفایة ........................................................... 441

إیرادان علی هذه الثمرة ......................................................................................... 441

الإیراد الأوّل: ما أفاده المحقق الخوئی تبعاً لصاحب الکفایة ................................. 441

جواب بعض الأساطین ........................................................................................ 442

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی ..................................................................... 442

جواب بعض الأساطین عن الإیراد الأوّل جواب عنه أیضاً ................................ 443

الثمرة الخامسة: ما جاء فی الکفایة ........................................................ 443

إیرادات خمسة من المحقق الخوئی ........................................................................ 444

جوابان من بعض الأساطین ..................................................................................... 445

الثمرة السادسة: ما نسب إلی الوحید البهبهانی .......................................... 445

إیرادان من صاحب الکفایة .................................................................................... 446

الإیراد الأوّل ........................................................................................................ 446

مناقشة المحقق الخوئی ....................................................................................... 447

الإیراد الثانی ........................................................................................................ 447

مناقشة بعض الأساطین ...................................................................................... 448

— خاتمة فی مقدمة المستحب و الحرام و المکروه ....................................... 451

أمّا مقدمة المستحب .......................................................................... 451

و أمّا مقدمة الحرام أو المکروه (ففیها نظریتان) ........................................ 451

1.نظریة صاحب الکفایة: هی علی قسمین ........................................................... 451

2.نظریة المحقق النائینی: هی علی ثلثة أقسام ..................................................... 452

مناقشة المحقق الخوئی ....................................................................................... 453

ص: 482

فهرس الآیات و الروایات

الآیات:

(إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ) 423

(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُون) 311

(فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِی الْحَجِّ) 119

(فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیمَّمُوا صَعیداً طَیباً) 83, 85, 89

(قُلْ هَلْ یسْتَوِی الَّذینَ یعْلَمُونَ وَ الَّذینَ لا یعْلَمُونَ) 317

(وَ ما یسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصیرُ)... 317

(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ) 341

الروایات:

إِذَا لَمْ یجِدِ الْمُسَافِرُ الْمَاءَ فَلْیطْلُبْ مَا دَامَ فِی الْوَقْتِ فَإِذَا خَافَ أَنْ یفُوتَهُ الْوَقْتُ فَلْیتَیمَّمْ وَ لْیصَلِّ 89

الْعِلْمُ وَدِیعَةُ اللَّهِ فِی أَرْضِهِ.......... 318

الْعَمْرِی ثِقَتِی فَمَا أَدَّی إِلَیکَ عَنِّی فَعَنِّی یؤَدِّی وَ مَا قَالَ لَکَ عَنِّی فَعَنِّی یقُولُ فَاسْمَعْ لَهُ وَ أَطِعْ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ 160

الْعَمْرِی وَ ابْنُهُ ثِقَتَانِ فَمَا أَدَّیا إِلَیکَ عَنِّی فَعَنِّی یؤَدِّیانِ وَ مَا قَالا لَکَ فَعَنِّی یقُولَانِ فَاسْمَعْ لَهُمَا وَ أَطِعْهُمَا فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ الْمَأْمُونَانِ 160

صَلِّ مَعَهُمْ یخْتَارُ اللَّهُ أَحَبَّهُمَا إِلَیهِ....... 52

صَلِّ وَ اجْعَلْهَا لِمَا فَات.............. 50

فِی الرَّجُلِ یصَلِّی الصَّلَاةَ وَحْدَهُ ثُمَّ یجِدُ

ص: 483

جَمَاعَةً قَالَ یصَلِّی مَعَهُمْ وَ یجْعَلُهَا الْفَرِیضَةَ إِنْ شَاءَ 48, 49

لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُور................ 429

لَا ینْبَغِی لِلرَّجُلِ أَنْ یدْخُلَ مَعَهُمْ فِی صَلَاتِهِمْ وَ هُوَ لَا ینْوِیهَا صَلَاةً بَلْ ینْبَغِی لَهُ أَنْ ینْوِیهَا وَ إِنْ کَانَ قَدْ صَلَّی فَإِنَّ لَهُ صَلَاةً أُخْرَی 50

لَیسَ الْعِلْمُ بِکَثْرَةِ التَّعَلُّمِ وَ إِنَّمَا هُوَ نُورٌ یقْذِفُهُ اللَّهُ تَعَالَی فِی قَلْبِ مَنْ یرِیدُ اللَّهُ أَنْ یهْدِیهُ 318

مَا مِنْ عَبْدٍ یصَلِّی فِی الْوَقْتِ وَ یفْرُغُ ثُمَ یأْتِیهِمْ وَ یصَلِّی مَعَهُمْ وَ هُوَ عَلَی وُضُوءٍ إِلَّا کَتَبَ اللَهُ لَهُ خَمْساً وَ عِشْرِینَ دَرَجَةً. 47

مَا مِنْکُمْ أَحَدٌ یصَلِّی صَلَاةً فَرِیضَةً فِی وَقْتِهَا ثُمَ یصَلِّی مَعَهُمْ صَلَاةً تَقِیةً وَ هُوَ مُتَوَضِّئٌ إِلَّا کَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا خَمْساً وَ عِشْرِینَ دَرَجَةً فَارْغَبُوا فِی ذَلِکَ 47

ص: 484

فهرس الأعلام

الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) 47, 48, 49, 50, 51

الإمام الکاظم (علیه السلام) ................. 159

الإمام الرضا (علیه السلام) .................. 160

الإمام العصر (عجل الله تعالی فرجه)................... 252

الف)

ابن الولید.......................... 58

أَبِی بَصِیرٍ....................... 51, 53

أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ................... 159

أحمد بن محمد بن عیسی.............. 60

إسحاق بن عمّار..................... 50

آیة الله التبریزی..................... 62

ب)

بعض الأساطین 22, 25, 29, 35, 53, 62, 63, 75, 89, 96, 100, 101, 102, 116, 125, 134, 136, 137, 139, 145, 151, 154, 160, 165, 167, 168, 195, 198, 201, 206, 216, 219, 235, 242, 246, 248, 249, 274, 282, 284, 296, 297, 308, 310, 311, 314, 315, 317, 321, 324, 337, 340, 349, 361, 366, 373, 411, 423, 428, 429, 431, 435, 438, 439, 442, 443, 445, 448

ح)

الحاجبی......................... 419

ز)

زرارة بن أعین......... 50, 53, 89, 149

س)

سهل بن زیاد....................... 53

السید الزنجانی.................. 53, 62

ص: 485

السید الصدر 357, 405, 406, 408, 412

السید المجاهد الطباطبائی............ 23

السید المجدّد الشیرازی 217, 220, 222, 228

السید المحقق البروجردی 25, 133, 149, 291

ش)

الشهید الثانی....................... 57

الشیخ الأنصاری 57, 116, 145, 204, 216, 228, 235, 237, 239, 242, 251, 252, 255, 257, 263, 264, 265, 272, 293, 303, 305, 306, 326, 327, 329, 330, 331, 342, 343, 344, 345, 346, 347, 373, 381, 385, 390, 391, 415

الشیخ الرئیس............... 227, 234

ص)

صاحب البدائع................... 291

صاحب الجواهر.... 57, 141, 228, 309

صاحب الحاشیة................... 383

صاحب الفصول 142, 271, 272, 273, 293, 375, 382, 400, 401, 402, 405

صاحب المدارک.................. 303

صاحب المعالم 178, 183, 340, 381, 417

صاحب الوسائل................... 57

صاحب هدایة المسترشدین.... 291, 413

الصدوق.......................... 58

ع)

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْیرِی.......... 159

عبدالله بن سنان..................... 47

العضدی......................... 419

العلّامة الحلی...................... 145

العلامة الشیرازی................. 391

العلامة الصافی الإصفهانی.......... 357

علم الهدی....................... 417

عمر بن یزید....................... 47

العمری.................... 159, 160

ف)

الفاضل التونی.................... 119

ک)

الکلینی................... 56, 62, 159

م)

المحدث النوری................. 53, 62

المحقّق الأردبیلی............. 303, 326

المحقّق الإصفهانی 20, 28, 29, 30, 34,

ص: 486

41, 42, 43, 46, 48, 52, 63, 74, 79, 80, 84, 85, 86, 96, 111, 124, 125, 126, 127, 128, 130, 131, 155, 165, 166, 169, 171, 196, 197, 198, 199, 228, 234, 240, 241, 242, 243, 246, 250, 273, 278, 282, 294, 332, 334, 335, 337, 344, 345, 346, 350, 351, 359, 361, 376, 385, 386, 387, 388, 389, 390, 391, 400, 403, 408, 409, 410, 412, 416, 421, 424, 432, 434

المحقّق الإیروانی 97, 101, 346, 348, 349

المحقّق البروجردی.................. 24

المحقّق الثانی....................... 57

المحقّق الحائری..................... 42

المحقق الخراسانی 20, 22, 23, 26, 28, 30, 41, 44, 46, 69, 75, 77, 80, 81, 96, 97, 109, 110, 113, 115, 116, 128, 130, 131, 153, 155, 161, 169, 171, 195, 196, 197, 199, 200, 201, 202, 206, 207, 214, 215, 220, 223, 224, 228, 233, 234, 235, 236, 237, 239, 240, 244, 245, 251, 255, 256, 264, 265, 272, 273, 277, 278, 280, 281, 293, 331, 332, 343, 344, 346, 347, 348, 349, 350, 351, 363, 365, 367, 370, 371, 373, 375, 384, 385, 392, 395, 400, 401, 402, 404, 415, 427, 428, 431, 432, 433, 437, 440, 441, 446, 451

المحقّق الخوئی 23, 24, 28, 30, 32, 34, 48, 62, 63, 75, 76, 86, 91, 93, 94, 96, 97, 100, 109, 121, 128, 130, 167, 170, 171, 177, 178, 179, 186, 195, 196, 198, 202, 205, 206, 215, 226, 228, 235, 244, 246, 247, 251, 252, 255, 257, 258, 260, 261, 262, 265, 266, 273, 274, 286, 287, 288, 289, 296, 297, 298, 300, 301, 305, 308, 309, 311, 314, 315, 319, 320, 321, 323, 324, 327, 335, 339, 340, 350, 354, 356, 362, 364, 365, 366, 368, 370, 372, 373, 378, 384, 387, 389, 390, 392, 393, 394, 395,

ص: 487

397, 400, 402, 403, 405, 413, 414, 416, 422, 425, 434, 435, 437, 438, 440, 441, 444, 445, 447, 453

المحقّق الطوسی............ 57, 60, 234

المحقّق العراقی 22, 87, 88, 96, 97, 196, 197, 204, 220, 240, 400, 411, 423

المحقّق الفشارکی.................. 276

المحقّق القمی..... 289, 290, 375, 421

المحقّق النائینی 24, 45, 87, 96, 115, 141, 167, 168, 178, 196, 215, 223, 225, 228, 238, 241, 243, 249, 255, 257, 259, 262, 265, 285, 295, 296, 297, 299, 304, 306, 314, 326, 335, 338, 352, 353, 354, 355, 358, 363, 365, 366, 367, 370, 383, 384, 390, 392, 413, 415, 420, 452, 453

المحقّق النراقی............... 216, 228

المحقّق النهاوندی................. 276

مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْیرِی........... 159

مُحَمَّدِ بْنِ یحْیی..................... 159

المفید............................ 362

ن)

النجاشی........................... 59

و)

الوحید البهبهانی.................... 57

ه)

هشام بن سالم................... 49, 50

ص: 488

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.